نحن قريبون من تكوين أطفال رضع باستخدام خلايا الدم، علماء يابانيون يحققون خطوة كبيرة في القضاء على العقم
حقَّق علماء في اليابان مؤخراً تقدماً في سعيهم إلى القضاء على العقم، عندما قاموا بتخليق بويضة بشرية من خلايا أولية داخل طبق مختبر، وقد بدأوا بتخليقها من لا شيء سوى خلايا دم من امرأة.
يُمثِّل البحث خطوةً هامة نحو ما يقول عنه علماء التكنولوجيا إنه "سيغير موازين العالم"، وهي إمكانية تغيير عملية التكاثر.
لم تكن الخلية الجنسية الأولية التي خلَّقها العلماء بويضة ناضجة، ولا يُمكن تلقيحها كي تتحول إلى مُضغَة، حسب موقع Science Alert الأسترالي العلمي
تغيير طريقة التكاثر للقضاء على العقم
لكن الباحثين تمكنوا من تخليق بويضات بالفعل من خلايا ذيل مأخوذة من فئران، وخصَّبوها لإنتاج فئران رضيعة، لذلك يقول العلماء الذين لم يشاركوا في البحث، إنَّ البحث يسير في الاتجاه الصحيح الذي سيؤدي يوماً ما إلى صناعة بشر بطريقة "تكوين الأمشاج في المختبر" ويُمكن من خلالها تخليق بويضات وحيوانات منوية في المختبر.
قال إيلي أداشي، عميد كلية الطب السابق وأستاذ العلوم الطبية في جامعة براون بأميركا، الذي لم يشارك في الدراسة: "إنَّ الوصول إلى تخليق ناجح لخلايا مطابقة لتلك الموجودة في البشر هو مسألة وقت لا أكثر. نحن لم نصل إلى ذلك بعد، ولكن لا يُمكن إنكار أنَّ إنجاز هؤلاء العلماء هو بمثابة خطوة هائلة نحو تحقيقه".
"أتعرف؟ هذا المجال يتقدم"
وأضاف: "وبالنظر لمدى صعوبة تطبيق ذلك على خلايا بشرية، فقد أدت هذه الدراسة الجديدة إلى إزالة الجمود بطريقة ما. عندما رأيت هذا، قلت لنفسي (أتعرف؟ هذا المجال يتقدم)".
ظلَّ العلماء يعملون لسنوات من أجل تسخير الإمكانات التجديدية للخلايا الجذعية لأهداف مختلفة، آملين أن يتمكنوا من استخدامها في تجديد عضلة القلب أو خلايا المخ المفقودة بسبب مرض باركنسون.
ويُعد الاكتشاف، الذي حدث قبل أكثر من عقد من الزمن، والذي يتمثل في أنَّ خلايا الجلد والدم العادية يُمكن أن تتحول عن طريق إعادة برمجتها إلى خلايا جذعية قادرة على النمو، لتتحول إلى أي نوعٍ من الأنسجة الموجودة في الجسم، يعد واحداً من أكثر الاكتشافات تميزاً وإثارة في مجال الأبحاث الطبية الحيوية.
عمل ميتينوري سايتو، وهو باحث في مجال الخلايا الجذعية بجامعة كيوتو اليابانية، والمسؤول عن الدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة Science Alert، لسنوات من أجل تطبيق هذا النهج لإنتاج بويضات وحيوانات منوية.
تخليق بويضة بشرية من خلايا دم أولية داخل مختبر
وفي التجربة الجديدة، تمكن من تخليق خلايا جذعية من خلايا دم بشرية، ومن ثم وجَّهها لتنمو إلى خلايا جنسية "أولية" مثل تلك التي تتكون في مرحلة مبكرة جداً من تطور البويضة.
وتمكَّن فريقه من الإبقاء على الخلايا حية لأربعة أشهر، عن طريق وضعها في طبق مع خلايا لمبيض فأرة. ونمت الخلايا وتحولت إلى خلايا سليفات البيوض، وهي خلايا أولية للبويضة الناضجة التي تظهر خلال الثُّلث الأول من الحمل.
قال هنري غريلي، مدير مركز القانون والعلوم الحيوية في جامعة ستانفورد، ومؤلف كتاب "نهاية الجنس ومستقبل التكاثر البشري The End of Sex and the Future of Human Reproduction": "أعتقد أنَّ هذه خطوة هامة، لكنَّها واحدة من العديد من الخطوات التي سيكون تحقيقها ضرورياً قبل أن نستطيع الاستفادة من البويضات والحيوانات المنوية التي نمت من خلايا جذعية".
وأضاف: "لقد وصلوا إلى أبعد مما وصل إليه أحدٌ قبلهم فيما يتعلق بالبويضات، لكنَّ ما تمكنوا من تخليقه لا يعتبر بويضة حقيقية بعد".
يعتقد العديد من العلماء أن الأمر يتعلق بمسألة "متى"، سيكون بمقدور العلماء تخليق بويضة ناضجة، وليس ما إذا كان ذلك ممكناً، وسيصاحب ذلك عدد كبير من الأسئلة الأساسية المتعلقة بالأمان، والأسئلة الأخلاقية الأخرى المُحيّرة للعقل.
وأشار توشي شيودا، المتخصص في علم أحياء الخلايا الجذعية في كلية الطب بجامعة هارفارد، إلى أنه حتى بعد التغلب على التحديات التقنية، فإن أحد الشواغل الرئيسية سيتمثل في احتمال الإصابة بأمراض السرطان أو الأمراض الأخرى التي يُمكن أن تصيب أي رضيع يُخلَّق من مثل هذه البويضات.
سيناريوهات مختلفة قد تقلب الموازين أو تسبب صداماً غير متوقع
إذا وجدت هذه الأسئلة المتعلقة بالأمان إجابةً، فإن الأسئلة المجتمعية والأخلاقية سوف تبدأ في التزايد. هل يمكن لشخص ما – دون أن يعلم- أن يصبح والداً دون أخذ الإذن منه، في حال تمكن شخص ما من تخليق خلايا جنسية من أخذ عينة من خلايا خده؟
هل يمكن إعادة الساعات البيولوجية للنساء إلى الوراء أو إزالتها إذا انتهت الحاجة إلى حصاد البويضات؟ هل ستجعل سهولة تخليق العديد من البويضات عملية الإخصاب في المختبر اعتيادية بشكل أكبر؟
وهل يمكن لسهولة تخلق البويضات، بدورها، السماح للوالدين بمراقبة الأمراض الوراثية بشكل أكثر انتظاماً؟
يقول العلماء إن الوقت قد حان للبدء في مناقشة هذه السيناريوهات، وتثقيف الجمهور عنها والتحدث عن الرقابة.
قال أداشي: "في الوقت الذي نرى فيه البحث الجديد القادم… لن يكون هذا هو الوقت الأمثل لمناقشة كل هذه الأمور. سيكون هناك رد فعل سلبي محتمل، وإجراءات معادية، قد تقف وراءها العديد من الأشياء، مثل الاعتبارات السياسية والدينية وغيرها، التي من شأنها أن توقف تقدم هذه التكنولوجيا". وأضاف أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تؤدي إلى "قلب الموازين" ويُمكن أن تكون بمثابة أكبر طفرة حدثت في التكاثر البشري منذ تطوير تقنيات التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب.
في نفس الوقت، قال شيودا إنه سيكون هناك تطبيقات مباشرة لهذه التكنولوجيا في وقت أقرب بكثير من أي ثورة بعيدة الحدوث في الإنجاب.
ما هي تطبيقات التكنولوجيا الجديدة؟
إذا ما تمكَّن الباحثون من تخليق أعداد كبيرة من الخلايا الجنسية النامية، فيمكنهم بشكل منهجي اختبار وفهم كيفية تأثير الأدوية أو التعرض للعوامل البيئية المختلفة على تلك البويضات.
كما يُمكن للعلماء أن يفهموا بشكل أفضل كيف يؤثر العلاج الكيميائي أو المواد الكيميائية السامة أو الإشعاعات الصادرة عن محطات توليد الطاقة على الخلايا الجنسية.
قال سايتو إن هدفه التالي هو تطوير طريقة لجعل الخلايا السلفية تتقدم أكثر في نموها، ربما عن طريق تصنيع خلايا مبيضية جنينية من البشر بدلاً من الفئران.
وعلى الرغم أن البحث يطرح الكثير من الأسئلة الأخلاقية، فإن التلقيح الصناعي كان مثيراً للجدل عندما طُور لأول مرة كذلك.
يقول العلماء الذين يعملون في هذا المجال إنهم يتلقون رسائل متكررة عبر البريد الإلكتروني، من أشخاص لا يستطيعون إنجاب الأطفال، ويتمنون لو أن هذه التكنولوجيا كانت جاهزة بالفعل.
قال غريلي: "إذا استطعنا القيام بذلك، وإذا نجح هذا الأمر وتضمَّن عوامل الأمان الضرورية، فإن مئات الآلاف أو الملايين من الأزواج في الولايات المتحدة يُمكن أن يكون لديهم أطفال مرتبطون بهم وراثياً، بالرغم من أنهم لا يستطيعون ذلك في الوقت الراهن".
وأضاف: "لا يوجد سبب واضح يشير إلى أن هذا الأمر لن ينجح، ولكن الشيء الأساسي الذي تعلَّمته عن علم الأحياء هو أنه يمتلك طريقة خاصة لإثارة دهشتنا".