عودة ترزي النساء في مصر.. انتعاش سوق الخياطين في مصر مع ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة

الزبائن يتفقدون البضائع ويخرجون سريعاً مصدومين من الأسعار، لكنهم وجدوا حلولًا أخرى!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/20 الساعة 15:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/20 الساعة 15:23 بتوقيت غرينتش

لسنوات استغنت زينب، البالغة من العمر (55 عاماً) عن الذهاب للخياط لتفصيل ملابسها، إذ راجت الملابس الجاهزة في الأسواق بأسعار ومستويات تناسب الجميع تقريباً، لكن الأم لثلاثة أبناء عادت لمقصّ الخياط مجدداً، مع ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة، والأزمة الاقتصادية في البلاد.

وتعاني الطبقات الوسطى والفقيرة في مصر في العامين الأخيرين من ارتفاع حادٍّ في أسعار جميع السلع والخدمات، منذ بدأت الحكومة المصرية تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي منذ 2016 ولمدة ثلاث سنوات، شمل تحرير سعر الصرف، وخفض دعم الطاقة والمياه سنوياً.

وكانت زينب -التي فضَّلت إعطاء اسمها الأول فقط- لسنوات طويلة زبونة لدى خياط في حي وسط البلد، قبل أن تروج الملابس الجاهزة، ويندثر قطاع التفصيل في مصر إلى حد كبير.

وأوضحت "مع غزو الملابس الجاهزة للسوق في منتصف التسعينات ابتعدنا تماماً عن الخياطين، لسنوات كنت أذهب للمحلات يوم الجمعة لشراء الملابس، مجرد دقائق وينتهي الأمر".

لكن "الأوضاع الاقتصادية المتدهورة حالياً، وارتفاع تكلفة المعيشة" كما تقول  ربة المنزل المحجبة أعادتها لماكينة التفصيل لدى الخياطين.

وقالت الأم التي كانت ترتدي عباءة سماوية فصّلتها عند خياط شاب: "حالياً طبعاً الأسعار (للملابس الجاهزة) غالية جداً. عند الخياط يمكنني تفصيل قطعتين بسعر قطعة واحدة من الملابس الجاهزة".

وتابعت زينب أن "الميزة الكبيرة في التفصيل هي السعر المنخفض بالطبع، ونوعية القماش الممكن استخدامها لأي موديل أفضله".

أما الطالبة الجامعية في كلية التجارة، نور مصطفى (23 عاماً) فتؤكد أن أسعار أسعار الملابس الجاهزة "أصبحت باهظة جداً بشكل لا يمكن تحمله".

وتسترجع مصطفى أنها "وجدت معطفاً، في فرع متجر ملابس ماركة عالمية بحوالي 950 جنيهاً (حوالي 53 دولاراً)، ولكنني صممته ونفذته عند الترزي بنصف الثمن".

وتابعت بسعادة: "في الحقيقة نفَّذت معطفين بلونين مختلفين بجودة عالية، بثمن معطف واحد فقط من المتاح في السوق".

وأضافت: "الآن أفاضل بين ما يمكنني شراؤه وما يمكنني تصميمه وتنفيذه عند الخياط. فلا يمكن التنازل كلية عن الملابس الجاهزة، لكن التفصيل يعطيني مساحة أكبر لشراء عدد أكبر من القطع بأسعار أقل".

كساد في سوق الملابس

وتشكو كثير من النساء في مصر من ارتفاع أسعار الملابس، وعدم قدرتهن على شراء الملابس، ما أدى إلى كساد كبير في قطاع الملابس في البلاد، حسب ما تشير المعلومات الرسمية.

وفي تصريحات صحافية، في يونيو/حزيران الفائت، قال رئيس الشعبة العامة للملابس بالغرفة التجارية في مصر، يحيى زنانيري: "إن السوق تعاني من حالة ركود شديدة، وتراجعت معدلات الشراء بنسبة 35% عن العام الماضي".

وقال إن "ارتفاع الأسعار هذا العام لم يتجاوز 10% بسبب التضخم وأسباب أخرى مرتبطة بالعملية التجارية، مقابل ارتفاع نحو 10% العام الفائت، بسبب تحرير سعر الصرف" في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

وبداية سبتمبر/أيلول، أفاد البنك المركزي المصري بأن معدل التضخم الأساسي ارتفع بنحو طفيف، خلال أغسطس/آب الماضي، ليصل إلى 8.83% على أساس سنوي، من 8.54% في يوليو/تموز.

"القمصان والبلوزات الجاهزة لا تقل عن 300 جنيه (17 دولاراً) على الأقل، لكن التفصيل وبعد شراء مترين من القماش راقي المستوى، ثم إضافة ثمن التصميم قد تصل إلى 200 جنيه (11 دولاراً). وهو ما يعني توفير 100 جنيه  (6 دولارات) في القطعة الواحدة".

المصريون يفكرون كثيرًا الآن قبل دخول محال الملابس الجاهزة للشراء بسبب أسعارها المرتفعة
المصريون يفكرون كثيرًا الآن قبل دخول محال الملابس الجاهزة للشراء بسبب أسعارها المرتفعة

وهو ما قد يعطي تفسيراً للكساد الذي ضرب سوق الملابس في مصر أخيراً.

وقال علي منصور، الذي كان يمتلك محلاً للملابس في حي الدقي، وأغلقه قبل عدة شهور: "الوضع أسوأ مما تتخيل، قرَّرت أن أغلق المحل لأن مصاريف المحل الشهرية أصبحت أكثر من إيراداته لعدة شهور متتالية".

وتابع بأسى: "الزبائن يدخلون المحل، يشاهدون البضائع ويخرجون سريعاً مصدومين من الأسعار".

لكنه برَّر ذلك: "الجنيه انهار، وما كان يساوي 100 جنيه أصبح يساوي 300، نحن لا نغالي في الأسعار من تلقاء أنفسنا، السوق تحكمنا".

 تنوع أكبر مصحوب بمساوئ جديدة

ويمنح اللجوء للخياطين النساء مساحة ابتكار أكبر أيضاً.

وتقول الأم زينب، إن "التفصيل عند الخياط يعطيني حرية ومساحة تنوع أكبر، يمكنني أن أنفّذ بنفسي أشياء معينة وتناسبني".

وقالت المصرفية الشابة مها، التي اكتفت بإعطاء اسمها الأول: "أتعامل مع خياط في المهندسين منذ عدة سنوات، الأمر مريح جداً، بعيداً عن التوفير".

وأضافت الشابة المحجبة البالغة 26 عاماً: "أحياناً تكون لديّ أفكار معينة أريد تصميمها، فأهرع إلى الترزي لتنفيذها، خصوصاً فساتين السهرة".

لكنها تدرك أن هناك مساوئ أيضاً.

وتقول الخمسينية زينب: "التفصيل لا يعطي نفس التطريز النهائي للجاهز، الكثير من الخياطين لا يهتمون بجودة إنهاء الملابس، الجاهز أفضل كثيراً، الخياطون يهتمون بالكَم وليس الكيف".

وهو ما وافقت عليه الطالبة نور، بقولها إن "التطريز النهائي قد يكون ليس بنفس مستوى الجاهز".

ملاذ المحجبات

وتشكو الطالبة نور، المحجبة منذ نحو 10 سنوات، من أن الملابس في السوق لم تعد تناسب أنني محجبة، وهي شكوى أبدتها عدة سيدات تحدثنا معهن.

وقالت نور، التي كانت ترتدي قميصاً تتداخل ألوانه السوداء والحمراء فصّلته عند الخياط، بضيق: "معظم الملابس المتاحة في الأسواق لم تعد تُناسب المحجبات، البانطلونات معظمها تحاكي الموضة، وتتضمن قطعاً من عند منطقة الركبة، وموضة الأكتاف الساقطة في كل المحال. وهذا لا يناسبني بالطبع".

وتابعت: "اضطررت أن أحاكي أحدث صيحات الموضة، ولكن بشكل يناسب المحجبات، وهو ما يوفره لي التعامل مع الترزي الحريمي".

ويمكن تتبع الأمر بسهولة فيما يتعلق بفساتين السهرة.

تبدأ أسعار الفساتين الجاهزة جيدة المستوى في مصر بـ4000 جنيه (224 دولاراً)، وهو سعر مرتفع بالنسبة لدخول أغلبية المصريين.

وتقول أسماء جمال (22 عاماً)، التي تضع بفخر صورتها وهي ترتدي فستاناً للسهرة أرزق اللون كصورة تعريفها على موقع فيسوك: "مع ارتفاع الأسعار أصبحت الفساتين المناسبة للسهرة تبدأ من 4000 إلى 10000 جنيه. وهي أسعار مبالغ فيها جداً وفوق قدراتنا".

وتابعت بابتسامة كبيرة على وجهها: "لكن سعر تفصيل الفستان يتراوح ما بين  800 إلى 1500 جنيه فقط".

وتابعت أسماء التي تتعامل مع خياط منذ 13 عاماً: "أعرف بنات كثيرات يلجأن حالياً للتفصيل، سواء محجبات أو غير محجبات، بسبب غلاء الأسعار وعدم وجود ما يناسبهم من أذواق".

وذكرت جمال أن الخياط الخاص بها كان رجلاً بسيطاً جداً، وما لبث أن اغتنى لاحقاً بسبب ازدياد الطلب عليه أخيراً، وتخصصه في فساتين السهرة.

وقالت ضاحكة: "الخياط الخاص بي اغتنى بعد تزايد أسعار الملابس الجاهزة ولجوء الناس للتفصيل، حيث أصبحت مهنة مربحة جداً، وأصبحت لديه فيلا في التجمع الخامس"، في إشارة للحي الراقي في شرقي القاهرة.

ورفض خياطان متخصّصان في ملابس النساء التحدث في عودة رواج عملهم وإعطاء تفاصيل، متحججين بضيق الوقت المتاح أمامهم خلال اليوم.

وفي حي القلعة في جنوبي القاهرة، قال خياط، فضَّل عدم ذكر اسمه: "مررنا بأوقات صعبة أثناء رواج الملابس الجاهزة. المهنة كانت شبه انتهت، التفصيل، وهو مصدر رزقنا الحقيقي شبه توقف".

وتابع: "كان عملنا منصباً على تضييق أو توسيع الملابس الجاهزة المستخدمة للزبائن، وهو ما لا يمثل مصدر دخل كبير".

لكنه أكد أنه "منذ 3 أو 4 أعوام أصبح الوضع مختلفاً تماماً. الزبائن عادوا للتفصيل، والمحل يعمل لأكثر من 15 ساعة يومياً"، مشيراً إلى كومة من الحقائب البلاستيكية المتراصّة فوق بعضها البعض، وتخصُّ زبائن لم يتسلموا ملابسهم بعد.

وضع اقتصادي صعب

وقفز معدل التضخم في مصر بعد أن حرَّر البنك المركزي المصري سعر صرف عملته، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ليبلغ مستوى قياسياً مرتفعاً، في يوليو/تموز 2017، بفعل تخفيضات دعم الطاقة، لكنه انحسر تدريجياً منذ ذلك الحين.

ورفعت مصر أسعار المحروقات كافة، بنسبة تصل إلى 50%، في 16 يونيو/حزيران الفائت، للمرة الثالثة في ثلاثة أعوام. كما رفعت من أسعار تعريفة التيار الكهربائي بنسبة 26.6% في المتوسط، ما زاد من الأعباء الواقعة على كاهل الأسر المصرية.

الأوضاع الاقتصادية في مصر ازدادت سوءا خلال السنوات الأخيرة الماضية بشكل غير مسبوق
الأوضاع الاقتصادية في مصر ازدادت سوءا خلال السنوات الأخيرة الماضية بشكل غير مسبوق

ما اضطر أسراً كثيرة للاستغناء عن أساسيات أخرى، ومنها شراء الملابس الجديدة، فيما اضطرت أسر أخرى لشراء الملابس المستعملة للمرة الأولى.

ولتخفيف عبء برنامج الإصلاح على محدودي الدخل، اتَّخذت السلطات المصرية عدداً من الإجراءات الاجتماعية للعام الثاني على التوالي، شملت زيادة الأجور والمرتبات، ورفع حدّ الإعفاء الضريبي، وتطبيق علاوات استثنائية، ورفع المعاشات.

وتقول نور بحسرة "تخيّل أن الألف جنيه (56 دولاراً) لم تعد كافية لشراء ملابس جيدة للتدفئة، أنت بحاجة إلى 1500 على الأقل".

"أنا استخدمت الـ1500 (84 دولاراً) لتصميم معطفين وسترة عند الترزي".

علامات:
تحميل المزيد