في الحي القديم لمدينة مراكش، جنوب المغرب، يجد الزائر نفسه في شبكة من الأزقة الضيقة الصاخبة، وفجأة يصبح داخل ساحة تعج بالسحرة ومروّضي الثعابين ونساء مختصات في النقش بالحناء، حيث يمتزج صخب الفرق الموسيقية الشعبية بروائح المتاجر التي تبيع أصنافاً متنوعة من التوابل والفخار والمنسوجات والوجبات الشعبية اللذيذة.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت مراكش تضج أيضاً بأصوات أكثر حداثة: همهمة مركبات البناء التي تبني سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفخمة لاستيعاب أعداد السياح المتزايدة.
لطالما كانت مراكش متنفساً في عطلة نهاية الأسبوع للمغاربة الأثرياء من الدار البيضاء والعاصمة الرباط. لكن دُفعة من الزوار الأثرياء من أنحاء العالم ساعدت في زيادة انتعاش قطاع الأبنية الراقية وجذب الاهتمام العالمي إلى "المدينة الحمراء"، التي سميت بهذا الاسم بسبب مبانيها ذات اللون الورديّ.
في أوائل شهر أغسطس/آب، احتفلت المغنية مادونا بعيد ميلادها الستين في مراكش ووثقت الاحتفالات على تويتر.
ازداد عدد الأميركيين ومعهم المشاريع العملاقة
زار أكثر من 11 مليون شخص المغرب عام 2017، بزيادة قدرها 10% عن العام السابق، وفقاً لبيانات وزارة السياحة المغربية. وتزداد أعداد السياح الأميركيين بوتيرة أسرع. ففي العام الماضي زار أكثر من 254 ألف أميركي المغرب، بزيادة قدرها 29% عن عام 2016، و81% عن عام 2012.
وكان لزيادة عدد الرحلات الجوية وتسهيل قوانين الحصول على تأشيرة والجهود المتضافرة التي تبذلها المملكة المغربية لتحديث البنية التحتية وتحسين إجراءات السلامة دور في ذلك. ومع ازدياد أعداد الزوار إلى المغرب تحاول مراكش الظهور بُحلَّة جديدة لجذب حصتها من السياح، الذين يقيمون في المتوسط ثلاث ليال.
أليكسيس راينود، مدير التحرير لدى شركة Oxford Business Group للأبحاث والاستشارات، يقول إن أحد أهم التحديات التي يواجهها قطاع السياحة في مراكش هو زيادة مدة الإقامة، إذ بدأت الفنادق والمنتجعات الراقية بتقديم ما هو أكثر بكثير من مجرد الإقامة الفاخرة لتشجيع الناس على البقاء لفترة أطول.
ومن بين الشركات الرائدة في تلك المشروعات الجديدة شركة M Avenue وتتولى تنفيذ مشروع متعدد الاستخدامات بقيمة 100 مليون دولار يعرف باسم ساحة الحدائق Garden Avenue لأنه سيضم حوالي 10,033.5283 متر مربع من الحدائق ومناطق طبيعية إلى جانب 17,001.2563 متر مربع من المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي والمعارض. سوف تشمل أماكن الإقامة فندقاً يضم 168 غرفة من شركة الفنادق البرتغالية Pestana و88 وحدة سكنية خاصة من Four Seasons.
نبيل سليتين، الرئيس التنفيذي لشركة M Avenue Development، الذي ساعد عام 2011 في افتتاح منتجع Four Seasons Resort، أحد أول الفنادق العالمية في المدينة يؤكد أنهم يطمحون إلى إنشاء مركز مدينة جديد.
وقال بول وايت، رئيس شركة Four Seasons للفنادق والمنتجعات، إنه يرغب في أن تتسع مساحة أعمال الشركة في مراكش. وتتيح M Avenue القريبة من المطار ومركز مؤتمرات Palais de Congrès "إمكانية الوصول إلى المعالم السياحية في المدينة، بما في ذلك حي المدينة وحدائق المنارة، وهي أيضاً بمثابة نقطة انطلاق مناسبة لبدء جولة في المنطقة المحيطة، تشمل جبال الأطلس". كما قال سليتين.
وفي الجوار، يقبع فندق W الذي لا يزال قيد الإنشاء، وفندق Ritz-Carlton المقرر افتتاحه عام 2022، كما يجري بناء فندق Park Hyatt وسط مجمع غولف ومجمع للبيع بالتقسيط تكلفته 450 مليون دولار ويعرف باسم Marrakech Golf City، وتقرر افتتاحه عام 2024.
ورغم الانتعاش السياحي تستمر العراقيل
لكن حتى مع زيادة الطلب، حالت عدة عقبات دون تنفيذ هذه المشاريع. فقد أثار عدم الاستقرار في بلدان شمال إفريقيا الأخرى مثل مصر وتونس قلق المستثمرين الأوائل، كما أن ندرة الأراضي الصالحة للاستعمال في مراكش تكلف مشاريع العقارات الضخمة أثمان باهظة.
لقد تم تعمير مساحة كبيرة من مراكش بالفعل، وهناك مناطق أخرى لا تصلح إلا للزراعة بسبب أنظمة الري القائمة. ومن المعروف أنَّه بمجرد وفاة صاحب الأرض يتقسم ملكيتها بين ورثته الأحياء، وهو الأمر الذي يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة للمشتغلين بالبناء.
يقول راينود: "إذا أردت شراء قطعة كبيرة من الأرض عليك أن تتحدث مع العديد من المعنيِّين بهذا الأمر، وإقناعهم جميعاً ببيع أراضيهم وهو أمر ربما يكون مصدراً لمشكلات لا تنتهي".
في حالة M Avenue، كان نصف الموقع شاغراً وكان النصف الآخر يشغله مركز للإدارة والبحوث الزراعية. استغرق الأمر 4 سنوات للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة المغربية وإنشاء مبنى للموظفين في أماكن أخرى من المدينة، كما يشرح سليتين.
ولكن الآن، مع اكتمال 65% من المباني، من المقرر أن تفتتح M Avenue منشآتها في الموعد الذي قررته في أواخر عام 2019.
وتحاول الحكومة إيجاد الحلول
بذلت الحكومة جهوداً كبيرة للنهوض بالبلاد وبمراكش على وجه الخصوص. وساعد إنشاء قسم جديد للشرطة مختصٍ بقطاع السياحة في الحد من السرقة والعنف والاتجار بالمخدرات لجعل المدينة أكثر أماناً للسياح.
وقامت الحكومة بتحديث البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء محطة قطار مركزية جديدة عام 2008. وفي أواخر عام 2016، أُضيفت صالة وصول جديدة إلى المطار الدولي في مراكش.
يتوافد الزوار من رجال الأعمال أيضاً بأعداد أكبر إلى مراكش، بفضل إقامة المزيد من المؤتمرات الدولية مثل الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف، أو COP22، وهو مؤتمر انعقد لمناقشة التغير المناخي عام 2016.
كما أدى تيسير إجراءات الحصول على التأشيرة لمواطني بعض الدول إلى تعزيز السياحة. وفي يونيو/حزيران 2016، أعفى المغرب المواطنين الصينيين من شرط الحصول على التأشيرة. وفي عام 2017، جاء 118 ألف زائر من الصين، بزيادة 1,022% عن عام 2015.
وتنوع المدينة من العروض التي تقدم
وللاستفادة من هذه الزيادة، تزيد مراكش من حجم العروض التي تقدمها. ويتدفق الزوار بالفعل إلى المدينة لاستكشاف العديد من الحدائق السرية، وللاسترخاء في حمامات البخار المغربية التقليدية التي تسمى الحمامات، وللتجوّل في الأسواق. وتزخر أزقة هذه الأسواق وشوارعها الضيقة بمحلات تجارية تبيع مجموعة واسعة من المنتجات، مثل سجاد الأمازيغ المزخرف، وأواني الطهي "الطاجين" المطلية يدوياً، والتمر والمكسرات وغيرها من الفواكه.
وتصوِّر مراكش نفسها أيضاً وجهة فنية معاصرة. فقد عرف عن مصمم الأزياء الفرنسي إيف سان لوران أنّه كان يقضي وقته في مراكش في الستينيات من القرن العشرين، وفي أواخر عام 2017، افتُتح متحف إيف سان لوران بالقرب من أحد مقار الإقامة السابقة له والموجودة بالقرب من حديقة ماجوريل، التي صممها الرسام الفرنسي جاك ماجوريل، وتحتوي على 2.5 فدان من الحدائق التي تضم مئات الأنواع من النباتات، ومجاري وبركاً مائية مذهلة، ومباني من الكوبالت زرقاء فاقعاً لونها، ما يجعلها واحدة من أكبر مناطق الجذب السياحي في مراكش.
ويضيف راينود: "إن المتاحف والفنون الراقية تساعد على جذب المسافرين الأثرياء، كما يمكن للسياح زيارة المعارض الفنية وشراء الأعمال الفنية بأسعار معقولة مقارنة بلندن ونيويورك وباريس".
ولجذب المزيد من اهتمام مجتمع الفن العالمي، أُعيد افتتاح متحف الفن الإفريقي المعاصر، أول متحف من نوعه في إفريقيا لا يهدف للربح، في فبراير/شباط، بالتزامن مع إقامة معرض الفن الإفريقي المعاصر 1-54، الذي أقيم في لندن، وفي نيويورك، والآن في مراكش.
كما ستثري M Avenue العروض الثقافية في المدينة بصالات العرض الجديدة، لعرض أعمال الفنانين المشهورين والناشئين من المغرب وخارجه. ومن المخطط أيضاً أن يكون M Bab مسرحاً ومركزاً ثقافياً للوسائط المتعددة التفاعلية مساحته 2972.89728 متر مربع. وستديره الشركة الفرنسية Cultival، المسؤولة عن تقديم برامج لبرج إيفل ودار الأوبرا في باريس.
وسيضفي فندق Pestana CR7 الذي تخطط لإقامته شركة M Avenue لمسة برتغالية كذلك. ويستهدف هذا المشروع المشترك بين أكبر سلسلة فنادق في البرتغال وكريستيانو رونالدو، نجم كرة القدم، جيل الألفية. قال رونالدو إنَّ مراكش قد جذبت انتباهه لإقامة أحدث فنادقه CR7 (سمي بذلك تيمناً برقم قميصه الرياضي) لأنها كانت "وجهة فريدة، مثيرة وعريقة، تتمتع بإمكانات سياحية هائلة".
وبالرغم من بيع 80% من مساكن Four Seasons فإنه يكفي أن نرى كيف يستوعب سوق العقارات الأوسع في مراكش جميع العقارات قيد الإنشاء.
في عام 2017، ارتفعت الأسعار الإجمالية للعقارات في مراكش بنسبة 5%، لكن حجم التداولات انخفض بنسبة 13%. قال راينود: "كانت الأسعار مرتفعة للغاية، وكان من الضروري أن يقل الطلب عليها. والفرصة الآن سانحة للشراء".
وعلى أية حال، مراكش الآن تختلف اختلافاً جذرياً عما كانت عليه قبل 5 سنوات، فلم تعد مجرد وجهة السياح.