يرسمون قلوباً وأسماء من يحبون.. «التاتو» في مصر موضة للعلاج النفسي

أكثر الرسومات المطلوبة من الزبائن، يقول إنها الأسماء بمعنى من أنجب فتاةً يريد أن يكتب اسمها على ذراعه، ومن يحب أحداً يريد كتابة اسمه أيضاً.

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/30 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/30 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش

كلما نظرت سالي حسن إلى يدها كانت ترى الجرح الذي فعلته بنفسها قبل نحو 4 أعوام خلال دراستها في المرحلة الثانوية، لكن كل ذلك تغير حين قررت أن تذهب إلى أحد المراكز التاتو في مصر ؛ لكي تضع وشماً يخفي معالم هذا الجرح ويساعدها في نسيان ما سببه لها من أزمات نفسية.

تقول سالي، وهو اسم مستعار طلبت استخدامه بدلاً من اسمها الحقيقي، إنها مرت بفترة مراهقة صعبة بسبب مشاكل أسرية وأصدقاء سوء ساهموا في وصولها إلى مرحلة أن تجرح نفسها بآلات حادة في يدها من أجل أن تشعر بألم جسدي ينسيها الألم النفسي.

وتضيف ابنة العشرين عاماً التي تدرس الآن في جامعة الإسكندرية، أنها استطاعت أن تجتاز تلك المرحلة بعد أن هدأت المشاكل الأسرية وابتعدت عن أصدقائها الذين ساهموا في وصولها إلى تلك الحالة، كما أن أسرتها سافرت إلى إحدى الدول الخليجية بسبب عمل والدها.

عادت سالي إلى مصر قبل دخول الجامعة، ولكن ظلت آثار الندبة التي في يدها تذكرها بالفترة العصيبة التي مرت بها، إلى أن شاهدت صوراً ومقاطع مصور عبر تطبيق "إنستغرام" لأحد المراكز المتخصصة في رسم التاتو.

أعجبتها الصور الموضوعة على الحساب، وذهبت إلى مقر المركز بعد اتصال هاتفي واختارت صورة لوشم عبارة عن كلمة (حياة) باللغة العربية، وطلبت رسمها.

يختارون التاتو لإخفاء الجروح القديمة
يختارون التاتو لإخفاء الجروح القديمة

تقول سالي إنها شعرت بألم خفيف في أثناء رسم الوشم جراء نغز الإبرة في جلد يدها، ولكن هذا الألم زال بمجرد أن شاهدت الكلمة على ذراعها ففرحت بها بشدة.

وتابعت: "كلما نظرت إلى يدي الآن وأرى كلمة حياة، أتمسك بالحياة أكثر"، وهي مشاعر متناقضة تماماً لما كانت تشعر به قبل ذلك.

زبائن جدد كل يوم

في مدينة الإسكندرية، وتحديداً بحي كفر عبده الراقي الذي يتميز بفيلاته ذات الطراز المعماري الفريد، زرنا استوديو متخصص في رسم الوشم، ذاع صيته مؤخراً بفضل صفحات التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك وإنستغرام.

يقول مالك الاستوديو ورسام الوشم "كوكو"، إنه مؤخراً بدأ يستقبل نوعيات جديدة من العملاء لم يعتدها من قبل يطلبون رسم أوشام لتساعدهم في العلاج من حالات اكتئاب تصيبهم.

يضيف "كوكو"، البالغ 29 عاماً، وهو اسم شهرته وطلب أن يُعرف به، أن أغلب زبائنه في بداية عمله كانوا من المسيحيين ويطلبون رسم الصليب العذراء والمسيح فقط، ولكن الآن أصبح أكثر من 80% من زبائنه من المسلمين بينهم محجبات.

80 في المائة من زبناء كوكو مسلمين
80 في المائة من زبناء كوكو مسلمين

"كوكو"، من مدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية نحو (150 كم شمال القاهرة)، سافر إلى مدينة شرم الشيخ قبل نحو 10 سنوات، وفيها تعلم رسم الوشم وأصبح لديه زبائن كثر، ولكنه ترك المدينة الساحلية بعد تراجع القطاع السياحي في مصر، إثر الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.

عاد كوكو إلى المحلة، لكنه لم يستطع أن يمارس مهنته؛ لأن مجتمع المحلة منغلق، فبار نشاطه ومصدر رزقه بسبب الوصمة الاجتماعية التي تلحق من يرسمون الأوشام.

ولكن بعد فترة، اتصل به أحد زبائنه من شرم الشيخ وطلب منه الحضور إلى الإسكندرية لرسم وشم، ومن هنا بدأ شهرته في عروس المتوسط.

تاتو للأغنياء.. وآخر للفقراء

يغلب اللون الأسود على استوديو "كوكو"، فالجدران مدهونة باللون الأسود وكذلك الستائر، ويفسر ذلك بأن "اللون الأسود على الحائط يعطي شعوراً بضيق المكان وهو ما يحبه العملاء؛ لأنه يحتويهم".

يجلس الزبائن في غرفة للانتظار، يتدلى من سقفها هيكل عظمي بحجم كبير ومجموعة من الجماجم بأحجام مختلفة، وعلى جدران الغرفة مكتوب باللغة الإنكليزية: "هل أستطيع أن ألعب معك لعبة؟" و"لا للمخدرات"، ويقول "كوكو" إن هذا الديكور يساعد العملاء على طرد مخاوفهم، كما أنه يلهيهم عن ألم الرسم.

 

يبدأ الموضوع بالاتصال هاتفياً على رقم الاستوديو، ويحدد موعداً للمقابلة، وفيها يتم اختيار الرسمة ومكانها في الجسم والهدف من الرسم، وأخيراً يحدد موعداً للرسم، وتستغرق الجلسة من ساعة إلى 5 ساعات، وأحياناً تصل إلى نهار يوم كامل، وتقسم الجلسة إلى ربع الوقت للرسم وثلاثة أرباع للحديث مع العميل في كل شيء، ما يساعده على الاستشفاء.

وعن تكلفة جلسة رسم الوشم، يقول "كوكو" إنه يبدأ سعر من 400 جنيه  (22 دولاراً)، ويصل بعض الأحيان إلى 8 آلاف (449 دولاراً)، و12 ألفاً (674 دولاراً)، فهذا السعر أقدره حسب مجهودي وتفاصيل الرسم وحجمه.

يبدأ سعر من 400 جنيه  (22 دولاراً)
يبدأ سعر من 400 جنيه (22 دولاراً)

لكن البسطاء أيضاً أصبح لهم سوق رائج في الإسكندرية أرخص ثمناً، وإن كان بمستوى أقل.

ويجلس شباب متحمسون جوار عربات خشبية صغيرة يتجمع حولهم فتيات وفتيان صغار يختارون أوشاماً معلقة على العربة. وتتراوح أسعار هذه الأوشام ما بين 50 جنيهاً و150 جنيهاً حسب الحجم وتفاصيل الرسمة.

ويقول شيكو، أحد الرسامين الشباب قرب شاطئ شارع خالد بن الوليد في قلب الإسكندرية: "نوفر رسومات جذابة للبسطاء بأقل الأسعار. نحاول إضافة بسمة للجميع".

وتابع: "حتى لو كان الوشم لن يستمر لاكثر من أسبوع واحد".

وقالت داليا التي كانت ترسم قلباً به حرف الميم، في إشارة إلى أول حرف من اسم خطيبها: "سعيدة جداً، ومتحمسة لسعادة خطيبي حين يرى اسمه على ذراعي".

بالنسبة لكوكو، فهو يشتري أدواته من خارج مصر عبر أصدقائه، فهي ليست متوافرة في مصر، كما أن الجمارك تعدم أي شحنة تحوي مواد تُستخدم في رسم الوشم.

أما أكثر الرسومات المطلوبة من الزبائن، يقول إنها الأسماء بمعنى من أنجب فتاةً يريد أن يكتب اسمها على ذراعه، ومن يحب أحداً يريد كتابة اسمه أيضاً.

تخليد ذكرى زوجة راحلة

الواقعة التي لا يستطيع "كوكو" نسيانها كانت في شهر رمضان، عندما جاء إلى عجوز سبعيني ومعه جهاز الرسم والإبرة الخاصة به، ويطلب منه رسم قلب كبير على ظهره ويكتب بداخله "تونة". يقول رسام التاتو إنه "ضحك في قرارة نفسه على الرجل، وقال في سره: من هذا المتصابي؟!".

الجمارك تعدم أي شحنة تحوي مواد تُستخدم في رسم الوشم
الجمارك تعدم أي شحنة تحوي مواد تُستخدم في رسم الوشم

ولكن عندما خلع الرجل قميصه ومدد جسده ليبدأ الرسم، بدأ يحكي عن زوجته (تونة) التي أصيبت بالسرطان قبل عدة أعوام، وظلت تتألم منه حتى وفاتها، في الوقت الذي لم يصب فيه الرجل ولو بالأنفلونزا؛ لذلك جاء لكي يخلد ذكراها على جسده.

في أثناء حديثنا مع "كوكو" داخل الاستوديو، دخلت فتاة يبدو أنها في أواخر العشرينيات أو بداية الثلاثينيات  طويلة القامة وترتدي قميصاً من دون أكمام وبنطالاً، تطلب رسم صليب بحجم أكبر على يدها؛ لكي تخفي آثار الصليب الذي رسمته في طفولتها داخل الكنيسة.

قالت الفتاة -التي طلبت عدم نشر اسمها- إنها أُجبرت وهي صغيرة على الذهاب إلى الكنيسة مع والديها؛ لكي ترسم صليباً على يدها، ولكنها لم تحب شكله، حتى قررت أن تأتي إلى الاستوديو وترسم آخر مكانه.

طلبت الفتاة أيضاً رسم وشم يعبر عن نوتة موسيقية خلف أذنها؛ لأنها تريد أن تتذكر الموسيقى التي تحبها وتعمل بها طول الوقت.


اقرأ أيضاً

تطاردهم شرطة الأخلاق وتعاقبهم أشد العقوبات.. أين يحصل الشباب الإيراني على وشومهم رغم تحريمها؟

علامات:
تحميل المزيد