هياكل الدواجن وعظامها.. لماذا أصبحت ضيفاً رئيسياً على موائد المصريين؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/16 الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/17 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
An Egyptian poultry seller waits for customers at the shanty area Zabaleen or "Garbage City", the poorest part of Cairo, where thousands of Copts make a living by recycling everything from plastic bottles, food remains, carton and metal on the Mokattam Hills in eastern Cairo, Egypt February 12, 2018. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh

أصبح تاجر الدواجن المصري محمود علاء يستقبل نوعيات جديدة من الزبائن، الذين تدهورت أوضاعهم الاقتصادية مؤخراً، فرَاجَ لديه بشدة بيع هياكل الطيور التي كان يلقيها في القمامة قبل سنين.

كان يلقي بالهياكل في القمامة، والآن يسأل عنها الزبائن

ويعمل علاء في مجال الدواجن منذ 20 عاماً، وكان دائماً ما يلقي بالهياكل في القمامة لعدم وجود زبائن، لكن بعد فترة بدأ يسأل عنها مجموعة من الزبائن من أصحاب الحيوانات كالقطط والكلاب، وكنا نبيعها لهم بالكيلو.

وهياكل الدواجن عبارة عن أجنحة ورقاب ورؤوس وأرجل وأحشاء، وما يتبقى من الدجاجة بعد بيع لحوم الصدر والأوراك للزبائن.

وتابع أن "الإقبال ازداد على الهياكل في السنة الأخيرة، بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني رغم تضاعف سعرها من 7 جنيهات للكيلو إلى نحو 18 جنيهاً الآن".

يتراوح سعر كيلو الهياكل ما بين 15 إلى 18 جنيهاً للكيلو، وهي مرتبطة بسعر الدواجن الذي ظلَّ يرتفع السنوات الأخيرة.

هياكل الدواجن أصبحت ضيفاً أساسياً على موائد قطاع كبير من المصريين
هياكل الدواجن أصبحت ضيفاً أساسياً على موائد قطاع كبير من المصريين

وارتفع سعر كيلو الدجاج في مصر ليتراوح ما بين 25 و26 جنيهاً، وتبعته زيادة في كرتونة البيض أيضاً، لتصل إلى نحو 38 جنيهاً قبل أيام من عيد الأضحى.

ويشرح علاء أن زبائن محله يعكسون التردي في الأوضاع الاقتصادية في مصر "مَن كان يشتري دجاجة كاملة أصبح الآن يشتري نصف دجاجة "وركين"، ومن كان يشتري وركين أصبح الآن يشتري هياكل، ومن كان يشتري الهياكل، لا يأتي للمحل الآن".

قديماً كان علاء يملأ محله بمختلف الطيور والحيوانات مثل الدجاج والبط والديك الرومي والأرانب، ولكن مؤخراً يعتمد فقط على الدجاج، أما الباقي فيأتي به بالطلب نظراً لاتفاع سعره.

ويضيف من بعد الثورة قبل 7 سنوات بدأ الزبائن من الفقراء يسألون عن الهياكل، عندما كان سعرها يتراوح ما بين 3 إلى 5 جنيهات.

فالرواتب لم تعد تكفي لحوم الدجاج!

مؤخراً بدأ الطلب يزداد على هياكل الدواجن بكل أنواعها: أجنحة أو أرجل أو ما يتبقى من الدجاجة بعد بيع لحم صدرها وأوراكها، حسب علاء الذي أكد أن "عائد بيع هياكل الدواجن في بعض الأيام يكون أكثر من الصدور والأوراك".

ورفعت مصر أيضاً أسعار المحروقات كافة، بنسبة تصل إلى 50%، في 16 يونيو/حزيران الفائت.

كما رفعت من أسعار تعريفة التيار الكهربائي بنسبة 26.6% في المتوسط، ما زاد من الأعباء الواقعة على كاهل الأسر المصرية.

تفحص السيدة أم مصطفى مجموعة من هياكل الدواجن الموضوعة على منضدة أمام محل لبيع الدواجن في منطقة شعبية بالعاصمة المصرية القاهرة، في محاولة لاختيار هيكل محمّل ببعض اللحوم، تعود به إلى أولادها لتصنع منه حساءً بدلاً من اللحوم والدواجن التي لا تقدر على ثمنها.

رويترز: فقراء مصر يجأرون بالشكوى والعبء يزيد على كاهلهم

أم مصطفى، السيدة الأربعينية التي اكتفت بذكر اسم ولدها وترتدي جلباباً أسود اللون وحذاءً مفتوحاً شبه بالٍ، كانت تسرع في فحص الهياكل قبل أن يلحظها صاحب المحل في حي إمبابة في شمال القاهرة، وينهرها كعادته مع الزبائن الذين يفتشون في بضاعته.

تقول أم مصطفى إن دخل زوجها الشهري الذي يُقدر بـ1500 جنيه لا يكفي لشراء اللحوم سوى مرة واحدة في الشهر، لذا فهي تعوض الأمر بشراء الهياكل.

تقول أم مصطفى بصوت حانق إن الأسعار في ارتفاع مستمر، فبعد أن كانت تشتري كيلو الهياكل بـ7 جنيهات، تضاعَفَ سعرها الآن ووصل في في بعض الأحيان إلى 18 جنيهاً للكيلو.

والجيش حاضر لبيع اللحوم

وتضيف: نشتري اللحم المستورد من سيارات الجيش والشرطة المتنقلة في الشوارع، لأنها أرخص من الجزار، ولكن في النهاية تكون مرة واحدة شهرياً، فراتب زوجي الذي يعمل عاملاً في إحدى الجهات الحكومية لن يكفي.

تتحدث السيدة الأربعينية بسرعة ولهفة، لتحاول أن تظفر بقطعة جيدة من الهياكل "كي تضيف دسماً للشوربة… ما باليد حيلة".

في الماضي كنت أشتري الهياكل وأنا محرجة من البائع والزبائن، تقول أم مصطفى، لكنها الآن لا تشعر بأي حرج؛ لأن هناك الكثيرين مثلها بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني.

تقول إنه في بعض الأوقات كانت تطبخ طعامها بالماء ومكعبات مرقة الدجاج الجاهزة، ولكن أولادها يتمنون أن يأكلوا لحوماً ودجاجاً، وليس هناك أرخص من الهياكل.

كانت لجنة سلامة الغذاء بوزارة الصحة أوصت في وقت سابق بضرورة حظر تداول هياكل الدواجن؛ نظراً لخطورتها على صحة المستهلك، إلا أن مسؤولاً تجارياً قال إن إصدار قرار بهذا سيُهدر 30% من المردود الاقتصادي لقطاع الثروة الداجنة.

ارتفاع أسعار الدواجن جعلها سلعة ليست في متناول الجميع بمصر
ارتفاع أسعار الدواجن جعلها سلعة ليست في متناول الجميع بمصر

وقال رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية، الدكتور عبدالعزيز السيد في تصريحات صحافية، إن إعدام هياكل الدواجن سيلحق خسائر فادحة بالمنتجين، والمستهلك البسيط، خاصة أن المربّين يواجهون صعوبات في تنمية الثروة الداجنة، في ظلِّ إهمال الدولة للمنظومة، وعدم توفير مزارع تعمل بالنظام المغلق.

وتنتج مصر نحو 1.6 مليار طائر سنوياً، وهذا الإنتاج يحقق اكتفاءً ذاتياً بنحو 95%، فيما تعوض النسبة المتبقية عبر استيراد الطيور المجمّدة التي لا يفضلها كثير من المصريين، والأرخص نسبياً من الحيّة.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في بيان رسمي، مطلع الشهر الجاري، أن التضخم العام لأسعار المستهلكين، عاود الانخفاض في يوليو/تموز الماضي، إلى 13% في البلاد، مقابل 13.8% في يونيو/حزيران الفائت.

"المهم ألّا نموت"

وفي محل آخر في حي السيدة عائشة في جنوبي القاهرة، جاءت شابة عشرينية الملامح وتمسك بيدها طفلة صغيرة لا تتعدى الثلاث سنوات، سألت بائع الدواجن عن سعر كيلو الهياكل، فردّ الأخير بـ15 جنيهاً.

حاولت الشابة العشرينية، التي طلبت عدم ذكر اسمها أو تصويرها، أن تُفاصل مع البائع لتقلّل من سعر الكيلو: "تنفع بـ12 جنيه؟ نفسنا نعمل شوية شوربة حلوين ونحس بطعم الظَّفر".

ردّ صاحب المحل: "كيلو الفراخ وصل من المزرعة غالي.. عايزة (تريدين) كام كيلو؟"، لتجيبه الشابة "كيلو واحد كفاية".

تقول الشابة العشرينية إن زوجها "أرزقي" (عامل باليومية)، تشعر كل يوم بالخوف من ارتفاع أسعار الدواجن، ما يؤثر على سعر الهياكل.

وتضيف بصوت حزين: "كي أشتري الهياكل النهاردة سنظل يومين لا نأكل إلا مكرونة وأُرزاً كي نملأ بطوننا فقط، المهم ألا نموت من الجوع".


اقرأ أيضاً:

ظلت عاماً تجمع معلوماتها.. "رويترز" ترصد كيف ازدهرت شركات الجيش المصري بامتيازات لا محدودة في حكم السيسي

الموت في ليبيا أرحم من الفقر في مصر… البلد الذي يعشقه المصريون "رغماً عنهم"

علامات:
تحميل المزيد