بعدما أصبح منطقها «ادفع وإلا ستموت».. الجزائر تعلن الحرب على أصحاب مواقف السيارات

المواطنون يعانون، والرئاسة تتدخل، وأصحاب الحظائر لا يريدون التخلّي عنها

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/13 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/13 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش

لم يكن ينتظر منير شارف، مسيّر أحد مواقف السيارات أو "الحظائر" كما يطلق عليها الجزائريون بمدينة مالبو الساحلية شرقي الجزائر، أن يتوجه كعادته إلى مكان عمله صباح السبت 11 أغسطس/آب 2018، ليجد نفسه في ذمة التحقيق بمقر الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني بنفس المدينة.

فمنير كما صرح لـ"عربي بوست" كان يسيّر الحظيرة التي استأجرها من مصالح البلدية وفق مزايدة تم الإعلان عنها سابقاً، وهو يملك كل الوثائق التي تجعل من الحظيرة موقف سيارات شرعياً.

التحقيق مع منير دام أكثر من نصف ساعة، وتم إطلاق سراحه بعد تقديم كل الوثائق التي تؤكد تسييره القانوني لموقف السيارات، لكن عدداً من زملائه أحيلوا إلى قاضي التحقيق لاستحواذهم على ساحات وحواف طرق وتحويلها إلى مواقف دون سند قانوني.

أينما ولَّيت وجهك فثمة موقف للسيارات

تستقبل مدينة مالبو ببجاية مئات السياح يومياً من مختلف ولايات الوطن، كونها تقع بين مدينتين ساحليتين "بجاية وجيجل"، وتتوافر على جميع المرافق كالإيواء والإطعام والنقل الذي يدوم حتى منتصف الليل أو يزيد.

هذه الظروف جعلت السياح يختارون هذه المدينة، وجعلت أيضاً الشباب يخلقون لأنفسهم فرص العمل الموسمي، لمساعدة عائلاتهم، بما في ذلك اختيار الطرق غير القانونية في تسيير ذلك.

وتعد مواقف السيارات الأكثر استمالة للشباب لما تدرُّه من أرباح بشكل يومي، إذ يؤكد منير شارف بلوغ الأرباح في اليوم إلى ما يزيد على مليوني سنتيم بالعملة المحلية (130 دولاراً).

هذا الرقم يقول منير لـ"عربي بوست": "جعل العشرات من الشباب يحتلون الأرصفة والساحات وأجزاء من الشواطئ، وتم تحويلها إلى مواقف للسيارات على مدار فصل الصيف كاملاً".

ويضيف: "إن كنا نحن نُرغم على دفع حقوق الإيجار والضرائب فإن هؤلاء يحولون كل ما يكسبونه إلى خزانة فوائدهم، وهو ما يؤثر في عمل الحظائر الشرعية، ويهدد أمن وسلامة السياح لانعدام القانون والوثائق".

هذه الصورة لا تقتصر فقط على مدينة مالبو، بل تجتاح جلّ الولايات والمدن عبر الجزائر، وفي مختلف الفصول والمواسم.

"مالك أو روحك"

الانتشار الفضيع لمواقف السيارات غير الشرعية في الجزائر فرض على المواطنين والسياح منطق "ادفع المال أو الروح"، بعد حادثة سوق الاثنين ومقتل الشاب زوبير عيسى على يد صاحب الحظيرة.

واستنكرت وسائل الإعلام المحلية هذا المنطق، الذي أصبحت فيه الروح معلقة بسبب 100 أو 200 دينار جزائري (0.5، 1.5 دولار).

قرار بحسم القضية تماماً

لا تبعد مدينة مالبو عن مدينة سوق الاثنين التي شهدت في 6 أغسطس/آب 2018 جريمة قتل راح ضحيتها الشاب زوبير عيسى (36 عاماً) من ولاية الوادي، سوى 8 كيلومترات، ما جعل السلطات تستنفر الوضع للقضاء على جلّ مواقف السيارات غير الشرعية.

وتقوم فرق للدرك والأمن الوطنيين -كما يقول منير شارف لـ"عربي بوست"- من 3 إلى 4 دوريات في اليوم، تشمل تفتيشاً عاماً لكل الطرق والساحات والأرصفة، خاصة تلك المحاذية للشريط الساحلي والشواطئ".

ومنذ العاشر من أغسطس/آب 2018، يضيف: "أصبح تواجد عناصر الدرك الوطني -جهاز تابع لقوات الجيش- بشكل يومي وعلى طول الأماكن التي كان يستغلها الشباب كحظائر للسيارات بعيداً عن القانون".

عبدالكريم شاوش، إطار ببلدية سوق الاثنين، يؤكد لـ"عربي بوست" التنسيق بين مصالح البلدية وعناصر الأمن والدرك الوطنيين لغلق جميع المواقف التي تسير بطريقة غير قانونية من قبل بعض الشباب.

ويؤكد شاوش أيضاً التوصل "لغلق 22 موقفاً غير شرعي، بما فيها موقف لوطة الذي شهد جريمة قتل في 6 أغسطس/آب 2018 عندما أقدم حارس حظيرة على الاعتداء على سائح من الجنوب وأرداه قتيلاً بضربة على الرأس بالسلاح الأبيض.

رئاسة الجمهورية تتدخل

نظراً لخطورة الوضع بعدما باتت مواقف السيارات مسارح جرائم بسبب دريهمات، سارعت رئاسة الجمهورية إلى التحرك وإصدار تعليمات عاجلة لإنهاء مشكل فوضى حظائر السيارات عبر الولايات بداية من 10 أغسطس/آب 2018.

وذكرت وسائل إعلام جزائرية أن برقية رئاسة الجمهورية كانت عاجلة ووجهت إلى كامل الولاة، وأمرت بالتحرك الفوري للقضاء على مواقف يسيرها شباب خرّيجو سجون وأصحاب سوابق قضائية وقصّر مخمورون وتحت تأثير المخدّرات.

هؤلاء الشباب بحسب البرقية يفرضون منطق اللاقانون على المواطنين الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الدفع نقداً أو الدفع بأرواحهم، كما كان بمدينة سوق الاثنين ببجاية في 6 أغسطس/آب 2018 لما دفع الشاب روحه مقابل ركن سيارته.

وتنفيذاً لتعليمات رئاسة الجمهورية، حسب المصدر، فقد أحكم أعوان الأمن منذ الساعات الأولى من صبيحة 11 أغسطس/آب 2018، قبضتهم على الحظائر العشوائية عبر مختلف شوارع المدن الكبرى.

انتشار أعوان الأمن والدرك الوطنيين كان بالبدلة الزرقاء أو الخضراء -الزيّ الرسمي- ومدنيين أيضاً، ولوحظت حركية غير عادية لأعوان الشرطة يلاحقون شباباً ومراهقين حاملين عصيّ خشبية وقضباناً حديدية.

1000 مداهمة وعشرات الموقوفين

وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي أكد حرص الدولة على بسط قبضتها على القانون، وإعادة الأمور إلى نصابها بتضافر الجهود، وتنسيق العمليات، وفق ما جاء في تعليمات رئاسة الجمهورية.

وأكد نور الدين بدوي قيام عناصر الأمن بحملة وطنية موسعة لاجتثاث ظاهرة التسيير العشوائي لمواقف السيارات، وبلغ عدد المداهمات على مستوى الشريط الساحلي 1000 تدخل أفضى إلى تحرير 100 قضية أحيل أصحابها على العدالة.

وقال وزير الداخلية: "إنّ القانون سيطبق، وستأخذ العدالة مجراها في قضية الشاب الذي اعتُدِيَ عليه حتى الموت في ولاية بجاية، وذكر أن مصالح الأمن تكفلت بظاهرة السطو على الشواطئ والحظائر، حيث تم اتخاذ الإجراءات اللازمة".

وفي ولاية بجاية التي شهدت الجريمة في 6 أغسطس/آب 2018 يؤكد ملازم في مديرية الأمن الولائي -رفض ذكر اسمه- تسجيل 360 مداهمة حتى 11 أغسطس/آب 2018، وتم توقيف 21 شاباً أحيلوا إلى قاضي التحقيق.

وذكر المصدر أن أغلب المواقف التي تم غلقها تنتشر بكل من "مالبو، سوق الاثنين، أوقاس، بكارو، تيشي، المغرة، بوليماط، زيقواط ومقر الولاية".

خط أخضر للتبليغ

اعتمدت المديرية الوطنية للأمن في الجزائر، وبعد كل الذي حدث بسبب المواقف العشوائية للسيارات، على تثبيت خط أخضر لفائدة المواطنين، هدفه هو التبليغ عن أي موقف غير شرعي للسيارات.

وقالت المديرية العامة للأمن الوطني في بيان لها، الجمعة الماضي 10 أغسطس/آب 2018، أن على "المواطنين الاتصال بالرقم الأخضر 1548 للتبليغ أو لطلب معلومات أو التوجيه بخصوص مواقف السيارات عبر جميع ولايات الوطن".

الجزائريون يعانون من
الجزائريون يعانون من "مافيا" حظائر السيارات

وأضاف البيان أن "مصالح الأمن الوطني سجلت منذ بداية السنة الجارية 122 مخالفة، وتوقيف 102 شخص لتورطهم في ممارسة حراسة المركبات دون رخصة مع تحرير 91 محضراً بهذا الشأن".

وأوضح البيان أن عناصر الشرطة عبر كامل إقليم الولايات الساحلية قامت "في إطار تنفيذ المخطط الأمني المسطر من قبل المديرية العامة للأمن الوطني، بعدة عمليات شرطية شملت مختلف الأحياء والشوارع بهدف محاربة تنصيب الحظائر غير الشرعية".

حملة "الباركينغ باطل"

يرى المحلل الاجتماعي فاروق بن ساعد أن التحرك الكبير لتطويق مشكل المواقف العشوائية للسيارات، جاء نزولاً تحت طلبات الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عجت بحملة "الباركينغ باطل".

الحملة كانت تدعو المواطنين والسياح إلى ركن سياراتهم في الأماكن التي تحلو لهم دون دفع المقابل، وهو ما اعتبره بن ساعد في حديث لـ"عربي بوست": "تحدِّياً لأصحاب الحظائر، وأحسّت الدولة بخطورة الوضع في حال تكرر الاعتداءات".

وكان الجزائريون قد دعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى الرد على حاثة بجاية، بركن السيارات في كل المواقف دون تسديد المقابل.

فكتبت صفحة "راك في السوق" (أنت في السوق)" "مواطنون ينتفضون ويُطلقون حملة "باركينغ باطل روح تخدم كي الرجال" (المواقف بالمجان اذهب واعمل كالرجال).

وكتبت صفحة عشاق الجزائر في كل أنحاء العالم: "الشرطة تشن حملة اعتقالات لأصحاب الباركينغ (الحظائر)، عقوبات بـ6 أشهر حبس ضدهم، بارتاجي وحط سيارتك وين تحب يا مواطن (انشر واركن سيارتك أين شئت).

الشرطة تشن حملة إعتقالات لأصحاب الباركينغعقوبات ب 6 أشهر حبس ضدهم بارتاجي و حط سيارتك وين تحب يا مواطن

Geplaatst door ‎عشاق الجزائر في كل أنحاء العالم‎ op Woensdag 8 augustus 2018

 

كما نشر عيسى بن يمينة فيديو ساخراً لمجموعة من الشباب يسيّرون في موقف للسيارات بإحدى البلديات غربي الجزائر، الشباب ظهروا وكأنهم استجابوا للنداء وحسَّنوا الخدمات قبل أن يفضحهم أحد السائقين، بكشف مبلغ الركن 100 دج بدل 50 دج.

الباركينغ باطل هههههههه غير 100 دينار ههههه ترقية السياحة

Geplaatst door Aissa Benyamina op Zaterdag 11 augustus 2018

 

الجريمة التي أشعلت الجزائريين

في 6 أغسطس/آب 2018، أعلن المستشفى الجامعي ببجاية وفاة الشاب زوبير عيسى (36 عاماً)، متأثراً بالجروح التي تعرض لها بعد الاعتداء عليه من قبل حارس موقف للسيارات بالمكان المسمى "لوطة" بسوق الاثنين شرقي بجاية.

الشاب ينحدر من مدينة لمغير بولاية وادي سوف 800 كلم جنوب شرقي الجزائر، وكان في رحلة اصطياف بسواحل ولايتي بجاية وجيجل، قبل أن يلقى حتفه بضربات على الرأس بسلاح أبيض.

وقد أبدى الجزائريون لاسيما في مسقط رأس الضحية، عن بالغ أسفهم وتأثرهم من هذه الحادثة، ودعوا الدولة إلى التحرك السريع وتطبيق الإعدام بحق المتورطين في مثل هذه الجرائم.

 

وقد سرد والد الضحية محمد عيسى تفاصيل الجريمة في إحدى المقابلات التلفزيونية، وطالب بالقصاص من قاتلي ابنه الذي كان يشتغل بنّاءً قبل مغادرته إلى ولاية سطيف ومن ثم إلى ولاية بجاية في جولة سياحية".

علامات:
تحميل المزيد