وفقا لإحصائيات المنظمة الخيرية MIND، يعاني واحد من كل ستة أشخاص، في الوقت الحالي، من الإصابة بمرض نفسي؛ على غرار القلق أو الاكتئاب. فقد بات عدد متزايد من الأشخاص يعاني من مشاكل في الصحة العقلية؛ تشمل التوتر الشديد والقلق أو الاكتئاب.
تتمثل الأسباب التي تجعل من عملية معالجة هذه الأمراض، التي عادة ما تكون مصدر وهنٍ وسبباً في إعاقة الإنسان عن القيام بنشاطاته العادية، تحدياً وأمراً معقداً على حد سواء، في أنها تتطلب سبلاً مختلفة للتعاطي معها على غرار الأدوية والعلاجات؛ مثل العلاج السلوكي المعرفي. ولكن، هناك أمر واحد غالباً ما يتم تجاهله
تتكون أمعاؤك من تريليونات من البكتيريا التي تساعد على هضم الطعام والحفاظ على صحة نظام المناعة الخاص بك، والتي يطلق عليها اسم النبيت الجرثومي المعوي. وتشير أبحاث حديثة مثيرة للاهتمام إلى أن النبيت الجرثومي المعوي يمكن أن يلعب دوراً في تحسين المزاج والصحة العقلية، كما أن تناول البروبيوتيك يمكن أن يساعد في ذلك. وقد أطلق على هذا المجال الناشئ اسم "سيكوبيوتكس psychobiotics"، حسب صحيفة Daily Mail البريطانية.
كيف يمكن أن يؤثر ما تأكله وتشربه بشكل كبير على مزاجك وصحتك العقلية؟
نحن نقر جميعاً بأن ما نأكله من شأنه تحديد مدى سلامة صحتنا الجسدية، لكن من الغريب أن نكون أقل وعياً بكيفية تأثير ذلك الطعام علينا على الصعيد النفسي. وفي الوقت الراهن، بات هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث المثيرة للاهتمام التي تشير إلى أن تحقيق المزيد من التوازن بين البكتيريا المفيدة في أمعائنا يمكن أن يساعد في تعزيز مزاجنا، فضلاً عن تقليص حالة ضباب الدماغ، والتعامل بصفة أفضل مع التوتر، وخفض مستويات القلق والاكتئاب.
علاقة الدماغ بالأمعاء..كيف يتصل ما يوجد في بطنك بعقلك؟
في هذا السياق، شرحت عالمة النفس في Healthspan، ميغان أرول، التي شاركت في تأليف كتاب Irritable Bowel Syndrome: Navigating Your Way To Recovery أن "محور القناة الهضمية – الدماغية، يعد نظام اتصال ثنائي الاتجاه بين النبيت الجرثومي المعوي والدماغ الخاص بك". وأضافت أرول أن "هذا التطور مثير، حيث بات باستطاعتنا التأثير بشكل فعّال على بيئة الأمعاء، الأمر الذي يحيل إلى طرق جديدة محتملة لتطبيق مجموعة من العلاجات".
التوق لمعرفة المزيد
من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل: هل يمكن مساعدة الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين يعانون من الإجهاد والقلق وربما الاكتئاب من خلال الاستثمار في الأطعمة والمكملات الحيوية؟
الإجابة هي: بالطبع يمكننا ذلك. من جهتها، أفادت الدكتورة أرول بأنه "على الرغم من ازدهار الأبحاث، فإننا ما زلنا في المراحل المبكرة. هناك العديد من الدراسات التي تم تطبيقها على الحيوانات في الصدد، ولكن لا يزال هناك عدد قليل من الدراسات البحثية البشرية".
وتابعت أرول أن "إحدى الدراسات التي أجريت على المرضى الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي وأخرى على أولئك الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن أظهرت أن تناول البروبيوتيك أدى إلى تحسين صحتهم النفسية". في هذا الصدد، أظهرت دراسة على نطاق ضيق أجريت سنة 2017 من قبل جامعة ماكماستر في كندا، التي شملت 44 شخصاً بالغاً الذين يعانون من متلازمة القولون العصبي والقلق المعتدل والاكتئاب، أنه بعد 6 أسابيع، تراجعت أعراض القلق والاكتئاب لدى 64٪ من المجموعة التي خضعت لعلاج البروبيوتك مقارنة بحوالي 32٪ من الذين خضعوا لعلاج وهمي، حسب الصحيفة البريطانية.
وكشفت تجربة أخرى، أجريت سنة 2016، طالت 40 مريضاً يعانون من اضطراب اكتئابي أن المرضى الذين تناولوا مكملات البروبيوتيك، على مدى 8 أسابيع، انخفضت لديهم بشكل كبير أعراض الاكتئاب مقارنة بالمرضى الذين وُصف لهم علاج وهمي.
وخلال سنة 2016، خلصت مراجعة منهجية لخمس تجارب موجهة، التي تستخدم عينات عشوائية، إلى أن تعزيز دور البروبيوتيك يسهم في الحد من خطر الإصابة بمرض الاكتئاب. كما أظهرت دراسات مختلفة شملت بالغين يتمتعون بصحة جيدة تم إعطائهم البروبيوتك أن المتممات الغذائية المتكونة من البكتيريا الحية أو الخمائر قادرة على تعديل مزاجنا، فضلاً عن مساعدتنا في جعلنا أكثر قدرة على التعامل مع التوتر والقلق.
كما أكدت إحدى النظريات أن البكتيريا السليمة تنتج ناقلات عصبية رئيسية، مثل السيروتونين، الذي يعد من المواد الكيميائية التي تسهم في تعديل المزاج التي يقال إنها لها تأثيرات مشابهة لبعض مضادات الاكتئاب على غرار مثبطات استرداد السيروتونين الاختيارية.
ومن المتعارف عليه هو أن السيروتونين يعزز شعورك بالتفاؤل والثقة بالنفس، فضلاً عن السعادة بشكل عام. وكما أفادت الدكتورة أرول تعد المزيد من الأبحاث والتجارب على نطاق أوسع أمراً مهماً في هذه المرحلة. وعموماً، تدفع الأدلة الدامغة المتوافرة حالياً الباحثين إلى العمل على اكتشاف المزيد.
أطعمة تساعد على تحسين المزاج
ما يزيد المشكلة تعقيداً هو تأثر الميكروبيوم، الذي يعيش داخل معدتك، ليس فقط بحميتك الغذائية، بل كذلك ببيئتك الخارجية، وسنك، وجنسك، بالإضافة إلى الأدوية التي تتناولها، ونمط الحياة الذي تتبعه (على غرار شرب الكحول والتدخين)، والإجهاد والتوتر المزمن، ناهيك عن اضطرابات النوم.
عدا عن ذلك، تختلف أنواع البكتيريا المعوية بشكل كبير من شخص لآخر، لذلك نجد أن أنواعاً من الأطعمة التي تحتوي على البريبيوتيك أو على البروبيوتيك أو حتى المكملات الغذائية قد لا تعود بنفس القدر من الفائدة على شخص مقارنة بغيره. مع ذلك، تظل محاولات تعزيز البكتيريا المعوية، من خلال تناول أطعمة أو مكملات غذائية محددة، مفيدة لصحتك بشكل عام.
ودون شك، أظهرت الأبحاث أن أولئك الذين يعانون من الاكتئاب ويتناولون كميات كبيرة من الأغذية المصنعة في الآن ذاته، لديهم بكتيريا معوية أقل تنوعاً مقارنة بتلك التي يتمتع بها أولئك الذين يتبعون نظام غذائي أكثر توازناً وصحة. وأوضح رئيس قسم التغذية في Healthspan، روب هوبسون قائلاً: "نحن بحاجة إلى نظام غذائي متنوع من أجل ضمان تنوع البكتيريا المعوية".
التنوع الغذائي
أشار روب إلى أن النظام الغذائي لسكان منطقة البحر الأبيض المتوسط، والذي يشمل بالأساس مجموعة واسعة من الفواكه والخضراوات والمكسرات والبذور، إلى جانب منتجات الألبان ومشتقّاتها على غرار اللبنة الطبيعية وبعض أنواع الأجبان على غرار جبنة الفيتا، بالإضافة إلى البقوليات والمأكولات البحرية وزيت الزيتون البكر والزيتون، يعد نموذجاً لحمية تعتمد على التنوع الغذائي.
فضلاً عن ذلك، كشفت الأبحاث والدراسات عن أن اتباع هذه الحمية يزيد من نسب البكتيريا المعوية النافعة، بينما يقلل من فرص الإصابة بالاكتئاب. كما توصلت دراستان منفصلتان إلى أن أولئك الذين يتبعون نظاماً غذائياً متوسطياً كانوا أقل عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب بنسبة 30%.
ويُعتقد أن جملة العناصر الغذائية التي يوفرها هذا النظام الغذائي، الذي يرتكز بشكل أساسي على النباتات الغنية بأحماض "أوميغا 3" الدهنية المضادة للالتهابات (الموجودة في الأسماك والمكسرات والبذور)، بالإضافة إلى الفواكه والخضراوات الغنية بالفيتامينات والمعادن، إلى جانب الأحماض الدهنية المضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة الموجودة في زيت الزيتون، تضمن نوعاً من الحماية ضد الاكتئاب.
ويرجح أن ارتفاع معدلات الالتهاب بشكل عالي في الجسم والدماغ، من بين العوامل المتسببة في الإصابة بالاكتئاب والاضطرابات الذهنية الأخرى. كما يعتقد أيضاً أن الأطعمة والمكملات الغنية بالبروبيوتيك (على غرار Healthspan Super 20 Pro) تساعد على تقليل حدة الالتهابات.
مكملات البروبيوتيك المساعدة على تعزيز الأداء الذهني
وعلى الرغم من عدم توصل الباحثين إلى حد الآن إلى دليل قاطع يشير إلى أن الأطعمة الغنية بمكملات بالبروبيوتيك أو تلك الغذائية قادرة على الحد من الأعراض المصاحبة لبعض الاضطرابات الذهنية، أوضحت الدكتورة أرول أن أول خطوة في العلاج تتمثل في طلب المساعدة، قائلة: "وفي حال بدأت علامات القلق أو التوتر بالظهور والتأثير سلباً على الأنشطة اليومية للفرد يجب حينها التواصل مباشرة مع طبيب العائلة. كما يمكن دوماً الاستعانة بالبروبيوتيك والأطعمة الغنية بها كعنصر مساعد خلال العلاج".
عموماً، تبين أن تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك بانتظام على غرار اللبنة الطبيعية غير المحلى، والفطر الهندي (وهو عبارة عن لبن مخمر، متوافر من متاجر الأطعمة الصحية)، وبعض أنواع الأجبان أو الميسو أو مخلل الملفوف أو خبز العجينة المتخمرة أو حتى تناول المكملات الغذائية (خاصة بعد تناول المضادات الحيوية أو الإصابة بفيروس معوي التي قد تقضي على البكتيريا النافعة)، قادر على تحسين الصحة بشكل عام.
وأشارت دكتورة أرول إلى أن "معاينة الطلاب خلال فترة الاختبارات المجهدة كشفت أن شرب الحليب المتخمّر ساعدهم على الحد من أعراض الإجهاد. كما أظهر جزء الدماغ، الذي يتحكم في العواطف، لدى المشاركين الذين تناولوا مشروباً مخمراً غنيّاً بالبروبيوتيك، تراجعاً في النشاط الدماغي".
عموماً، تعد المكملات الغذائية هي الأخرى وسيلة بسيطة لزيادة نسب البكتيريا النافعة في أمعائك. وعلى الرغم من أن استخدام البروبيوتيك لا يشكل أي خطر على الشخص، فإنها ليست بديلاً عن العلاجات الأخرى الموصى بها أو المجعولة للحد من الإجهاد والقلق، والاكتئاب بشكل عام، حيث تظهر الدراسات أن "للبروبيوتيك فوائد متوقعة على المدى البعيد على الصحة النفسية"، وذلك وفقاً للدكتورة أرول.
واقرأ أيضاً..
فكِّر مجدداً قبل أن ترفض ذلك الفنجان.. الشاي الأحمر كلمة السر السر لخسارة الوزن وصحة الأمعاء