حملة سقاية الطير والحيوانات البرية في الجزائر.. شباب وأطفال يتحركون لإنقاذ 200 نوع من الطيور والزواحف بالغابات

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/03 الساعة 17:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/03 الساعة 17:15 بتوقيت غرينتش

" وضعت أكثر منك؛ بل أنا من وضع أكثر"، "وجدت الحيوانات قد شربت الماء الذي وضعته المرة الماضية، وأنا رأيت عصفوراً يشب من الماء الذي وضعته"، "لما أعود إلى المدرسة سأخبر معلمي عن مبادرة سقاية الطير".

هذا جزء من الحديث الذي يتكرر بين الأطفال على طول الشريط الغابي الذي يفصل بين ولايتي سطيف وبرج بوعريريج (300 كم شرق الجزائر)، حيث جمال بلقيدوم صحبة فريقه "نجوم بوقاعة" لكرة اليد يقومون بحملة واسعة بغرض توزيع المياه لسقاية الطيور والحيوانات البرية.

فالأخبار الواردة من الجنوب الجزائري تؤكد نفوق رؤوس أغنام وأبقار وحتى الجمال، فضلاً عن هلاك الطيور، خاصة اللقلق المعروف محلياً بـ"البلارج"؛ بسبب درجات الحرارة التي بلغت أعلى مستوياتها، وتصدرت الوضع إفريقيّاً.

ويستعد جمال رفقة عدد من الشباب والأطفال في الرابع من أغسطس/آب2018، لمواصلة مسيرتهم الإنسانية للمرة الثالثة على التوالي، وقد ازداد عدد الملتفين حول هذه المبادرة ووصل إلى ما يزيد على 150 شخصاً شاركوا المبادرين.

فيديو يوقظ الهمة

في القاعة المتعددة الرياضات بمنطقة بوقاعة، كان جمال بلقيدوم وعدد من منتسبي فريق نجوم كرة اليد، يتصفحون شبكات التواصل الاجتماعي لحظات قبل انطلاق التدريبات.

فجأة انطلقت صرخات الشاب أسامة بلقاضي متأثراً من لقطات تم بثها، وتُظهر طيور اللقلق بعضها ميت، والآخر عاجز عن الطيران؛ بسبب درجات الحرارة المرتفعة بولاية بشار (900 كم جنوب غربي الجزائر).

سرعان ما تحوَّل ذلك التأثر -كما يحكي جمال بلقيدوم لـ"عربي بوست"- إلى اقتراحِ فكرةٍ، بدأ تجسيدها في 3 مراحل، آخرها سيكون في 4 أغسطس/آب 2018.

بسبب ارتفاع درجات الحرارة بمنطقة تبلبالة ولاية بشارالطيور تعجز عن الطيران و تموت من شدة الحرارةاللهم ارحم من يعملون تحت أشعة الشمس اللهم اجرنا من حر جهنم يوم العرض عليك واظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك

Geplaatst door ‎وطـني ايــن حقــي‎ op Donderdag 26 juli 2018

 

سقاية الطير والحيوانات البرية

لم تكن الحصة التدريبية المقررة في ذاك المساء عادية، بعدما تم الاكتفاء بنصف ساعة من التمرين، والباقي في التفكير بإنجاح المبادرة، من خلال عرض الاقتراحات، وسبل تنفيذها.

الجميع، بحسب جمال بلقيدوم، اتفق على أن تكون الحملة تحت عنوان "سقاية الطير والحيوانات البرية"، من خلال البحث عن طريقة لإيصال الماء إلى قلب الغابة بجبال الطافات الشامخة، بمشاركة الشباب والأطفال على حد سواء.

أسامة بلقاضي، لاعب بالنادي، كان من أكثر الشباب فرحاً بهذه المبادرة؛ لأنه يعشق حياة البرية وعالَم الطيور على وجه التحديد. كان عنده طائر الكناري بالبيت، أطعمه واعتنى به، وفي 15 يوليو/تموز 2018، عثر عليه ميتاً داخل القفص، فأخبرتْه جدته بأن ارتفاع درجات الحرارة كان وراء وفاته، ما جعله متأثراً للغاية.

كما تابع عبر الإنترنت مقاطع فيديو لوفاة حيوانات وطيور بولايات الجنوب، بسبب الحرارة؛ وهو ما دفعه للانخراط في مبادرة إنقاذ الحياة في البرية.

غابات الطافات من الغابات دائمة الاخضرار بالجزائر؛ لكن الحراراة هذه السنة قياسية
غابات الطافات من الغابات دائمة الاخضرار بالجزائر؛ لكن الحراراة هذه السنة قياسية

تنفيذ المبادرة تطلَّب الحصول على تصاريح ووثائق، خاصة أن الأمر يتعلق بالتوغل بالشريط الغابوي.

فكانت البداية -كما يحكي جمال بلقيدوم- في البحث عن الجهة التي ستسمح بدخول الغابات، التي هي في الغالب مناطق جبلية تتطلب الحذر والتراخيص، وأيضاً تصاريح لأولياء الأطفال؛ لكون أغلبهم قاصرين.

إدارة الغابات بالمدينة أعجبتها المبادرة، واقترحت أن تكون داعمة وشريكاً في العملية؛ لأنها -كما قال رئيس النادي- تسعى للحفاظ على الحياة البرية في المحيط الغابي الذي يتكفلون بتغطيته.

غابات الجمر

نفوق رؤوس أغنام وأبقار وحتى الجمال، فضلاً عن هلاك الطيور
نفوق رؤوس أغنام وأبقار وحتى الجمال، فضلاً عن هلاك الطيور

سلسلة غابات الطافات التي تنتمي إلى محافظة بوقاعة، وتمتد من جبال لعنيني بعين الروى شرقاً إلى غابات القرف وحربيل من الجهة الغربية، كانت في التسعينيات حصناً للجماعات المسلحة، وشهدت عمليات تمشيط واسعة للجيش والدرك الجزائريين.

ورغم عودة الأمن والسكينة للمنطقة، فإنها ما زالت تحمل ذكريات سيئة لعدد من العائلات التي فقدت أبناءها وأقاربها؛ ومن ثم التوغل في الغابة كان نوعاً من المغامرة بالنسبة للأهالي.

وهناك من بين المنتمين إلى فريق نجوم كرة اليد في بوقاعة، من رفضت عائلاتهم المشاركة في الحملة، أمثال حكيم حماشي الذي أكد لـ"عربي بوست" أن والدته في البداية رفضت دخوله الغابة قبل إقناعها من قِبل أعضاء الفريق.

لذا، قرر المبادرون إعلام الجهات الأمنية بالجيش الجزائري، ممثلاً في فرقة الدرك الوطني، لتتكفل بالتغطية الأمنية، رغم أن الأوضاع هناك في السنوات الماضية كانت هادئة.

والعملية -حسب رئيس النادي- تحمل رسالتين بارزتين؛ الأولى في الشق الإنساني، من خلال تفعيل حركة الشباب والأطفال تجاه الفعل الإنساني والبيئي، والثاني رسالة بعودة الهدوء والسكينة إلى جبل الطافات الذي كان مصدر رعب في الماضي.

مهمة كبيرة بتجهيزات بسيطة

مبادرة الشباب الجزائري تهدف لإنقاذ 200 نوع من الطيور
مبادرة الشباب الجزائري تهدف لإنقاذ 200 نوع من الطيور

المبادرة الإنسانية، التي نُسِّق فيها العمل بين أطفال وشباب نجوم كرة اليد في بوقاعة، وكذا محافظة الغابات بالمدينة ذاتها، كانت بتجهيزات بسيطة جداً.

إذ يلتقي أسامة وأصدقاؤه بعد عصر كل يوم، يقوم كل واحد منهم بإحضار قارورات بلاستيكية، يتم غسلها جيداً بساحة محيط المركب الرياضي، والكل يعلم أنه كلما اجتهدوا أكثر، مكنوا عدداً أكبر من الطيور والحيوانات من الحياة.

وكانت مهمة آدم بلقيدوم -كما أكد لـ"عربي بوست"- "تتمثل في تهيئة هذه الوسيلة البسيطة من خلال وضعها على أغصان الأشجار، وتعليقها بسلك معدني أو خيط".

محافظة الغابات في بوقاعة هي الأخرى تقوم بإحضار بعض العلب البلاستيكية الموجهة خصيصاً للتعبئة بالماء، ووضعها في أسفل الأشجار أو على مداخل الكهوف والمناطق الصخرية، كما تكفلت المحافظة بتوفير الماء أيام الحملة.

وتبدأ حملة سقاية الطير والحيوانات البرية، عند العصر، تقطع حافلات تضم الشباب والأطفال، وفي مقدمتها سيارة تابعة لمحافظة الغابات، التي تؤدي دور الدليل في توجيه وترشيد المبادرين.

الساعة تشير إلى تمام الثالثة عصراً بالتوقيت المحلي، واللقاء يكون بأرضية مستوية على هامش طريق ترابي قديم، قبل الانطلاق في التوغل مئات الأمتار داخل الشريط الغابي.

يقف مدير محافظة الغابات لإعطاء توجيهات للأطفال والشباب بعدم السير على انفراد، واختيار مجموعاتٍ، كل واحدة تكون بتوجيه من القائد الذي يكون من أعضاء الفريق أو من محافظة الغابات، مع العمل على صوت الصافرة؛ لتحديد مكان اللقاء.

فالمكان -كما يقول مبروك بلقيدوم- مدير الغابات، لـ"عربي بوست"، "يعج ببعض الحيوانات والزواحف الخطيرة، كالخنازير والذئاب، والثعابين وكذا العقارب، ولا بد من حماية خاصة لكل المشاركين؛ حتى لا يتوهوا داخلها".

إلى ذلك، يقوم مبروك بتقديم توجيهات خاصة بطريقة تعبئة الماء، وكيفية وضعه على أغصان الأشجار، أو على الأرض، وأي الأماكن الأكثر تحقيقاً للهدف، وفقاً لدراسات سبق أن قامت بها هيئة الغابات.

200 نوع من الطيور والزواحف

تبدأ حملة سقاية الطير والحيوانات البرية، عند العصر وحتى مغيب الشمس
تبدأ حملة سقاية الطير والحيوانات البرية، عند العصر وحتى مغيب الشمس

غابات الطافات من الغابات دائمة الاخضرار بالجزائر؛ لذا فهي تتنوع من حيث الغطاء النباتي، كما تتنوع من حيث الحيوانات التي تعيش بها.

ويؤكد في هذا الشأن مبروك بلقيدوم، مدير محافظة الغابات في بوقاعة، لـ"عربي بوست"، أن "الغابة تضم أكثر من 120 نوعاً من الطيور، وأكثرها انتشاراً السمان، والحجل، والغراب، والحسون، واللقلق، والحمام، واليمام".

كما أن الطافات -يضيف بلقيدوم- "تضم أيضاً قرابة 80 نوعاً من الزواحف، منها 10 أنواع من الثعابين، و12 نوعاً من السحليات، بالإضافة إلى العقارب، وعدد من الحشرات، ويضاف إليها بعض القوارض والسلاحف وكذا القنافذ".

والأكيد -يقول مبروك- أن "هذه العملية التي بدأت تكبر مع مرور الأيام، ستمكّن هذا العدد أو أكثر من الحياة من خلال توفير الماء، فهناك حيوان وأنواع من الطيور لا تتحمل الحرارة المرتفعة هذه الأيام".

ويعتبر جمال بلقيدوم "حملة سقاية الطير والحيوانات البرية، من الدروس الرائعة التي سيستفيد منها الأطفال خلال عطلتهم الصيفية؛ بل وكانت فرصة لهم للتعلم، والسياحة والترفيه عن النفس".

وأراد الفريق من وراء هذه الحملة "إخراج الأطفال والشباب من جو الرياضة والنتائج، وروتين المنافسة والتدريبات اليومية، إلى جو اجتماعي هادف، يزيد في تربيتهم وتكوين شخصياتهم مستقبلاً".

التفكير في حملة الشتاء.. لكنها ليست بالسقاية

استخدمو تقنيات ووسائل بسيطة لتوفير الماء للطيور
استخدمو تقنيات ووسائل بسيطة لتوفير الماء للطيور

خلال فصل الشتاء، تكسو الثلوج قمم جبال الطافات أكثر من 3 أشهر، وهذه الثلوج تؤثر أيضاً على الحياة البرية، لكن هذه المرة ليس بسبب انعدام الماء؛ بل لقلة المأكل، خاصة بالنسبة للطيور.

لذا يفكر جمال ورفاقه من الآن، في كيفية تفعيل حملة أخرى لنثر الحبوب والخبز اليابس على قمة هذا الجبل؛ للحفاظ دائماً على الحياة البرية والتوازن البيئي.

لكن، يقول بلقيدوم: "العملية ستكون في الشتاء صعبة جداً، وتتطلب تحدياً أكبر وبعيدة عن إشراك الأطفال؛ لأن الثلوج هناك تصل لحد المتر على أقل تقدير، وأغلب المسالك تكون مغلقة، والحيوانات المفترسة تكون جائعة ومستعدة للهجوم في أية لحظة".

ومن ثم -يردف- "حملة الشتاء إن أقمناها، فلا بد من تضافر الجهود، مع مساعدة خاصة من السلطات، ولما لا توفير مروحية لتيسير العملية، رغم أن هذه الأخيرة أراها صعبة المنال، لكنه حلمٌ وأملٌ مشروعٌ".

 

علامات:
تحميل المزيد