هل سألت نفسك إن كان ابنك مستعداً للحياة الجامعية، قد يكون التحاقه بها في وقت غير مناسب خطراً على صحته

في بعض الحالات يتحدث الأهالي عن الصراع بينهم وبين أبنائهم، والذي يشير إلى مرحلة الانفصال

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/02 الساعة 16:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/02 الساعة 16:22 بتوقيت غرينتش
هل أنت مستعد للحياة الجامعية؟

كتب المؤلف مارك ماكنوفيل، وهو طبيب متخصص في علم النفس السريري في بيتشوود بأوهايو، ومؤلف كتاب: "Adolescence Psychotherapy and the Emergent Self" عن الرسائل التي تأتيه كل صيف من آباء متوترين، بسبب أن أبناءهم المراهقين غير مستعدين لخوض غمار المرحلة الجامعية.

يقول "ماكنوفيل": في بعض الحالات يتحدث الأهالي عن الصراع العادي الذي يشير إلى مرحلة الانفصال القريبة، لكنَّهم في بعض الحالات يصورون طفلاً غير مستعد للاستقلال في مرحلة الجامعة، أقوم حينها بتقييم الموقف وإصدار توصية، تشير عادةً إلى أنَّ الابن مستعد للكلية، أو في بعض الأحيان تكون النتائج أنه غير مستعد.

وفي الحالتين، حسبما ذكرت صحيفة The New York Times الأميركية، يبقى لديّ سؤال واحد: "لماذا لم يتصلوا بي قبل عام؟". الوقت الأمثل للتفكير في تلك المسألة ليس قبل دخول الكلية مباشرةً، وإنَّما في صيف السنة السابقة للتخرج، أو حتى في وقتٍ مبكر من المدرسة الثانوية، مما يمنح الوقت الكافي لمعالجة المشكلات المتعلقة بالاستعداد للكلية. لكن بصرف النظر عن الإطار الزمني لديك، هناك خطوات بإمكانك اتباعها.

مستعد أم لا؟

لا يمكن أن يتأكد الوالدان بنسبة مئة بالمئة من أنَّ طفلهما مستعدٌ لحياة الجامعة، لكن بعد 30 عاماً من العمل طبيباً نفسياً، تعلمتُ ما الذي يجب البحث عنه. يُعد خريجو المدرسة الثانوية المقبلون على الكلية أطفالاً على أعتاب مرحلة بلوغ جديدة، مرحلة التحول إلى وضع البالغين، ووفقاً للبحث الذي أجراه الطبيب النفسي جيفري جنسن على البالغين الناشئين، فإنَّ تلك المرحلة عادةً ما تستغرق من ثمانية إلى عشرة أعوام. المؤشر الرئيسي على أنَّ الفرد مستعد لخوض تلك المرحلة الانتقالية هو ظهور مستوى جديد من المسؤولية الشخصية.

في مرحلة الطفولة، نربط المسؤولية بالوفاء التام بالالتزامات والواجبات، مثل أداء الأعمال الروتينية المنزلية، وإتمام الواجبات المدرسية، وتنظيف الأسنان وقت النوم. ونعتبر أنَّ الطفل المسؤول هو الطفل المطيع، إذ إنَّ ولي الأمر في النهاية هو من يتولَّى أمر مسؤوليات الطفل.

أثناء مرحلة المراهقة، نتوقع المزيد من المبادرة والاهتمام فيما يخص الالتزامات والمهام، لكنَّ معظم الآباء لا يتخلّون عن الإشراف كليةً. وبعبارة أخرى، يتشارك الوالد والمراهق في تولي أمر مسؤوليات المراهق.

الإشارة الأكثر موثوقية إلى أنَّ المراهق شرع في الانتقال إلى مرحلة البلوغ الجديدة، هي أنَّه قد بدأ في تولي زمام مسؤولياته تلك بمفرده، أي الاستقلال عن تدخل الآباء، من خلال المبادرة الشخصية والمتابعة.

يتجلى تولي المسؤوليات في ثلاثة مجالات يمكن توقعها: الصحة الطبية والسلوكية، والمهام الإدارية، والتعليم.

الصحة الطبية والسلوكية

يتولى كل شخص مسؤولية تدبير أمر شيءٍ ما، مثل التشخيص الطبي (على سبيل المثال، مرض السكري أو اضطراب نقص الانتباه) أو تحدٍ سلوكي (مثل المشاكل المتعلقة بالنظام الغذائي أو النوم أو استعمال العقاقير). ويتولى الأطفال والمراهقون زمام تلك المشكلات بالإشراف والمساعدة.

يتطلب الانتقال إلى مرحلة البلوغ تولي الشخص لزمام تلك المشكلات، وتعلم كيفية إدارتها بفاعلية. عملتُ مع مئاتٍ من الطلاب الذين فشلوا في الكلية على هذا الأساس، بسبب عدم القدرة على إدارة دورات النوم والاستيقاظ، والتسويف، والإفراط في استعمال العقاقير أو عدم تلبية الاحتياجات الطبية.

قابلتُ للتو طالبةً تبلغ 17 عاماً، ولا يزال والداها يفرضان عليها حظر التجول عن طريق "إطفاء الأنوار"، وتوفير أجهزة الاستيقاظ في الصباح. وقالوا بأسف: "إنَّها غير قادرة على إدارة احتياجات نومها". فقلتُ لهم: "الأمر ليس أنَّها "غير قادرة"، بل هو على الأرجح أنَّها لن تفعل، لأنَّها في الواقع غير مضطرة لفعل ذلك". وبعد تغيير سياسة الأسرة، وغضب الآباء صباحاً على مدار أيام عدة، وبعض الأمور السيئة الأخرى التي ظهرت فيما بعد، أصبحت الابنة تدير احتياجات النوم والاستيقاظ على ما يرام.

المهام الأكاديمية

منذ السنة الأولى، نريد أن نشاهد الطلاب وهم يتولّون مسؤولية مهامهم الأكاديمية. وهذا لا يظهر بالضرورة في الدرجات الدراسية، لكن في المبادرة الأكاديمية، أي تخطيط الجدول وإدارته، ومعرفة متى وكيف تسعى للحصول على المساعدة. على وجه التحديد، نريد أن نرى الطلاب المقبلين على المرحلة الجامعية يرسمون خيوطاً تربط بين أدائهم الأكاديمي الحالي وخطط الحياة المستقبلية.

ينبغي عليهم معرفة كيفية الانتباه في الصف وتسجيل الملاحظات، وأداء الواجبات والانتهاء منها في الموعد المحدد، وكذلك المذاكرة من أجل الاختبارات. لا بد من أنَّهم يتعلمون ذلك طوال الوقت، لكن بالطبع هناك أطفال ينجحون في اجتياز السنوات دون تولي المهام الروتينية الأكاديمية.

إذا كان ابنك الصغير أو الكبير المقبل على المرحلة الجامعية لا يزال في حاجة إلى الإشراف فيما يخص الأعمال المدرسية، فقد يخبرك هذا أنَّه غير مستعد للاستقلال الأكاديمي. يُولي الكثير من الآباء اهتماماً شديداً للدرجات نفسها، بدلاً من العملية التي من خلالها يمكن بلوغ تلك الدرجات. إذا كنتَ لا تزال تشعر بضرورة الإشراف على واجبات الطفل حتى نهاية الفصل الحادي عشر، فقد حان الوقت للانسحاب. يحظى الطالب الحاصل على درجة C والقادر على إدارة الحياة الأكاديمية بفرصة للنجاح في الكلية أفضل من الطالب الحاصل على درجة A أو B لكنَّه يعتمد على إشراف الوالدين.

أتذكر أحد عملائي السابقين، الذي كان يتمتع بنسبة ذكاء تصل إلى العبقرية ومرونة فكرية كانتا تثيران معلميه في المدرسة الثانوية وتضايقهم أيضاً، لكن كان عدم الانضباط الأكاديمي محبطاً بالنسبة لهم. كان يتلقى إشرافاً من والديه على المناهج الدراسية الصعبة في المدرسة الثانوية، حتى وصل في نهاية المطاف إلى جامعة رفيعة المستوى. لكنَّ قدرته العقلية المذهلة طغت على عنصرٍ أكثر أهمية، وهو ضرورة توليه مسؤولية المهام الأكاديمية، وللأسف فشل في الكلية بعد فصلين دراسيين.

عملتُ أنا وهذا الشاب معاً لعلاجه لمدة عام. وبتوجيهٍ مني، حصل على دوراتٍ في كلية مجتمع تطلبت منه إجادة تفكيك المناهج الدراسية، والالتزام بجدول مواعيد ومتابعة الدراسة. تعاون والداه بالبقاء بعيداً عن العملية. وفي سبتمبر/أيلول التالي، نجح في العودة إلى الجامعة، وفي هذه المرة كان مسؤولاً عن حياته الأكاديمية.

المهام الإدارية

تتضمن الإشارة الثالثة الاستعداد لتولي المهام الحياتية العادية، مثل الالتزام بجدول المواعيد، والوفاء بالمواعيد النهائية، وملء الاستمارات. يُشرف الآباء على تلك الأمور طوال مرحلة الطفولة والمراهقة، لكن يجب على طلاب الجامعة تولي إدارتها بأنفسهم.

تشكل تلك المهام الصغيرة في الواقع علامة نمو رئيسية، لأنَّ القدرة على أدائها تعني الاستعداد لبدء الشعور والتفكير والتصرف كشخص بالغ. تعلم التفاصيل البسيطة في المسؤولية الإدارية يستغرق وقتاً، لكنَّه علامة مطمئنة على أنَّ طفلك قادر على تولي شؤون الحياة اليومية بالجامعة دون إشرافٍ منك.

مع ذلك، إذا كان ابنك يرفض تولي مهام بسيطة (لكنَّها غير مألوفة)، فقد يكون من المفيد البحث عن المشكلة.

قابلتُ مؤخراً والدة مع ابنها البالغ من العمر 12 عاماً، وشاهدتُ جدالاً غريباً بينهما بسبب رفضه إعادة ترتيب موعدٍ طبي. وبعد أن طلبت من الأم مغادرة مكتبي، اعترف الطفل بحرج أنَّه لم يكن يرغب في الاتصال لأنَّه لا يعرف ما الذي عليه أن يقوله، خائفاً من أن يصيح موظف المكتب في وجهه. يمكنني أن أتذكر أنَّني كنت أفكر في الشيء نفسه عندما كنتُ في مثل عمره. كم منا يتفهمون التفاصيل الأساسية التي كان يسير بها العالم بالفعل عندما كنا في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة؟

بعدما دعوتُ والدته للعودة إلى المكتب، طلبت منها ما إذا كان يمكن أن تتصل بمكتب الدكتور وتستخدم مكبر الصوت، ليرى طريقة إلغاء الموعد. بعد ذلك، علّق الطفل بشكل متوقع: "إنَّه أمر بسيط!".

كل ما كان يحتاج إليه الطفل هو الحصول على سيناريو ينص على ما عليه أن يقوله. في المرة التالية، لن يواجه أي مشكلة في تولي تلك المسؤولية الصغيرة (المهمة في نفس الوقت)، إضافةً إلى النطاق الأوسع من المهام الإدارية التي تتطلبها الحياة الجامعية.


اقرأ أيضاً 

صور: هذه هي "نيوم" السعودية التي يقضي فيها الملك سلمان إجازته

لا تمتلك ثلث آثار العالم، وليست صاحبة أقدم حضارة بشرية.. حقيقة الأساطير التي تُرَوَّج عن مصر