تخيَّل أنك لم تحصل على شهادة ميلاد وأن عمرك يعتمد على ما تشعر به!.. إحساسك بأنك أصغر سناً يُجنّبك الاكتئاب الحاد

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/20 الساعة 15:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/20 الساعة 15:51 بتوقيت غرينتش

يشعر معظم الأشخاص أنهم أكبر أو أصغر سناً مما هم عليه. وهذا العمر الداخلي له تأثير كبير على صحتهم العقلية والبدنية. فتخيل لوهلة أنك لم تحصل على شهادة ميلاد، وأن عمرك يعتمد ببساطة على ما تشعر به داخلياً، ويبقى السؤال هو: كم تظن أن عمرك سيكون يا ترى؟

تماماً مثل طول قامتك ومقاس حذائك، يعد عدد السنوات التي مرت منذ قدومك إلى هذا العالم حقيقة ثابتة. لكن التجارب اليومية تشير إلى أننا في كثير من الأحيان لا نعاني من تقدم السن بنفس الطريقة، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يشعرون بأنهم أكبر سناً أو أصغر سناً مما هم عليه في الحقيقة.

قراراتهم تعتمد على ما يشعرون به

يهتم العلماء بشكل متزايد بهذه الميزة؛ إذ توصلوا إلى أن "عمرك الداخلي" قد يكون أساسياً لمعرفة الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يبدون أصغر سناً مع تقدمهم في العمر، بينما يشيخ البعض الآخر بسرعة، وقد أفاد براين نوزيك باحث في جامعة فرجينيا بأن "مدى شعور كبار السن بكونهم أصغر سناً مقارنة بعمرهم الحقيقي قد يحدد القرارات اليومية والمصيرية التي سيتخذونها مستقبلًا".

لا تتوقف أهمية هذا الشعور عند هذا الحد، فقد أظهرت الدراسات أن عمرك الداخلي يمكن أن يكشف أيضاً عن العديد من المشاكل الصحية، بما في ذلك خطر الوفاة؛ لذلك في بعض الأحيان، يكون عمرك الحقيقي هو عمرك الذي تشعر به.  وبالنظر إلى هذه النتائج المثيرة للاهتمام، يحاول العديد من الباحثين في الوقت الحاضر دراسة العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تشكل التجربة الفردية للشيخوخة، وكيف يمكنها أن تساعدنا على العيش حياة أطول وأكثر صحة.كيف تتفاعل مع عمرك الحقيقي؟

امتدت الدراسات وفق  موقع BBC البريطاني لفهم عملية التقدم في السن على مدى عقود، وسلطت الضوء على الفجوة بين العمر الحقيقي والعمر الداخلي في فترة السبعينيات والثمانينيات، وتحول هذا الاهتمام الأولي الآن إلى طوفان من الأبحاث، حيث أجريت العديد من الدراسات الجديدة خلال السنوات العشر الماضية، وتم اكتشاف العواقب النفسية والفسيولوجية المحتملة لهذا التناقض، فضلاً على اكتشاف أحد أكثر خيوط البحث إثارة وهي كيفية تفاعل عمرنا الداخلي مع شخصيتنا.

 ومن المنطقي أن يميل الناس إلى النضج كلما تقدموا في السن، وأن يصبحوا أقل تفاعلاً وأقل انفتاحاً على التجارب الجديدة، غير أن هذه التغييرات لا تطرأ على شخصيات الأشخاص الذين يشعرون بأنهم أصغر سناً، لكنها قد تبدو واضحة لدى الأشخاص الذين يشعرون بأنهم أكبر سناً من عمرهم الحقيقي.

مع ذلك، من المثير حقاً معرفة أن الأشخاص الذين تكون أعمارهم الداخلية أصغر قد أصبحوا أيضاً أكثر وعياً وأقل عصبية، فهذه التغييرات تصاحب عملية التقدم الطبيعية في السن؛ لذلك، لا شك في أنهم ما زالوا يتمتعون بالحكمة التي تتأتى من تجارب الحياة، لكنها لا تكون على حساب طاقة الشباب وحيويته. وليس الأمر كما لو أن إحساسنا بأن عمرنا الداخلي أصغر من عمرنا الحقيقي سيجعلنا عالقين في مرحلة دائمة من عدم النضج.

شعورك بصغر سنّك يقلل خطر الاكتئاب والخرف

وعلى الأرجح أن شعورك بأنك أصغر سناً من عمرك الحقيقي يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب ويجعلنا نحافظ على صحتنا النفسية مع تقدمنا في العمر. وهذا يعني أيضاً أنك ستكون في صحة جسدية أفضل، كما سيقل خطر إصابتك بالخرف، ودخولك إلى المستشفى بسبب المرض.

في جامعة مونبلييه، كان "يانيك ستيفان" قد فحص البيانات المأخوذة من ثلاث دراسات مطولة، التي تعقبت جميعها أكثر من 17 ألف مشارك في منتصف أعمارهم، بالإضافة إلى الكبار في السن.

شعر معظم المشاركين بأنهم أصغر بثماني سنوات تقريباً من أعمارهم الزمنية الحقيقية. لكن في الوقت ذاته، شعر البعض الآخر بالتقدم في السن، وكانت عواقب ذلك وخيمة.

في الواقع، أدى شعور الشخص بأنه أكبر بثماني أو 13 سنة من سنه الحقيقية إلى زيادة خطر الموت بنسبة تتراوح بين 18 و25% على امتداد فترة الدراسة، كما أدى ذلك إلى ارتفاع عبء المرض، بالرغم من التحكم بالعوامل الديموغرافية الأخرى على غرار المستوى التعليمي أو العرق أو الحالة الاجتماعية.

ما تشعر به يعكس حالتك الصحية 

ثمة أسباب تجعل العمر الداخلي قادراً على كشف عديد من الحقائق المتعلقة بحالتنا الصحية، وقد يكون ذلك نتيجة مباشرة لتلك التغييرات الشخصية المصاحبة للتقدم في السن؛ حيث إن انخفاض العمر الداخلي يسمح للشخص بالانخراط في مجموعة أكبر من الأنشطة الجسدية (على غرار السفر وممارسة هواية جديدة) مع التقدم في العمر. وقد أوضح ستيفان أن "الدراسات وجدت، على سبيل المثال، أن العمر الداخلي يكشف بالفعل عن أنماط النشاط البدني".

مع ذلك، تنطبق الآلية التي تربط بين الصحة الجسدية والعقلية، والعمر الداخلي غالباً في كلا الاتجاهين، ونتيجة لذلك، إن كنت تشعر بالاكتئاب أو النسيان أو الوهن، فمن المحتمل أن تشعر بالتقدم في السن كذلك. ويمكن أن ينتج عن ذلك وقوعك في حلقة مفرغة، حيث تُسهم العوامل النفسية والفسيولوجية على حد سواء في زيادة العمر الداخلي وبالتالي تدهور الصحة، الأمر الذي من شأنه أن يجعلنا نشعر بالتقدم في السن، ونصبح أكثر عرضة للخطر.العمر الداخلي يرتبط بمعدل الوفيات

يعد تحليل ستيفان البحثي، الذي وقع نشره في مجلة "Psychosomatic Medicine"، أكبر دراسة حول علاقة العمر الداخلي بمعدل الوفيات حتى الآن.

رأى ستيفان أنه يمكن لعمرك الداخلي أن يتنبأ بحالتك الصحية بشكل أفضل من تاريخ ميلادك. ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، يحاول العديد من العلماء تحديد العوامل الاجتماعية والنفسية التي تكون قد أسهمت في تشكيل هذه العملية المعقدة،  فمتى بدأنا نشعر تحديداً بأن عقولنا وأجسادنا تنشط ضمن فترات زمنية مختلفة؟ ولمَ يحدث ذلك؟

وبالعمل مع نيكول ليندنر، من جامعة فيرجينيا أيضاً، قام براين نوزيك بالتحقق من النواحي التي يتطور من خلالها التباين بين العمر الداخلي والزمني طوال فترة حياتك، تبيّن أن معظم الأطفال والمراهقين يشعرون بأنهم أكبر سناً مما هم عليه فعلاً. لكن ذلك يتغير مع بلوغهم سن الخامسة والعشرين، عندها ينخفض ​​العمر الداخلي؛ ليصبح أقل من الحقيقي.

عقد على الأرض يساوي 5 على المريخ

وفي سن الثلاثين، يشعر حوالي 70% من الأشخاص بأنهم أصغر سناً مما هم عليه في الحقيقة، وعموماً، يزداد هذا التباين مع مرور الوقت. وكما ذكر نوزيك وليندنر في بحثهما، "يبدو أن معالم العمر الداخلي تظهر على سطح المريخ فقط، حيث إن عقداً واحداً من الزمن على الأرض يعادل 5.3 سنة مريخية".

 كما قاس كل من نوزيك وليندنر: "العمر المرغوب فيه" للمشاركين، وكان ما أدهشهم هو أنه يتزامن أيضاً مع الزمن على سطح المريخ؛ حيث قال نوزيك إنه "يزداد مع تقدمنا في السن، لكن بمعدل أبطأ بقليل مما نشعر به الآن". ويبدو أن هذا "يؤكد أننا نعايش تجاربنا الحياتية، بنسق أبطأ من تجاربنا الفعلية بقليل".

الماضي المبهج

 يود ما يقرب من 60% من الشباب في سن العشرين في أن يكونوا أكبر سناً. لكن عند بلوغهم سن السادسة والعشرين، يفضل حوالي 70% منهم أن يكونوا أصغر سناً. ومنذ ذلك الحين، يبدأ معظم الأشخاص في النظر إلى الماضي من منظور مبهج.

وتوقع بعض علماء النفس أن العمر الداخلي يعتبر شكلاً من أشكال الدفاع عن النفس، ما يحمينا من الصور النمطية السلبية المتعلقة بالعمر، وهو ما أظهرته دراسة تفصيلية أجرتها الدكتورة آنا كورنادت في جامعة بيليفيلد في ألمانيا.

واعتمدت الدراسة التي قامت بها كورنادت على فكرة أن العمر الداخلي للشخص يمكن أن يكون متعدد الأوجه ويختلف باختلاف مجالات التفكير. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يختلف شعورك عندما تفكر في نفسك وأنت في العمل عن تفكيرك في علاقاتك الاجتماعية؛ لذلك طلبت كورنادت من المشاركين أن يصفوا كيف يرون أعمارهم في مجالات مختلفة من حياتهم.

وجدت كورنادت أن أعمار الأشخاص الداخلية شهدت انخفاضاً في المجالات التي تسود فيها الصور النمطية السلبية فيما يتعلق بالعمر، على غرار العمل والصحة والتمويل، والتي يبدو أنها تدعم فكرة أن طريقة التفكير تساعد الأشخاص على الابتعاد عن الدلالات السلبية لفئتهم العمرية.

وعلى سبيل المثال، يحيل الاعتقاد بأنك "قد تكون في سن الخامسة والستين، لكنك تشعر بأنك في الخمسين فقط" إلى أنك غير قلق بشأن أدائك في العمل. كما أوجدت كورنادت أن الأشخاص الذين يكون عمرهم الداخلي منخفضاً يميلون إلى تصور أنفسهم في المستقبل بطريقة أكثر إيجابية.

ومن خلال حمايتنا من وجهة نظر مجتمعنا القاتمة حول الشيخوخة ومنحنا نظرة مستقبلية أكثر تفاؤلاً، يمكن لهذه الطريقة في الدفاع عن النفس أن تفسر بعض الفوائد الصحية للشعور بأنك أصغر سناً مما أنت عليه حقاً.

ونظراً لقوته التنبؤية، وبعيداً عن أعمارنا الحقيقية، يعتقد ستيفان أن من واجب الأطباء أن يسألوا جميع مرضاهم عن أعمارهم الداخلية حتى يستطيعوا تحديد الأشخاص الأكثر عرضة لمشاكل صحية في المستقبل، والتخطيط لرعايتهم الصحية بشكل أكثر فاعلية

.في هذه الأثناء، يمكن لهذه النتائج أن تقدم لنا نظرة أكثر دقة عن الطريقة التي تتكيف بها عقولنا وأجسادنا مع مرور الوقت. وبغض النظر عن سِنك، يستحق الأمر أن تتساءل عما إذا كانت أي من هذه القيود تتأتَّى من داخلك


اقرأ أيضاً 

"السلطانة حليمة" تترك "أرطغرل" لـ"ضوء الحياة".. الممثلة التركية إسراء بيلغيتش تنفي حملها، وتؤكد تعاقدها على مسلسل جديد

وجهان لعملة واحدة.. مجلة Time تدمج صورتَي ترمب وبوتين في وجهٍ واحدٍ على غلافها