هل سبق أن سألت جوجل عن إمكانية تغيُّر شخصية الإنسان مع الوقت؟ الجواب: لا، لكن هذا ما يحدث لنا

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/15 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/15 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
AI(Artificial Intelligence) concept.

"أشعر أنني أصبحت إنساناً آخر".

قال هذه الكلمات بعد أن تعرَّض لحادث، ولكن لم يكن وحده الذي لديه هذا الإحساس.

فالمحيطون به يتحدثون عن التغيير الذي أصابه.

كما أن آخرين مرّوا بظروف مشابهة لديهم نفس الشعور.

فهل يمكن أن تؤدي حادثة أو إصابة جسدية لتغيير شخصية الإنسان؟

يعد تغيير مظهر الإنسان أمراً سهلاً؛ إذ كل ما يحتاجه هو القدر الكافي من المال، الذي يمكِّنه من تغيير لوني شعره وعينيه، وتجميل أنفه وأسنانه، وبالنسبة للسيدات إضافة كعبٍ عال إلى ذلك كله.

ولكن تغيير شخصيته ذاتها أمر مختلف، وليس بذات السهولة ولكنه ليس مستحيلاً، الأهم أنه أحياناً يكون مفيداً، ولكن أحياناً أخرى يكون انصياعاً للآخرين، وذلك حسب ما ورد في مقال لـ"إلينور مورغان" مؤلفة كتاب: "التوتر للمبتدئين: تحقيقٌ شخصي"، الذي نشرته في صحيفة The Guardian البريطانية.

تتساءل إلينور في بداية المقال، عن إذا ما توغَّلنا إلى ما هو أعمق من السطح في البنية النفسية للإنسان، هل يمكن للشخص تغيير دعائم كينونته وأسسها أو جوهر ماهيتها؟ أو ما يؤمن به وما يُكنِّه من قيمٍ وتطلُّعاتٍ في الحياة؟ أو سلوكه، أو الأنماط التي يكوِّنها في شخصيته؟ أو كيف ينكسر قلبه أو أسباب ذلك؟

في البدء تفاجئنا الهرمونات بأولى التغييرات 

الاحتمالات المختلفة التي يمكن أن تؤدي لتغير شخصية الإنسان، تعرضها الكاتبة بدءاً من مرحلة التطوُّر المعرفية التي يعايشها الطفل قبل بلوغ الحادية عشرة، والتي تبدو إلى حدٍّ كبير أشبه بحياةٍ مُصغَّرة.

ثم تتحدث عن تغيّر الجانب العاطفي في شخصيتنا بشكلٍ كامل حين تبدأ على حين غرِّة تحوُّلات الهرمونات في أجسامنا، ونصل إلى مرحلة البلوغ.

وبالنسبة للنساء في فترة الطمث، أو أولئك اللاتي اقتربن من سنِّ اليأس، يمكن للتقلُّبات الهرمونية أن تُسبِّب تغيُّراتٍ في المزاج ومستويات المرونة طوال هذه الفترات. ويمكن أيضاً أن تتغيَّر التفضيلات الجنسية للناس بمرور الوقت، وكذلك موقع الشخص على الخريطة الجنسانية. ويمكن أن تتغيَّر رؤية الإنسان للعالم بعد أن يصبح أباً أو أماً لأول مرة.

كما أن الصدمة النفسية يصل تأثيرها حتى لخلايا جسمنا

الصدمة النفسية يمكن أن تكون لها آثارٌ عميقة وطويلة الأمد، ليس فقط على حالتنا العقلية، ولكن على طريقة عمل خلايا جسمنا، حسبما تقول الكاتبة.

وتضيف قائلة: ونعلم أيضاً أن المخَّ مرنٌ ويتغيَّر طوال حياتنا.

وحين يصيب الكدر حياتنا ونطلب المساعدة المُتخصِّصة، فإننا نعلم أن التدخُّلات العلاجية مثل العلاج النفسي والأدوية النفسية يمكن أن يُحدِثا، مع الوقت، تحوُّلاً كبيراً في قدرتنا على التعايش مع منغصَّات الحياة وعوائقها.

الغريب أن الاكتئاب قد يكون له جانب إيجابي علينا 

وحين تعصف بنا موجةٌ من الاكتئاب، نصبح قادرين على التواصل مُجدَّداً مع ذواتنا التي نعرفها.

إذن، ليس ثمة حال دائم للنفس. والعقل أيضاً دائم التغيُّر والشرود. ربما لم يكن أحدٌ ليعرف بوجود العلاج النفسي، لو لم تكن هناك قرونٌ من الدراسة المبنية على أن عقولنا بالغة البراعة، وأننا معشر البشر لدينا القدرة الأساسية على تحليل أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا للتطوُّر، والتأقلم، ومعرفة ما سبب لنا الألم والخوف، على أمل أن نُقلِّل من أسباب معاناتنا ونزيد من أسباب امتلاء حياتنا بالمعنى.

ثمة كثير مما يمكن قراءته هذه الأيام عن إخراج الأشخاص "المُسمَّمين"، الذين لن يتغيَّروا أبداً، من حياتك، لتشعر بالسلام النفسي. إذا طَبَّقنا هذا المنطق على الإساءات التي نتعرَّض لها في العلاقات، فإن الخروج من هذه العلاقات يمكن أن يكون، في بعض الحالات، مسألة حياةٍ أو موت.

ونحن على أمل أن تصبح مسألة استمرار الإنسان في أن يكون شخصاً مسيئاً أم لا أمراً يخص سالعدالة الجنائية. وداخل المنظومة، نأمل أن تكون إعادة التأهيل أمراً ممكناً، وأن نمنع حدوث مزيدٍ من الصدمات. ومن هذا المنطلق، نبتهل إلى الله أن يكون من الممكن تغيير الأشخاص.

ويصل الأمر إلى أن تمارين التأمل تحدث تغييراً داخل أمخاخنا

وثمة مجموعة من الأدلة على أن تمارين التأمل المستغرقة، يمكنها أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في مناطق المخ وشبكاته، تصاحبها تغييرات إيجابية مثل تقليل التوتُّر.

ندرك أن المخ بصورته الكيميائية الكهربائية غير قابل للفصل عن العقل الذاتي. فالمادة البيضاء والمادة الرمادية تعالجان على الدوام المعلومات، وتتخذان القرارات حول الاستجابات العاطفية (مادتان داخل المخ تلعبان دوراً في السيطرة على العضلات، والإدراك الحسي، مثل الرؤية والسمع، والذاكرة، والعواطف، والكلام، وصنع القرار، والتحكم في النفس).

وفي هذه المنطقة يظهر مفهوم الشخصية. وتعد الفروق الفردية بيننا فيما يتعلَّق بأنماط المشاعر والتفكير والسلوك أموراً مهمة، بسبب أن الشخصية غالباً ما تكون المحور المقصود عند الحديث عن تغيُّر شخصٍ ما.

وبالفعل فإن حادثة بسيطة قد تغير استجابتنا العاطفية

وبالرغم من أن تلك البُنى المُحكَمة التي نحملها داخل رؤوسنا أينما حللنا محفورة داخل العظام، فإنها بالغة الهشاشة.

 إذ يمكن أن تؤدي أي إصابة في المخ، سواء كانت بفعل حادث أو وُلد المرء بها، إلى تغييرات كبيرة في استجاباته العاطفية.

ويمكن أن يتخيَّل المحيطون بالشخص المُصاب أن ما حدث تغيُّرٌ في شخصيته، وهو أمرٌ أفكر فيه ملياً منذ بدأت العمل لدى جمعية إصابات المخ "Headway".

حتى إن البعض شعر أنه إنسان مختلف

"لقد أصبحت شخصاً مختلفاً عمّا كنت عليه قبل الإصابة"

سمعت إلينور هذه الكلمات عدة مرات من أشخاص أعضاء في جمعية Headway.

وهي ترى أن مثل هذه الملاحظات ترجع في المقام الأول إلى ما يورده الآخرون عن شخصيَّاتهم.

هذا طبعاً بالإضافة إلى تأثير الإصابة على حواسهم أو حركتهم.

تقول الكاتبة بالنسبة لي، تُظهر تلك المحادثات مدى اعتماد التصورات العامة عن السلوك الإنساني على المقارنات.

ولكن هذا الحال في معظم أمور الحياة. وقديماً قالت آيريس ماردوخ في مقالها The Sovereignty of Good: "تطوُّر الوعي في الكائنات والحياة متصل بالاستعارات المجازية على نحو لا يمكن فصله".

رغم ذلك مَن ذا الذي يملك الحكم على شخصياتنا بأنها مضطربة

إذا كانت شخصية الإنسان هي جوهره، فهل يمكن فعلاً أن نتحدَّث في إطار المقارنات القبلية والبعدية؟ وهل يمكن في بعض الأحيان أن تُصاب شخصية الإنسان بالاضطراب؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمَن يملك صلاحية أن يُقرِّر أن أي شخصية مرَّت بذلك فعلاً؟

هذا السؤال في حدِّ ذاته يقع في القلب من الجدل الدائر حول تشخيص DSM-5 لاضطراب الشخصية الحدية، وهو تشخيص ينظر إليه العديد من علماء النفس باعتباره تشخيص إبطال وقمع، وتحديداً تجاه النساء اللاتي ينجون على الدوام من الصدمات.

وعلى الرغم من أن هذا "التشخيص" يمكن أن يبدو وكأنه عاملٌ مساعد على فهم سلوكيات مَن يتسبَّبون في جرح مشاعرنا بصورةٍ أو بأخرى، حسبما سمعت من بعض الناس، فإن علينا ألا نتعامل مع "معاييره" على اعتبار أنها مسلَّمات، إذ إنها تستند إلى قدرٍ هزيلٍ من الأدلة.

بصورة أشمل، فإن إمكانية تغيُّر شخصياتنا من عدمها إشكالٌ يضرب بجذوره ليصل إلى صُلب طبيعتنا البشرية. هل تتغير شخصياتنا على مدار حياتنا، أم أنها  جامدة لا تتزعزع؟ ليس ثمة جوابٌ شافٍ، كما هو حال معظم الإشكاليات المتعلقة بعلم النفس. لا يزال الأمر محلَّ بحث مكثَّف.

أربع خصال من خمس تتغير على مدار حياة الإنسان

الشخصية ليست مؤشراً قاطعاً على سلوك الإنسان، ولكنها تمنحنا بالفعل بعض الأفكار العامة حول الطريقة التي يُحتَمَل أن يفكِّر بها الإنسان أو يتصرف.

وقد قدَّمَت دراسةٌ استخلاصية نُشرت العام الجاري مزيداً من الأدلة التي تثبت كيف أن الشخصية يمكن أن تتغير مع العلاج.

وأظهر البحث أن أربعاً من خصال الشخصية الخمس الرئيسية تتغير تغيّراً ذا دلالة إحصائية على مدار الحياة. وهذا يتعارض مع طرح ويليام جيمس الشهير الذي يفيد أن شخصية الإنسان لا تتغير بعد أن يبلغ الثلاثين. ومع ذلك، يمكن أن يُعزَى التغيُّر الذي تكلَّم عنه المشاركون في الشخصية إلى عودتهم إلى الطريقة التي كانوا يعيشون بها قبل حدوث المشكلة، التي توجَّهوا للعلاج بسبب عدم قدرتهم على التعامل معها.

فالمشكلة قد تكون أننا لا نمتلك الشجاعة الكافية للتغير

تقول الكاتبة: أشك أنني إذا كتبت هذا السؤال على أحد محركات البحث فإنني سأكون حينها أسعى إلى إيجاد إجابة قاطعة، أو تفسير السلوك الذي سبَّب لي ألماً. بالطبع ليس ثمة جواب قاطع.

يمكن أن تظهر لي بعض النظريات أو الكليشيهات، على غرار "الطبع يغلب التطبُّع"، و"من يهن يسهل الهوان عليه"، ولكن ألا ترون أننا عندما نقرِّر أن شخصاً ما لن يتغيَّر أبداً فإننا، بشكلٍ أو بآخر، بهذا السد المنيع الذين نضعه بين سلوكهم وبين ما سبَّبوه لنا من الألم، نحاول أن نحمي أنفسنا من الشعور بالمزيد من الألم؟ ألا ترون أننا حين نقرِّر أن سلوكنا غير قابل للتغيير، فإننا نسلك الطريق الأسهل من أن نضع أنفسنا محل مساءلة وتحمُّل مسؤولية؟

فلنتواضع قليلاً ونسأل أنفسنا السؤال الصحيح

جميعنا نملك القدرة على التصرُّف بأنانية، وقسوة، وعدم اكتراث. ولهذا نُلحق الألم والفوضى بحياة بعضنا البعض.

ولكن، بالرغم من أن المرء يمكن أن يشعر بشيء من الراحة حين يقرِّر أن شخصاً ما سيئ، فإن تسليمنا بأن سلوك الإنسان في الأصل مؤثر فيما حوله إلى حدٍّ بعيد، أو يمكن أن يصبح كذلك، فيه إيغال في البعد عن الطبيعة المُعقَّدة للعلاقات الإنسانية والشخصية البشرية.

فجميعنا نضع بصمات خبراتنا في علاقاتنا البشرية وأحياناً تفشل العلاقات، أو تصبح غير مناسبة لنا، لأسباب يندر أن نعلمها، إذا كنا نسعى لإحداث نوعٍ من التغيير في علاقاتنا بالآخر في هذا العالم، فإن علينا أن نزعج أنفسنا بطرح السؤال الصحيح حول مدى استعدادنا إلى انتقاد أنفسنا.