عندما يصبح خدش اليد مصيبة!.. مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية والاستسهال الطبي في وصفها يعنيان نهاية البشرية

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/26 الساعة 14:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/26 الساعة 14:45 بتوقيت غرينتش

ماذا لو علِمت أن المضاد الحيوي الذي تتناوله لعلاج نزلة البرد سيخذلك مستقبلاً عند إصابتك بمرض أكثر خطورة؟ لذا، لا تستغرب المرة المقبلة لو حثَّك الطبيب على التحمل والصبر على عوارض الأنفلونزا، فالبكتيريا التي نظن أن دواء بسيطاً يقضي عليها، قد تكون السبب في القضاء على البشرية.
كانت قصة اختراع المضادات الحيوية ضربة الحظ التي أنقذت البشرية جمعاء، فهي التي تمكنت من تمديد متوسط أعمار البشر بنحو 20 عاماً عما كان الوضع قبل المضادات الحيوية.
على الرغم من أن العالم لم يعرفها ولم يتم اكتشاف البكتيريا ذاتها قبل القرن الماضي، فإن التاريخ يحكي عن بعض الممارسات الطبية التي ترتكز مبادئها على مفهوم المضادات الحيوية.
فعلى سبيل المثال، اعتاد المصريون القدماء وضع عجينة من الخبز المُختمر على الجروح؛ لمحاولة تسريع عملية الشفاء، إلا أن كل هذا لم يمنع اعتبار البكتيريا هي المُسبب الأول للوفيات على مستوى العالم طيلة فترة ما قبل المضادات الحيوية.

الصدفة أدت إلى اكتشاف أول مضاد في التاريخ

يُمكن اعتبار مُحاولات الطبيب الألماني بول إيرليخ، في أواخر القرن التاسع عشر، اللبنة الأولي التي ساعدت على اكتشاف المضادات الحيوية، حيث أثبت بول بالدراسة الكيميائية لخواص البكتيريا، أن تلك الخلايا البكتيرية تُبدي رد فعل مُختلفاً عن رد فعل خلايا الجسم الطبيعة إزاء بعض الصبغات الكيميائية؛ بل تستطيع أن تتمايز بلون مُعين؛ ما يُعزز قدرة العلماء على تخليق أدوية مضادة لبكتيريا تقضي عليها دونما الإضرار بخلايا جسم الإنسان.
استمر الأمر حتى عام 1909 عندما استطاع بول اكتشاف أول مضاد حيوي في التاريخ؛ وهو مادة "arsphenamine" كعلاج كيميائي لعدوى مرض الزهري، لنصل إلى التعريف الأمثل عن عمل المضادات الحيوية؛ أي مواد كيميائية مُستخلصة من الطبيعة أو مُصنَّعة بالكامل في المختبر، تُساعد في القضاء على البكتيريا وقتلها.
يتم ذلك بأكثر من طريقة، مثل استهداف بنيان جدار الخلايا البكتيرية وهدمها، أو عن طريق تثبيط عمل إنزيمات البكتيريا التي تُساعد على خلق البروتين؛ ومن ثم تمنع تكوين الـRNA الخاص بها لتقضي عليها.

ثم طوَّر ألكسندر فلمنغ العلاج مُنقِذاً البشرية

الحظ العاثر الذي جعل ألكسندر فلمنغ يُسافر بإحدى عطلاته تاركاً عمله في فوضى تامة، نتج عنه تلوث بعض أطباق مزارع البكتيريا الخاصة به، لتتحول إلى أفضل فرصة حصلت عليها البشرية. لاحظ فلمنغ نمواً فطرياً في طبق كان مُخصصاً لزراعة البكتيريا العنقودية، وأن مناطق النمو هذه خلت من البكتيريا على خلاف المناطق الأخرى.
هذا ما أثبت بالدليل والتجربة المعملية أن بعض أنواع الفطريات -وتحديداً فطر عفن الخبز- استطاع تثبيط نمو البكتيريا والعمل كمضاد حيوي. ثبت بعد ذلك أنه أقل سُمّية بـ800 مرة من المُطهرات التي استُعملت لتطهير جروح المرضى والمصابين خلال الحرب في تلك الفترة .

لكنه حذر من ظهور "السوبر بكتيريا" المقاوِمة

https://www.youtube.com/watch?v=znnp-Ivj2ek

 

لم تكن مُشكلة تزايد مُقاومة البكتيريا المضادات الحيوية عَصيَّة على التوقع أو الفهم، حتى في المراحل الأولية من اكتشافها، حيث توقع ألكسندر فلمنغ نفسه عام 1945، بعد حصوله على نوبل في الطب، أن البكتيريا يُمكنها أن تشحذ دفاعاتها وتُطور مُقاومة تجاه تلك المضادات، بعد أن أظهرت الدراسات المعملية هذا السيناريو.
تستطيع البكتيريا مقاومة بعض أنواع المضادات الحيوية بواسطة عدة طرق، على رأسها الطفرات الجينية التي تحدث فيها. ولا ينتهي الأمر هنا؛ بل تستطيع سلالات البكتيريا المختلفة تمرير تلك الطفرات بين بعضها البعض لخلق سلسلة جديدة تماماً تستطيع مقاومة المضادات بشكل أوسع.
وعلى الرغم من هذا، لم يختبر العالم مشكلة تطوُّر مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية إلا بعد انقضاء فترة الثمانينيات، فقد اعتاد الأطباء، طيلة الفترة السابقة، إيجاد مضاد حيوي لعلاج بكتيريا ما، وعند تعذُّر عمل ذلك المضاد يستطيع الطبيب العلاج بمضاد آخر بكل بساطة.
بدأت تلك المشكلة تظهر جلية في التسعينيات بعد استنزاف كل الهياكل الكيميائية التي تم اختراعها طيلة الأعوام السابقة، حيث يعتمد العالم على صيغ كيميائية تم اكتشافها لتركيب المضادات الحيوية تعود لـ30 عاماً مضت، ما أسهم بشكل كبير في تكوين ما أطلِق عليه "سوبر بكتيريا" مُقاوِمة لأنواع المضادات الحيوية كافة؛ لكون العالم يُعيد استخدام الأدوية نفسها مراراً و تكراراً دون اكتشافات جديدة.
صارت السوبر بكتيريا أكبر خطر يُهدد العالم بأجمعه، خاصةً مع تزايد نسب مقاومة العدوى من البكتيريا، والاكتشافات المستمرة لتلك السلالات المقاومة التي لا تستجيب لأي علاج مُمكن.
وظهرت على سبيل المثال، بكتيريا السل المقاومة للمضادات على نطاق واسع ومخيف، في نحو 100 دولة حول العالم.

الاستسهال الطبي في وصفها عزز مقاومتها

كان ظهور سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات أمراً واجباً ومقدَّر الحدوث؛ نظراً إلى كون البكتيريا تعتمد على التحول الطبيعي للحفاظ على وجودها بتطوير طرق مختلفة للمقاومة، لكن أسهمت سلوكيات الإنسان بشكل كبير في دعم حدوث هذا عن طريق العديد من التصرفات غير المبررة.
فعلى سبيل المثال، اعتاد الكثير من الناس تناول المضادات الحيوية لعلاج نزلات البرد والأنفلونزا، على الرغم من كون المُسبب الرئيسي للأنفلونزا هو التهاب فيروسي وليس بكتيرياً، ما يجعله عديم الفائدة في تلك الحالة للإنسان.
بل على النقيض يؤدي المضاد خدمة جليلة للبكتيريا؛ لأنه يُساعدها على اختبار المضاد الحيوي وتطوير القدرة على مقاومته، علاوة على تدني الوعي الصحي والطبي في كثير من الأحيان، والذي يَنتج عنه عدم إكمال المريض الجرعة الكاملة المُقررة من المضاد الحيوي، الأمر الذي يُسهم بشكل كبير في تكوين سلالة مقاومة.
حتى المملكة الحيوانية لم تَسلم من تلك السوبر بكتيريا، حيث اعتاد المزارعون إضافة المضادات الحيوية في طعام الأسماك والدواجن على سبيل المثال؛ لزيادة وزنها وحمايتها من البكتيريا، ما يجعلها بلا طائل وسبب لا يُمكن أن نهمله عند تفسير زيادة مقاومة البكتيريا.

وإذا لم يتوصل العلماء لحلول بديلة يصبح خدش اليد البسيط مصيبة!

https://youtu.be/2_uB-8RzFYI

 

إن استمر تطور البكتيريا حتى تصبح المضادات الحيوية بلا فائدة، فسوف تتطور البكتيريا الضعيفة التي لم يكن لها أن تُصيب أكثر من حالات قليلة أو سهلة العلاج مثل الالتهاب الرئوي في الوقت الحالي، لتُصبح ضارة جداً ومُميتة.
علاوة على أن أسهل العمليات الجراحية سوف تُصبح مخاطَرة غير محسومة النتائج، خاصة مع كون الجلد البشري والبيئة المحيطة يحتويان على المليارات من البكتيريا، التي تدخل إلى مسار الدورة الدموية خلال العمليات الجراحية فيقاومها الجسم بمُساعدة المضادات الحيوية.
حتى الولادات القيصرية سوف تُصبح إجراءات طبية مُميتة في بعض الأحيان، إذا انتقلت مقاومة عدوى من الأم إلى جنينها.
وسوف ينتهي حلم كل مريض زرع أعضاء بالشفاء والعودة مرة إلى مصاف الأصحاء؛ حيث يقضي بروتوكول زراعة الأعضاء بضرورة إعطاء المريض مثبِّطات المناعة؛ للحيلولة دون رفض الجسم العضو المزروع، والاستعانة بمساعدة المضادات الحيوية لمقاومة أي هجوم بكتيري محتمل على المريض.
لذا فمُجرد جرح قطعي في اليد، أو خلع ضرس مؤلم، أو حتى علاج السرطان الذي يتطلب مساعدة المضادات الحيوية للحفاظ على صحة المريض، ستصبح كلها وسيلة سريعة جداً للهاوية إذا اختفت المضادات الحيوية، وبالطبع نهاية العالم مع وفاة أعداد مهولة من البشر حول العالم.

علامات:
تحميل المزيد