لماذا هناك تصميمات أزياء مُخصَّصة للكلاب أكثر من تصميمات الأزياء المُخصَّصة للمعاقين؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/21 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/21 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش

تشتهر مصممة الأزياء إيزي كاميليري، التي تعيش في مدينة تورونتو الكندية بأعمالها لمشاهير، مثل المغني البريطاني ديفيد بوي، والممثلتين الأميركيتين أنجلينا جولي وميريل ستريب. لكن هناك اختلافاً واحداً كبيراً في مجموعة الأزياء التي أطلقتها خلال الشهر الحالي، يونيو/حزيران، فقد كانت مُصَمَّمةٌ للأشخاص المُعاقين.

فبعد تنفيذ بعض التصميمات في بداية القرن الحالي لعميلٍ مشلول، أدركت إيزي، أن الملابس الموجودة حالياً لا تلائم النساء المُقعَدات على كراسيّ متحركة.

فعلى سبيل المثال، فإن وجود "إطار بالكرسي" يعني أن العديد من السراويل التقليدية تسقط أو تضغط على خصر العميل.

مصممة الأزياء هذه شغوفة بتصميم ملابس للمعاقين

وفي الوقت الحالي، نادراً ما توجد "الملابس الملائمة" -وهي الملابس المُصَمَّمة بهدف ملاءمتها للأشخاص المعاقين- وحين تتوافر، لا تكون مُوجَّهةً إلى الشباب البالغين المهتمين بالأزياء.

وتقول إيزي "كانت غالبية الملابس الموجودة ملائمة لكبار السن الذين يعيشون في دور الرعاية. أدركت أنه لا توجد أية ملابس مناسبة للأشخاص الأصغر سناً. تولَّدَ بداخلي دافعٌ لملء هذا الفراغ".

فهي بما تصممه تقدم خيارات جميلة لمستخدمي الكراسي المتحركة

في الواقع، أصبحت إيزي شغوفةً بهذا الموضوع، لدرجةٍ جعلتها تُطلِق مجموعة أزياء ثورية تسمى "IZ" في عام 2009، وتعد المجموعة واحدةً من أوائل خطوط الأزياء المُصمَّمة لمستخدمي المقاعد المُتحرِّكة.

ولا تسقط السراويل من الخلف أو تضغط على خصر مُرتديها. كما قُصَّت المعاطف حتى يتسنَّى للعميل ارتداؤها بينما يجلس على الكرسي، إذ يُغطي المعطف الفخذ من الأمام، بينما لا يتجاوز طوله مقعد الكرسي من الخلف تجنباً لتراكمه وراء ظهره.

وأيضاً تلبي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة

وتذهب السلسلة الجديدة من مجموعة أزياء إيزي -التي تحمل اسم IZ Adaptive– إلى ما هو أبعد من احتياجات مستخدمي الكراسي المتحركة، لتلبي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة.

وتأتي السراويل حالياً بعروةٍ أفقية للسحب على جانبي الخصر ووسط الظهر، يمكن أن تنزلق خلالها أصابع الأشخاص، الذين يعانون مشكلاتٍ في الحركة والتوافق العضلي خلالها لرفع السروال وارتدائه، دون الحاجة إلى الإمساك به.

وتتسم هذه السراويل كذلك بخصرها المرن، ما يُستعاض به عن الحاجة إلى سحَّاب. وتحتوي معاطف مجموعة الأزياء على أربطة مغناطيسية وعروة للسحب في السحَّاب.

أسعارها معقولة ويتم توزيعها في مختلف أنحاء العالم

وبدلاً من بيع مجموعة الأزياء فقط على موقع إيزي -مثلما كان الحال في مجموعات أزيائها السابقة الملائمة لاحتياجات المعاقين- فإنَّ مجموعة IZ Adaptive ستكون متاحة عبر موقع Zappos، المملوك لشركة أمازون العالمية، بينما سيبدأ متجر إيزي على الإنترنت في توصيل الملابس إلى مختلف أنحاء العالم بدءاً من الخريف المقبل، وستتوافر المجموعة المكونة من 55 قطعة بأسعارٍ أقل من المجموعة السابقة، إذ تتراوح بين 25 دولاراً (19 جنيهاً إسترلينياً) للتيشيرت و425 دولاراً للحُلَّة الرجالية.

تطأ إيزي بقدمها مشكلةً واسعة الانتشار. فلطالما أحببت الأزياء منذ مراهقتي، لكن سرعان ما أدركت أنها غير ملائمة لشخصٍ يستخدم كرسياً متحركاً. وعلى مدار سنوات، أنفقت الكثير من المال على تعديل التنورات والفساتين، التي تكون إما طويلةً للغاية أو قصيرةً جداً. ولا يمكنني شراء سراويل جينز تقليدية تحتوي على سحَّاب أو عروة للزر وسط خصري. وأفادت نتائج التدقيق الحكومي الأخير، في عام 2014، بأنَّ مدى إتاحة الظروف لتسهيل وصول الأشخاص المعاقين إلى خدمات شارع التسوق الرئيسي في بريطانيا كان صادماً، بدءاً من تمهيد مداخل المطاعم والمحلات ووصولاً إلى غرف تغيير الملابس، لكنَّ الموضوع طُرح للمناقشة على الأقل. ونادراً ما يُذكر مدى إتاحة وصول الأشخاص المعاقين إلى ملابس ملائمة لهم.

المشكلة في المحلات أن هناك كراسي للمقعدين لكن لا ملابس تلائمهم

وتعي ستيفاني توماس -التي تعمل في مجال استشارات الأزياء في مدينة لوس أنغلوس وصاحبة موقع Cur8able.com وهي مدونَة أزياء تهتم بملابس المعاقين- هذه التناقضات. وتقول ستيفاني: "في الولايات المتحدة، لدينا قانون الأميركيين ذوي الإعاقة، ما يعني أنَّ لدينا غرفاً جميلة لتغيير الملابس ملائمةً لدخول الكراسي المتحركة إليها، فضلاً عن قاعدة عدم وضع الملابس على الأرض من أجل الأشخاص المقعدين. وفي كل مرةٍ تذهب فيها إلى متجر، يمكنك سماعي أتمتم لنفسي قائلةً: منحدرٌ للكراسي؟ غرف تغيير الملابس؟ لكن لا توجد ملابس ملائمة؟!"

بيد أنَّ بعض العلامات التجارية الرئيسية تقترب ببطء من تحقيق ذلك. ففي أبريل/نيسان الماضي، أطلقت شركة تومي هيلفيغر ثاني مجموعتها الكاملة للأزياء الملائمة للمعاقين، بعد أن أطلقت خطاً لإنتاج ملابس تلائم الأطفال ذوي الإعاقة في عام 2016، فضلاً عن إطلاق سلسلة موسعة من الأزياء الملائمة للبالغين في العام الماضي 2017. ويرتدي مجموعة أزياء فصل الربيع The Tommy Adaptive للعام الجاري 2018 -التي تتسم باستخدام ألوان متناقضة وخطوط بالإضافة إلى مزيجٍ من ألوان الأزرق والأبيض والأحمر الذي يعد العلامة المميزة لأزياء تومي- عارضون من بينهم جيريمي كامبل الفائز بالميدالية الذهبية البارالمبية، ذو الساق الصناعية، وتشيلسي هيل الراقصة المقعدة على كرسي متحرك. وتتميز المجموعة الأخيرة بابتكاراتٍ مثل الأزرار المغناطيسية، وأطراف الملابس القابلة للتعديل (إذ يمكن فتح طرفها عن الرجل)، وفتحة رقبة يسهل ارتداؤها، وخصر يمكن تعديله، وسحَّاب يمكن استخدامه بيدٍ واحدة. وتتوافر مجموعة الأزياء هذه بالفعل في الولايات المتحدة، لكنها ستُعرض للبيع للمتسوقين البريطانيين في العام المُقبل 2019. وقال متحدثٌ باسم الشركة: "تكمن مهمة مجموعة أزياء Tommy Adaptive في أن تكون شاملةً، وتُمكِّن الأشخاص ذوي القدرات المختلفة من التعبير عن أنفسهم عبر الأزياء".

ومن عدة جوانب، يعد هذا الأمر تطوراً واضحاً في صناعةٍ تسعى دائماً لتغطية نطاقاتٍ جديدة. فإذا دخلتم أي متجر في أي شارع رئيسي، فستجدون ملابس مخصصة لأشخاصٍ بعينهم، سواء أكانوا أمهات أم أشخاصاً ذوي حجم كبير أو صغير. لذا لا يوجد أي منطق يمنع طرح ملابس للمعاقين كخطوة تالية. ولن يكون هذا الإجراء "قضية جديرة بالاهتمام"، بل فرصة اقتصادية ذكية. وفي كل الأحوال، فإنَّ العملاء المعاقين أبعد ما يكونون عن كونهم سوقاً متخصصاً ومحدوداً؛ إذ يعاني واحدٌ من بين كل خمسة أشخاص في إنكلترا وويلز إعاقةً، وتفيد تقارير بوجود نسبة مماثلة في الولايات المتحدة، ويعد الأشخاص المعاقون أسرع الأقليات نمواً، وفقاً للأمم المتحدة. وتبلغ القوة الشرائية للأشخاص المعاقين نحو 249 مليار جنيه إسترليني (329.8 مليار دولار) من إجمالي قيمة الاقتصاد البريطاني وحده.

حان الوقت أن نفهم احتياجاتهم، الجميع يريد ارتداء علامتهم التجارية المفضلة

وتقول ستيفاني، إن هذا أحد الأسباب التي تدفع الشركات إلى العمل من أجل فهم احتياجات عملائها المعاقين، وتغيير نبرة الدعاية بشكلٍ يلائمهم. وأضافت: "يريد الجميع ارتداء علامتهم التجارية المفضلة. لا يريد الناس ارتداء علامةٍ تجارية تقول: أنا مختلفٌ للغاية عنك بطريقةٍ سلبيةٍ".

يأتي التطور الذي بدأنا نشهده في صناعة الملابس كاستحقاقٍ تأخر كثيراً. ومثلما قالت ستيفاني -المصابة ببتر في الأطراف منذ ولادتها- في حديثها الرائع في مؤتمر تيد عن الملابس الملائمة للمعاقين في عام 2016: "لدينا ملابس في المتاجر للكلاب أكثر من الملابس المتاحة للأشخاص المعاقين". وإلى جانب شركة تومي هيلفيغر -التي تعد إحدى العلامات التجارية الرئيسية النادرة التي تبيع ملابس ملائمة للمعاقين- يمتلئ السوق بالعديد من الشركات المستقلة صغيرة الحجم؛ إذ توفِّر شركة Chairmelotte التي يقع مقرها في هولندا "تصميمات أزياء تناسب الكراسي المتحركة" بينما توفر شركة Abl Denim الأميركية سراويل "جينز" تلائم الأشخاص المعاقين، بدءاً من السروال الجينز خفيف الوزن المرتفع عن الخصر المخصص لمستخدمي الكراسي المتحركة، لتجنب "انزلاق السروال للأسفل"، ووصولاً إلى عروة الخصر المعكوسة المصممة لتلائم الأشخاص المصابين باضطراب التكامل الحسي. وتوجد أيضاً شركات مختلفة في دول عديدة. وفي الوقت الذي تبدو فيه أميركا الشمالية وأجزاء من أوروبا قادرة على تحقيق مكاسب في هذا الشأن، تتخلف بريطانيا عنها.

تأمل إيما ماكليلاند -من مدينة مانشستر البريطانية- في تغيير هذا الوضع. ففي ديسمبر/كانون الأول، استقالت إيما (30 عاماً) من منصب مديرة التحرير في شركة محاماة، من أجل إطلاق خط إنتاج Kintsugi Clothing الذي يهدف إلى أن يكون "معاصراً للأزياء ومتاحاً بسهولة وشاملاً". ويُعَد ذلك من الأعمال المُحببة إلى إيما، والمشروع ممول من مدخراتها وعملها الحر، وتبيع بيتها حالياً لضخ استثمارات في تطوير سلسلة أزيائها. كان حديث ستيفاني في مؤتمر تيد هو ما ألهمها للالتفات إلى سوق الملابس الملائمة للمعاقين. وتقول إيما: "أُصبت بالدهشة عندما وجدت أن غالبية الملابس الموجودة في السوق لونها بني فاتح ومملة وقبيحة. وكلما قرأت عن الموضوع، رأيت مدى تهميش الأشخاص المُعاقين حتى من أشياء بسيطة كالأزياء".

ولكن هل تعلمون أن هناك علامات تجارية بدأت بالفعل لكنها تقتصر على كبار السن

وأشارت إلى وجود سلاسل أزياء بريطانية ملائمة للمعاقين مثل Adaptawear وAble2Wear، لكنَّها موجهة لكبار السن ومقدمي الرعاية، وليس الشباب البالغ المستقل والعملاء المهتمين بالأزياء.

وبعد أن أجرت إيما أبحاثاً على الملابس مع بعض مختصي العلاج الوظيفي وفرق المعاقين الرياضية المحلية، تعمل حالياً مع مصنع لتطوير عينات لتجربتها على مستخدمين معاقين. وستشمل سلسلة الأزياء قميصاً برباطٍ مغناطيسي ورباط لاصق، وفساتين مكوَّنة من قطعتين وحُلَّات جمبسوت لمستخدمي الكراسي المتحركة، بالإضافة إلى تنورات بها جيوب لوضع أكياس القسطرة وأحزمة لتثبيت أكياس الإخراج، المستخدمة في عمليات إخراج فضلات الأمعاء خارج الجسم.

ويُنبئ تحول قطاع الملابس الملائمة للمعاقين إلى سوقٍ قابل للنمو بالكثير عن تغيُّر علاقة صناعة الأزياء بفكرة الإعاقة؛ إذ إنها بدأت تتجاوز فكرة أن الإعاقة ليست مصدر إلهامٍ كافياً للأزياء، وأنها أحد أوجه التنوع التي يمكن إقصاؤها (إذ لم يظهر على عدد شهر مايو/أيار من غلاف مجلة فوغ البريطانية -الذي لاقى استحساناً واسعاً وعُرِّف بأنه احتفالٌ "بالتنوع عبر إدارة المجلة"- أية عارضة معاقة). لكنَّ الأكثر من ذلك هو أنَّ عدد المجلة يخاطب الافتراضات الأوسع في الثقافة الشعبية حول ما يمكن اعتباره إعاقة.

وفي الشهر الماضي مايو/أيار، وجدت دراسةٌ أجرتها جمعية Scope  للمعاقين، أنَّ واحداً من بين كل 8 أشخاص لم يفكر قط في الأشخاص المعاقين على "أنهم أناس مساوون للآخرين". وتعتقد ستيفاني أنَّ التقدم البطيء في "صناعة الأزياء الملائمة للمعاقين" هو سهوٌ نابع من طريقة التفكير هذه، أكثر من كونه محاولة مقصودة لإقصاء العملاء المعاقين. ومثلما قالت ستيفاني، لم يُدمج الأشخاص المعاقون -الذين يُحكَم عليهم  في كثير من الأحيان بأنهم "غرباء وقبيحون"، أو يفتقدون للرغبة الجنسية، أو أنهم يخضعون لرعاية مؤسسية- داخل المجتمع طوال التاريخ، ولم يبدأ هذا الوضع في التغيُّر إلا مؤخراً. وتحاول صناعة الملابس، مثل أي جزء آخر في المجتمع، اللحاق بهذا التغيير. وقالت ستيفاني: "لا يمكنك خدمة شخص لا تعطيه أية قيمة، ولا يمكنك منح أُناسٍ لا تراهم قيمة. فإذا لم ير المرء الأشخاص المعاقين على أنهم عملاء لصناعة الأزياء، فإنَّ احتياجاته لن تؤخذ في الاعتبار، ولن تُلبَّى. يجب تغيير الصورة الذهنية عن الإعاقة. ويجب تغيير الحوار المجتمعي".

ربما كان نمو صناعة الملابس الملائمة للمعاقين جزءاً محورياً في هذا الحوار، الذي يبدأ في فهم أن احتياجات الشخص المختلفة لا تعني أن اهتماماته مختلفة أيضاً.

علامات:
تحميل المزيد