على مدى العقدين الماضيين، تم التسويق بقوة للأنظمة الغذائية التي تحوي نسبةً عالية من البروتين على أنها الحل السحري لخسارة الوزن وشحذ تلك العضلات المفتولة. سواء كان المصدر الحميات الغذائية أو برامج اللياقة البدنية أو مكملات البروتين، اتخذت هذه البرامج مسميات مختلفة وترادَف تسويقها مع صورة الشاب مفتول العضلات والمرأة ذات البطن المسطح والمقطع.
وفي حين تسهم هذه الأنظمة الغذائية في ملء خزائن الشركات، أفادت الأبحاث العلمية في العديد من المناسبات، بأنها قد تضر بصحتنا. وتجدر الإشارة إلى أن صناعة مكملات البروتين أو whey protein بلغت 9.2 مليار دولار في سنة 2015.
بالإضافة إلى هذا القدر من الأدلة المتزايدة، أفادت دراسة نشرت مؤخراً من قِبل باحثين في جامعة Eastern Finland، بأن اتباع نظام غذائي عالي البروتينات أدى إلى زيادة خطر الإصابة بقصور القلب بنسبة 49%.؛ إذ راقب الباحثون سجل 2400 رجل في منتصف العمر على مدار 22 سنة.
العديد من الدراسات السكانية طويلة المدى توصلت إلى أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من البروتين، خاصة اللحم الأحمر والمعالج، أكثر عرضة للبدانة؛ فضلاً عن إمكانية إصابتهم بالسكري من النوع الثاني، فضلاً عن لائحة طويلة من أمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان القولون.
ويبرز التساؤل، في هذا الشأن، عن السبب الذي يدفع البعض لإقناعنا بتناول المزيد من البروتين.
ابحث عن ممولي الدراسات التي تنصح وتحلّل
أستاذ التغذية وعلم النظم الغذائية بكلية كينغز في لندن، توماس ساندرز، قال لصحيفة The Guardian البريطانية إن الأستاذ ينيفن سكريمشو، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان أول من أشار إلى وجود خلل على مستوى البروتينات في أنظمتنا الغذائية، في الستينات.
وأفاد سكريمشو بأن البروتين داخل مصادر نباتية، مثل الخضاروات، يفتقر إلى الأحماض الأمينية الحيوية، وهو ما يستدعي الحاجة إلى تناول المزيد من البروتينات الحيوانية.
وأضاف ساندرز قائلاً: "كانت أغلب هذه الدراسات مدعومة من قبل صناعة الأغذية الحيوانية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت تسعى إلى دفع الناس لتناول كميات أكبر من اللحوم. ومع ذلك، تبين لاحقاً أنه بإمكانك الحصول على جميع الأحماض الأمينية التي تحتاجها في حال تناولت مجموعة متنوعة من الخضراوات، وذلك بموجب معطيات توصلت إليها دراسة نشرت سنة 1972.
وفي الآونة الأخيرة، تم إحياء هذه النتائج من قبل صناعة الأغذية الصحية والأنظمة الغذائية، فضلاً عن ذكر بعض جماعات الضغط المختصة في مجال الزراعة".
"الحاجة إلى مخفوق البروتين مجرد خرافة"
في الواقع، مثلت ثقافة النوادي الرياضية التي برزت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى الاتجاه الجديد نحو اكتساب الكتلة العضلية، أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى زيادة استهلاك البروتين.
ويعتقد العلماء أن فكرة حاجتك للمزيد من البروتين في نظامك الغذائي لبناء العضلات، سواء كان ذلك عن طريق تناول اللحوم أو المكملات الغذائية مثل مخفوق البروتين، مجرد خرافة.
وتكبير العضلات يعتمد على تمرينها فقط
في هذا الصدد، أورد ساندرز أنه "في الوقت الحالي، هناك بعض التجارب الجيدة التي تفيد بأن تزويد الأشخاص بكميات إضافية من البروتين لا يزيد في الواقع من كتلة العضلات، حيث إن التمرينات وحمل الأثقال وحدها قادرة على بناء العضلات.
ويمتلك الجسم عدة طرق للاحتفاظ بالبروتين الموجود حتى تتمكن من بناء عضلاتك. وفي حال كنت تتناول كميات إضافية من البروتين، غالباً ما يعمل الجسم على تفكيكها وتحويلها إلى مركبات الأمونيا واليوريا، ليفرزها فيما يعد على شكل فضلات".
%10 فقط حاجة الجسم من السعرات اليومية على شكل بروتين
بالمقارنة مع الثدييات الأخرى، يتميز الإنسان بقدرته على التكيف مع مستويات البروتين المنخفضة نسبياً، حيث يتطلب الجسم البشري مقدار 10% فقط من حاجاته من السعرات الحرارية اليومية على شكل بروتين، وهو ما يعادل نحو 50 أو 60 غراماً بالنسبة للشخص العادي.
في المقابل، توصل المسح المتعلق بالأنظمة الغذائية في المملكة المتحدة إلى استنتاج مفاده أننا نتناول قدراً أكبر من البروتين الذي نحتاجه فعلاً بما يتراوح بين 75 و100 غرام.
والتلاعب بالنسب له عواقب وخيمة في المستقبل
على امتداد السنوات الخمسين الماضية، وجد الباحثون أن التلاعب بحاجاتنا الطبيعية من البروتين يمكن أن يكون له عواقب وخيمة في جميع مراحل حياتنا.
يحتوي الحليب الطبيعي للأم على نسبة ضئيلة من البروتين. وعندما تم استخدام حليب البقر لإيجاد بديل صناعي لحليب الأم لأول مرة، وجد الباحثون أن القدر الكبير من البروتين يسبب معدلات نمو متسارعة خلال فترة رضاعة الطفل.
لاحقاً، بات هذا النمو مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان، مما أجبر مصنعي الحليب على ملاءمة الصيغة المكونة للبديل الصناعي حتى تشمل مستويات أقل من البروتين.
إذا كان البروتين هاماً فلماذا يضرّ الإنسان؟
بالنسبة للبالغين، لطالما ارتبط استهلاك كميات كبيرة من مصادر البروتين، على غرار اللحوم الحمراء، مثل لحم الضأن ولحوم الأبقار، فضلاً عن اللحوم المعالجة والمدخنة، بخطر الإصابة بمجموعة متنوعة من الأمراض المزمنة.
وفي حين أن هذه الاتجاهات معروفة منذ وقت طويل، فإن العلماء شرعوا مؤخراً في جمع الأدلة حول تسبب هذه اللحوم في التعرض لتلك اللائحة الطويلة من الأمراض.
توجد علاقة معقدة للغاية بين اللحم الأحمر أو المعالج وأمراض القلب. وقد تكون تركيبة البروتينات المكونة لهذه اللحوم دليلاً على طبيعة هذه العلاقة. تحتوي اللحوم الحمراء على نسب عالية من الحديد، في حين أن ارتفاع مستوى الملح من أبرز خصائص اللحوم المعالجة. ويعرف الحديد والملح بآثارهما السلبية على القلب في حال كانا بتركيز مرتفع.
تزيد المستويات العالية للبروتين من كمية اليوريا التي ينتجها الجسم، وهو ما يحدث ضغطاً إضافياً على الكلى. والجدير بالذكر أن هذا الخطر يتزايد مع التقدم في السن، حيث تنخفض وظائف الكلى بشكل طبيعي. وعلى نحو غير مفاجئ، توصلت الدراسات إلى تبين العلاقة بين أمراض الكلى والحميات الغذائية التي تتضمن كميات كبيرة من اللحوم الحمراء.
ثالوث الكلى والقلب والأوعية الأكثر تأثراً
في هذا الصدد، أورد ساندرز أن مرض الكلى المزمن يساهم أيضاً في مشاكل بالقلب والأوعية الدموية، وبشكل خاص فشل القلب. وتتولى الكلى مهمة تنظيم عدة وظائف في الجسم، على غرار ضغط الدم. ويعتقد أستاذ علم النظم الغذائية أن أحد الأسباب التي تجعل من تناول كميات كبيرة من البروتين سبباً وراء الإصابة بفشل القلب يمكن أن يكون مرتبطاً بالكليتين اللتين تعجزان عن التكيف مع هذه الكميات أيضاً.
طوّر العلماء عدة نظريات تتعلق بالأسباب التي تفسر ارتباط تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء والمعالجة بالإصابة بسرطان القولون، خاصة عندما يكون اللحم مطهواً بشكل مبالغ فيه. ويمكن للتفاعلات الكيميائية بين الحرارة والأحماض الأمينية في البروتين أن تؤدي إلى إفراز مجموعة متنوعة من المركبات الكيميائية مثل الأمينات الحلقية غير المتجانسة والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، التي يعتقد بأنها مسرطنة.
كما يمكن لكمية النترات العالية الموجودة في المياه أن تسبب التهاباً شديداً في الأمعاء، مما يؤدي إلى التعجيل بانقسام الخلايا المرتبطة بالسرطان.
يليه تغيير درجة حموضة الجسم ومن ثم احتمال السرطان
بينت أبحاث في مجال الميكروبات البشرية أن الأنظمة الغذائية التي تتضمن نسباً عالية من البروتين يمكن لها أن تغير درجة الحموضة، وهو ما يؤدي إلى تغيير بكتيريا النبيت الجرثومي الطبيعية التي توجد في الأمعاء، مع التسبب في عواقب أخرى تنذر بالإصابة بأمراض سرطانية.
قال ساندرز إنه "إذا راقبت الأشخاص الذين يتناولون غذاء لا يحتوي على الكثير من اللحوم، فستجد أنهم يمتلكون بكتيريا نبيت جرثومي معوي مختلفة تماماً عن الأشخاص الذين يستهلكون وجبات غذائية ذات نسب عالية من اللحوم. وتعمد هذه البكتيريا إلى تحليل عصارة المرارة في الأمعاء وتحولها إلى أحماض عصارة صفراء ثانوية يعتقد أنها تعزز نمو الأورام".
الدجاج والبقوليات خيار أفضل وأقل استهلاكاً للجسم
عادة لا يكون لجميع أصناف البروتين هذه النتائج السلبية على صحة الإنسان. فغالباً ما يتمتع البروتين المستخرج من الدواجن ومنتجات الألبان والنباتات مثل الفول والبازلاء والمكسرات بتأثير محايد على الجسم، فضلاً عن كونه مفيداً لصحة القلب والكلى، وذلك شريطة أن يتم استهلاكه على نحو معتدل.
والاعتدال والتنويع سر الحمية الصحية
ولعل واحدة من أكثر المشاكل المتعلقة بالنظام الغذائي عالي البروتينات تتمثل في اتباع نظام غذائي غير متوازن؛ نظراً إلى أنه يعني وجود نقص في عنصر غذائي آخر بالغ الأهمية.
أفاد ساندرز حيال هذا الأمر، بأن "النظام الغذائي المتوازن يجب أن يلبي جميع متطلباتك الغذائية ويحول دون الإصابة بالأمراض المزمنة. وغالباً ما تكون الوجبات الغنية بالبروتين ذات نسبة منخفضة من الألياف. ونعتقد أن سرطان القولون والسمنة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بانخفاض نسبة الألياف. ولطالما كانت هناك مواقف سلبية إزاء السمنة على مر السنوات، ولكن خلال الدراسات السكانية الكبرى، اتضح أن زيادة الوزن تحدث عندما تكون نسبة كبيرة من الغذاء متأتية من البروتين الحيواني".