أخيراً وجدوا تأشيرتهم الإلكترونية الدائمة.. “الرحالة الرقميون” يضعون حجر الأساس لمدينة المستقبل في إستونيا

أعلنت إستونيا قريباً عن أول تأشيرة رسمية للرحالة الرقميين. ويُخوِّل التصريح للرحالة العمل مدة 365 يوماً في إستونيا، وضمن ذلك 90 يوماً من السفر بمنطقة شنغن

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/26 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/26 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش

نيكول تان شابة من سنغافورة، تعمل في تسويق المحتوى وتبلغ من العمر 29 عاماً.

في العام الماضي (2017)، زارت أماكن كافية لدرجة بكاء أحد متابعيها على إنستغرام: جامايكا، وميامي، وبورتلاند، وسان فرانسيسكو، ولوس أنجلوس، وبودابست، وسلوفينيا، وبرلين، ولوكسمبورغ، وآيسلندا، ورومانيا، وبولندا، وباريس، وأمستردام، وتايلاند.

في كل هذه الأماكن تقريباً، استمرت حياتها العملية كالمعتاد. وتقول: "في العام الماضي (2017)، كنتُ أتحرك كل أسبوعين، أو كل يومين تقريباً. كنتُ أقول لنفسي: حان الوقت للذهاب، حان الوقت للذهاب. عليّ أن أذهب إلى مكانٍ ما"، كما أوردت صحيفة The Guardian البريطانية.

نيكول واحدة من عددٍ متزايد من "العمال المستقلين مكانياً"، أو الرحالة الرقميين. ومثلها مثل الكثيرين منهم، غالباً ما يتعين عليها التحرك دون أن يلاحظها أحد؛ لأنَّ الحكومات لا تعترف بالطريقة التي تعمل بها.

الرحالة الرقمي يبحث عن تأشيرة سياحة أو ترخيص عمل

تستطيع هي والآلاف من الرحالة الآخرين السفر بتأشيرة سياحة أو العمل لحساب شركة محلية، ولكن، على الرغم من أنَّ الحكومات تغض الطرف غالباً، فإنَّ عملهم عن بُعد يعد أمراً غير قانوني.

لكن، في مدينةٍ واحدة على الأقل، لن يكون هذا هو الحال فترة طويلة. كانت نيكول تجلس في Lift99، وهو مساحة عمل مشتركة بمدينة تالين عاصمة إستونيا. إنَّها جزء من مدينة تليسكيفي الإبداعية، وهي عبارة عن خلية من الألوان والمشاريع بالقرب من محطة السكك الحديدية الرئيسية. المجمع الذي كان في يومٍ من الأيام موطناً لمصنع إلكترونيات كالينين الكبير أصبح يستضيف الآن 250 شركة و8 مطاعم ورواقاً من المتاجر المستقلة. وهناك طاولات للعبة تنس الطاولة، وسوق للسلع الرخيصة أو المستعملة.

وتوجد كذلك لوحة جدارية تُظهر هيكلاً عظمياً يأخذ صورة سيلفي مع شخصية عصرية (محاكاة ساخرة للوحة Danse Macabre للفنان بيرنت نوتكي، التي تعد مَعلماً سياحياً مهماً في كنيسة القديس نيقولاوس القريبة).

إستونيا تخطط لتطبيق هذا "الإجراء الرائع" للرحالة الرقميين

أعلنت إستونيا قريباً عن أول تأشيرة رسمية للرحالة الرقميين. ويُخوِّل التصريح للرحالة العمل مدة 365 يوماً في إستونيا، وضمن ذلك 90 يوماً من السفر بمنطقة شنغن. وبما أنَّ مواطني الاتحاد الأوروبي يستطيعون بالفعل التحرك والعمل بِحرية، فإنَّ التأشيرة تستهدف الناس من أماكن أبعد: الولايات المتحدة وآسيا وأميركا اللاتينية (وربما بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي). وسوف تدخل التأشيرة حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2019.

وتقول نيكول: "أعتقد أنَّه إجراءٌ رائع. لقد حان الوقت ليكون لدينا شيءٌ من هذا القبيل".

بشكل عام، إستونيا هي الدولة التي يحدث فيها كل شيء عبر الإنترنت. الوصول إلى الإنترنت مُكرَّس كحق أساسي من حقوق الإنسان. يتعلم الأطفال، البالغون من العمر 7 سنوات، البرمجة. ويمكن للمواطنين التصويت وتأمين الرهون العقارية وفتح الحسابات المصرفية من خلال ثاني أسرع شبكة لا سلكية عامة في العالم. ويمكنك فتح نشاط تجاري خلال 10 دقائق دون مغادرة طاولة المقهى.

وهي بلد يتميز بقوة الشركات الناشئة

يوجد فقط باب دوار بين مجال التكنولوجيا والحكومة وإجراءاتها. ونتيجةً لذلك، غالباً ما تجد المثالية المتفاخرة لجهابذتها الرقميين طريقها إلى سياسة الحكومة.

تالين هي مسقط رأس برنامج سكايب، الذي بُنِيَ نجاحه الهائل في أوائل العقد الماضي حول العمل الأساسي لمطوري البرامج في إستونيا. أظهر شباب هذه الدولة السوفييتية السابقة باردة المناخ، أنَّه يمكن تحقيق أشياء عظيمة.

ويقول نوريس كوبل، الرئيس التنفيذي لتطبيق Monese المصرفي: "يبدو الأمر كأنَّ الشركات الناشئة قد استحوذت على المدينة". يظهر على الجدار في Lift99 حائط مشاهير مافيا إستونيا #EstonianMafia، الذي يسرد الشركات التي بلغت استثماراتها 5 ملايين دولار مثل شركات Pipedrive، وTransferWise، وFunderbeam، وTaxify.

وتُمنح تأشيرة الرحالة الرقمية عن شركة ناشئة كذلك

إنها شركة Jobbatical، التي تشجع الشركات على نشر شبكات توظيفها على نطاق أوسع من المعتاد. وفي مكتب الشركة، التي تحتل مبنىً سكنياً مُحوَّلاً بمنطقة كالامايا الصناعية سابقاً في تالين، وسط أكياس القماش وكؤوس الحلويات والعبارات التحفيزية على الجدران، يعمل الموظفون، البالغ عددهم 39 شخصاً، من 15 جنسية مختلفة، للربط بين العمالة الرقمية المتنقلة وأصحاب العمل في جميع أنحاء العالم.

في البداية، ناقشتْ كارولي هيندريكس، مؤسِّسة ومديرة شركة Jobbatical، موضوع إصدار تأشيرة للرحالة الرقميين مع رئيسة إستونيا الشابة، كيرستي كالجولد، منذ أكثر من عام، وقدمت لها حلماً جريئاً لمستقبل دون حدود وطنية.

وقالت في حديثٍ ألقته أواخر العام الماضي (2017) على منصة TEDx: "الحدود ليست انعكاساً للسياسة والسياسيين. إنَّها انعكاسٌ للحدود في رؤوسنا، إنَّها الحدود التي تمنعنا من السعي وراء أحلامنا … أنت، أنا، نحن، نحن حرس الحدود في حياتنا".

ومدينة تالين تفهم معنى الحدود المفتوحة

كيلو فانتسي العاملة في وزارة الداخلية لديها مهمة أكثر اعتيادية، تتمثل في إزالة السُحُب الدبلوماسية من سماء هذه الرؤية الزرقاء.

تقول فانتسي: "لأكن صريحة، القوى العاملة في العالم العولمي تتحرك باستمرار. تستند قوانين تأشيرات السَّفر (الفيزا) وتصاريح العمل إلى ظروف العمل التقليدية، حيثُ تعيش وتعمل في مكانٍ واحد، لكنَّ القوانين لم تجارِ التطوّرات في مجال العمل. لذا نظن أنَّ الوقت قد حان".

يمكن القول إنَّ التجارة المترحّلة هي جزء من طبيعة مدينة تالين.

حدَّد أحد الجغرافيّين العرب قبل 850 عاماً مكانها على الخريطة، وهو أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي، ومن وقتها استضافت المدينة تجّاراً من مختلف الأنواع، منجذبين إلى موقعها الساحلي الذي يربط أوروبا بروسيا. ومنذ القرن الثاني عشر، غزت الجيوش السويدية والألمانية المدينة، بالإضافة إلى أنَّ روسيا قد احتلتها 3 مرات، ووصل إجمالي سنوات احتلال روسيا إياها 250 سنة.

وفي آخر مرة دخل فيها السوفييت، مكثوا فيها أغلب مدة القرن العشرين. وكافحت إستونيا بعد استقلالها في عام 1991 للتخلّص من الركود الناتج، وذلك عن طريق التحوّل إلى الغرب، والاستثمار بشكل كبير في البنية التحتية الرقمية.

إستونيا يمكنها القيام بكل شيء عبر الإنترنت

يوفر برنامج الإقامة الإلكترونية الشهير في إستونيا، منذ إطلاقه عام 2014، للمواطنين بكلِّ مكان الوصولَ إلى منصاتها الإلكترونية دون الحاجة إلى أن يعيشوا في البلاد. يستطيع المقيمون الإلكترونيون بدء مشروعٍ تجاري، وإجراء عمليات الدفع، وتوقيع المستندات عبر الإنترنت، تماماً مثل الإستونيِّين العاديِّين.

من الواضح أنَّ تالين ترغب في جذب نوع معيّن من الأشخاص، أي أولئك العابرين للحدود البارعين في استخدام الحواسيب المحمولة.

وحتى المسمّى الوظيفي المُعطى إلى رئيس المسوّقين لبرنامج الإقامة الإلكترونية يحمل نكهة وادي السيليكون، فهم يُسمّونه "رئيس المبشّرين". ويقول آدم رانغ الذي يشغل المنصب، إنَّه "أمرٌ تقوم به الكثير من شركات التكنولوجيا، نحبّ أن نعتبر أنفسنا شركة حكومية ناشئة".

بمكتبه في مركز تالين الإبداعي الرئيسي Tallinn Creative Hub، يقول رانغ إنَّ "الإقامة الإلكترونية تحاول تغيير العالم. ونحن ننفي ذلك: لقد تغيّر العالم بالفعل، ونحن نحاول أن نجاريه". كان هذا المركز في السابق المحطة المركزية لتوليد الطاقة بمدينة تالين، واستُخدمت هذه الوحدة الصناعية الباعثة على الاكتئاب بواسطة المخرج أندري تاركوفسكي في فيلمه Stalker عام 1979.

ويقول رانغ: "لقد تأكّدنا من أنَّ إستونيا باستطاعتها القيام بكلّ شيءٍ عبر الإنترنت، قبل وقتٍ طويلٍ من ظهور الرحالة الرقميين. لذا يبدو من المنطقي أننا طالما نملك تلك الفرص، يجب أن نوفِّرها لغير الإستونيِّين كذلك".

وتسعى لتحويل المواطن الرقمي إلى مواطن مقيم

وضع البرنامج في البداية هدفاً عظيماً للوصول إلى 10 ملايين "مواطنٍ رقميٍّ" بحلول عام 2025، ويمتلك البرنامج حالياً 40 ألف مواطن، وعدَّل هدفه إلى 20 ألف شركة إقامة إلكترونيّة بحلول 2021. ويعمل البرنامج في هذه الأثناء على شبكة اجتماعية على غرار LinkedIn وتطبيق سيُطلَقان هذا الصيف.

لا تُعدّ الإقامة الإلكترونية سبيلاً رسمياً للحصول على الإقامة الكاملة، لكن "توجد طريقة لعمل ذلك"، وفقاً لرانغ الذي يقول: "حالما يسافر المواطنون الإلكترونيون إلى إستونيا، ويبدأون العمل مع الشركات الإستونية، تُصبح اتخاذ خطوة العيش فيها سهلة جداً".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تجاوَز عدد الطلبات الشهرية معدّل المواليد بالبلاد. وفي الوقت الذي تحتاج فيه إستونيا إلى جذب 440 ألف مهاجر من أجل الحفاظ على تعداد سكانها الحالي البالغ 1.3 مليون نسمة، يُمكن النظر إلى الإقامة الإلكترونية وتأشيرة سفر الرحالة باعتبارهما سياسة حدودية ذكية: ففي حين يوجد 65 مليون نازح بعصر الهجرة الحالي، يُعد انتقاء البارعين في استخدام الحاسوب منهم حيلةً دبلوماسية.

وأبناء إستونيا يحاولون نسيان ما فعله الاتحاد السوفييتي

وفي الواقع، يُمكن القول إنَّ المدينة تهدف إلى الحدّ من نفوذ روسيا فيها، عن طريق ملئها برواد الأعمال الغربيين. لكنّ تالين لا تزال موطناً للكثير من الإستونيين المتحدثين بالروسية، وهم بقايا المهاجرين العاملين في الصناعة الذين نُقِلوا إليها للعمل في المصانع السوفييتية العملاقة.

وتعيش أعداد كبيرة في مبانٍ إسمنتية ضخمة قميئة، في مناطق تشكّل نموذجاً للمشاكل الاجتماعية، مثل مقاطعة لاسنامي المحرومة. وعلى الرغم من أن المتحدثين بالروسية يشكّلون نحو 36% من سكان المدينة، فإنَّ عدم الثقة التي يواجهونها من قِبل أبناء العرق الإستوني يتراجع ببطءٍ شديد. وتتضاعف احتمالية ألّا يجد الشباب من الروس-الإستونيين فرصة عمل عن نظرائهم من الإستونيين، بالإضافة إلى أنَّه رُفِضَ إعطاء المدارس الروسية في تالين الحق بتدريس العرقية الروسية بلغتها الخاصة.

الذاكرة هنا ممتدة. فعلى بُعد 30 ثانية مشياً على الأقدام من حيث تقوم فانتسي وفريقها بضبط رؤى البلاد عديمة الحدود، توجد زنازين تحت الأرض في سجن Pagari 1، حيثُ استجوبت لجنة أمن الدولة السوفييتية "KGB" القوميين الإستونيين. ويقول دانيال جيمس كول، وهو بريطاني يقيم في لاسنامي ترشّح مؤخراً للحكومة المحلية ضمن برنامج لتحسين البنية التحتية ورأب الانقسامات: "أنا لا أعرف أيَّ مواطنٍ إستونيٍّ ليست لديه قصة عن شخصٍ ما في عائلته تأثر مباشرةً بعمليات القتل أو التعذيب".

لكنَّ هناك صدوعاً في الواجهة الرقمية المزيفة

أكبر بنوك البلاد تُغلِق حسابات المقيمين الرقميين بصورةٍ جماعية، الأمر الناجم عن موجة من اتهاماتٍ بغسل الأموال في دول البلطيق. وتتزايد على منتديات فيسبوك النقاشات حول ما يخضع من أجله المقيمون الإلكترونيون للضريبة، وما يكفل لهم البرنامج.

ويقول ستِن لويغا، الذي يعمل محامياً للشركات: "نحن في الوقت الحالي نشبه الهمج قليلاً. كل ما نفعله هو توفير شيءٍ ما دون معرفة العواقب المترتّبة عليه. يُحب المسؤولون الحكوميون الإقامة الإلكترونية؛ لأنَّها شيء يمكنهم الحديث عنه عندما يزورون نظراءهم في الخارج. إلَّا أنَّه من المستحيل تقريباً فهم ما تستفيده إستونيا منها حقاً، كما أنَّ الناس صاروا متشكّكين فيها؛ لعدم وجود إجابات".

يشعر لويغا بالقلق من أنَّ رفع مستوى المشروع بسرعة كبيرة سيجعل من الصعب على المجتمعات المصرفية والقانونية في تالين توقُّع المخاطر. ويضيف: "افتُتح المشروع وكأنَّه مشروعٌ ناشيء؛ لأنَّ حكومتنا شابة ومتقدة بالحماسة؛ لذلك تحاول إثارة الإعجاب. لكنَّ الحكومة، الحكومة المسؤولة، لا يمكنها التصرف بطريقة الأعمال الناشئة. فـ9 من أصل 10 مشاريع ناشئة لا تنجح. ولا يُمكنك إيقاف الحكومة الوحيدة التي لدينا عن العمل لأنَّها لم تنجح".

والبعض يتساءل عن كل هذا الهوس بإنشاء الشركات

بل إنَّ أكثر المنتقدين اللاذعين لرؤية الدولة الإلكترونية الفاضلة لـ"أمةٍ رقمية عديمة الحدود" هو داريو كافين، الصحفي السويسري الذي يعمل لصالح إذاعة ERR، الإذاعة الوطنية الإستونية.

رسم كافين بضعة خطوط غير منتظمة على قطعةٍ من الورق في كافتيريا العمل؛ ليُريني مدى سهولة نقل المقيمين الإلكترونيين الأموال خارج الدولة عن طريق القروض، والتخلّف عن سداد ديونهم، وفتح شركةٍ جديدة في غضون دقائق. وقال: "أنت لا تعرف فيما يستخدم الناس هذا الشكل من إنشاء الشركات. ليس لديك أدنى فكرة! توفّر الحكومة إطاراً قانونياً، لكنَّهم لم يأخذوا في الاعتبار ما الذي يحدث حين يُتاح نظام مثل هذا بالمجان".

بعبارةٍ أخرى، يقول كافين: "إنَّه سلوكٌ تقليدي لإنشاء شركة. فعن طريق إنشاء شركة، تطوِّر حدّاً أدنى من المنتجات القابلة للبقاء. ثم تذهب إلى السوق في أقرب وقت ممكن لجذب الاهتمام". وضحك قائلاً: "يبدو الأمر كما لو أنَّ هؤلاء الأشخاص لا يدركون الآثار الواقعية لما يفعلونه، وأن لا شيء بهذه البساطة في الواقع. أرغب حقاً في معرفة ما إذا كانت الإقامة الإلكترونية مهمة جداً إلى درجة أن الجميع كان ينتظر حدوثها، أين هم كل الناس الذين كان من المفترض أن يأتوا طارقين أبوابنا؟ أين هم كل هؤلاء البشر بحقِّ الجحيم؟".

لكنْ حتى المتشكّكون متفقون على أنَّ تالين على المسار الصحيح

شباب المدينة متحمسون بصورةٍ عامة للمشهد التكنولوجي، الذي يعدّونه أفضل فرصة أمام إستونيا لتحقيق الازدهار، وأصحاب النفوذ في البلاد هم من الشباب المُمتلئين بالطاقة والأفكار (رئيس وزراء إستونيا يبلغ من العمر 39 عاماً، أما رئيس البلاد فيبلغ 48 عاماً).

ويقول كافين: "تمتّعت إستونيا بأكثر من 20 سنة من الاستقلال قبل الحرب العالمية الثانية والاحتلال السوفييتي، ثم صار المكان فوضوياً بالكامل بعد 1991، وأخرجوا أنفسهم منها معتمدين على أنفسهم، لقد كانت هذه الأعمال الرقمية بأكملها بمثابة حبل نجاة".

أعادت تالين بناء نفسها بعد أن دمّرها الاتحاد السوفييتي، وتحوّلت إلى مدينة المستقبل الرقمية عديمة الحدود، متحرّكةً بسرعة ومرونة تفتقدهما البيروقراطيات الأقدم. إنَّها مكان حيثُ تتطوّر الأفكار بسلاسة -أحياناً بسلاسةٍ شديدة- من أفكار الشركات إلى واقع. وتُوظَّف هذه الأفكار بذكاء لجذب العمال الرقميين المرتحلين، الذين يُتوقّع أن تصل أعدادهم إلى المليار بحلول عام 2035.

لكنَّ المثالية التقنية والحكومة ليستا شريكتين طبيعيتين؛ إذ تعمل الشركات الناشئة على خطابٍ من الجرأة غير العقلانية: إذا كان بإمكانك أن تحلم بأمر، فباستطاعتك فعله. أما الحكومات، فيتوجّب عليها أن تعمل بشكلٍ مسؤول لحماية كل فرد في المجتمع. وإستونيا، على الرغم من كل أوجه التقدم التي حققتها، لا تزال تكافح أسوأ عدم مساواة في توزيع الدخل بأوروبا.

وبالمثل، بناء مركز ونقطة تجمُّع للرحالة الرقميين من الصفر يعد هدفاً كبيراً. ولا يزال أمام تالين طريقٌ طويل قبل أن تصل إلى مستوى المدن الجاذبة العالمية مثل ميديلين وشيانغ ماي، حيثُ يتوافر كوكتيل جوز الهند بكمياتٍ كبيرة، ولا تختفي الشمس من السماء وقتاً طويلاً. أما في العاصمة الإستونية، بلغت درجة الحرارة في يوم الإعلان عن تأشيرة السفر الجديدة 11 درجة مئوية تحت الصفر.

لكن الثقافة في إستونيا هي ثقافة التفاؤل بإفراط. ويقول كول: "قد تكون مصابيح الشارع صدئة، وقد تكون الطرقات غير مُخطَّطة بدقة، لكنَّ تنفيذ ما يخطّطون له جارٍ، وسيواصلون العمل عليه إلى أن ينجح".

علامات:
تحميل المزيد