"ليس كل ما يخيف وحشاً حقيقياً".. هكذا يمكن أن نلخص المخاوف الوهمية التي تجتاح العالم من الميكروويف والإجهاد الزائد والأغذية المعدلة وراثياً.. على أنها من بين الآباء الرسمية لوحش السرطان.
ليس معنى أنها وهمية أنها "أورام حميدة" في الفكر الإنساني بل هي مشاكل حقيقية، لكنها كما تقول دراسة علمية بريطانية ليست في دائرة الاتهام في كارثة السرطان ولا تستحق حالة الهلع العالمي منها..
وفي المقابل فإن البعض ينشغلون بهذه الأسباب "الخرافية" للسرطان عن أسباب أخرى حقيقية للمرض لا يعرفها كثيرون.
أبرياء في قفص الاتهام بالمرض "الخبيث"
فقد كشفت دراسة حديثة أن خوف كثير من الناس من خطوط الكهرباء، والإضافات الصناعية، وتناول المشروبات من زجاجات بلاستيكية، اعتقاداً بأنها تسبب السرطان هي مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة، كما نقلت صحيفة The Independent البريطانية.
ويأتي الإجهاد على رأس قائمة المخاوف التي ليست في محلّها، إذ أنه – لحسن الحظ – لا يتسبب في الإصابة بمرض السرطان. ومع ذلك، يعتقد نحو 40% من الذين شملتهم الدراسة أنه عاملٌ مسببٌ للمرض، كما يعتقدون خطأً أن الأسباب التي تتبعه مباشرةً هي الإضافات الصناعية والطاقة الكهرومغناطيسية.
وقال الباحثون إنه من المقلق أن عوامل الخطر الحقيقية مثل حروق الشمس، وتناول المشروبات الكحولية، واللحوم الحمراء، ليست معروفة لدى الكثيرين، في الوقت نفسه.
وبحسب فريق الباحثين القائمين على الدراسة من كلية لندن الجامعية (UCL) وجامعة ليدز بشمال إنكلترا، كان الوصول السهل إلى المعلومات المضللة عبر الإنترنت والشبكات الاجتماعية أحد أسباب تلك المخاوف التي لا أساس لها من الصحة.
الخوف من الأغذية المعدلة وراثياً وهم
أثارت الدراسة – التي نُشِرت في المجلّة الأوروبية للسرطان European Journal of Cancer – تساؤلات بشأن المُسبِبات الحقيقية و"الخرافية" لمرض السرطان، وطُلِب من 1330 مشاركاً أن يشيروا إلى مدى موافقتهم أو اختلافهم مع قدرة بعض العوامل على التسبب في الإصابة بالمرض.
وتوصّلت الدراسة إلى أن الأغذية المعدّلة وراثياً، والمُحلّيات الصناعية، والعيش بالقرب من خطوط الكهرباء، والترددات الكهرومغناطيسية كانت ضمن مخاوف حوالي ثلث المشاركين.
يخافون الهواتف ويمنحون السيجارة صك البراءة
تمثّل الهواتف المحمولة مصدر قلق لواحد من بين كل 4 أشخاص، فيما يُنظر إلى الشرب من زجاجات بلاستيكية باعتباره خطراً بالنسبة لنحو 15% من المشاركين، وذلك على الرغم من أنه لا توجد أي أدلة قوية تدعم تلك المخاوف.
وفي الوقت نفسه؛ تشير الأدبيات العلمية بوضوح شديد إلى أن الكحوليات وعدم ممارسة الرياضة يعتبران عاملين خطيرين، إلا أن المشاركين كانوا يشيرون إلى اعتقادهم في صحة ذلك بدرجة أقل من إشارتهم إلى الإجهاد والطاقة الكهرومغناطيسية.
وخلال الدراسة، أشار 14% من المشاركين إلى أنهم غير موافقين على مزاعم اعتبار التدخين سبباً للسرطان، على الرغم من أنه أكبر الأسباب التي يمكن الوقاية منها.
وكتب الباحثون – بحسب ما نقلته الصحيفة البريطانية – أن "السمنة أيضاً لا يُعترف بتأثيرها الكبير، على الرغم من أنها تعد ثاني أهم مسببات السرطان التي يمكن تجنّبها".
وقال د. صامويل سميث من جامعة ليدز، إنه "من المثير للقلق أن نرى الكثير من الناس يعتقدون في صحّة عوامل خطر لا دليل مقنعاً عليها".
وأضاف سميث أنه "بالمقارنة مع الأبحاث السابقة، يبدو أن عدد الأشخاص الذين يعتقدون في صحّة أسباب غير مثبتة للإصابة بمرض السرطان قد ازداد منذ بداية هذا القرن، وقد يكون ذلك نتيجة لتغيّرات كيفية وصولنا إلى الأخبار والمعلومات عبر الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي".
وتابع قائلاً، "من المهم أن نُحسّن مستوى التعليم العام حول أسباب الإصابة بالسرطان إذا أردنا مساعدة الناس على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم، والتأكد من أنهم لا يقلقون بلا داعٍ".
قائمة الأسباب "الخرافية" كما جاء في الدراسة!
نقلت الصحيفة أن قائمة العوامل الخرافية التي يعتقد الناس خطأً في أنها تسبب السرطان قد شملت:
- الترددات الكهرومغناطيسية (بحسب اعتقاد 34.7% من المشاركين)
- الإضافات الصناعية على الأطعمة ( بحسب اعتقاد 41.1%)
- الإجهاد ( بحسب 41.7%)
- والمُحليات الصناعية (بحسب 31.3%)
- والأغذية المُعدّلة وراثياً (بحسب 34.1%)
العوامل الحقيقية التي يجهلها كثيرون
كما أشارت الدراسة إلى عدد من المسببات الحقيقية للإصابة بمرض السرطان، على الرغم من أنها لم تكن معروفة بالقدر الكافي لدى المشاركين. وقد شملت تلك القائمة:
- ممارسة النشاط البدني المعتدل لمدّة تقل عن 30 دقيقة 5 مرّات في الأسبوع (يجهله 35.1% من المشاركين)
- العدوى بفيروس الورم الحليمي البشري (يجهله 28.9% من المشاركين)
- تناول اللحوم الحمراء والمُصنّعة (يجهله 37.5 من المشاركين)
- عدم تناول 5 وحدات من الفاكهة والخضراوات يومياً (يجهله 28.3% من المشاركين)
- تناول أكثر من وحدة من المشروبات الكحولية – بحسب ما حددت منظمة الصحة العالمية – (يجهله 40.6% من المشاركين)
وقال د. ليون شهاب من كلية لندن إن "معتقدات الناس مهمة للغاية لأنها تؤثر على خيارات نمط الحياة الذي يتبعونه، وأولئك الذين لديهم وعي أفضل بالأسباب المؤكدة للإصابة بالسرطان كانوا أكثر ميلاً لعدم التدخين ولتناول المزيد من الخضراوات والفاكهة".
وقالت كلير هايد، من مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة الذي موّل الدراسة "يمكن منع 4 أشخاص من بين كل 10 حالات من الإصابة بالسرطان عبر تغيير نمط الحياة، لذلك من المهم أن نحصل على المعلومات الصحيحة لمساعدتنا في الفصل بين ما هو حقيقي وما هو زائف".
وأضافت قائلة، "التدخين، زيادة الوزن، والتعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية من الشمس، وحروق الشمس من أهم مسببات السرطان التي يمكن الوقاية منها. وعلى الرغم من أنه لا يوجد ضمان ضد الإصابة بالسرطان، يمكننا من خلال معرفة أهم عوامل الخطر أن نستغل ذلك لتقليل خطر الإصابة بالمرض بدلاً من إضاعة الوقت في القلق بشأن الأخبار المزيّفة".