ليس فلسطينياً ولا إسرائيلياً ولا أردنياً، قصة أب مقدسي يريد أن يسجل مولوده في الدنمارك ولا يستطيع إثبات جنسيته

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/13 الساعة 06:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/13 الساعة 06:13 بتوقيت غرينتش
"Hebron, West Bank, Palestinian Territories - October 21, 2010: Two Palestinian women and a girl walk down a city street in the divided city of Hebron. Palestinian movement is restricted in this downtown section due to the presence of several hundred Israeli settlers. On the stone wall in the background someone has scrawled the word Forgiveness."

يحكي عماد أبو هلال لـ"عربي بوست" رحلَته لتسجيل ابنه في بلد في الدنمارك، وكيف لا يزال يحاول حتى الآن تسجيل ابنه الذي لا يحمل أبوه جنسية فلسطينية ولا إسرائيلية، ويحمل عوضاً عن ذلك جوازاً أردنياً مؤقتاً (بدون مواطنة أردنية)، وقام بتوثيق عقد زواجه في محكمة شرعية أردنية بالقدس، ويستخدم عماد إسماً رمزياً لأنه يخشى أن تضر قصته موقفه القانوني.

عقد زواج أردني في القدس، كيف ذلك؟

ذهبت لتسجيل عقد زواجي في الدنمارك حتى أتمكَّن من إصدار وثائق لابني المولود حديثاً، يقول عماد، سألتني الموظفة المسؤولة عن مكان الزواج وجهة التوثيق، أجبتها في القدس، والعقد أردني مصدّق من المحكمة الشرعية الأردنية.
لم تفهم كيف يكون الزواج في القدس والعقد أردني وغير مصدّق من السلطات الإسرائيلية، يضيف عماد.
"فحاولت أن أشرح لها أن عقود الزواج تكون في محكمة شرعية أردنية، وهذا هو الإجراء المعتاد لدى فلسطينيي القدس"، والفلسطينيون في القدس ليسوا عرب 48 ولا مواطني السلطة الفلسطينية.

عقدان ومحكمتان وقانونان، لماذا الازدواجية؟

سجل عماد، كما حكى لـ"عربي بوست" عقدَه لدى المحكمة الشرعية الأردنية في القدس "ذهبت وزوجتي للمحكمة الشرعية الأردنية في القدس، وتلونا الصيغة المعتادة للزواج أمام الشهود"، لكنه لم يسجل العقد في المحكمة الإسرائيلية خوفاً من أن يفقد إقامته الدائمة في القدس، إذا وجدت السلطات الإسرائيلية أن لديه إقامة في دولة أوروبية أو أنه مقيم خارج القدس.
يقوم بعض سكان القدس بتسجيل عقودهم لدى السلطات الإسرائيلية "محكمة شرعية إسرائيلية"، لكن البعض الآخر يتخوف من أن يُفقده ذلك بعض الحقوق مثل عماد.

زوجته تدخل كسائحة ويخاف من لم الشمل!

يقول عماد "عندما تكون متزوجاً من مواطنة من دولة أجنبية -دنماركية في حالة عماد- فإن لها الحق أن تدخل كسائحة بسهولة وبلا تعقيد، لكن لم الشمل ممنوع للفلسطينيين، فبإمكان زوجته أن تدخل كسائحة في أي وقت، لكن ليس بإمكانها لم الشمل مع زوجها الفلسطيني المقيم في القدس"، يمتنع عماد عن تسجيل عقد زواجه في المحكمة الإسرائيلية، خوفاً من ألا تتمكن زوجته الدنماركية من زيارة أهله في القدس وجوارها.

في العام 1974م صدر قانون تنظيم الدخول إلى "إسرائيل"، ونصَّت المادة 11: أنه إذا وجِد شخصٌ خارج حدود دولة "إسرائيل" مدة سبع سنوات أو أكثر، أو حصل على الإقامة الدائمة والجنسية في دولة أخرى فإنه يفقد إقامته، وفسَّرت الأجهزة الإسرائيلية هذه المادة بأن أي مقدسي يقيم خارج القدس، في الضفة الغربية أو خارجها، ينطبق عليه هذا التعريف، أي إمكان سحب هويته المقدسية.
وفي العام 1988، أضيف معيار جديد لسحب الهويات، يتمثل فيما سمُي "مركز الحياة" الذي يقضي بسحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة، بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات.

ومن ذلك الحين تم سحب إقامات آلاف الفلسطينيين، من حملة الهويات المقدسية بموجب هذه القوانين، وقدر عددهم بقرابة 20 ألف مقدسي.

هل يتزوج من زوجته كحل للمشكلة؟

يقول عماد، إن الموظفة سألته كيف سجل عقد زواجك في محكمة أردنية، وكتب فيه أنك فلسطيني، وفي نفس الوقت ليس لديك جواز سفر فلسطيني ولا مواطنة أردنية، أجابها عماد "أنه فلسطيني مقيم في القدس وبلا مواطنة فلسطينية، وليس أردنياً ولا إسرائيلياً أيضاً"، ومع ذلك لم يتفهم نظام التسجيل الإلكتروني هذه البيانات.
أخيراً، اقترحت الموظفة أن يقوم بعمل عقد زواج جديد مع زوجته في الدنمارك كحل للمشكلة! يقول عماد مازحاً "أنا بقول نضل مصاحبين والجواز بيقضي على الحب!"
لكن عماد يقول إن ابنه سيكون مواطناً دنماركياً مثل أمه، وهكذا سيتجنَّب ابنه المشكلة ذاتها في المستقبل.

أعزب في القانون الإسرائيلي ومتزوج في القانون الأردني

يقول عماد إنه لا يزال "أعزب" بنظر القانون الإسرائيلي، وزوجته تدخل كسائحة، لكنه قد يقوم بتسجيل العقد عندما يقرر الاستقرار في القدس بشكل نهائي، حينها ستدخل كسائحة ثم يقوم بتسجيل زواجهما بناءً على العقود الأردني ووثائق أولاده، ويطلب لم الشمل بعد أن يكون موجوداً في القدس وينوي عدم مغادرتها للإقامة في الخارج حتى لا يفقد إقامته الدائمة فيها.
ولا يملك عماد مواطنة فلسطينية، لأن السلطة الفلسطينية لا يسمح لها بإصدار جوازات سفر للمقيمين في القدس.
وتضم المحاكم الشرعية الأردنية في القدس قضاة شرعيين وشيوخاً معممين، لكنها لا تملك قوة تنفيذية أو سلطات إنفاذ قراراتها، ويحدث في حالات الميراث أو الزواج والطلاق ألا تتمكن من تنفيذ أحكامها، بينما تستطيع المحاكم الإسرائيلية تنفيذ أحكامها.

ولماذا يخافون من سحب إقاماتهم في القدس؟

تقول منظمة هيومان رايتس ووتش، إن إلغاء الإقامات هو جزء من سياسات متعددة، تشمل التوسع الاستيطاني غير المشروع وهدم المنازل والقيود المفروضة على البناء في المدينة، تسبَّبت في تغيير ديمغرافية القدس الشرقية. هذه النتيجة تعكس هدف الحكومة الإسرائيلية المتمثل في "الحفاظ على أغلبية يهودية قوية في المدينة"، كما جاء في الخطة الرئيسية لبلدية القدس ("مخطط القدس لعام 2000")، والحد من عدد السكان الفلسطينيين. حدد المخططون هدفهم بجعل نسبة السكان "70% يهوداً و30% عرباً"، قبل أن يعترفوا بأن "هذا الهدف غير قابل للتحقيق"، في ضوء "الاتجاهات الديموغرافية" وعدلوه ليصبح 60 إلى 40. شكّل الفلسطينيون 37% من سكان القدس في 2015 وفقاً لـ"مكتب الإحصاء المركزي" الإسرائيلي.
ضمَّت إسرائيل القدس الشرقية بعد احتلالها عام 1967، وبدأت بتطبيق قانونها الداخلي على المدينة. طبقت "قانون دخول إسرائيل" لعام 1952 على فلسطينيي القدس الشرقية، وقدمت لهم إقامة دائمة، نفس الإقامة الممنوحة لأجنبي يريد العيش في إسرائيل. يجوز للمقيمين الدائمين العيش والعمل والحصول على مزايا في إسرائيل، ولكن هذا الوضع مستمد من حضورهم، ويمكن سحبه إذا استقروا خارج إسرائيل، ولا يُنقل تلقائياً لأولاد أو زوج/ة غير المقيم/ة، ويمكن إلغاؤه بناء على تقدير وزارة الداخلية.

ولماذا لا يحملون المواطنة الإسرائيلية مثل عرب 48؟

ويتوفر طريق للمواطنة للمقدسيين الفلسطينيين، لكن اختارت الأغلبية الساحقة عدم المضي فيه لانطوائه على تعهُّد بالولاء لإسرائيل، السلطة المحتلة. لا تُمنح الجنسية لكل من يتقدَّم بالطلب. فمنذ عام 2003، قدَّم طلب الجنسية نحو 15 ألف فلسطيني من أصل 330 ألفاً، ووافقت السلطات الإسرائيلية على أقل من 6 آلاف منهم، تقول هيومان رايتس ووتش.

على مدى عقود، ألغت السلطات الإسرائيلية إقامة فلسطينيين مقدسيين استقروا خارج إسرائيل فترة 7 سنوات أو أكثر، دون تجديد تصاريح خروجهم، أو عند حصولهم على إقامة دائمة، أو جنسية البلد الذي استقروا به. مع ذلك، حدثت معظم عمليات الإلغاء بعد عام 1995، بعد إعادة وزارة الداخلية تفسير قانون دخول إسرائيل لعام 1952، للسماح بإلغاء إقامة أولئك الذين لم يعملوا للحفاظ على القدس "كمركز لحياتهم". بموجب التفسير الجديد، بدأت السلطات الإسرائيلية أيضاً بإلغاء إقامة المقدسيين الفلسطينيين الذين يعيشون في أجزاء أخرى من فلسطين خارج حدود بلدية القدس، أو ممن درسوا أو عملوا في الخارج لفترات طويلة.
يتوجَّب على المقدسيين مِن حَمَلَة الجنسية الإسرائيلية برهان أن القدس "مركز حياتهم" للمحافظة على وضعهم القانوني.

كما ألغت السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إقامة الفلسطينيين في القدس الشرقية، وفق قانون دخول إسرائيل لانتهاكهم "الالتزام الأدنى بالولاء لدولة إسرائيل". استخدم هذا الإجراء لأول مرة ضد 4 من أعضاء حماس المنتخبين في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 حسب منظمة هيومان رايس ووتش، كما أصدرت السلطات، بعد أكتوبر/تشرين الأول 2015، قراراً يعطي المبرر لإلغاء إقامة الأفراد المتهمين بالاعتداء الجسدي على إسرائيليين وضد أسر المشتبه بهم.

وكيف يسافر إذن؟

لدى عماد جواز أردني مؤقت بدون مواطنة أردنية، وهو يسافر براً من القدس للحدود الأردنية عبر جسر الملك حسين، ومن الأردن يستخدم مطار الملكة علياء في عمان للسفر إلى أوروبا، خوفاً من أن يكتشف موظفو المطارات والهجرة الإسرائيليون في المطارات الإسرائيلية أنه يحمل إقامة أوروبية قد تكون مبرراً لإلغاء إقامته في القدس.
فلسطينيو الداخل، فلسطينيو القدس، فلسطينيو الضفة وغزة.. ما الفرق؟
عرب الداخل أو عرب 48 هم الفلسطينيون أو العرب الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل (بحدود الخط الأخضر الذي أقرته هدنة 1948) وهم الذين بقوا في قراهم وبلداتهم، بعد أن سيطرت إسرائيل على المناطق التي يعيشون فيها بعد انتهاء الحرب، وأعلنت إنشاء دولة جديدة بالحدود التي تقرها إلى اليوم.
ويحمل عرب 48 المواطنة الإسرائيلية، وجواز السفر الإسرائيلي، وحق الاقتراع، ويشكلون أقل من خمس سكان إسرائيل، لكنهم يحافظون على لغتهم العربية وتراثهم الفلسطيني، باعتبارهم "فلسطينيين مواطنين في إسرائيل".
ويعطي قانون المواطنة الإسرائيلي عرب 48 حق المواطنة، بينما يمنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة لبيوتهم حتى الآن، ولا يسمح لهم بالدخول أو زيارة أقاربهم وبلداتهم.
والفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة هم مواطنو السلطة الفلسطينية، التي تقوم بالإدارة المدنية بعد اتفاقية أوسلو، وتتخذ من رام الله مقراً لها، ويحملون جوازات سفر فلسطينية خضراء، صادرة عن السلطة نفسها، بخلاف اللاجئين الذين لا يحملون جوازات فلسطينية أو يحملون مواطنة أردنية أو جوازات مؤقتة ووثائق سفر من بلدان أخرى.
لكن بخلاف هؤلاء وأولئك، هناك "المقيمون الدائمون في القدس"، وهم الفلسطينيون الموجودون في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتشمل القدس الشرقية والجولان.
ويحمل سكان القدس صفة "مقيم دائم"، وبطاقة هوية إسرائيلية زرقاء، لكنهم ليسوا مواطنين إسرائيليين، ويمثلون قرابة ثلث سكان القدس، وأكثر من نصف سكان القدس الشرقية، ويحتفظون بعلاقاتهم القوية مع الضفة الغربية رغم وجود الجدار الفاصل والحواجز الإسرائيلية، ولا يحملون غالباً الجوازات الصادرة عن السلطة الفلسطينية، ولا الجواز الأزرق (الإسرائيلي)، وعوضاً عن ذلك يحمل بعضهم جوازات سفر أردنية مؤقتة.

وما هي الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس؟

وتشرف وزارة الأوقاف الأردنية على شؤون وموظفي المسجد الأقصى، ومنها الجامع القبلي وقبة الصخرة، وذلك بالتعاون مع وزارة الأوقاف التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله.
ولا يعد هذا الوضع جديداً؛ فقد بدأت الوصاية الأردنية على أوقاف القدس منذ عام 1924، وظلّت كذلك بعد حرب 48، عندما أصبحت الضفة الغربية، ومن ضمنها القدس، تابعة للحكم الأردني.
وفي عام 1950، تم توحيد الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن رسمياً، وظلت السيادة الأردنية على الضفة الغربية والقدس حتى عام 1967، عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية، لكن إدارة الحرم القدسي سرعان ما عادت إلى الأردن وظلت كذلك حتى الآن.
وتؤكد اتفاقية السلام الموقعة بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل على وصاية الهاشميين على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.

تحميل المزيد