يعتبر الفصام اضطراباً في العقل، يؤثر على الطريقة التي يفكر بها الشخص ويشعر ويتصرف ويرتبط بالهلوسات والأوهام. لكن أحدث الأبحاث تُظهر أن الأعضاء المختلفة للجسم، بخلاف الدماغ، تتغير في بداية المرض أيضاً.
لقد عرف العلماء لفترة طويلة، أن المصابين بالفصام لديهم معدلات من الأمراض الجسدية أعلى بكثير، مقارنة بعموم الناس، وهذا يُسهم في ارتفاع معدلات الوفاة المبكرة. فالأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يموتون قبل 15 إلى 20 سنة من غيرهم، حسب الدراسة التي نشرتها مجلة Nature العلمية.
ما هو الفصام أو الشيزوفرينيا؟
انفصام الشخصية هو اضطراب عقلي شديد ومزمن، يؤثر على سلوك وتفكير المصاب وإدراكه.
ويرتبط الفصام بهلوسات سمعيّة، وبصريّة، وشميّة، وذوقيّة، كما يؤدي لتصور مشوّه للواقع قد يكون مخيف ووهمي، ويصاحبه في العادة حصول أعراض "ذهانية" (Psychotic Symptoms)، مثل سماع الأصوات أو التوهم.
وقد أكدت إحصائيات منظمة الصحة العالمية وجود أكثر من 21 مليون مصاب به حول العالم وهو عدد كبير نسبياً.
أثر جانبي للعلاج أم للمرض؟
غالباً ما يُنظر إلى هذه الحالة الصحية السيئة على أنها أثر جانبي للمرض. إذ ترتبط الأدوية المرتبطة بمضادات الذهان، على سبيل المثال، بزيادة خطر زيادة الوزن والنوع الثاني من داء السكري، فيما يعتقد أن عوامل نمط الحياة تلعب دوراً أيضاً.
ومن الأرجح أن يتخلَّى الشخصُ المصاب بأعراض نفسية مرهقة عن ممارسة التمارين الرياضية، وأن يكون لديه نظام غذائي سيئ.
ومع ذلك، لاحظ العلماءُ في السنوات الأخيرة، أن الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم مؤخراً بالفصام، والذين لا يتناولون أيَّ دواء حتى الآن يظهرون دليلاً على حدوث تغيُّرات فيسيولوجية، مثل إفراط جهاز المناعة، حسب توبي بيلينجر، طبيب وباحث سريري، بكلية كينجز في لندن.
فهل يمكن أن يكون الفصام اضطراباً شاملاً على مستوى الجسم؟
فحصت أدلة على حدوث تغيرات فسيولوجية حول الجسم، عند بداية انفصام الشخصية بواسطة فريق من العلماء، وقارنوها مع دليل على وجود تغييرات داخل الدماغ في نفس المجموعة من الناس.
وقاموا بتجميع البيانات من دراسات متعددة، وفحص علامات الالتهاب، ومستويات الهرمون، وعوامل خطر الإصابة بأمراض القلب، بما في ذلك مستويات الجلوكوز والكولسترول. وقاموا أيضاً بتجميع البيانات من الدراسات التي تفحص بنية الدماغ، ومستويات المواد الكيميائية المختلفة داخل الدماغ، وعلامات نشاط الدماغ.
نعم، بقية أعضاء الجسم تتأثر أيضاً
وظهر أنه بالمقارنة مع عموم السكان، يرتبط الفصام المبكر بالتغيرات في بنية الدماغ ووظائفه، وظهر أيضاً أن الفصام المبكر يرتبط بتغيرات مختلفة في جميع أنحاء الجسم.
وقد حسب العلماء حجم هذه التغييرات باستخدام مقياس إحصائي، يعرف باسم "حجم التأثير"، في بداية مرض انفصام الشخصية، ولوحظ أنه لم يكن هناك اختلاف في حجم التأثير للتغيرات في الدماغ مقارنة مع حجم تأثير التغيرات في جميع أنحاء الجسم، ما يوحي بأن الفصام قد يكون في الواقع اضطراباً كاملاً في الجسم، ويجب أن يكون التعامل على هذا النحو.
فيما يظهر الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية شذوذاً في العديد من أجهزة الجسم، بالإضافة إلى الجهاز العصبي المركزي (CNS)، وهذا يُسهم في زيادة معدل الوفيات. ومع ذلك، فمن غير الواضح مدى قوة الدليل على حدوث تغييرات في أنظمة غير الجهاز العصبي المركزي في بداية الذهان، وكيف يمكن مقارنة التغييرات في النظم غير CNS، بتلك الموجودة في الجهاز العصبي المركزي، أو كيفية ارتباطها بالأعراض.
ثلاثة تفسيرات محتملة
هناك ثلاث نظريات قد تُفسر كيف أن التغييرات داخل الدماغ قد ترتبط بالتغييرات حول الجسم في الفصام، حسب توبي بيلينجر، بكلية كينجز في لندن.
أولاً، قد يتسبب الاختلال الوظيفي حول الجسم في حدوث تغييرات في الدماغ، ما يؤدي في النهاية إلى الفصام. وقد شوهدت هذه العملية في بعض السرطانات النادرة، التي تُنتج الأجسام المضادة التي تستهدف الدماغ، وتسبب الذهان، إذا تمت إزالة الورم، فإن التجارب الذهانية تتحسن.
ثانياً، قد تؤدي أعراض انفصام الشخصية إلى اضطرابات صحية بدنية. مثال على ذلك "توتر الذهان"، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول الستيرويدي، وترتبط مستويات عالية من الكورتيزول مع زيادة الوزن والسكري وارتفاع ضغط الدم.
وثالثاً، قد تنشأ أعراض الفصام واضطرابات الصحة البدنية من خلال آليات مختلفة، ولكن من عامل خطر مشترك. فمثلاً كيف أن الجوع الذي تعاني منه الأم الحامل، يزيد من فرص تقبل طفلها لمرض السكري والشيزوفرينيا، وقد يكون الخطر المتزايد لمرض انفصام الشخصية ناتجاً عن ضعف نمو دماغ الطفل، نتيجة لسوء تغذية الأم.
كما قد يكون ارتفاع خطر الإصابة بداء السكري نتيجة للتغيرات في قدرة الطفل على استقبال الجلوكوز، نتيجة لسوء التغذية لدى الأم.
يجب عمل الكثير لفهم التغيرات الجسدية المرتبطة بالفصام
لا يزال العلماء بحاجة إلى القيام بمزيد من العمل لمعرفة ما إذا كانت التغييرات في جميع أنحاء الجسم هي سبب أو نتيجة لمرض انفصام الشخصية.
إحدى المقاربات هي النظر إلى هؤلاء الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بمرض انفصام الشخصية، لمعرفة كيف تتطور التغيرات في جميع أنحاء الجسم، في الأشخاص الذين يصابون بانفصام الشخصية، مقارنةً بالذين لا يعانون من الفصام. كما أن هناك حاجة لمزيد من العمل لمعرفة كيف أن التغيرات في جميع أنحاء الجسم تستجيب للتغيرات في شدة أعراض مرض انفصام الشخصية، حسب مواقع علمية.
وفيات مبكرة ترتبط بالفصام
وأخيراً، فإن معظم الوفيات المبكرة في مرض انفصام الشخصية ترجع إلى أمراض القلب والأوعية الدموية. وفشل متوسط العمر المتوقع في مرض انفصام الشخصية في التحسن خلال العقود الأخيرة.
وكذلك، هناك حاجة لدراسات لتحديد ما إذا كانت معالجة الصحة البدنية في وقت مبكر سوف تُقلل من معدل الوفيات في مرض انفصام الشخصية.