«مخترعو الأدوات المطبخية فقدوا عقولهم، تكفيك سكين حادة فقط».. لماذا نستسلم للهوس بأدوات المطبخ الجديدة؟

أدوات المطبخ تغير نظرتنا لكيفية إعداد الطعام، وتعكس هوسنا ورغباتنا الدفينة عبر الأزمنة

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/11 الساعة 16:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/13 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش

"بمجرد أن تقرر الحصول على أداة لفصل أوراق الكرنب، متى ستتوقف؟".

تطرح أماندا هيسر، الكاتبة الأميركية المهتمة بموضوعات الطعام هذا السؤال لتستنكر اللهاث الإنساني غير المبرر لشراء أدوات المطبخ. "يمتلك مصنعو الأدوات المطبخية نزعةً لصناعة منتجات دقيقة للغاية ومصممة خصيصاً، وبالتالي قد يحتاج كل شخص إلى مطبخ بمساحة 5 آلاف قدم مربع. بصرف النظر عن أنَّك تفوت على نفسك فرصة الاستمتاع بتقطيع الكرنب من جذوره، فإنَّك تترك الأداة تحظى بكل المرح"، كما تقول هيسر، الرئيسة التنفيذية لموقع Food52 الخاص بالأدوات المطبخية والمنزلية.

الذين يتخلون عن كل هذا المرح مقابل الأدوات المبهرة سعداء، "بالنسبة لامرأةٍ حصلت لتوها على خلّاطٍ كهربائي، يبدو العالم بأكمله طبق حساء"، فأدوات المطبخ تغير نظرتنا لكيفية إعداد الطعام، وتعكس هوسنا ورغباتنا الدفينة عبر الأزمنة.

مثل هذه الأدوات الغامضة، كانت تملأ أرفف متجر S. Feldman Housewares، مثل أداة Food Pod المصنوعة من السيليكون صفراء اللون منتفخة القوام (وهي تجمع بين المبخرة والمصفاة التي تشبه المنطقة النباتية التي تصوَّرها مصممو الإنتاج في فيلم "Star Trek"، وتبلغ تكلفتها 14.99 دولار أميركي).

وكذلك، كان هناك أداة SpreadTHAT، وهي عبارة عن سكين للزبدة مصنوع من التيتانيوم.

يقول عنها صاحب المتجر سكوت غولد سميث: "إنَّها رائعة للغاية؛ إذ تعتمد على درجة حرارة يديك". وتبلغ تكلفتها 19.95 دولار أميركي.

وتوجد كذلك نظارات الحماية من البصل (19.95 دولار أميركي)، ومريلة المطبخ المطرزة بالخرز (120 دولاراً أميركياً) التي اكتسحت جميع الأدوات في رأس السنة الماضية (2017).

هل تستحق هذه الأدوات كل هذا الاهتمام؟ ألا يكفي السكين؟

يُعد غولد سميث، (61 عاماً)، الجيل الثالث من ملَّاك متاجر S. Feldman Housewares، في مقاطعة مانهاتن، وهي شركة مصنِّعة للأدوات المطبخية.

تتجاوز مسيرة غولد سميث الطويلة في مجال بيع الأدوات المطبخية بالتجزئة عقوداً من الزمن. شملت أدواته نازع النواة من الكرز، وقاطعات السَّلطة على شكل شرائح أو حلزونات، إضافةً إلى تاريخٍ طويل من الإبداع والتفاؤل والغرابة المطلقة، وفق ما نشرت صحيفة The New York Times.

وإذا كان كثير من الأجهزة المعروضة يدفعك لأن تفكر في أنَّ مخترعي الأدوات المطبخية جميعهم فقدوا عقولهم في نهاية المطاف، فإنَّ غولد سميث سيذكرك بأنَّ متجره يعمل بهذا المجال منذ عام 1929.

وأكمل: "بيني وبينك، معظم هذه الأمور يمكنك إنجازها باستخدام السكين".

تطوُّر الحياة يعني تطور الأدوات

أما بالنسبة للمصممين الصناعيين، فليست هناك حدود للابتكار في مجال أدوات المطبخ. ويقول تاكر فيميستر، مؤسِّس شركة Smart Design إلى جانب عددٍ من الشركات الأخرى، الذي أعاد تصميم عدد من أدوات المطبخ، من جهاز التحميص وحتى أداة تقشير البطاطس، إنَّ جميع أدوات المطبخ تقريباً تحتاج إلى أفكارٍ جديدة في التصميم.

وفي عام 1990، حين أصدرت شركة Smart design أداة التقشير خاصتها Oxo Good Grip، بيدها الضخمة المطاطية المريحة ونصلها الثابت، كانت الأداة تمثل اختراعاً مبهراً. ويقول فيميستر: "المصممون دائماً متفائلون؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّهم قادرون على جعل الأدوات أفضل".

التكنولوجيا أدَّت إلى تطور شكل الوجبة

وفي كتابها "Consider the Fork: A History of How We Cook and Eat" الصادر عام 2012، استكشفت كاتبة الطعام الإنكليزية بي يلسون كيف تضافرت التكنولوجيا والعادات الاجتماعية وصيحات الطعام لخلق عرضٍ مذهل من أدوات الطبخ.

وفي المقابل، عفى الزمن على فئاتٍ بأكملها من أدوات المطبخ بسبب التكنولوجيا، فاستُبدِلَت المواقد بأفران المجمرة المكشوفة بمشتملاتها، وأدت إلى اختفائها.

وأدت التكنولوجيا إلى تغيُّر الوجبة نفسها. فأصبحنا نغرق في الحساء والأطعمة المهروسة بعد ظهور أدوات شركة Cuisinart، وهو وضعٌ تقول بي ويلسون إنَّه أسهم في حِرفية إعداد الطعام التي نشهدها اليوم.

وكتبت عن ذلك إنَّ "ظهور أداة جديدة غالباً يؤدي إلى الاستخدام المفرط المفعم بالحماسة، حتى تصبح الأداة قديمةً".

وأضافت: "بالنسبة لامرأةٍ حصلت لتوها على خلّاطٍ كهربائي، يبدو العالم بأكمله طبق حساء".

هي صيحات.. بعد قوالب الكاب كيك ازدهر قاطع الخضرة اللولبي

وبالنسبة لوظيفة تلك الأدوات، قالت ويلسون إنَّه مؤخراً "عددٌ قليل فقط من الأدوات يمكنه فعل أكثر مما يمكن فعله بسكينٍ حاد، ومصدر جيد للحرارة، ويدين بارعتين".

وتقول إنَّه قبل عقدٍ من الزمن، "بدا أنَّ نصف المواد المعروضة للبيع في محلات أدوات الطهي مخصصة لعمل الكب كيك".

وتابعت ويلسون: "لكنَّنا تجاوزنا تلك المرحلة. يبدو أنَّ النزعة النباتية استولت على جزءٍ كبير من اتجاهات الطهي، ومن هنا جاء النجاح المذهل الذي حققه جهاز spiralizer (جهاز مستخدم لتقطيع الخضراوات بطريقة لولبية)".

واستطردت: "عندما ظهر قبل عامين، شعرتُ بأنَّ هذا الجهاز محوم بالفشل، لكنَّني كنتُ مخطئةً تماماً. ربما يكون ذلك بسبب التهافت على الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات، أو ربما نتيجة لانتشار الأنظمة الغذائية النباتية على إنستغرام، لكن تبيَّن أنَّ القدرة على تحويل البنجر أو الكوسة إلى شيءٍ يشبه سلك الهاتف لفت لانتباه عددٍ من الناس فاق قدرتي على التصور".

لو كانت حقاً أغراض بلهاء، فلماذا يستخدمها المحترفون إذن؟

كريستوفر كيمبال، مقِّدم برنامج الطهي المُتشكك والمشارك في تأسيس شبكتي غذاء مقرهما بوسطن، وهما America's Test Kitchen وMilk Street، فحدَّد 3 فئاتٍ لأدوات الطهي:

أولاها: أغراض بلهاء لا فائدة لها على الإطلاق.

وثانيتها: أغراض لا تستحق المساحة التي تشغلها من المطبخ

وثالثتها: أغراض قد تبدو عملية، لكنَّها لا تزال أقل إفادة من السكاكين العادية.

ويقول كيمبال إنَّ "الأدوات المصمَّمة بعناية تصبح قيِّمة للغاية، لكن بالنسبة للأدوات التي لا تؤدي سوى وظيفةٍ واحدة ولن تستخدمها سوى مرةٍ واحدة شهرياً، فما مدى الجهد الذي ستبذله لو قررت الاستغناء عنها؟".

ومع ذلك، فإنَّ كيمبال ليس محصَّناً من مغريات بعض أدوات الطهي. فقبل عدة سنوات، في المعرض الدولي للمنازل والأدوات المنزلية، وجد كيمبال نفسه معجباً على نحوٍ مفاجئ بجهاز BeepEgg، وهو جهاز توقيت رائع على شكل بيضة يوضع مع البيض في أثناء غليه. حين يصل البيض إلى درجة الطهي المرجوَّة -سواء كانت لينة أو صلبة أو متوسطة- تصدر عن BeepEgg نغمة مميزة (مثل موسيقى Killing Me Softly عندما تكون البيضة نصف مطهوة).

اعترف كيمبال أيضاً بأنَّه اشترى كل أشكال أوعية طهي البيض على مدار السنين، على الرغم من أنَّه، كما قال، "في نهاية المطاف، ليس من الصعب لهذه الدرجة طهي بيضة".

التكنولوجيا تغيِّر شكل المطبخ أيضاً

أكثر من 11.3 مليار دولار قيمة مبيعات أدوات المطبخ وملحقاته في عام 2016، أي أكثر من 13% من مجموع إيرادات الأدوات المنزلية التي بلغت 87.1 مليار دولار، وفقاً للتقرير الصادر عن الرابطة العالمية لصناعة الأدوات المنزلية، فيما يمثل زيادةً بلغت 6% في عام 2015.

رائد الفضاء الذي سخّر عِلمه لأدوات المطبخ الذكية

هوارد تشيو، هو مهندس يعمل في مجال الروبوتات والفضاء الجوي، استقال من وظيفته النهارية منذ عامين ونصف العام عندما نجح اختراعه في الوصول إلى الدور النهائي لمسابقة جائزة الابتكار بمعرض شيكاغو.

تشيو هو الرجل المسؤول عن ظهور جهاز SpreadTHAT، الذي استوحى فكرته من مشاهدة أطفاله يُفسدون خبزهم المحمص وهم يحاولون نشر الزبدة الباردة عليه.

متأثراً بخلفيته العلمية، أخذ تشيو أنابيب موصِّلة للحرارة، وغلَّفها بطبقة من التيتانيوم لصنع جهازٍ يمكنك تسخينه بحرارة يديك. لقي SpreadTHAT نجاحاً هائلاً في عامه الأول، مما أتاح لتشيو إطلاق سلسلةٍ تجارية كاملة تحمل الفكرة ذاتها (صنع منتجات مثل جهاز لتدفئة المَرق أطلق عليه HeatTHAT، ومغرفة للمثلجات أطلق عليها ScoopTHAT، وجهاز لإذابة اللحوم المثلجة أطلق عليه ThawTHAT، وغيرها).

ومثله كراي وآنا ستيوارت، اللذان كانا قبل 10 سنوات متخصصَين في مجال صناعة الأثاث حين أتاهما الوحي لأول مرة. كانت آنا منشغلةً بتطبيق وصْفة جدتها لعمل صدور الدجاج المحشوة، عندما فوجئت بعدم وجود أي خيوط أو أعواد أسنان بجانبها؛ لذا تساءلت، لمَ لا يوجد شيء قابل لإعادة الاستخدام يمكننا ربط الطعام به؟ وقال كراي عن ذلك: "كان السيليكون موجوداً منذ أمد بعيد، لكنَّنا كنا أول من استخدمه داخل مقلاة".

صمَّما حلقات ربط الطعام، وهي عبوات تحتوي على سلسلة خيوط مصنوعة من السيليكون، بألوانٍ مبهرة (أطلقا على باكورة إنتاجهما باللون الوردي الفاقع fuchsenta)؛ حتى لا تُسرع بإلقائها داخل سلة القمامة عند رؤيتها.

وأضاف كراي: "بعنا نصف مليون قطعة في السنة الأولى". وتماماً مثل تشيو، استقال كل من آنا وكراي من وظيفتهما، وبدآ شركة "فيوجن براندز" بإيرادات منتجهما الأول؛ إذ نجح منتج Food Pod (المستوحى من قنافذ البحر) ومنتج EggXactPeel، وهي عبارة عن أداة بلاستيكية صفراء بها جانب خاص لتكسير قشر البيض وجانب آخر لإزالته، في الوصول إلى الدور النهائي لمسابقة جائزة الابتكار في معرض الأدوات المنزلية هذا العام (2018).

أما أماندا هيسر، الكاتبة المختصة بالطعام والشريكة المؤسسة لموقع Food52 للأدوات المطبخية والمنزلية، فتُقيِّم منتجاتٍ مثل هذه باستمرار بينما تُطلق شركتها منتجاتها الخاصة للبيع.

أماندا خبيرة في التعرف على العمر الافتراضي للمنتجات، وتمتلك عيناً قادرة على تحديد المنتجات التي تستطيع الحفاظ على مكانها في السوق، لكنَّ مطبخها لم يَسلم أيضاً من احتوائه على منتجٍ غير ذي أهمية.

نقطة ضعفها هي ملاعق البطيخ، ومن ضمنها واحدة لها مغرفة في حجم حبة البازلاء (قد تثير هذه الملعقة اهتمام مخلوقاتٍ شديدة الضآلة، لكن عدا ذلك، فهي معدومة الفائدة). لديها أيضاً أداة تُستخدم لإزالة رؤوس البيض بدقة عالية، وملعقة زبدة، ومقشرة جمبري.

تقول هيسر: "يمتلك مصنِّعو الأدوات المطبخية نزعةً لصناعة منتجات دقيقة للغاية؛ ومن ثم قد يحتاج كل شخص إلى مطبخ بمساحة 5 آلاف قدم مربعة (464 متراً مربعاً)".

وحذرت الكاتبة والروائية شيريل مندلسون من التسرع في الحكم. وقالت: "غالباً ما تكون الأداة عديمة الفائدة بالنسبة لشخصٍ ما، هي في الوقت ذاته جوهر الحياة لشخصٍ آخر؛ إذ اضطررت إلى استخدام آلة العجن بعد ضغطٍ من حماسة شخصٍ مهووس بها ولا يمكنه العيش دونها. ولكنَّني تركتها بعد أول محاولة".

وقالت مندلسون إنَّها تخيلت نفسها ذات مرة كالأشخاص الذين يضعون حامل شرائح الخبز على مائدة الإفطار لعائلتهم ويصنعون المعكرونة بأنفسهم. وقالت إنَّ تلك الأوهام، أي الأفكار عن الذات، هي التي أبقت على صناعة تلك الأدوات.

علامات:
تحميل المزيد