في حضانات السويد: الصبيان يتعلمون الرقص.. والفتيات يتدرّبن على الصراخ

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/26 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/19 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
STOCKHOLM, SWEDEN - MARCH 10: Children in daycare take a walk with their caretakers in the upscale Ostermalm neighborhood, on March 10, 2014 in Stockholm, Sweden. Sweden has one of the most advanced preschool programs in the world, and it's free. Sweden is a successful welfare state with a high standard of living. (Photo by Melanie Stetson Freeman/The Christian Science Monitor via Getty Images)

كان ثمة خطأ ما في "البطاريق"، وهو اسم الأطفال الجدد في حضانة "سيفارير Sjöfararen"، في إحدى الضواحي المشجرة جنوب ستوكهولم.

فالصبيان الصاخبين والنشطين والذين يصرخون ويضربون، لا مكان لهم هنا في هذه الحضانة، وكذلك الفتيات الهادئات. فانقسام الأطفال على حسب الخطوط الجنسية التقليدية، أمر غير مقبول في هذه المدرسة.

في حضانة "سيفارير Sjöfararen"، يعمل المدرسون على جعل الصبيان بعمر العام إلى عامين، على اللعب بأدوات المطبخ، فيما تتدرب الفتيات على الصراخ وقول "لا"، وفق ما ذكرت صحيفة NewYork Times الأميركية.

تفكيك الفروق بين الجنسين

ربما يكون العلم منقسماً حول ما إذا كانت الفروق بين الجنسين مرجعها البيولوجيا أو الثقافة، لكنَّ الكثير من دور الحضانة التي تمولها الحكومة السويدية، تفعل ما بوسعها لتفكيك هذه الفروق. إذ يحض المنهج الحكومي المدرسين على النظر إلى أدوارهم بصفتهم مهندسين اجتماعيين، ويطالبهم بـ"مواجهة الأدوار والأنماط الجنسية التقليدية".

وكذا، فمن الطبيعي في الكثير من الحضانات في السويد، أن يتجنب المدرسون الإشارة إلى جنس طلابهم ـ فبدلاً من استخدام لفظ "أولاد وبنات" ينادونهم بـ "يا أصدقاء" أو ينادون الأطفال بأسمائهم. وتُصمَّم الألعاب لمنع الأطفال من تقسيم أنفسهم على حسب الجنس. وقُدم ضمير محايد جنسياً، عام 2012، وهو "هن"، ثم سرعان ما استوعب في الثقافة السويدية السائدة، وهو أمر يقول اللغويون إنه لم يحدث قط في أي بلد آخر.

أما كيفية تأثير هذه الطريقة الجديدة في التدريس على الطلاب فهو ما لا يزال أمراً غير واضح.

فستان الطفل الصغير

في حضانة سيفارير Sjöfararen، بدأ صباح الجمعة 23 مارس/آذار 2018 بخلع الأطفال معاطفهم الجليدية الضخمة. تحت إحدى هذه المعاطف، كان أوتو، وهو طفل قوي في الثالثة من عمره، يرتدي فستاناً.

ويفضل أوتو ارتداء فساتين لأنه يحب الطريقة التي ترفرف بها الفساتين عندما يدور، ولا يجعله هذا الأمر يبدو غريباً هنا. وقالت لينا كريستيانسون، والدة أوتو (36 عاماً)، بشكل طبيعي، إنه حتى هذه اللحظة، لم يخبره أحد أنَّ الأولاد لا يرتدون فساتين – لا جَدَّاه، ولا جليسته، ولا زملاؤه من نفس عمره. وتود والدته لينا كريستيانسون لذلك الأمر أن يستمر لأطول فترة ممكنة.

وقالت ستورسند، متخصصة الجنس بالحضانة، إنَّ هذه التوقعات قد أصبحت معتادة بشكل متزايد.

وتضيف ستورسوند: "الآن، يسألنا الآباء: ما الذي تفعلونه بشأن الجنس؟".

وتواجه ستورسوند معضلات في الفصل: من ذلك عندما رفض الأولاد في مجموعة الـ3 أعوام الرسم والرقص، وكانت المجموعة على وشك الانقسام على أساس الجنس، وقد أحضرت ستورسوند لحل هذه المشكلة، فتلاعبت بالأنشطة حتى أقنعت الأولاد بالعودة إلى المشاركة بالتساوي.

وليس الحفاظ على بيئة محايدة جنسياً بالأمر البسيط. فقد قالت كارينا سيفيبجورك (57 عاماً)، والتي تُدرس في الحضانة منذ عام ونصف، إنها عادة ما تضبط نفسها تقول الشيء الخطأ، مثل تقديم مجاملة غير لائقة لمظهر أحد الأطفال.

وقالت كارينا: "تكون على وشك قول شيء، بشكل آلي، لكن يكون عليك أن تمتنع عن قول ذلك. يمكنك التعليق على الأزياء بطرق أخرى، مثل أن تقول: يا إلهي، ما أكثر نقاط البولكا!".

متمردة تقول "لا"

وقد لاحظت إحدى مدرسات المجموعة، وتدعى إيزابيل ساندبرغ (26 عاماً) تحولاً في فتاة تبلغ من العمر عامين، كان والداها يوصلانها إلى المدرسة وهي ترتدي فساتين ضيقة وردية فاتحة. ركزت الفتاة باهتمام على البقاء نظيفة. وفي حال أخذ أحد الأطفال ألعابها، كات تبدأ في البكاء.

وقالت ساندبرغ: "لقد كانت تقبل كل شيء. وفكرت في أنَّ هذا أمر بناتي للغاية".

واستمر الأمر كذلك، حتى صباح قريب، عندما ارتدت الفتاة قبعة ورتبت الحقائب بعناية من حولها، مستعدة للانطلاق في رحلة استكشافية خيالية. وعندما حاول أحد زملائها أن يأخذ إحدى حقائبها، رفعت الفتاة راحة يدها وصرخت: "لا" بصوت عال جعل ساندبرغ تستدير.

لقد كان هذا أمراً يتدربن عليه.

وقالت ساندبرغ إنه مع قدوم شهر مارس/آذار 2018، أصبحت الفتاة عالية الصوت إلى درجة أنها فاقت صوت الأولاد في الفصل. وفي نهاية الأمر أصبحت الفتاة فوضوية. وقالت ساندبرغ إنَّ والديّ الفتاة لم يسعدهم ذلك، وقالوا إنها أصبحت وقحة ومتمردة في المنزل.

لكنَّ ساندبرغ لديها الكثير من الخبرة في شرح هذه المهمة لأولياء الأمور. وتقول: "هذا هو ما نفعله هنا، ولن نوقف هذا الأمر".

طلاب النوارس

في الحضانة نفسها، جلست إليس ستورسوند، الخبيرة الجنسية، لمناقشة ورقة عمل مع مُدرستين لطلاب (النوارس)، وهم الطلاب بعمر 4 و5 أعوام، بهدف استعراض التقدم في تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين.

وقالت ميليسا إستيكا (31 عاماً)، إحدى المُدرستين، "لما كنا نرسم، لاحظنا أنّ الفتيات، وهن يرسمن كثيراً، يرسمن فتيات يستخدمن الكثير من أدوات التجميل ولهن رموش طويلة. من الواضح جداً أنهن فتيات. سألنا: أليس للأولاد رموش كذلك؟ فردت الفتيات: نحن نعرف أنَّ الرموش لا تبدو هكذا في الحياة الطبيعية".

هزت الأستاذة ستورسوند (54 عاماً) رأسها ثم قالت: "إنهن يحاولن فهم ما يعنيه كونهن فتيات".

بدت الأستاذة إستيكا محبطة. إذ كانت قد وضعت هدفاً لنفسها: أن توقف الأطفال عن التعرف على الأشياء بصفتها "للفتيات" أو "للأولاد". لكن مؤخراً، صار تلامذتها يستوعبون الصور النمطية من اللوحات الإعلانية وأفلام الكارتون، وأحياناً ما كان يبدو كل العمل البطيء المنهجي لحضانة سيفارير Sjöfararen وكأنه قد طار بين عشية وضحاها.

وقالت إستيكا: "يجلب الأطفال الكثير من الأشياء معهم. يجلبون العالم كله معهم. لا يمكننا منع ذلك من الحدوث".

سلوكيات الأطفال تتغير

وخلصت إحدى الجهود القليلة التي حظيت بمراجعة أهالي الأطفال، لفحص تأثير طريقة المنهج السويدي هذه، ونُشِرَت العام الماضي في مجلة Experimental Child Psychology أو علم نفس الطفل التجريبي، إلى أنَّ بعض السلوكيات تختفي عندما يذهب الأطفال إلى ما تسميه الدراسة حضانات "محايدة جنسياً".

فعلى سبيل المثال، لا يُظهر الأطفال في هذه المدارس تفضيلاً قوياً لرفقاء لعب من نفس الجنس، وهم أقل احتمالاً للقيام بافتراضات مبنية على القوالب النمطية.

متى بدأت تجربة الحضانات المحايدة جنسياً؟

وكانت تجربة السويد مع الحضانات المحايدة جنسياً قد بدأت عام 1996 في ترودجي، وهي بلدة صغيرة على حافة بحر البلطيق.

ولم يكن الشخص الذي بدأ هذه التجربة، إنغمار جينس، معلماً، وإنما كان صحفياً اشتغل في الأنثروبولوجيا ونظرية الجنسانية، ودرس الذكور السويديين الذين كانوا يبحثون عن عرائس بالبريد من تايلاند. ولما كان جينس قد عين مؤخراً "خبيراً في مجال تكافؤ الفرص"، فقد أراد تفكيك معيار الذكورية السويدية الصارمة غير العاطفية.

وخطر لجينس أنَّ الحضانة هي المكان المناسب لفعل ذلك. إذ ينفق الأطفال السويديون كثيراً من حياتهم المبكرة في حضانات تمولها الحكومة، توفر الرعاية بتكلفة بسيطة لما يصل إلى 12 ساعة في اليوم بدءًا من عمر سنة واحدة.

الأولاد يدلكون أقدام بعضهم والفتيات يصرخن

وقد طرحت مدرستان ما سُمِّيَ بإستراتيجية جنسية تعويضية. كان الأولاد والبنات في هاتين الحضانتين يُفصَلون عن بعضهم جزءاً من اليوم ويتدربون على سمات مرتبطة بالجنس الآخر. فكان الأولاد يدلكون أقدام بعضهم. أما البنات فقد كن يمشين عاريات الأقدام في الجليد، وطلب منهن فتح الشباك والصراخ.

وقال جينس (الذي يبلغ الآن من العمر 68 عاماً): "حاولنا فعل ذلك لتعليم الأولاد ما تعرفه الفتيات بالفعل، والعكس كذلك".

موجة انتقادات

وقد تعرض جينس لموجة من الانتقادات، لكنَّ ذلك كان متوقعاً. وقال: "قالوا إننا نلقن الأطفال. وأقول إننا دائماً ما نلقن الأطفال. إنَّ تربية الأطفال في ذاتها تلقين".

وقد أُلغِيَت إستراتيجية فصل الأولاد عن الفتيات لاحقاً لصالح منهج "محايد جنسياً" يهدف إلى التقليل من الاختلافات.

ومع ذلك، فإنَّ روح تجربة جينس قد تغلغلت في الحكومة. إذ أضافت السويد، عام 1998، مادة جديدة في منهجها الوطني تطلب من جميع دور الحضانة "مواجهة الأدوار والأنماط الجنسية التقليدية"، وتشجيع الأطفال على الاستكشاف "خارج حدود الأنماط الجنسية النمطية". ويختلف تبني هذه الممارسات بشكل واسع، بحسب مدير المدرسة.

وقد أثار التقليديون احتجاجات من وقت لآخر، شاكين غسيل المخ الليبرالي. ووعد حزب الديمقراطيين السويدي، وهو أحد أحزاب اليمين المتطرف، والذي فاز بحوالي 13٪ من الأصوات عام 2014، بإلغاء التدريس الذي "يسعى إلى تغيير جميع الأطفال وسلوك الشباب وهويتهم الجنسية".

لكن في بيئة سياسية منقسمة بعمق حول الهجرة، فإنَّ سياسات المساواة الجنسية تحظى بدعم أكبر أحزاب السويد، وهو حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي السويدي من أحزاب يسار الوسط، وحزب المعتدلين من أحزاب يمين الوسط.

وقالت كاتبة صحفية ومعلمة رياضيات تُدعَى تانجا بيرغكفيست، وهي إحدى القلائل الذين يهاجمون بشكل دوري ما تسميه "الجنون الجنسي السويدي"، إنَّ الكثير من السويديين غير مرتاحين لهذه الممارسة لكنهم يخشون انتقادها علناً.

وقالت تانجا: "لا يريد أولئك الناس أن ينظر إليهم بوصفهم ضد المساواة. لا أحد يريد أن يكون ضد المساواة".

إحدى المشاركات في الموجة الأولى

في بلدة ترودجي، أصبحت الآن الموجة الأولى من الأطفال الذين حضروا في دور حضانة محايدة جنسياً في العشرين من أعمارهم.

وقالت إلين غردين (26 عاماً)، وإحدى المشاركات في الموجة الأولى، إنها تدرس لكي تصبح معلمة. تبدو إلين من حيث المظهر أنثى تقليدية، إذ يختلط شعرها الداكن على شكل موجات.

وهذا شيء توضحه إلين ـ أنها تبدو في المظهر أنثى تقليدية. وهذه أول علامة على أنها ترى الجنس باعتباره شيئاً يمكن للمرء ارتداؤه أو خلعه، مثل معطف.

وقالت إلين عن مظهرها: "هذا خيار اتخذته لإنَّ هذه كينونتي. وهذه كينونتي لأنني نتاج المجتمع".

وبدأت صديقات إلين في إنجاب الأطفال، وصرن ينشرن صوراً لأولئك الأطفال على فيس بوك، متشحين بأزياء زرقاء أو وردية، وهو أول عمليات الفرز في المجتمع. وتشعر إلين بالانزعاج عند حدوث ذلك. تشعر بالأسف للأطفال. وتجعل من أهدافها التواصل مع أصدقائها وإخبارهم، بجدية، بأنهن يرتكبن خطأ. يبدو هذا الأمر بالنسبة لها كما لو كان مسؤولية.

وقالت إلين: "نحن مجموعة من الأطفال الذين سوف يكبرون، وسوف يكون لنا أطفال، وسوف نتحدث معهم عن هذا الموضوع. ليس من السهل تغيير مجتمع بأكمله".