“أنت ما تأكله” فانتبه! بكتيريا الأمعاء تحسِّن مزاجك وتخلصك من الوزن الزائد

لا يقتصر دور الأمعاء على المساعدة في عملية الهضم فحسب. فالبكتيريا التي تتخذ من أمعائنا بيتاً لها تتحكم في معظم الأشياء الخاصة بنا نحن البشر، بدءاً من صحتنا العقلية والنوم، وصولاً إلى اكتساب المزيد من الوزن ورغبتنا الشديدة في تناول بعض الأطعمة، دون غيرها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/22 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/22 الساعة 04:09 بتوقيت غرينتش

أنت ما تأكله فانتبه لطعامك، ولا يجب أن تستهين بدور الأمعاء، ففيها تكمن المشكلة والحل وربما تحسن المزاج. وبسبب البكتيريا الدقيقة التي تستوطنها يمكن أن تتحسن حالتك وتتخلص من الوزن الزائد أو الاكتئاب.

ليس في الأمر لغز أو خرافة، حيث أثبتت دراسة حديثة في جامعة كاليفورنيا الأميركية أن لبكتريا الأمعاء دوراً مهماً للغاية في تحسن حالتنا الصحية والمزاجية، كل ما عليك أن تقرأ بعناية وتقرر بهدوء ماذا تأكل..

لا يقتصر دور الأمعاء على المساعدة في عملية الهضم فحسب. فالبكتيريا التي تتخذ من أمعائنا بيتاً لها تتحكم في معظم الأشياء الخاصة بنا نحن البشر، بدءاً من صحتنا العقلية والنوم، وصولاً إلى اكتساب المزيد من الوزن ورغبتنا الشديدة في تناول بعض الأطعمة، دون غيرها.

وعندما نعجز عن التخلص من الوزن الزائد، فإننا نميل إلى إلقاء اللوم على الأشياء الخارجة عن سيطرتنا. فهل للأمر علاقة بالميكروبيوم -أو البكتيريا والكائنات الحية الأخرى المتعايشة مع الإنسان- والتي تستوطن أمعاءنا؟

ما تأكله يعبر عنه

تأوي أمعاؤنا بحسب الدراسات العلمية ما يقرب من التريليون ميكروب، وهي مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة.

تلعب هذه الميكروبات دوراً رئيسياً في جمع الطاقة من الأطعمة التي نتناولها، وتتحكم أيضاً في وظائف المناعة، فضلاً عن دورها المهم في الإبقاء على بطانة أمعائنا في وضع جيد.

وتلعب الجينات دوراً جزئياً في تحديد نوع الميكروبات التي تتكون في أمعائنا، ولكن هذا لا يقلل من الدور المؤثر الذي يلعبه نمط الحياة ،الذي يتبعه الإنسان، كالنظام الغذائي، أو احتساء الكحول أو ممارسة الرياضة أو حتى الأدوية في تكون البكتيريا المعوية.

وتكتسب بكتيريا الأمعاء الطاقة اللازمة للنمو من خلال عملية التمثيل الغذائي مما يعني أن النظام الغذائي المُتبع يلعب دوراً حاسماً فيما يتعلق بنوع البكتيريا التي تستعمر أمعاءنا.

وتسهم بكتيريا الأمعاء بشكل رئيسي في تحويل الكربوهيدرات غير القابلة للهضم إلى سلسلة قصيرة من الأحماض الدهنية، الأمر الذي يسهم بشكل كبير في تنظيم عملية التمثيل الغذائي والحفاظ على صحة خلايا القولون. لذلك فإن تغيير النظام الغذائي قد يساعد في تغيير نوع البكتيريا التي تسكن الأمعاء

ويرتبط النظام الغذائي المُعتمد بشكل رئيسي على الأطعمة الغنية بالألياف، والقليل من الدهون والسكريات بنمو بكتيريا صحية داخل الأمعاء نظراً لدور هذه الأطعمة في تكوين تنوع كبير في الكائنات الحية الدقيقة داخل الأمعاء.

على الجانب الآخر فإن الأنظمة الغذائية التي تعتمد على الكثير من الدهون والسكريات والقليل من الألياف – تؤثر بالسلب على صحة الإنسان نظراً لقلة التنوع الميكروبي الذي تسببه تلك الأطعمة في الأمعاء.

وقد أظهرت التجارب التي أُجريت على بعض الحيوانات أن تناول طعام غير صحي لمدة 3 أيام أسبوعياً يؤثر سلباً على الميكروبات المعوية، حتى وإن تم اتباع نظام غذائي صحي لبقية أيام الأسبوع، وقد يكون السبب وراء ذلك الضغط الانتقائي الذي تتعرض له الجراثيم المعوية للتعامل من أسلوب مضيفها الغذائي لتُزيد من نشاطها.

الميكروبات المعوية والسمنة

تنقسم البكتيريا داخل جسم الإنسان إلى قسمين رئيسيين: العصوانيات و متينات الجدار، وترتبط السمنة بانخفاض نسبة العصوانيات مقارنةً بـ"متينات" الجدار، والعكس بالعكس في حالة فقدان الوزن.

وقد توصلت دراساتٍ علمية عدة إلى احتواء أمعاء أولئك الذين يعانون من السمنة على ذلك النوع من البكتيريا المؤججة للسبيل الهضمي والمُدمرة لبطانته، الأمر الذي يسمح للبكتيريا الموجودة في الأمعاء بالهرب.

لم يتم التأكد العلمي بعد مما إذا كان لتغير نوع الجراثيم المعوية جراء النظام الغذائي غير الصحي، دور في حدوث السمنة من عدمه، ولكن معظم الأدلة المُستخلصة من الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات تدعم تلك الفرضية.

ويُحتمل أن تكون الجراثيم الموجودة داخل أمعاء من يعانون السمنة أكثر كفاءةً في حصد الطاقة داخل الجسم من خلال التأثير الجزئي الذي تمارسه على مضيفها لتناول بعض الأطعمة التي تساعد في نموها مما يساهم في نهاية المطاف في حدوث زيادة الوزن.

جراحات إنقاص الوزن

تعد جراحات علاج البدانة مثل جراحة المجازة المَعِدِيّة إحدى أهم الوسائل الفعّالة لعلاج السمنة ويرجع هذا لدورها المهم في تقليص حجم المعدة. وإلى جانب إسهامها الكبير في الحد من كمية الطعام التي يتناولها الإنسان فهي تعزز من إفراز الهرمونات التي تُشعرنا بالشبع وتسهم أيضاً في تنويع الجراثيم الموجودة داخل الأمعاء.

تنطوي المسألة على بعض العوامل الأخرى، فقد أظهرت شهادات بعض المرضى قلة رغبتهم في الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والطاقة في أعقاب إجراء تلك الجراحة، وقد يكون لهذا الأمر إسهام كبير في نجاح العملية.

الجراثيم المعوية وسلوك البشر

أثبتت بعض الأدلة التجريبية المؤكدة تحكم الجراثيم المعوية في مزاج الإنسان، إذ أظهرت العديد من الدراسات وجود علاقة بين الإصابة بالاكتئاب وبين تغير الجراثيم المعوية داخل جسم الإنسان.

وهناك تغير كبير يحدث في وفرة العصوانيات والشعاويات ومتينات الجدار لدى المرضى المصابين بالاكتئاب. وعندما نُقلت الجراثيم المعوية الخاصة بمصابي الاكتئاب إلى الفئران، أظهرت هذه الفئران سلوكاً يغلب عليه الاكتئاب مقارنةً مع أقرانها ممن نُقلت لها بكتيريا معوية لأشخاص أصحاء.

وتشير بعض الدلائل الحديثة إلى التأثير الكبير للبكتيريا المعوية على بعض سلوكيات البشر وذلك عبر المحور الذي يربط البكتيريا المعوية بالمخ، إذ أظهرت بعض التجارب التي أُجريت مؤخراً على الفئران عن ضعف ذاكرتها المكانية في أعقاب تناولها الأطعمة الغنية بالدهون أو السكريات لمدة أسبوعين فقط.

وتبين أن قصور الذاكرة مرتبط بتغير تكوين البكتيريا المعوية المرتبطة بتأجيج الالتهابات داخل قرن آمون – وهي المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم داخل المخ.

الصداع النصفي

يمتلك أولئك الذين يعانون الصداع النصفي مزيجاً مختلفاً من البكتيريا المعوية الأمر الذي يجعلهم أكثر حساسيةً تجاه بعض الأطعمة بالمقارنة مع أقرانهم، حيث تشير بعض الأبحاث إلى امتلاك أولئك، الذين يعانون من الصداع النصفي، لمستوياتٍ مرتفعة من البكتيريا المعروف ارتباطها بمركبات النترات الموجودة في اللحوم المصنعة والخضراوات الورقية وبعض أنواع الخمور.

ومؤخراً، رجحت بعض النتائج البحثية احتمالية حدوث الصداع النصفي تزامناً مع هضم مركبات النترات الموجودة في الطعام بكفاءة عالية الأمر الذي يسبب تمدداً في الأوعية الدموية الموجودة بالدماغ وفروة الرأس.

وفي هذا الإطار، يقول أنطونيو غونزاليس -مُبرمج ومُحلل النظم في جامعة كاليفورنيا والمؤلف الأول لهذه الدراسة- إن هناك بعض الأطعمة التي من شأنها تنشيط الصداع النصفي مثل الشوكولاتة والنبيذ والأطعمة الأخرى التي تحتوي على مركبات النترات.

وأضاف "نعتقد أن هناك علاقة بين ما يأكله الإنسان وبين شعوره بالصداع النصفي".

ففي أعقاب سريانها في مجرى الدم، تتحول مركبات النترات الموجودة في الطعام إلى مادة أكسيد النتيريك التي من شأنها توسيع الأوعية الدموية وتحسين كفاءتها من خلال تعزيز أداء الدورة الدموية داخل جسم الإنسان. ومع ذلك، يعاني 4 من بين كل 5 يتناولون الأدوية التي تحتوي على مركبات النترات لعلاج أمراض الصدر والقلب صداعاً شديداً.

ويقول بعض الخبراء إن مسألة الارتباط بين البكتيريا المعوية والصداع النصفي هو أمر مقبول طبياً، إذ أن هناك شيئاً يسمى بصداع" الهوت دوغ".
كما أشارت الدراسة التي نُشرت في مجلة mSystems، والتي اعتمدت على على عينات فموية وعينات من البراز لأكثر من 2000 مشارك من الأصحاء، إلى وجود مستويات أعلى للبكتيريا المرتبطة بهضم مركبات النترات بين أولئك الذين يعانون من الصداع النصفي.

ما الذي يجب علينا فعله الآن؟

النبأ السار هنا هو إمكانية تغيير نوع البكتيريا المعوية بشكل سريع، لذا يجب علينا تناول الأطعمة غير المصنعة والأطعمة الغنية بالألياف وممارسة التمارين الرياضية وتجنب الكحوليات، وذلك إذا ما أردنا تحسين نوع البكتيريا التي تنمو داخل أمعائنا.

وفيما يتعلق بالصداع النصفي، يسعى العلماء مستقبلاً للوصول إلى غسول فم فعّال من شأنه تغير توازن البكتيريا داخل الفم للمساعدة في منع الصداع النصفي.

وينصح جونزاليس بالابتعاد عن الأطعمة التي تحتوي على مركبات النترات إذا ما كان ينتابك شكٌّ في إنها التي تسبب لك الصداع النصفي.