امرأة واحدة تموت كل دقيقتين أثناء الولادة.. ونساء هذه البلدان معرضة أكثر إلى الوفيات النفاسية

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/27 الساعة 06:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/21 الساعة 06:07 بتوقيت غرينتش
Mom is prepared before childbirth. Bangkok, Thailand.

حوالي 830 امرأة تموت أثناء الولادة كل يوم، أي حوالي سيدة واحدة كل دقيقتين، إذ إن الوفيات النفاسية ما زالت خطراً يهدد النساء في العديد من بلدان العالم.

وحسب آخر التقديرات العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة، فإنَّ 303 آلاف امرأة تموت سنوياً أثناء الولادة، أو نتيجةً لمضاعفاتها.

غالبية الوفيَّات ناتجة عن ظروف كان من الممكن منعها لو كانت النساء المتوفيات قد حصلن على الرعاية الطبية الملائمة طوال فترة الحمل وأثناء الولادة، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ويعد النزيف الحاد والإصابة بالعدوى بعد الولادة أكبر أسباب الوفاة، وهذا لا ينفي أنَّ ارتفاع ضغط الدم والولادة المتعسرة والإجهاض غير الآمن كلها عوامل تسهم في ذلك.

ويتطلَّب الحصول على أرقام دقيقة لحالات الوفيات النفاسية جمعاً قوياً للبيانات القُطرية، وهو أمر غير متاح في كثير من الأحيان في البلدان النامية، لذلك من المرجح أن يكون العدد المبلغ عنه أقل من العدد الفعلي.

في أي بلدان العالم تكثر الوفيات النفاسية؟

الغالبية العظمى من الوفيات النفاسية تحدث في البلدان النامية، فحوالي ثلثي الوفيات النفاسية تحدث في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى. وتُشكِّل الوفيات النفاسية في نيجيريا والهند وحدهما ثلث الوفيات النفاسية على مستوى العالم.

المرأة الإفريقية الأكثر تعرضا إلى الوفيات-النفاسية
المرأة الإفريقية الأكثر تعرضا إلى الوفيات-النفاسية

ويبلغ معدل الوفيات النفاسية في أقل البلدان نمواً في العالم 436 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، في تناقض صارخ للمعدل المقابل في البلدان الغنية، الذي لا يتجاوز 12 حالة.

 وتُظهر أرقام البنك الدولي أنَّه في عام 2015 (آخر عام له سجلات) كان لدى سيراليون أعلى معدل للوفيات النفاسية في العالم، حيث بلغ عدد الوفيات 1360 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، على الرغم من أنَّ هذا يمثل انخفاضاً في الوفيات بنسبة 50% منذ عام 1990.

لماذا يعتبر التقدم الذي أُحرِزَ لخفض الوفيات النفاسية مخيباً للآمال؟

تشير الأرقام العالمية -رغم ارتفاعها- إلى إحراز نوع من التقدم. في عام 1990، بلغت تقديرات الوفيات النفاسية 532 ألف حالة وفاة سنوياً، لذا فقد انخفض العدد بنسبة 44% خلال جيل واحد.

لكن بينما يستحق هذا الانخفاض الاحتفاء بالتأكيد، فإنَّه يعكس نتيجة ضئيلة قياساً على حجم الالتزامات العالمية الكبيرة.

ففي المؤتمر العالمي الأول المعني بالمرأة، الذي عُقد في المكسيك في عام 1975، سُلِّط الضوء على العدد المرتفع للوفيات النفاسية، مع التشجيع على العمل على الحد منه.

وفي عام 1990، قطعت حكومات 179 دولة في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة وعداً مشتركاً، بخفض عدد الوفيات النفاسية المسجلة في عام 1990 إلى النصف بحلول نهاية القرن، مع تخفيض العدد مرة أخرى إلى النصف بحلول عام 2015. وهذا ما لم يحدث.

في عام 2001، وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الأهداف الإنمائية للألفية، التي تضمَّنت خفض عدد الوفيات النفاسية بمقدار ثلاثة أرباع بحلول عام 2015.

وفي حين عزَّزت الأهداف الإنمائية للألفية الجهود المبذولة في هذا الشأن، لم يتحقق الهدف في البلدان التي شهدت أعلى معدلات للوفيات. في الواقع، أحرز الهدف تقدماً بطيئاً للغاية. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، بين عامي 1990 و2005، انخفضت معدلات الوفيات النفاسية بمعدل 2.3% في العام، أي أقل من 5.5% اللازمة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. والآن يبدو أنَّ الانخفاض قد استقر بالقرب من هذا المعدل.

لماذا استقرَّ المعدل عند هذا المستوى المقلق؟ وكيف ننقذ هؤلاء النساء؟

عندما يكون معدل الوفيات النفاسية مرتفعاً، فإنَّ التدخلات البسيطة نسبياً -مثل زيادة الوعي بين النساء بأهمية السعي للحصول على الرعاية الطبية أثناء الحمل والولادة، وتدريب العاملين في الرعاية الصحية في المجتمعات المحلية على اكتشاف بوادر المشكلات في الولادة- من شأنها أن تُحَقِّق مردوداً سريعاً نسبياً.

غير أنَّ إحداث تغيير ملحوظ يتطلب المزيد من الإرادة السياسية والمزيد من المال، كما تقول أنيكا كنوتسون، مسؤولة الصحة الجنسية والإنجابية في صندوق الأمم المتحدة للسكان.

وأضافت: "إنَّ أي تدخل من شأنه أن يأتي بالنساء إلى مركز صحي للحصول على الرعاية السابقة للولادة، وتوعية النساء بأهمية طلب الرعاية، أو تقليل عدد الولادات المنزلية التي تتم بمفردهن، سيكون له تأثير كبير. عندما نصل إلى مستوى 200 حالة وفاة [لكل 100 ألف ولادة حية]، هناك الكثير من الإجراءات الأخرى، التي يجب أن تتم في النظام الصحي لتخفيض حالات الوفيات النفاسية بشكل أكبر.

وتتعلَّق هذه الإجراءات بوجود عُمَّال صحة مؤهلين، ومرافق يمكن أن توفر بالإضافة إلى عمليات الولادة الطبيعية الآمنة خدمات مثل نقل الدم، أو العمليات القيصرية، أو أنواع أخرى من الولادات المُساعدة. يتطلب الأمر المزيد من الاستثمارات طويلة الأجل والمتطورة في النظام الصحي. هذا هو أحد أسباب تباطؤ وتيرة خفض حالات الوفيات النفاسية".

لماذا تموت هؤلاء النساء؟ فتِّش عن العوامل الاجتماعية

هناك عدد من الأسباب، وهي متجذِّرة في الفقر وغياب المساواة والتحيز الجنسي.

تموت غالبية النساء في المناطق الريفية الأكثر فقراً، حيث غالباً ما تكون خدمات الرعاية الصحية غير كافية، أو يتعذَّر الوصول إليها، وحيث يوجد نقص حاد في الطواقم الطبية المُدرَّبة، فاحتمال استفادة النساء في هذه المناطق من مساعدة عامل صحة ماهر أثناء الولادة أقل، مقارنة بالنساء في المناطق الأغنى، وبالتالي تزداد في هذه المناطق احتمالات الوفاة النفاسية.

من دون مساعدة مهنية، تلد النساء بمفردهن أو يضطررن إلى الاعتماد على الأقارب من الإناث أو القابلات التقليديات لمساعدتهن، مما يُعرِّض حياتهن لخطر شديد إذا ظهرت مضاعفات. يمكن أن تعيش النساء، وخاصة في المناطق الريفية، على بُعد كيلومترات من أي مركز صحي، وقد يكافحن من أجل دفع تكاليف النقل للوصول إلى هناك إذا كانت حالتهن المادية ضعيفة. ويُقَدِّر معهد غوتماشر، أنَّ أكثر من نصف النساء في إفريقيا سوف يلدن في مركز صحي، مقارنة بأكثر من 90% في أميركا اللاتينية.

الرعاية الصحية خلال فترة الحمل تساهم في تقليل احتمالات الوفاة النفاسية
الرعاية الصحية خلال فترة الحمل تساهم في تقليل احتمالات الوفاة النفاسية

خلال فترة الحمل، تقل احتمالية تلقّي النساء في الدول الأفقر لزيارات الرعاية والمتابعة الثماني السابقة للولادة، التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية.

هذه الزيارات حاسمة في تحديد المشاكل أو الأسباب الأساسية التي يمكن أن تسبب صعوبات في الولادة، إذا كانت المرأة مصابة بالملاريا، على سبيل المثال، أو تحتاج إلى رعاية خاصة لإصابتها بفيروس نقص المناعة البشرية. قَدَّر معهد غوتماشر أنَّه في حين أنَّ 63% من النساء في البلدان النامية تلقَّين أربع زيارات على الأقل خلال الحمل، في حين أن النسبة في إفريقيا كانت 51% فقط.

وتشير حسابات المعهد إلى أنَّه إذا حصلت جميع النساء على مستوى الرعاية الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية، فإنَّ الوفيات النفاسية ستنخفض بنسبة تزيد عن 60%، لتصل حوالي 112 ألف حالة وفاة سنوياً.

وماذا عن التحيز الجنسي ضد النساء؟

ملايين النساء حول العالم لا يزلن غير قادرات على تقرير متى  يتزوجن أو إذا كانت لديهن الرغبة في الزواج أو الإنجاب.

في البلدان النامية، هناك حوالي 214 مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة لا يرغبن في الحمل، ولا يستخدمن وسيلة حديثة من وسائل منع الحمل، لأنَّهن غير قادرات على الوصول إليها، أو لأنَّ أزواجهن أو مجتمعاتهن لا يُحبِّذون استخدام وسائل منع الحمل. وتوجد أكبر نسبة من النساء اللواتي لا يحصلن على وسائل منع الحمل الحديثة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتقول سارة أونيانغو، المديرة الفنية في قسم البرامج في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة: "لا تُمنح المرأة الاحترام الكافي فيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية والحقوق.

نحن نعرف ما يتطلَّبه الأمر، ولدينا الخبرة والموارد، على نطاق واسع… لكننا نتجاهلها ولا نركز بشكلٍ كافٍ على الحاجة إلى معالجة قضايا المرأة".

وهذه الفئة من النساء الأكثر عرضة إلى الوفيات النفاسية

الفتيات المراهقات معرَّضات بشكل خاص لخطر الموت أثناء الولادة.

في العام الماضي 2017، وجدت منظمة الصحة العالمية أنَّ المضاعفات في الحمل والولادة، بالإضافة إلى الإجهاض غير الآمن، كانت السبب الأكبر في وفاة الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة على مستوى العالم. ويعد ارتفاع ضغط الدم والولادة المتعسرة من بين الأسباب الرئيسية، لأنَّ أجسامهن لم تنضج بشكلٍ كامل، وليست جاهزة لتَحمُّل الولادة. وتعد نصف حالات الحمل في هذه المجموعة غير مخطط لها.

زواج الأطفال والمراهقات وبالتالي الإنجاب المبكر سبب لانتشار الوفيات النفاسية
زواج الأطفال والمراهقات وبالتالي الإنجاب المبكر سبب لانتشار الوفيات النفاسية

لا توجد إحصاءات رسمية مُجمَّعة عن الفتيات الأصغر سناً (الإحصاءات الرسمية للرعاية الصحية الإنجابية مُجمَّعة فقط عن النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة)، لكن معهد غوتماشر يُقَدِّر أنَّه في عام 2016، وُلِد 777 ألف طفل لفتيات تتراوح أعمارهن بين 10 أعوام و14 عاماً.

وقَعَت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قراراً بإنهاء زواج الأطفال، ولكن في كل عام، يولد 7.3 مليون طفل لأمهات دون سن الثامنة عشرة، وكل تسع ولادات من كل 10 ولادات هي لفتيات متزوجات. تقع 18 دولة من أصل 20 دولة لديها أعلى معدلات زواج للأطفال في إفريقيا، وهي القارة التي لديها أعلى معدلات وفيات للأمهات.

والغريب أن التمويل اللازم للرعاية الصحية للأمهات قد تراجع لسبب مجهول، وقد يكون اللاجئون هم وراء ذلك

من المثير للقلق أنَّ المساعدات المُقدَّمة للرعاية الصحية للأمهات انخفضت بنحو 11% في السنوات القليلة الماضية، من 4.4 مليار دولار في عام 2013 إلى 3.9 مليار دولار العام الماضي.

والسبب غير واضح، غير أنَّه في السنوات القليلة الماضية، أعادت بعض البلدان المانحة توجيه المعونة للتعامل مع تدفق اللاجئين في الداخل.

تبلغ فجوة التمويل في صندوق الأمم المتحدة حوالي 700 مليون دولار حتى عام 2020، وازداد الأمر سوءاً بقرار دونالد ترمب وقف تمويل الصندوق العام الماضي.

ولكن كيف يمكن المضي قدماً للحدِّ من الوفيات النفاسية؟

بعد الإخفاق في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، أصبح الحد من الوفيات النفاسية هدفاً لأهداف التنمية المستدامة، التي وقَّعت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015. وتُلزم الأهداف العالمية الجديدة البلدان بخفض الوفيات النفاسية إلى أقل من 70 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة.

نعم إنَّه هدف طموح، ولكن من المأمول أن يشجع رفع سقف الهدف المنشود على إحراز تقدم كبير على الأقل.

كيف نقلل مأساة وفاة الأمهات أثناء الولادة؟
كيف نقلل مأساة وفاة الأمهات أثناء الولادة؟

وتقول أونيانغو، إنَّ الاستهداف الاستراتيجي للموارد سيكون مطلوباً لضمان دعم أكثر للنساء الأكثر فقراً والأسوأ وضعاً.

ويتمثل هدف آخر من أهداف التنمية المستدامة في ضمان حصول الجميع على خدمات تنظيم الأسرة. وهناك أيضاً هدف مستقل يدعو إلى المساواة بين الجنسين، يتضمن على وجه التحديد إنهاء زواج الأطفال، وضمان وصول الجميع إلى الرعاية الصحية الإنجابية.

وتقول كاتبة التقرير: نتوقع ممارسة الضغط بصدد هذه القضية في المؤتمر الدولي حول تنظيم الأسرة في رواندا، في نوفمبر/تشرين الثاني، وفي العام المقبل الذي يوافق الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لمؤتمر السكان والتنمية، الذي عُقد بالقاهرة.