النساء السعوديات مازلن يفضلن العباءات وهناك أمور تغيرت في حياتهن لا نعرفها

هل أصبح الأمر مختلفاً ببعض التغييرات التي أقرتها الحكومة السعودية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/27 الساعة 06:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/04 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش

هل سيكون هناك رجلٌ من العائلة موجود ليأخذني بالسيارة إلى الموعد؟ من أيّ بابٍ يجب أن أدخل هذا المبنى؟ وفي أيّ طابورٍ يجب أن أنتظر من أجل قهوتي في المجمع التجاري؟.

تحتاج النساء، اللاتي يشكلن نصف سكان مدينة الرياض المترامية الأطراف والتي يقطنها  7 ملايين نسمة، لترتيبات معقدة في حياتهم اليومية، فالحياة تتغير كثيراً بوجود الرجال أو غيابهم، حسب تقرير لصحيفة  Washington Post الأميركية.

في بعض الأحيان تقوم النساء في غضون يومٍ واحدٍ بتغطية وجوههنّ وكشفها، أو خلع أحجبتهن وعباءاتهنّ السوداء وارتدائها لعشرات المرّات أو أكثر، اعتماداً على وجود رجال وصلة القرابة التي تجمعهم.

وقد تشمل عقوبة إساءة تقدير هذه المواقف النبذ الاجتماعيّ، والإذلال للمرأة وعائلتها، والتعرّض للمضايقات غير المقبولة من الرجال، بل وحتى وقتٍ قريب كانت تشمل الاعتقالَ والحبس.

فهل أصبح الأمر مختلفاً ببعض التغييرات التي أقرتها الحكومة السعودية؟

على الأرض حدثت تغييرات طفيفة ولكن الأهم أن ثمن الخروج عن الأعراف أصبح أقل

أصبحت هذه الحسابات اليوميّة حاليّاً أسهل بشكلٍ طفيف لكنَّه معتبر، وانخفضت تكلفة الفشل في تقديرها، حسب تقرير الصحيفة الأميركية.

إذ تؤدي الإصلاحات الاجتماعيّة التي أعلنها وليّ العهد محمد بن سلمان إلى حدوث تغيراتٍ في الكثير من جوانب الحياة في المملكة المحافظة، لكنَّ أحداً لم يستفِد من هذه التغيرات أكثر من النساء، اللواتي أقصت طريقة معاملتهن السعودية عن بقية العالم لسنوات.  

بدأت بعض خصلات الشعر بالظهور من تحت الحجاب، وبدأت الخطوط التي تفصل النساء عن الرجال بالتلاشي، وبدأت الحكومة كذلك تتراجع ببطء عن تدخّلها الشديد في حياة النساء. وسمح للنساء بقيادة السيارات في 24 يونيو/حزيران الجاري، وهو أحد أكثر التغيرات رمزيةً وأهمية من الناحية العملية حتى الآن.

ولكن ثمة مجال بعينه حدث به تراجع في الحريات

بالطبع، لا تشمل هذه التغييرات الحريات السياسية. فقد بعثت حملة الاعتقال التي جرت الشهر الماضي لـ17 ناشطة، من بينهن سبع من النسوة البارزات اللاتي دافعن عن حقّ المرأة في القيادة، بإشارةٍ واضحة لجميع السعوديّين مفادها أنَّ الحكومة وحدها هي التي تستطيع أن تمنح الحريات، وأنَّ الحكومة بإمكانها أن تسلب هذه الحريات كذلك.

أُفرِج عن ثمان من اللواتي احتجِزن، لكنَّ تسعاً منهن لا يزلن خلف القضبان، من بينهن ثلاث من الناشطات المطالبات بحق النساء في القيادة.

وقالت هالة الدوسري، وهي ناشطة سعوديّة دعمت حملة قيادة المرأة وزميلة في جامعة هارفرد الأميركية، إنَّ الاعتقالات ليست مرتبطة على الأرجح بالمطالب المحددة للنساء، بل بالمطالبة بأي شيء على الإطلاق. وأضافت قائلةً إنَّ الذكور من رجال الدين والمدونين ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون الحكومة قد اعتقلوا أيضاً، لكنَّ اعتقالهم أحدث ضجة إعلامية أقل صخباً.

شكل جديد للسلطة في المملكة.. قليل من الحرية هنا ومزيد من السلطوية هناك

ويبدو أنَّ المملكة العربيّة السعوديّة الجديدة تتجه نحو شكلٍ من السلطويّة لم يسبق لتشدّده مثيل، وذلك على الرغم من تشجيع الحكومة للإصلاحات الاجتماعية التي بدأت في تحرير المرأة من أكثر أشكال التمييز الجنسي قسوةً في العالم، حسب الصحيفة.

وقالت الدوسري إنَّ الحملات المستقبليّة للمطالبة بإصلاحاتٍ أكثر إفادة وقيمة في حياة النساء، مثل إيقاف قانون الولاية المكروه على نطاقٍ واسع الذي يفرض على كلّ النساء الحصول على إذنٍ من قريب ذكر قبل السفر أو العمل أو حتى الذهاب إلى مقهى، سوف تُمنَع من الأساس.

وتابعت "الإصلاحات الوحيدة التي سوف تحدث هي تلك التي تحددها الدولة، يريد محمد بن سلمان أن يكون هو الحكم في هذه الأمور، فهو يرغب في أن يُقرِّر حدوث الإصلاحات ومتى يجب أن تحدث".

وأول مغنية بلوز سعودية تقدم إشارات لمن يخشى التراجع عن الإصلاحات

وبالرغم من ذلك، لا توجد إشارة على أنَّ الإصلاحات التي أُقِّرت ستُلغَى. إذ تستمر الصحف السعوديّة في نشر تقارير تبعث على الانبهار حول أوّل امرأة سعوديّة تقوم بهذا النشاط أو ذاك، ويُفترض بهذه القصص أن تعطي مثالاً عن الخطوات التي تحقق قدراً أكبر من المساواة: أول مرشدة سياحية سعودية، وأول مدربة سعودية لتسلّق الصخور، وأوّل فريق تفتيش تجاري مكون من النساء، وأول مغنية بلوز سعودية.

تُعدّ هذه التغييرات بالنسبة لكثير من النساء العاديّات تغييراتٍ عاديّة، ولا تزال تعتمد بشدة على ما يقرره الرجال في حياتهن. وفي مدينة جدّة الساحليّة الواقعة غرب السعودية، التي لطالما كانت أكثر تحرّراً من العاصمة الصحراوية الرياض، خلعت بعض النساء الحجاب بالكامل، وألغت بعض المطاعم والمقاهي الأقسام المنفصلة للعائلات والرجال المنفردين، التي كانت قد صُمِّمت لضمان ألا تقابل المرأة رجلاً لا تعرفه.

لكن الاختبار الحقيقي للتحرر يحدث في هذا المكان

الرياض، حيثُ تتغلَّب التقاليد القبلية المحافظة على الدولة في معظم الأحيان، تمثل الاختبار الحقيقي للتحرر، هناك لا تزال المطاعم والمقاهي محافظة على الأقسام المنفصلة، ولا تزال الغالبية العظمى من النساء يرتدين أغطية الوجه المعروفة بالنقاب، بالإضافة إلى الأحجبة والعباءات، وذلك على الرغم من تصريحات ولي العهد بأنَّها لم تعد إلزامية.

ومع ذلك، قالت عشراتٌ من النساء السعوديّات اللواتي ينتمين إلى جميع شرائح المجتمع في مقابلاتٍ أُجريت معهنَّ من قبل الصحيفة الأميركية إنَّ الإصلاحات تغيّر حيواتهن بطرق كن يعتقدن سابقاً بأنَّها مستحيلة. إذ أنَّهنَّ يباشرن حياتهن المهنيّة، ويبدأن أعمالاً تجاريّة، بل يسعين إلى الحصول على الطلاق والنفقة لأبنائهنّ.

وطلبت بعضهن عدم ذكر هوياتهنَّ لأنَّهنَّ يخشين التداعيات التي قد تجلبها عليهن الدولة. في حين قالت أخريات إنَّهنَّ سعيداتٌ بالتحدّث بصوتٍ عالٍ لأنَّّهنَّ يتبنين هذه التغيرات، ويعتقدن أنَّ ولي العهد محمد بن سلمان يهتم بهن.

 وقالت ولاء جار الله، البالغة من العمر 32 عاماً: "يبدو الأمر كما لو أنَّه قد سُمِح لنا بالتنفس أخيراً". عادت ولاء من نيويورك بعد سنتين لدراسة التصوير، ووجدت نفسها متضايقة مما تبقى من القيود، ومذهولة من التحوّل الذي حدث.

ويظل هناك سؤال ملح.. هل تخطت الإصلاحات الحدود بشكل يستفز المجتمع المحافظ؟

أثارت المقابلات مع النساء العديد من الأسئلة التي لا يزال الوصول إلى إجاباتها مبكِّراً. هل ستستمر التغيرات؟ هل ستحدث فارقاً حقيقيّاً؟ أم أنَّها تتعدى الحدود بشكلٍ كبير في هذا المجتمع المحافظ، ما قد يؤدي إلى ردِّ فعلٍ عنيف يمكن أن يعيد الأمور إلى الوراء؟

فعلى سبيل المثال، حظي قرار العاهل السعودي بالسماح للنساء بقيادة السيارات، بأصداء متباينة.

إذ رفضه المحافظون، بينما قوبل بتأييد غير متوقع من هيئة كبار العلماء وفرح في الأوساط الحقوقية والنسائية.

في المقابل ندد معارضون بالقرار على تويتر، وقال مستخدم آخر "على ما أذكر، قالت هيئة كبار العلماء إنه يحرم على النساء القيادة. فكيف يصبح ذلك حلالاً فجأة؟".

وهذه يوميات امرأة سعودية في المقهى

طوال ساعات النهار وحتى وقتٍ متأخر من المساء، يقوم تيار مستمر من الرجال الذين يقودون السيارات الخاصة أو سيارات أوبر أو سيارات الأجرة بتوصيل نساء يتلفّعن بالسواد إلى أمام بابٍ آمن مكتوب عليه "لا يُسمح بدخول الرجال والأطفال".

وحالما تصبح النسوة في الداخل، يزحن النقاب ويخلعن الحجاب. وبعد أن يطلبن قهوةً من المجموعة الواسعة التي يقدمها "كنكة كافيه"، يجلسن للتحدُّث مع صديقاتهن أو للعمل على حواسيبهن المحمولة.

هذا المقهى هو واحدٌ من عددٍ من المقاهي التي تملكها النساء وتديرها النساء، ولا يزورها إلا النساء كذلك، التي انتشرت في الرياض لتلبية احتياجات العميلات من النساء العاملات اللواتي تتزايد أعدادهن، ويرغبن في الاسترخاء بعيداً عن الضغوط المجتمعية المفروضة عليهن عند وجود الرجال.

تدخل العديد من الحِيَل في إدارة هذه المقاهي المخصّصة للنساء في المملكة العربيّة السعوديّة. يترك رجالٌ المؤنَ، مثل حبوب البن والطحين من أجل الفطائر والبراونيز التي تُخبَز يومياً لتكون طازجة، في ردهة بين الباب الخارجي والباب الداخليّ. حالما ينتهي الرجال من تفريغ حمولتهم، تلتقط العاملات البضائع وتنقلنها إلى المطبخ، وبهذه الطريقة يتفادَين الاتصال الممنوع مع الغرباء من الجنس الآخر.

وعندما يحدث عطلٌ يستدعي تدخل السباكين والكهربائيّين، يُغلَق المقهى حتى لا تُجبَر العميلات على التواجد قريباً من الرجال بشكلٍ غير مريح، حسبما قالت العاملات.

والحقيقة أن مسألة قواعد الملابس ليست أولوية.. ولكن هناك ما هو أهم بالنسبة لهن

تتفق النساء على أنَّ قواعد اللباس تحظى بأولوية أقل من الوظائف التي تفتح أبوابها، وفرصة قيادة السيارات.

وقالت سارة، ابنة الـ 28 عاماً، التي تعمل متخصصة اجتماعيّة، إنَّ العباءة هي جزء مريح في التقاليد السعودية، "وبإمكانك ارتداء البيجامات تحتها". ويغطِّي الرجال السعوديّون رؤوسهم بالشماغ القبلي، ويرتدون عباءاتٍ تقليدية بيضاء طويلة، وهي ليست إلزاميّة على الإطلاق، لكنَّ الغالبية الساحقة من الرجال يختارون ارتداءها.

وتحدّثت النساء عن المدى الذي يردن أن يصل التغيير إليه. فقالت نجوى: "أريد أن نصبح مثل أميركا".

لكنَّ سارة قاطعتها بسرعة وقالت: "ليس مثل أميركا، فنحن نرى على التلفاز العديد من النساء الأميركيّات يتعرَّضن للتحرُّش الجنسي".

ويظل العائق الأكبر هذا الخوف المترسخ من الرجال.. وهذه الروايات تعززه

يتخلّل الخوف من التحرُّش كلّ جانب من جوانب حياة المرأة تقريباً، وذكرته العديد من النساء في المقابلات على أنَّه أكبر مانعٍ من المشاركة في التغييرات التي تقدّمها الدولة. حتى أكثر النسوة تديّناً رحَّبن بحق القيادة، لكنَّ قليلاً منهنَّ فقط قلن إنَّهنَّ مستعدَّاتٌ لأن يكنَّ أوَّل من يقدن في الشوارع، فقد يصبحن ضحايا للرجال أو يتعرَّضن للمضايقات.

وتشرح حصة ذلك قائلةً: "سوف يتبعونك. وسوف يطلبون منكِ أن تأخذي رقم هاتفهم. وسوف يستاؤون عندما تقولين لا. وربما يضحكون منكِ".

وكان قانونٌ قد صدر الشهر الماضي يفرض غراماتٍ وسجناً قد يصل إلى خمس سنوات على جميع أنواع المضايقات.

وقالت ناشطة لحقوق المرأة في الرياض، رفضت ذكر اسمها بسبب المخاطر التي تواجه الناشطات، إنَّ النساء أنفسهنَّ اللواتي ظللن تحت حماية العائلة لسنوات بحاجة إلى أن يتأقلمن مع الحريِّات الجديدة.

وتابعت: "كنّا نتعرّض لغسيل الدماغ طوال 40 إلى 50 سنة بواسطة القنوات التلفزيونية والمساجد. إذا قدنا سيارة، سترى النساء جميع هؤلاء الوحوش وقد جاؤوا من أجلهن. لقد تربيَّنا لنخاف كلَّ رجلٍ في العالم. لكنَّ الرجال ليسوا كذلك. هناك نسبة من الرجال السيئين بالطبع، لكنَّهم أقليِّة. يتعلَّق الأمر بالتخلّص من الأساطير التي تدور حول العلاقة بين الجنسين".

أغلقت المقهى النسائي الخاص بها وأقامت حفلة خاصة مختلطة

لا تزال المقاهي المختلطة تُعدّ خطيرةً في الرياض. إذ أنَّها ليست مرخَّصةً قانونيّاً، والنساء غير متأكّداتٍ من رغبتهنَّ بوجودها.

افتتحت سلوى الضراب المقهى المخصّص للنساء الذي تمتلكه المسمى "نبت فنجان" قبل سنة من الآن، ومنذ ذلك الوقت كانت تحاول أن تحصل على تصريحٍ لتصنيف العقار كمكانٍ عائليّ، ما يعني أنَّ أقارب العميلات من الذكور سيُسمح لهم بالدخول. لكنَّ الحكومة رفضت منحها الترخيص على أساس أنَّ الرياض لديها قانون يمنع النساء من خدمة الرجال في أيِّ مؤسَّسة، باعتبار أنَّ ضراب عازمة على أن تكون العاملات في المقهى الخاص بها من النساء.

وفي الذكرى السنويّة لافتتاح المقهى التي جاءت الشهر الماضي، أغلقت سلوى الضراب المقهى، وأقامت حفلةً خاصة دعت الرجال إليها. وفي تجمُّعٍ مختلطٍ نادرٍ من نوعه في الرياض، احتسى عددٌ من الرجال -معظمهم أشقاءٌ لعميلات المقهى- القهوة بجانب عشرات النساء. ووضعت بعض النساء الحجاب، وغطّت أخريات وجوههنّ بسبب وجود الرجال.

المفارقة أن مبادرات السماح بالاختلاط أفضت إلى خسائر مالية

لكنَّ مثل هذه الأمثلة عن الاختلاط نادرة، وأتت بعض المحاولات لمواكبة الإصلاحات بنتائج عكسية.

فقد كان مول "برج المملكة"، وهو أحد أكثر مراكز التسوّق بهرجة، لسنواتٍ عديدة معروفاً بكونه "مملكة النساء"، فالطابق العلوي من المركز التجاريّ كان مُخصَّصاً للنساء فقط. وفي وقتٍ سابق من العام الحالي، غيَّر المركز التجاريّ قواعده سامحاً للرجال والنساء بالتحرك في جميع أنحاء المركز بحريِّة.

فتراجعت الأعمال. وتوقّفت النساء اللواتي كنَّ يرَين المركز التجاري مكاناً يمكنهن فيه التقاء صديقاتهنَّ عن القدوم. وبدأت البائعات في المتاجر اللواتي كنَّ معتادات على خلع العباءات والأحجبة بارتدائها مجدداً، بعد أن سُمِحَ بدخول الرجال إلى الطابق.

وقالت إيمان، التي تبلغ من العمر 28 عاماً، وتعمل في متجرٍ يبيع آخر الإصدارات في عالم العباءات المُزيَّنة بالألوان: "لقد أرادوا زيادة المبيعات، لكنَّ ما حدث هو عكس ذلك. لم يعد أحد يأتي إلى المقاهي بعد الآن". وأضافت قائلةً إنَّ أكثر ما يثير القلق هو الرجال العُزَّب الذين يتسكّعون في المركز التجاري بهدف إيجاد امرأة.

إيمان مُرحِّبة بالتغيُّرات التي تحدث، لكنَّها قلقة من الوتيرة التي تحدث بها. وقالت: "إنَّها تحدث بسرعة كبيرة، سوف يتقبَّلها المجتمع أكثر إذا حدثت تدريجيّاً".

وتابعت قائلةً إنَّ العائلات المحافظة "معتادةٌ على أمرٍ واحدٍ. إذا كنتَ تتحكم سابقاً في الكيفية التي يعيشون بها حياتهم، ثم قمتَ فجأةً بفتح الباب وإخبارهم أنَّه بإمكانهم الذهاب، فسيكون هذا بمثابة صدمة".

وأضافت: "الأمر مفاجئ وجديد، ولا تتقبَّله الكثير من العائلات القبلية، إذ أنَّ للقبيلة قوانينها الخاصة كما للحكومة قوانينها، وهناك أيضاً الإسلام الذي له قوانين خاصة به أيضاً".

الإسلام أم القبلية.. جدل جديد يحركه الخوف على الأخلاق ولكن الجديد أنه لا أحد يبالي بالهيئة

تركز النقاشات المحتدمة في المجتمع السعودي عن التغييرات على التفريق بين المفروض من قبل الإسلام، وما يمثِّل تقاليد قبليّة، وإلى أي مدى تهدف الحكومة إلى الاستمرار في تقدمها نحو التحرُّر.

ومن ضمن المخاوف الأساسية لدى الرجال والنساء على حدِّ سواء من عمل المرأة، والسماح لها بالقيادة، وتخفيف قواعد اللباس، أنَّ هذه الأمور قد تؤدي إلى الاختلاط وانهيار الأخلاق.

وبسبب مرتبتهن الاجتماعيّة المتدنية، تقع النساء -والدور الذي يلعبنه- في قلب هويِّة المملكة السعوديّة، ما يضعهنَّ على الخط الأمامي لأجندة محمد بن سلمان الإصلاحيَّة.

حدث أكبر تغيُّر في حياة النساء قبل سنتين من الآن، عندما سحبت الحكومة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة الاعتقال. استمرَّت هذه الشرطة الدينيَّة، التي دأبت على فرض القواعد الدينيّة والقبليّة باستخدام سلطة اعتقال المخالفين، في القيام بدوريَّاتها. واستمرَّت بحثِّ النساء على تغطية شعورهنَّ بالكامل، وبسؤال الرجال والنساء الذين يظهرون برفقة بعضهم في العلن عما إذا كانوا أقرباء.

لكن بعد أن فقدوا سلطتهم، باتت نصائحهم وتحذيراتهم مفتقرةً إلى قوَّة العقاب، ولم تعد النساء يلقين لهم بالاً.

توسلت لسائقها ألا يخبر والدها بما فعلته هذا الصباح

مع استمرار العمل بقانون الولاية، لا تزال درجة استفادة المرأة من التحرُّر معتمدةً بشكل كبير على قناعات أسرتها، لا سيما الأقارب من الذكور الذين لا يزالون يمارسون سلطةً استثنائية على حياة النساء.

بإمكان النساء اللواتي ينتمين إلى عائلاتٍ متحرِّرة، الغنيّات في الغالب والحاصلات على تعليمٍ أفضل، اللواتي سافرن إلى عددٍ من الدول، أن يعشن حياتهنَّ بنفس مقدار الحريّة التي تحظى بها النساء في بقية الدول العربيَّة. وكانت المواعدة بشكلٍ سرِّي شائعة بين النخب المتحرِّرة لسنوات، ومع التقليل من القوَّة التي كانت مخوَّلة للشرطة الدينيّة، يمكن أن يتقابل الرجال والنساء من أجل مواعيد غراميَّة، تكون فيها وجوه النساء مغطاة، في قسم العائلات بالكثير من المقاهي الراقية في الرياض.

إلَّا أنَّ المواعدة والرجال هما أقلّ ما يثير اهتمام نسرين، البالغة من العمر 28 عاماً، وتعمل من التاسعة صباحاً حتى الخامسة عصراً مدققةً للحسابات في إحدى الشركات، ثمّ تعمل من السادسة حتى الـ11 مساءً في متجر ملابس افتتحته العام الماضي مما ادخرته من عملها. تحلم نسرين بتأسيس علامة تجاريّة للأزياء خاصَّة بها، وكسب ما يكفي لتتخلَّى عن عملها الصباحيّ.

وقالت: "أنا متعلّمة وموظَّفة وأُدير عملي التجاري الخاص، وأدفع ضرائبي الخاصة، ولا أفتقد أيَّ شيء، والزواج ليس أولويَّةً بالنسبة لي".

أما النساء اللواتي لا تتقبّل عائلاتهنّ هذه التغيرات، فهنَّ مقيّدات مثلما كنَّ دائماً، كما قالت وجدان، التي تبلغ من العمر 23 عاماً، بينما تحتسي اللاتيه في قسم العائلات بمقهى ستاربكس، حيثُ لا تزال النساء العزباوات والرجال العُزَّب منفصلين تماماً. لا يسمح لها والدها بالذهاب إلى مقهى في الصباح، وكانت قد توسَّلت لسائق العائلة ألا يخبر والدها أنَّها توقفّت لتشرب القهوة برفقة صديقة بعد الانتهاء من الجامعة.

وبعد كل هذا الصخب هؤلاء النساء المظلومات من أكبر المستفيدات من الإصلاحات

مع استمرار كون الرجال هم من يقرّرون في النهاية ما يجب أن تفعله النساء وما لا يجب، قد يكون أكثر المستفيدين من الحريات الجديدة هم أولئك الذين يمتلكون أكثر الأسباب إلحاحاً للتحرُّر. تؤثّر كثير من هذه التغييرات المعلن عنها في المقام الأول على النخب، الذين لا يمانعون أن تصبح بناتهم مُدرِّبات لتسلّق الصخور أو مغنيِّات لفن البلوز.

وامتلأت محاكم القضايا الأسريّة في الرياض بالنساء الساعيات للحصول على الطلاق والنفقة الماليّة على أبنائهنَّ من أزواجهنَّ السابقين، بعد صدور قانون في شهر مارس/آذار الماضي يسمح للنساء بالحصول على حضانة أبنائهنَّ بشكلٍ تلقائي، ولم يثر هذا الأمر صخباً كبيراً. كما منحت قوانين أخرى صدرت على مدى السنوات الثلاث الماضيَّة النساءَ حقَّ الشروع في الطلاق، والمطالبة بنفقة الطفل. ومنح قانون صادر في عام 2016 المطلَّقات والأرامل الحقَّ في استخراج بطاقة هوية عائلية (بطاقة العائلة)، ما يجعلهنَّ ربّات أسرهن، ويحرِّرهنَّ من أيّة قيود يفرضها قانون الولاية.

والأمر اللافت هو طريقة تعامل القضاة معهن

كما أن أكبر المستفيدات هنَّ السعوديَّات من الطبقة الأكثر فقراً، اللواتي لا يستطيع آباؤهنَّ تقديم المساندة لهنَّ عندما ينتهي الزواج.

وخلال زياراتٍ إلى المحكمة على مدار يومين في الشهر الماضي، وجدتُ عشراتٍ من النساء يتجولن في المبنى، ويدخلنه من خلال أبوابٍ منفصلة مخصّصة للنساء، وينتظرن في غرف مفصولة للاستماع إلى قضاياهنَّ. فاق عدد النساء عدد الرجال في الغرف المخصَّصة لكلٍ منهما على حدة، واستشهدت الكثير من النساء بالاعتداء الجسدي من أجل الحصول على الطلاق.

جميع القضاة هم من الرجال، لكنَّ النساء أعربن عن سعادتهن من السرعة التي تجري بها العمليّة.

وقالت سارة، التي تبلغ من العمر 41 عاماً، وتطلّقت من زوجها قبل ثلاث سنوات وتسعى حالياً للحصول منه على نفقة لستة أطفال: "أصبح كلّ شيءٍ أسهل بالنسبة للنساء الآن، يبدو القضاة منحازين إلى جانب المرأة بشكلٍ أكبر هذه الأيام".

أما مجودة التي تبلغ من العمر 41 عاماً، قضت 17 عاماً منها متزوّجةً برجل يؤذيها جسديّاً، واقتربت من المراحل الأخيرة لإتمام إجراءات الطلاق: "الأمر سهل، سهلٌ جداً، لقد قال لي القاضي 'ليس بإمكان أحدٍ إجبارك على العيش مع رجلٍ لا تريدين أن تعيشي معه'".

 وبالنسبة للنساء الأخريات اللواتي يشعرن بأنّهنَّ محاصراتٌ بواسطة عائلاتهنَّ المحافظة، يوفِّر الزواج فرصةً للهرب. إذ قالت رهف، التي تبلغ من العمر 18 عاماً، وتعمل في واحدٍ من المحلّات الصغيرة التي تبيع عباءاتٍ سوداء رخيصة من التي لا تزال معظم النساء يرتدينها في سوق الطيب، أكبر سوقٍ في الرياض حيثُ تذهب أغلب النساء المحافظات للتسوُّق: "أريد أن أقود، لكنَّ عائلتي لن تسمح لي، لدى عائلتنا رجلٌ، وهو الذي يقود فقط".

كما أن هؤلاء النساء قررن التجديد دون جذب للانتباه

أغلب العباءات المعروضة لونها أسود بالكامل، لكنَّ بعضها مزخرف بالرماديّ أو ألوانٍ داكنةٍ أخرى، وهي آخر صيحات العباءات التي تشير إلى التجديد في هذه الأوقات المتغيّرة وحدود هذا التجديد في الوقت ذاته.

 تُعبِّر الألوان الباهتة عن استعدادٍ جريءٍ لكسر القيود الحاليّة، لكن ليس إلى درجةٍ يصبح بها المرء ملفتاً للنظر. وقالت رهف: "نحن لا نريد أن نجذب الانتباه".

وتابعت: "لا شيء سيتغيَّر بالنسبة لي، على الأقل حتى أتزوَّج. تقول جميع الأمّهات: 'انتظري. عندما تتزوّجين سيكون هذا من شأن زوجك'".

 

تحميل المزيد