بالفعل رفعت السعودية الحظر عن قيادة المرأة للسيارة.. لكن مهلاً، القرار ليس حقوقياً كما يبدو فالهدف منه اقتصادي

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/25 الساعة 16:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/26 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
Bahraini woman Eman Mohammed takes a selfie with her phone as she celebrates with Saudi and Bahraini women the lifting of the driving ban on women, in east Saudi Arabia, June 24, 2018. REUTERS/Hamad I Mohammed

اعتبرت صحيفة The Independent البريطانية أن قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة السعودية للسيارات ليس تلبية لحقوق السيدات كما يتم الترويج له، إنما هو ضرورة اقتصادية؛ من أجل دفعهن إلى سوق العمل لمنافسة الرجال.

وقالت الصحيفة البريطانية إنه بعد سنواتٍ من حملات حقوقية قادتها ناشطات، رُفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات في السعودية حالياً. تعد هذه الخطوة هي الأبرز ضمن حزمة من المبادرات الأخيرة، التي اتخذها العاهل السعودي ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز دور المرأة في المجتمع السعودي.

وتشمل هذه المبادرات توفير عدد أكبر من الوظائف في القطاع العام للنساء، وتخفيف واضح لقواعد الزي الصارمة المفروضة على النساء، ومد حق الاقتراع كي يشمل النساء للتصويت والترشُّح في الانتخابات البلدية عام 2015، فضلاً عن اتخاذ خطوات صغيرة لكنها مهمة، لتقليص نفوذ نظام ولاية الرجل، الذي يطالب المرأة بضرورة الحصول على موافقة أحد الذكور الأقارب عند اتخاذ القرارات الهامة.

وخلال الأسابيع السابقة لرفع الحظر، أُلقِيَ القبضُ على عددٍ من الناشطات اللاتي قرَّرَن قيادة السيارات في السعودية، ما أثار بعض الشكِّ حول اتجاه الحكومة إلى إصدار قرارٍ بتخفيف القيود الاجتماعية المفروضة على النساء. وفي بلدٍ تتسم فيه سيطرة الحكومة المركزية على الوزارات بالضعف النسبي، كان هذا الإجراء تعبيراً عن رفض بعض الجماعات داخل المؤسسات الدينية سرعة عملية الإصلاح ومحتواها.

واعتبرت الصحيفة البريطانية أن القرار يأتي مدفوعاً بضرورة تنشيط الاقتصاد في المقام الأول عبر جعل النساء والرجال أكثر إنتاجية في العمل.  

وتجد السعودية نفسها حالياً في وضعٍ اقتصادي خطير. عبر الأعوام الستين الماضية، سمحت إيرادات النفط الوفيرة للدولة ببناء نظام رعاية اجتماعية شامل يرفع شعار التكفُّل بالمواطنين من المهد إلى اللحد. وقد وفَّرَ هذا النظام، إلى جانب الإسكان المجاني وغيره من إجراءات الرخاء، للمواطنين وظائف بأجورٍ سخية في القطاع العام مقابل متطلبات وظيفية قليلة، والحصول على إجازات طويلة ومعاش مبكر.

كان هذا النموذج يعمل بشكلٍ جيد عندما كان التعداد السكاني صغيراً والإيرادات النفطية وفيرة. لكن، لم يعُد الوضع مثلما كان؛ إذ ينمو تعداد السكان بوتيرةٍ سريعة، وسيستمر الوضع على هذا المنوال خلال المستقبل القريب. وحالياً، لا تزيد أعمار 60% من المواطنين السعوديين، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، على 30 عاماً. وانهارت أسعار النفط عام 2014 -رغم ارتفاعها قليلاً حالياً- ما كان له أثرٌ سلبي بالغ على إيرادات السعودية، بحسب الصحيفة البريطانية.

ومع أخذ هذا في الاعتبار، أعلن وليّ العهد السعودي عن رؤية السعودية 2030، وهي أكثر برامج إصلاح الاقتصاد السعودي جذريةً حتى يومنا هذا. ويكمن الهدف الطموح طويل الأجل في تحويل الاقتصاد من الاعتماد على إيرادات النفط بشكلٍ رئيسي إلى اقتصاد ما بعد النفط، وإلحاق جزء كبير من تعداد السكان بقوة العمل. ومن بين 12 مليون وظيفة مدفوعة الأجر في السعودية، لا يشغل السعوديون سوى 5 ملايين وظيفة منها، في حين يشغل العمال المهاجرون الـ7 ملايين وظيفة المتبقية. ومن بين عناصر رؤية 2030 التعيين على أساس الاستحقاق وليس العلاقات الأسرية والقبلية.

النساء في سوق العمل

وهناك دورٌ هامٌ للنساء في رؤية 2030؛ إذ تلقت النساء السعوديات تعليماً أفضل قليلاً من الرجال، وتعتقد الحكومة أنهنَّ قادرات على الاضطلاع بدورٍ فعَّال في تنمية البلاد. وربما تكون النساء أقل ممانعةً من نظرائهن الرجال لتولي بعض الوظائف -مثل التمريض وغيرها من وظائف الخدمات- التي يشغلها المهاجرون حالياً. كما أن نسبة شغلهن الوظائف متدنية بشكلٍ كبيرٍ حالياً؛ إذ لا تشغل النساء سوى واحدة من بين كل 5 وظائف يعمل بها سعوديون، وهي نسبةٌ متدنية للغاية مقارنةً بمناطق أخرى في العالم.

وترجع أحد أسباب غياب المرأة عن سوق العمل، بشكلٍ كبيرٍ، إلى التقاليد الثقافية والتفسيرات الدينية، التي ترى أنه ينبغي للنساء الاعتناء بالمنزل بينما يذهب الرجال للعمل. لكنَّ هناك عدداً من العقبات العملية التي تمنع النساء من تولي الوظائف فعلياً، إذا أردن هذا. وكان أحد  هذه العوائق الأساسية موضوع تنقُّل النساء.

تقع السعودية في منطقةٍ مناخية حارة للغاية، حيث يعد وجودك خارج المنزل تحت الشمس تحدياً جسدياً. كما أن المدن السعودية مُصمَّمة على الطريقة الأميركية، التي تتسم بوجود مسافات كبيرة بين أماكن العمل والمنزل، والخدمات، والتسوُّق. لذا، حتى وإن لم تكن هناك عوائق ثقافية، فإن قدرة النساء على الذهاب إلى العمل سيراً أو عبر ركوب الدراجةٍ محدودةٌ للغاية.

وليست المواصلات العامة متطوَّرةً في السعودية، وخيار ركوب سيارة أجرة غير مقبول ما لم تستقله سيدتان معاً. وبموجب حظر ركوب النساء للسيارات، يعني هذا أن النساء الراغبات في مغادرة منازلهن يتعيَّن عليهن ركوب سيارة يقودها أحد أقاربهن الذكور أو سائق، إذا كانت العائلة قادرةً على تحمُّلِ تكلفة هذا، بحسب الصحيفة البريطانية.

رجال غائبون

ولا يعد توظيف سائق وشراء سيارة إضافية مشكلةً بالنسبة للعائلات ميسورة الحال، لكن بالنسبة لغالبية موظفي القطاع العام، فإن توظيف سائق يُعَد مُكلِّفاً للغاية. وحثَّ وليّ العهد مؤسسات القطاع العام على خلق وتوسيع خدمات النقل العام للنساء العاملات.

لكنَّ مسألة الانتقالات تُؤثِّر أيضاً على مدى فاعلية الرجال في العمل؛ إذ يضطر الرجال، الذين ليس لديهم سائقون، إلى مغادرة العمل لتوصيل زوجاتهم إذا أردن الذهاب إلى الطبيب أو لحضور غيره من المواعيد التي تُعتَبَر هامة. ويتقبَّل معظم أصحاب العمل هذا الأمر.

ويجعل هذا قرار رفع حظر قيادة النساء للسيارات خطوةً جوهريةً لجعل الاقتصاد السعودي أكفأ على المدى الطويل. قد يسهم هذا في جلب المزيد من النساء العاملات إلى سوق العمل بينما يرفع من كفاءة الرجال في العمل. لكن في الأساس، تعد الخطوة تغييراً أولياً في التقاليد الثقافية، التي ستسمح للرجال والنساء في المستقبل بشغل الوظائف نفسها جنباً إلى جنب.

علامات:
تحميل المزيد