جازفت إنعام الأسود بالجلوس خلف مِقْوَد السيارة في المملكة العربية السعودية ذات مرّة، مدفوعة بالإحباط الذي انتابها عندما شاهدت سائقها وهو يحاول ويخفق، مراراً وتكراراً، الدخول بالسيارة إلى حيّزٍ ضيّق مخصَّص للركن في الشوارع الحارة المتربة في مسقط رأسها بمدينة جدة المطلّة على البحر.
تقول السيدة البالغة من العمر 43 عاماً، وهي مبتسمة: "لم أستطع تحمّل الأمر. طلبتُ منه الخروج من السيارة، وركنتها بنفسي، ثم خرجتُ ومضيت". من خلال ذلك الموقف البسيط الذي قامت خلاله بركن السيارة، بشكلٍ متوازٍ مع السيارات الأخرى، عرَّضت نفسها لخطر الاعتقال. لكن المملكة العربية السعودية تتغيّر.
يتعيَّن على المطلّقة، الأنيقة والحادة، حتى نهاية هذا الشهر أن تعتمد على الرجال في أي مرّةٍ تودّ فيها الخروج من المنزل؛ وهو عبارة عن شقة مكوّنة من غرفتين للنوم في مبنى متواضع، حيث تلعب 3 قطط قامت إنعام بإنقاذها و4 قطط صغيرة خلف الستائر، التي تُخبّئها وابنيها البالغين من الشمس الحارقة والجيران الفضوليين.
دائماً ما تسافر إنعام بالسيارة، مثل معظم الناس في جدّة، وهي مدينة مترامية الأطراف تضمُّ طرقاً متعدّدة المسارات؛ تقلّ فيها وسائل النقل العام بشكلٍ كبير، حيث تجعل درجات الحرارة – المرتفعة جداً في الصيف – السير أو ركوب الدراجات لمسافة أكثر من مبنيَين محنة مرهقة، مسببة التعرّق، وأحياناً كثيرة الإصابة بالإغماء.
طوال حياة إنعام، منع القانون السعودي المرأة من القيادة، حتى في الحالات الطارئة. وتمكّنت النساء الثريات من توظيف سائقين، ولكن لا تتمتع جميع النساء في السعودية بتلك الثروة الطائلة التي تتمتع بها العائلة المالكة. فاضطرَّت ملايين النساء الأخريات إلى الاعتماد على سيارات الأجرة أو على أزواجهن أو أشقائهن أو أبنائهن، بل حتى في بعض الأحيان أجلسن صبيةً (من صبي) تحت السنّ القانوني في مقعد القيادة.
تطبيقات حجز السيارات سهَّلت قليلاً عملية العثور على سائقٍ، خلال السنوات الأخيرة، ولكن بالنسبة للنساء اللواتي يتنقّلن في الجوار يومياً؛ لاصطحاب الأطفال إلى المدرسة، وزيارة الأصدقاء أو الذهاب إلى الصالة الرياضية، ستكون هناك تكلفة إضافية – في المال والإحباط والوقت المُهدر والخوف في بعض الأحيان. ولذا على غرار ملايين السعوديات الأخريات، شعرت إنعام بالذهول والإثارة عندما أعلنت السلطات السعودية على نحوٍ غير متوقع بأن الحظر سيُرفع اعتباراً من أواخر يونيو/حزيران من العام 2018. وتضيف إنعام قائلة "كان الوضع السابق مثيراً للاستياء. الآن أشعر وكأننا نعيش في بلدٍ متقدّم، يختلف عمّا كان عليه من قبل. كما أتمنى لو حدث ذلك، عندما كنت في العشرين أو الثلاثين من عمري".
بعد سنوات من إدارة شركة لتأجير السيارات في سوريا، مسقط رأس والدتها، تعتقد إنعام أن بإمكانها قيادة السيارات بشكلٍ أفضل من معظم الرجال داخل المملكة العربية السعودية. فرَّت إنعام إلى سوريا بعد فشل زواجها منذ أكثر من عقْد. والآن تعود، وهي تشعر بالسعادة حيال تغيُّر بلدها، كما تحرص على أن تلعب دوراً صغيراً في تغيير الطرق والمساعدة على إخراج النساء من منازلهن؛ وذلك بأن تصبح أول امرأة سعودية تقود سيارة أجرة من خلال تطبيق كريم Careem لحجز السيارات: "علينا أن نبني هذا البلد سوياً، رجالاً ونساءً". ومثل معظم النساء السعوديات، تعزي إنعام حقها الجديد في القيادة إلى ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان، الذي يمثل القوة التي تقف وراء عرش والده الملك سلمان، والذي نصَّب نفسه حاملاً للواء الجيل الجديد وأحد المدافعين عن حقوق المرأة وهو في الـ 32 من عمره.
منذ أن تولّى والده العرش في العام 2015، عمل ولي العهد على تسريع وتيرة التحسّن البطيء فيما يتعلّق بحقوق المرأة. لم تكتسب النساء حق القيادة فقط، بل سُمِح لهنّ بحضور الفعاليات الرياضية للمرّة الأولى، كما جرى تخفيف قوانين الملابس الصارمة إلى حدٍّ ما. لكنه قمع أيضاً الناشطين الذين قادوا، على مدار ما يقارب الثلاثة عقود، حملاتٍ شعبية من أجل التغيير، مخاطرين بالحرّية وبحياتهم المهنية من أجل الإصرار على حقوق المرأة في القيادة؛ بحسب ما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
يقول حلفاء الأمير الشاب إنه يحاول بشدّة قلب المجتمع السعودي ضدّ القوى الجبّارة، ويتحتّم عليه كبح الاحتجاجات، سواء كانت ليبرالية أو محافظة، نظراً لأنها تخاطر بالتصعيد وإفشال مشروع الإصلاح بأكمله. وكان لافتاً إيقاف رجل دين بارز عن العمل، عندما قال إنه "لا يتوجّب على النساء أن يقُدن السيارة، لأن عقولهنّ تساوي نصف عقول الرجال، ويتقلّص حجمها عندما يذهبن للتسوق". ولكن، بصرف النظر عن أهداف وليّ العهد الشخصية، فإن السماح للمرأة بالقيادة يعدُّ في حدِّ ذاته تحرُّراً سياسياً قوياً سيُحدِث فارقاً هائلاً في حياة ملايين الأشخاص.
تقول تهاني الدوسماني، أستاذة التكنولوجيا المساعدة في جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز الواقعة خارج الرياض؛ وواحدة من أول عشر نساء يُصدَر لهنّ رخصة خاصة، والتي تعلّمت القيادة أثناء دراستها في أميركا: "يعني ذلك التمكين، كما يعني الكثير من الأمور. الأمل في التغيير والتقدّم والاستقلال". وتضيف والدة الأطفال الخمسة، التي لا يسعها الانتظار حتى تبدأ في اصطحاب أطفالها إلى المدرسة: "منذ عودتي من الولايات المتحدة، وأنا متلهّفة لرفع الحظر. سأدع سائقي يتوقف عن العمل. ذلك سيوفّر بعض المال، الذي يمكننا إنفاقه على الأطفال".
تعهد ولي العهد بتحويل الاقتصاد المحتضّر، وبتقليل اعتماد الدولة على النفط، وبالحدّ من الفساد وإدخال المزيد من السعوديين إلى مجال العمل. كما تدعو خطته "رؤية 2030" إلى إدخال ثلث السعوديات إلى مجال العمل بنهاية العِقْد القادم، ليرتفع عددهن من 1 من كل 5 في الوقت الحالي.
تستهدف شركات السيارات بالفعل فرص المبيعات التي تقدّمها السائقات الجديدات. شركة رينو مثلاً، وعدت بسياراتٍ مجانية لأول سبع نساء يحصلن على رخصة.
يقول ثائر إسماعيل "نتوقع زيادة كبيرة في المبيعات. فأرخص سيارة جرى شراؤها، عن طريق خطة التقسيط، تصل كلفتها إلى نصف الحدّ الأدنى من راتب السائق. لذا فإن العائلات لديها حافز كبير للإنفاق على السيارات. في رمضان، كان الزبائن يتردّدون على المكان حوالي الساعة 9 مساءً، في تدفّق يستمرّ إلى ما بعد منتصف الليل؛ يُمْعِنون النظر إلى السيارات الرياضية الفاخرة، قبل المساومة على الدفعة الأولية لسيارة كامري الجديدة. ترتدي النساء، اللواتي يعملن ضمن طاقم المبيعات، النقاب بالكامل – إِذْ تظهر أعينهن فقط من النقاب الأسود – إلا أن تواجدهنّ في المحل، إلى جانب زملائهم الذكور والعملاء، كان ليُعدُّ أمراً غير قانوني منذ سنوات قليلة فقط.
عندما تبدأ النساء في العمل سائقات لسيارات الأجرة، فسيقدّم ذلك فرصاً للسفر بالنسبة للنساء اللواتي ينحدرن من عائلات أكثر تحفظاً، حيث يحظّر عليهن الأوصياء الذكور ركوب السيارات التي يقودها رجال غرباء.
تبنّت شركة "كريم" نهاية الحظر المفروض، وقدَّمت توصيلات مجانية للنساء الذاهبات إلى مدرسة تعليم القيادة، كما تخطّط لإطلاق خدمة فريدة تضمّ سائقات. ولن تستطيع سوى النساء فقط والعائلات استخدام هذه الخدمة، وذلك من أجل إدارة المخاطر الأمنية والمخاوف الاجتماعية لدى العائلات المحافظة. سيكون لدى السائقات خطٌّ ساخن على مدار 24 ساعة، مع ضمان الردّ على مكالماتهن في غضون دقائق، إضافة إلى الحصول على دعمٍ مجاني، على عكس الرجال.
ومن المرجح أن تكون الخدمة الأخيرة مطلوبة حتى من قبل السائقين ذوي الخبرة. ووفقاً لحملة القيادة الآمنة الحكومية؛ تشتهر المملكة العربية السعودية بالسرعة العالية في القيادة، وتعدُّ من بين أكثر 25 دولة خطورة في العالم فيمّا يتعلق بالقيادة. فقد شهد العام الماضي ما يقارب النصف مليون حادثة، أسفرت عن مقتل ما يزيد على 7400 شخصاً، وفقاً لصحيفة Saudi Gazette. وتزدحم طرق المملكة بشكلٍ كبير، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى المدن التي بُنيت من أجل السيارات؛ حيث تتنافس سيارات الدفع الرباعي والسيارات الرياضية الفاخرة، في المكان، مع سيارات السيدان (سيارات الركاب) الأقلّ ثراءً. وغالباً ما يتّسم السائقون بالعدوانية، لدرجة تقترب من التهوّر، ولم تنجح نقاط الرادار سوى في الحدّ جزئياً من الرغبة في زيادة السرعة وتجاهل قواعد الطريق.
وبالطبع شهدت البلاد رواجاً للنكات المتحيّزة جنسياً؛ حول الشوارع التي ستصبح أكثر خطورة، على الرغم من الدليل القاطع الذي تقدّمه بيانات التأمين في جميع أنحاء العالم على أن النساء هنّ سائقات أكثر حذراً من الرجال. لكن لا يوجد سوى القليل من الأدلة على أن النساء سوف يتمكنّ من التدفق إلى الشوارع في 24 يونيو/حزيران على أيّ حال. فعلى الرغم من التخطيط، الذي استمرّ 9 أشهر، تبدو البلاد في وضعٍ لا يسمح لها بتلبية هذا الطلب الكبير، ولن تحصل سوى فئة صغيرة من النساء الراغبات في القيادة على الرخص التي تسمح لهن بالقيادة في ذلك اليوم. إذ أن عدداً ضئيلاً من الأماكن تقدّم دروساً للنساء، معظمها في الجامعات، مثل جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في الرياض. وعلى الرغم من أن الأسعار تصل إلى 6 أضعاف تكلفة دروس القيادة الخاصة بالرجال، لا تزال هذه الأماكن مكتظة.
ربما تكون التغييرات مدفوعة في جزءٍ منها بقدوم زمن جيلٍ جديد. فالسعودية بلاد شابة، أكثر من نصف سكانها تحت سنّ الثلاثين. هؤلاء الشباب، الذين نشأوا في عالم أكثر اتصالاً، ويعرفون مدى اختلاف الحياة – حتى بالمقارنة مع سكان الدول الإسلامية المحافظة الأخرى – هم الأكثر انتقاداً للقيود العنيفة المفروضة على الحياة الاجتماعية في السعودية، وربما يكونون الجمهور الرئيسي لإصلاحات ولي العهد.
في الرياض، نادراً ما تنخفض درجات الحرارة في الصيف إلى أقل من 30 درجة مئوية، حتى في أبرد ساعات ما قبل الفجر، لذلك يجب على الأشخاص الذين يريدون عمل أي شيء خارج منازلهم وسياراتهم المكيفة الانتظار حتى الليل. وفي شهر رمضان المبارك، كان هذا النشاط الليلي يزداد، بسبب وجوب الامتناع عن الطعام أو الشراب في ساعات النهار. ولذا تنقلب المدينة إلى جدولٍ ليلي، وتكتظُّ مطاعمها ومقاهيها ومراكز التسوق في الساعة 2 صباحاً، بالإضافة إلى تجوّل العائلات للاطلاع على السيارات أو الملابس الجديدة، وتناول البيتزا أو العصائر أو الأطعمة اللبنانية الشهية.
لذلك لا تصل غنى – طالبة الثانوية – إلا بعد العاشرة مساءً إلى موعد دروسها لتعلّم قيادة الدراجة النارية في معهد مهارات الدراجات النارية؛ في مجمعٍ مُسوَّر في ضواحي المدينة، مع والدها وشقيقها الأصغر. تُعدّ ساحة الفناء منطقة خاصة حيث يمكن للنساء أن يتخلّين عن الزيّ الرسمي لأجل الأمان، ويرتدين الملابس الجلدية والخوذة بدلاً من الحجاب والعباءة. تُعدّ قيادة دراجة نارية خياراً جذرياً، لبلدٍ لم يُشرّع ركوب الدراجات النارية إلا في العام 2013. إلا أن والد الطفلة (14 عاماً) الذي اعتاد ركوب الدراجات النارية، شجّعها على ذلك بمجرّد أن اتضّح أن الحظر سيطبق في النهاية على جميع المركبات. ومع ذلك، لم تخبر جميع زميلاتها، فقط بعض الأصدقاء المقرّبين. "بصفتي سعودية، لم أتخيّل أبداً أنه يمكنني القيام بشيء من هذا القبيل هنا، لكنني سعيدة للغاية"، تقول غنى بابتسامة وهي واقفة في المضمار. "يمكنك التعبير عن نفسك".
سوف يستغرق الأمر عدة سنوات حتى تبلغ من العمر ما يكفي لتتمكن من ركوب دراجة أو سيارة خارج المجمع، لكن زينب جغليت، وهي صيدلانية، تأمل في فعل ذلك في وقت أبكر مع زوجها وابنتها، وتأمل في أن تقود سيارتها عبر الصحراء بنهاية السنة. وهي واحدة من أربع نساء فقط اشتركن في صفوف الدراجات النارية. "في البداية، بدت التجربة شديدة الغرابة، لكنها الآن مثيرة"، حسبما قالت. حصلت زينب على رخصة قيادة سيارات من الأردن بلدها الأم منذ سنوات، لكنها فقدت الأمل في أن تتمكن من استخدامها في السعودية.
لقد جاءت من "حفلة قيادة" لإحدى بنات عمومتها، التي أصبحت أول امرأة في العائلة تحصل على تصريح سعودي قبل أسبوعين فقط من رفع الحظر. إذ فاجأتها العائلة بحفلة عيد ميلاد وكعكة مزينة بـِ "تهانينا على الرخصة الجديدة"، لكنها ما زالت لا تعتقد أنه سيكون هناك نساء يقدن على الطريق بنهاية الشهر. وقالت زينب وهي تظهر صورة لقريبتها وهي ممسكة برخصة القيادة بجانب الكعكة "حقاً لم أتوقع ذلك. اعتدت أن أقود خارج البلد، ولكن حين قالوا إنه سيصبح من الممكن القيادة هنا، أُصبت بالصدمة. نحن نحتفل. أنت تعلم كم انتظرنا هذه اللحظة".