ضربت وأهينت لكنها اليوم ليست وحيدة.. كيف ستحمي القوانين الجديدة المرأة في تونس من العنف

العنف ضد النساء لا يزال مشكلة منتشرة ومستمرة في تونس، فالعُنف الاقتصادي والاعتداء الجنسي المنزلي هما أكثر أنواع الاعتداء السائدة

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/14 الساعة 15:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/15 الساعة 08:52 بتوقيت غرينتش

في مدينة قفصة (جنوب تونس)، كان يبدو الملجأ الخاص بالنساء المعنَّفات من الخارج كأي منزل عادي، في الداخل كانت التفاصيل عائلية فيما عدا الجدول الموجود على باب المطبخ، حيث يحدد ساعات تناول الطعام والنظافة، في حين تمتلأ غرفة التخزين بالفوط الصحية، وفرش الأسنان، والملابس من مختلف القياسات.

سهام بن رمضان ونساء أخريات مثلها نزيلات بالملجأ، في السابق لم يكن لديهن هذا الخيار؛ إذ كان زوجها يضربها كثيراً منذ زواجها به قبل 19 عاماً، وكانت تتقدم بشكاوى إلى الشرطة، التي كانت تقول لها إنها ستضطر إلى سجنه.

وفي كل مرة كانت سهام وهي مواطنة ليبية، عاشت في تونس منذ 20 عاماً، تتنازل عن الشكاوى؛ لأنها لا تريد أن يعيش أطفالها من دون أب، حسب قولها. قرارها تغيَّر كلياً حينما بدأ زوجها في ضرب ابنهما البالغ من العمر 9 أعوام، يومها لم تعد تستطيع تحمُّل الأمر، وقررت أن تغادر البيت إلى ملجأ قفصة من أجل النساء اللاتي تعرضن للعنف.

ويعتبر هذا الملجأ واحداً من ملاجئ معدودة افتُتحت حديثاً بالبلاد بعد تمرير البرلمان قانوناً جديداً في العام الماضي (2017)، يعاقب على مجموعة محددة من أعمال العنف ضد النساء، إضافة إلى التمييز ضدهن، كما يحث القانون أيضاً على فتح ملاجئ جديدة ومنشآت لحماية النساء في حالات الطوارئ.

خطوة إلى الأمام

تفتخر تونس دائماً بكونها البلد العربي الأكثر تقدماً عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة. فطالما حصلت النساء هنا على حقوق الطلاق وحضانة أطفالهن، وكذلك أُلغي تعدد الزوجات بعد عام من استقلال البلاد في 1956.

لكن العنف ضد النساء لا يزال مشكلة منتشرة ومستمرة في البلاد، فالعُنف الاقتصادي والاعتداء الجنسي المنزلي هما أكثر أنواع الاعتداء السائدة.

في عام 2016، كان 60% من التونسيات ضحايا للاعتداء الجنسي المنزلي حسب تقرير لصحيفة The New York Times، وفقاً لوزارة المرأة والأسرة والطفولة، في ظل وجود دراسات من المنظمات غير الحكومية تشير إلى أن هذا الرقم ربما يكون أكبر من ذلك، حيث صرحت 50% من النساء بأنهن تعرضن للاعتداء في مكان عام، على الأقل مرة واحدة بحياتهن.

ويطمح المشرّعون والناشطات إلى تقليص هذه الأرقام بالقانون الجديد والملاجئ التي افتُتحت بموجب التشريع الجديد.

سونيا محمدي، مديرة مركز الاستقبال الذي يمثل المحطة الأولى للنساء المستضعفات قبل أن يُودَعن في الملاجئ، تقول إن النساء اللائي يأتين إلى المركز هارباتٍ من موقف بائس، من دون أي حقائب على الإطلاق؛ "لذا فإننا نوفر كل شيء".

وتوجد 7 ملاجئ للنساء في تونس مموَّلة من الاتحاد الأوروبي. وقد افتُتحت أغلبها بعد الثورة التي شهدتها البلاد ضمن ثورات الربيع العربي، والتي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2010، وألهمت سلسلة من الثورات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تقدم الملاجئ حماية، وخدمة قانونية، وبعض التدريب الوظيفي المجاني، ورعاية الطفل، والعلاج الطبي والنفسي.

الوعي أولاً

وعلى الرغم من أن القانون الجديد يشكِّل تطوراً بهذا الصدد، فإن التحدي القادم يكمن في توسيع الوعي بهذه التغييرات، ومساعدة المزيد من النساء اللائي يتعرضن للإساءة كي يلجأن إلى المؤسسات والتدابير الجديدة الخاصة بحمايتهن، كما يجب أيضاً على الشرطة والقضاة والأطباء أن يكونوا على دراية ببنود القانون الجديد.

نزيهة العبيدي، وزيرة المرأة والأسرة والطفولة، تؤكد أن الأولوية الآن في تونس لتعليم الأطفال وآبائهم احترام القيم العائلية التي تتضمن حقوق المرأة.

ويُجرّم التشريع الجديد الاغتصاب المنزلي، ويمنع المُغتصِب من الزواج من ضحيته كي يقلل من عقوبته، كما يمكن أن يواجه أفراد الشرطة السجن إذا رفضوا استقبال شكاوى الإساءة المقدمة من النساء أو حاولوا إثناءهن، وحتى لوا تنازلت الضحية عن اتهاماتها في قضية عنف ضد المرأة، فلن يعني هذا إيقاف التحقيقات.

وعلى الرغم من زيادة حوادث العنف المنزلي، لا يزال معدل المحاكمات منخفضاً؛ إذ تشير إحصائيات وزارة العدل إلى أن 5.569 شكوى عنف ضد المرأة سُجلت بين عامي 2016 و2017، إلا أن أكثر من نصفها رُفض أو تم التنازل عنه.

قانون تحرش مبتكر

يعاقب على التحرش الجنسي بالسجن سنتين في تونس، وتمتد صلاحية القانون إلى إلزام أي شاهد على حادث عنف ضد المرأة بالإبلاغ عنه، ويحدد كذلك محاكم وقضاة معيَّنين ذوي اختصاصات تتعلق بالعنف ضد المرأة، إضافة إلى وحدات شرطة خاصة أيضاً، تقودها النساء في أغلب الأحوال.

عمر يحياوي، المفتش العام لوزارة العدل، يصف القانون الجديد بالمبتكر؛ لأنه قبل ذلك، عندما كانت النساء يتعرضن للإساءة ويسامحن المسيء إليهن، لم يكن القانون يُعاقَبه، أما الآن، "حتى لو سامحته المرأة، فسوف يتعرض للمساءلة".

ويعتبر ملجأ قفصة من الملاجئ الأحدث بالبلاد، حيث يوجد في واحدة من أفقر المناطق التونسية وأكثرها محافظةً، وساعد الملجأ سهام، البالغة من العمر 45 عاماً، في تكوين ملف قضائي ضد زوجها وتعلّم طرق لحماية نفسها.  

سهام تؤكد أن النساء في المركز أمددنها بالمساعدة القانونية والدعم النفسي أيضاً، "أعرف حقوقي، ولكني أحتاج إلى الدعم؛ لأتأكد من أن أطفالي سوف يبقون بأمان في أثناء العملية، ويستفيدون من المساعدة على الأقل".

خولة مطري، أخصائية علم الاجتماع التي عملت على العنف ضد المرأة في تونس، تعتبر أن المسؤولين  بتونس لا يُظهرون عادةً تعاطفاً تجاه النساء اللاتي تعرضن للعنف المنزلي، ويطلبون منهن أن يرجعن إلى أزواجهن.

وأضافت أن "القانون الجديد يقدِّم كثيراً من الضمانات القانونية لتجنُّب مثل هذا السلوك. ولكن، هل ستتغير طريقة التفكير أيضاً؟".

المجتمع لا يتقبل التغيير

مجرد استئجار منزل مناسب لإقامة الملجأ يتطلب مفاوضات طويلة مع سكان الحي، كما تحكي محمدي مديرة مركز الاستقبال، فأصحاب المنازل أبدوا خشيتهم من الأزواج أو العائلات، إضافة إلى أن النساء العزباوات لا يُنظر إليهن نظرة جيدة في المجتمع التونسي.

فتوجّب على جميع الجيران في الشارع أن يوقِّعوا على ميثاق ينص على أنهم يوافقون على وجود المركز، وأنهم سوف يفعلون كل شيء لحماية خصوصية وأمن هؤلاء النساء، "سرية المكان مهمة حقاً، فلا يمكن أن يكون لدينا أزواج غاضبون يأتون إلى هنا للبحث عن زوجاتهم".

وكي تحصل النساء على حق الإقامة بالملجأ، يجب أن يكنَّ في موقف طارئ أو خطر محدق، وقد جاءت إلى الملجأ 12 امرأة منذ افتتاحه في العام الماضي (2017)، وبقين فترة تتراوح بين أيام قليلة و4 أشهر.

وتحتوي غرف النوم أيضاً على أسرّة للأطفال، وشرفة فوق السطح حولها جدار؛ للحفاظ على خصوصية النساء من الجيران، ويقول العاملون في الملجأ إنهم يلعبون في الغالب دور الوسيط بين الزوجين أو العائلات.

صلاح شراقوة، الطبيب النفسي للملجأ، يعتبر الأمر بالغ الصعوبة؛ لأن النساء لا يزلن يفضلن الطلاق بدلاً من الخوض في المحاكمة لتعرضهن للإساءة المنزلية، "هناك مسألة الأطفال، وأيضاً العار الذي قد تسببه أمام مجتمع محافظ".  

جوما جاءت إلى الملجأ بعد تعرضها لإصابات شديدة تسبب فيها زوجها. المرأة البالغة من العمر 34 عاماً لا تريد الكشف عن هويتها؛ لأنها تخاف من زوجها، وهي في الملجأ منذ شهر مع أطفالها.

وأضافت خلال مقابلة أُجريت معها داخل الملجأ: "عُدت إليه وأخاف أن يرى أنني كنت قادرة على المغادرة هكذا، وأنني لا أحتاجه. لقد تغيَّر بعد ذلك. الطلاق هو الخطوة التالية لي، لكني أخشى من أن أربي أطفالي وحدي".  

أحكام ثورية

وعلى الرغم من الطبيعة المحافظة للمجتمع في قفصة، فإنه توجد علامات على التغيير. ففي فبراير/شباط 2018، حكمت المحكمة  الإقليمية على رجل بموجب القانون الجديد بالسجن عامين، بعد أن اتهمته زوجته بتكرار ممارسة الجنس الشرجي.

وقال محمد خليفة، النائب العام بمحكمة قفصة، إن "النساء والرجال يأتون كل يوم إلى المحكمة؛ بسبب القضايا المتعلقة بالزواج ولطلب دعم للأطفال، والنساء لا يترددن في الشكوى من أزواجهن الذين يمارسون العنف عليهن. لم يعد الموضوع محرَّماً بعد الآن".

سليمة عبيدي، العزباء البالغة من العمر 50 عاماً، واحدة من القصص الناجحة في ملجأ قفصة. لم تتزوج سليمة على الإطلاق؛ لأنها كانت ترعى أمها المريضة. ولم تنهِ دراستها الثانوية، وبعد أن توفيت أمها، انتهى بها الحال لتعيش مع أخيها وأبيها اللذين لم يريدا وجودها.

اعتبراها عبئاً عليهما على الرغم من كل التضحيات التي قامت بها من أجلهما، وسرعان ما تحول الأمر إلى الاعتداء اللفظي والجسدي، "ألقى أخي وأبي باللوم عليّ للبقاء معهم؛ لذا غادرت في النهاية"، تحكي سليمة بحسرة.

قضت 3 أشهر في الملجأ؛ كي تبني في الأساس ثقة بنفسها، ولكن أيضاً كي تتعلم كيف تكون مستقلة مالياً، في البداية شعرت بأنها قد هُجِّرت لكونها امرأة عزباء بلا عائلة، الآن حصلت على وظيفة وتعيش في مركز للنساء اللائي ليس لديهن عائلة، مقابل إيجار بسيط.

هي اليوم حرة ولديها بعض المال المُدَّخر. عندما تصل إلى هذه النقطة من الحديث، تتحول حسرتها إلى ابتسامة، يمكنها أخيراً أن تحلم وتفكر في المستقبل، "أعرف أن أقاربي بحثوا عني. ولكني لست مستعدة لرؤيتهم مرة أخرى".