كيف غيّرت فرقة U2 مفهوم الحفلات عبر هذه التكنولوجيا المذهلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/29 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/29 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش

عمالقة يظهرون على خشبة المسرح، يرقص الجمهور كالنمل تحت أقدامهم ثم سرعان ما يختفي عمالقة الموسيقى هؤلاء، ولكن تظل أنغامهم تطرب الجمهور الذي سرعان ما يكتشف وجودهم بمكان مختلف على المسرح، إنها فرقة U2.

جو من السحر والخيال خلقته فرقة موسيقى الروك الأيرلندية U2 بدمجها بشكل رائع بين التكنولوجيا والموسيقى، بشكل جعل تجربة الذهاب إلى حفلاتهم الموسيقية خليطاً من تجمعات الروك وأفلام البعد الثالث.

آدم كلايتون، عازف الجيتار لدى فرقة موسيقى الروك الأيرلندية U2، اصطحب مارك سافاج، الصحافي لدى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في جولة إلى آخر صيحات الفرقة في عالم الحفلات الموسيقية.

سافاج قدم لنا تقريراً عن فرقة U2 التي ألهبت حماس الجمهور ليس فقط بغنائها ولكن بأساليب عرضها المعتمدة على خلطة تكنولوجية جذابة.

إنها ليست مجرد تجربة تكنولوجية رائعة ولكن مغامرة بها قدر من المخاطرة والسياسة أيضاً

شاشة مزدوّجة الوجه من طراز LCD يبلغ طولها 29 متراً منصوبة على خشبة المسرح، ويتسلّقها أعضاء الفرقة في كل ليلة خلال جولتهم الموسيقية للتسويق لألبوم Experience and Innocence.

يمتدّ الممر على طول قاعة حفلات "زيغو دوم" في العاصمة الهولندية أمستردام، ويربط بين المسرح الرئيسي والمنصّة الدائرية الأصغر في نهاية الساحة.

يضحك كلايتون ويقول "إنها طريقة مُكلّفة جدّاً للوصول من المنصّة الكبيرة إلى المنصّة الصغيرة هناك".

إلا أن الأمر أكثر من هذا بكثير؛ فالشاشات ترتفع وتهبط خلال الحفل، فتنقل لقطاتٍ حيّة، وشعاراتٍ سياسية ورسوماً متحرّكة ملوّنة.

وإن أرادوا أن تتلاشى صورهم، فبإمكانهم ذلك عن طريق الضغط على زرّ التبديل الذي يتيح لأعضاء فرقة U2 الظهور والاختفاء خلف الجدار، وحتّى الانخراط في الصور المحيطة بهم.

يقول بونو، مُغنّي الفرقة الذي يعتلي الهيكل البالغ وزنه 89 طنّاً كل ليلة، في تجاهل خطير لسلامته الشخصية "إن العمل السحري، إذا كان هناك عمل سحري بالفعل، هو تقليص المكان وجعله يختفي".

ويضيف شارحاً "حين تكون على صلة حميمية بالحشد الذي يبلغ عدد أفراده 20 ألف شخص، يكون ذلك مثيراً للغاية".

لقد أدركوا مبكراً أهمية شن حرب على حواس الجمهور رغم التكلفة الباهظة

وهذه ليست أولى الطفرات التي تقدّمها فرقة الروك الأيرلندية في عالم الحفلات.

إذ أن فرقة U2 تتخطّى حدود المتعارف عليه في تكنولوجيا الحفلات الموسيقية منذ جولة "Zoo TV" التي أُقيمَت عام 1992، والتي كانت بمثابة حرب شاملة على حواس الجمهور.

آنذاك تضمن الحفل  32 شاشة فيديو، وبثاً فضائياً مباشراً، وسيارات من طراز ترابانت في كرنفال من السحر والفساد والسخرية، حسب التعبير الوارد في تقرير BBC.

النجوم يظهرون عمالقة على المسرح بفضل التكنولوجيا المستخدمة/موقع التواصل الاجتماعي
النجوم يظهرون عمالقة على المسرح بفضل التكنولوجيا المستخدمة/موقع التواصل الاجتماعي

وتكررت طفراتهم لاحقاً، لاسيّما في جولة PopMart التي اشتهرت بالليمونة الدوّارة العملاقة في عام 1997، وفي جولة 360° التي أقاموها عام 2009 واشتملت على "مخلب" فولاذي صُنِع خِصيصاً للحفل وكلّف 30 مليون دولار أميركي.

 والهدف من هذا دائماً هو نفسه في كل مرّة.

إبهار الجمهور.

يقول بونو "عنما كنّا نؤدّي عروضاً تهزّ الصالات الموسيقية الصغيرة، كان السؤال دائماً هو: ما هي أسرع طريق للتقرب من جمهورنا".

"الآن، نحن نستخدم الكثير من التكنولوجيا لنصل إلى تلك الغاية، والفكرة هي نفسها: هل هناك مكان في العرض مقاعده سيئة للحضور؟.. حسناً سنستقر هناك".

سباق التسلّح.. إنهم يتنافسون مع مادونا وبيونسيه وليدي غاغا

تتولّى شركة Stufish Entertainment Architects بالعاصمة البريطانية لندن تصميم كافّة منصّات U2، وللشركة عملاء آخرون رفيعو المُستوى أيضاً، من بينهم مادونّا، وليدي غاغا، وفرقة موسيقى البوب Take That، وبيونسيه.

يقول راي وينكلر، الرئيس التنفيذي للشركة: "بالتأكيد، هناك سباق تسلّح من الدرجة الأولى بين الفرق الموسيقية".

وأضاف قائلاً: "الفرق تُدرك تماماً وجود مُنافسة، لذا فهم يطمحون إلى تقديم شيء أكبر، وأكثر إشراقاً، وأفضل".

ولهذا السبب، ترى فرقة Coldplay توزّع الأساور المُضيئة في الوقت الملائم خلال الحفل، وترى بيونسيه ونجم موسيقى الراب جي- زي يُحلّقان فوق رؤوس الجمهور على منصّة هيدروليكية مُتحرّكة.

ويطرح وينكلر على عملائه نفس الأسئلة دوماً؛ إذ يقول لهم "ما هي القصّة التي تودّون روايتها؟ ما هو المُنحنى العاطفي للحفل؟ ولاحقاً يأتي سؤال: ما هي الوسائل التي بإمكاننا استخدامها لتقديم ذلك؟".

وأضاف وينكلر قائلاً: "عليك أن تستخدم التكنولوجيا بذكاء".

تعاون فريق U2 بشكل وثيق في العمل على فكرة المسرح مع إس ديلفين، المُصممة البريطانية التي تمتلك قائمة طويلة من العملاء والتعاقدات من بينهم كانييه ويست، وأديل، والحفل الافتتاحي لأولمبياد ريو 2016.

وقد وجدوا سويّاً طريقة لاستخدام شاشات الفيديو، على أن تكون مؤثّرة ومُربِكة في الوقت ذاته.

في بداية أغنية The Blackout، يظهر خيال الفرقة وهو يدخل الكادر ويخرج منه، مثل أشباح تحاول اختراق الحياة الواقعية.  

ثم يظهر الموسيقيون، داخل قفصٍ، يتخبّطون في حالة من القلق الشديد.

ويكون العرض الحي بنفس القوّة حين ترتفع الشاشات إلى السقف وتترك الفرقة تؤدّي أغنية " Pride- In the Name of Love" على منصّات فرديّة في أركان الساحة الأربعة.

هل يفتقدون حميمية الحفلات الصغيرة؟

"هذه الحفلات الصغيرة كانت رائعة عندما كنُا نتعلّم عملنا، هكذا يقول كلايتون.

ثم يستدرك قائلًا "لكن من الصعب جداً أن نعود إليها مُجدداً".

ويضيف: "بمرور الوقت، تصل إلى الثلاثينات من عمرك، وتريد أن تكون في المسارح والساحات الكبرى، ولا ترغب في العودة".

ومن يدفع ثمن العرض المبهر الذي يقدمه عمالقة الموسيقى هؤلاء؟

على مستوى صناعة الموسيقى بصفة عامة في الدول الغربية، بلغ متوسّط أسعار التذاكر رقماً قياسياً، حيث أصبح شراء تذكرة حفلٍ موسيقي يُكلّف 96 دولاراً أميركياً (وهو ما يزيد عما كان عليه العام الماضي بنسبة 14%).

وتحتل فرقة U2 موقعاً على أقصى اليمين وأقصى اليسار في أسعار الحفلات، حيث تتراوح بين سعر عالٍ جداً، 400 جنيه إسترليني (ما يعادل 521 دولاراً أميركياً)، وسعر متدنٍ جداً 40 جنيهاً إسترليني (ما يعادل 52.1 دولار أميركي).

يقول بونو "نحب أن نفكّر أن جمهورنا لا يدفع الثمن.. نحن من يدفع".

وأضاف قائلاً: "بإمكاننا أن نقدّم عرضاً عادياً في ملعب رياضي، وأن نؤدّي أفضل أغنياتنا وسيكون العائد الاقتصادي أكثر إنصافاً إلى حدٍ بعيد بالنسبة للفرقة، إلا أنني أعتقد أنه غير عادِل بالنسبة للجمهور".

وتابع: "نحن نحاول أن نقدّم للجمهور أفضل تجربة باستطاعتنا تقديمها، ونحن مُستعدّون للدفع نظير هذا.. ندفع الكثير"، حسب قوله.

ورسالة فرقة U2 السياسية الأهم تبدأها بهذه المشاهد الفظيعة

قامت فرقة U2 بتجديد جولة الألبوم الموسيقية من أجل نُزهتها الأوروبية، والتي تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للفرقة في الوقت الحالي.

تفتتح حفلات هذا الألبوم بصور للقارّة الأوروبية في حالة خراب بعد الحرب العالمية الثانية، وتُنهيها بالغناء أمام علم الاتّحاد الأوروبي، في نداء للتسامح والاتّحاد.

يقول بونو "كان أمراً مُخيفاً بالنسبة لنا بعض الشيء بأن يبدأ العرض بمشاهد ما بعد الحرب العالمية الثانية، تظهر ذاك الدمار والفظاعة التي أصابت أوروبا".

وأضاف "قدّمنا ذلك خلال افتتاح الجولة في برلين، وعمّ الصمت، لأسباب مفهومة جدّاً".

"ولكنه يقول إنه من بين الأنقاض جاءت فكرة أوروبا، وربما –حتّى وإن كُنا نتحدّث بلغات مُختلفة- نتمكّن من المُناداة بالأمر نفسه بطريقة ما".

و"أعتقد أنها فكرة جميلة رومانسية، أوروبا، إلا أن الأمر انتهى كفكرة باردة بالنسبة للكثيرين.

أنت فقط تفكّر في بيروقراطية بروكسل، وهو السبب الذي أعتقد أنه يكمن وراء رغبة الكثير من البريطانيين في أن تغادر المملكة المُتحدة الاتحاد الأوروبي".

إنهم قلقون تحديداً بشأن أيرلندا الشمالية

هل فكّرَت الفرقة بشأن صدى رسالتها الداعمة للاتحاد الأوروبي في المملكة المُتحدة؟

يردّ كلايتون على هذا التساؤل قائلاً: "من المؤكّد أن استقبال الأمر سيكون مثيراً للاهتمام".

وأضاف قائلاً: "أعتقد أن جمهورنا على الأرجح سينقسم بطرق مُختلفة، وأعتقد أن ما نريد أن نراه هو ما سينتج عن انقسام هذا الجمهور".

وعلى المُستوى الشخصي، يشعر أفراد U2 بالقلق بعض الشي إزاء موقف الحدود الأيرلندية.

يقول كلايتون "منذ عملية السلام في أيرلندا الشمالية، والحدود تتلاشى، صار العالم مُختلفاً للغاية بالنسبة لنا".

وأضاف "كلما كُنا نقترب من أوروبا، كانت الحدود تُصبح أضعف، لذلك نحن قلقون للغاية بشأن ما يحدث بيننا (أيرلندا الجنوبية أو الحرة ) وبين شمال أيرلندا".

وهم ذاهبون للتعبير عن الغضب هناك في بروكسل

والفرقة لا تتظاهر أن لديها أيّ حلول، على الرغم من أن بونو مُتجهٌ إلى بروكسل بعد هذا الحوار مع BBC لجذب بعض الانتباه والتعبير عن الغضب هناك.

وبدلاً من مسألة الحلول التي لا يملكونها، يظل الموضوع المُتكرر لعروضهم الموسيقية هو أن الحب يمكنه أن يكون قوّة للتغيير والفداء والمقاومة، حتّى ولو كُنت جزءاً من فرقة روك عالمية.

إنهم يقدمون رسالة عبر بقائهم معاً ولكن الأمور ليست دائماً بخير

يقول بونو "أعتقد أن جزءاً من المشاعر في عروض U2 يتعلّق بكوننا نحن الأربعة باقين سويّةً".

وعلى خشبة المسرح، يتذكّر بونو كيف كانوا يُسجّلون ألبوم Achtung Baby في برلين، عندما سقط جدار برلين، إلا أن أعضاء الفرقة كانوا يُشيّدون جدرانهم الخاصة فيما بينهم).

ويقول: "كان من المهم أن نُخبر الناس أن الأمور لم تكن دائماً بخير حال، فالحديقة ليست دائماً مُزهِرة، كما يقول والدي.

ويضيف قائلاً "كان وقت ألبوم Achtung Baby عصيباً بالنسبة لفرقتنا، فقد كدنا ننفصل قبل أن ننتهي من أغنية One".

وتابع "لذا، هُناك ضغوط وتوتّرات حين تحاول تقديم أفضل ما لديك، وهو ما زلنا نحاول فعله، فكل ليلة يجب أن تكون أفضل ليلة في حياة أي شخص. وتعرف؟ هذا كثيرٌ بعض الشيء".

وهاهي المشاكل تواجه الفرقة من جديد.. صوت بونو يغيب

وقد ظهر بالفعل بعض التوتّر في الشهر الماضي، حين غاب صوت بونو خلال حفل موسيقي في برلين.

واضطّرت فرقة U2 لإنهاء العرض بعد سبع أغنيات فقط.

وكان المُغنّي مُتأثّراً بشكل واضح حين قدّم اعتذاره للجمهور.

وقال "لم أكن أعاني حتى من التهاب في الحلق قبل الحفل"، "كان صوتي بحالة مثالية، ثم تلاشى".

ولم تكن هذه هي المرّة الأولى، فقد سبق أن حدثت حالة "الحنجرة الصحراوية" خلال جولة PopMart في لاس فيغاس بولاية نيفادا الأميركية. وتكشف سيرة بونو الذاتية التي تقدّمها الفرقة عن أنه مُصاب بـ"الحساسية الأنفية".

إذاً.. هل هذا هو ما حدث في برلين؟

رد بونو على هذا التساؤل قائلاً: "هذا على الأرجح أقرب شيء إلى الإجابة"، "من السيئ أن تكون شخصاً يُصاب بردود فعل تحسسية شديدة".

وهذا الوضع كان مُحرجاً بالنسبة لبونو والجمهور على السواء

"حقيقة أن غياب صوتي جرى أمام قرابة 30 ألف شخص جعل الأمر أسوأ"، هكذا يعلق بونو على ماحدث له في حفل برلين.

وأضاف "قرابة 5000 شخص من بين الجمهور أتوا من خارج ألمانيا، وبالتالي هم لم يستردّوا تكاليف رحلاتهم الجوّية ولا فنادقهم، أحسّ بشعور فظيع بشأن هذا.. لذا سنجد طريقة لنشكرهم بها".

ويبدو أن حظ بونو كثيراً ما كان عاثراً من الناحية الصحية على الأقل.

فقد أُصيب بانزلاق غضروفي خلال جولة 360°، وعانى من كسور مُتعددة في حادث دراجة "غريب" في عام 2015.

وفي البطاقة المرفقة بآخر ألبومات الفريق "Songs of Experience" أشار أيضاً إلى حادث وقع مُؤخّراً كاد يقضي عليه وقد ألهمه كتابة العديد من كلمات الأغاني.

وقال "لقد تعرّضت لبعض المشاكل بالفعل"، "ولكنها انتهت وأنا لم أنته".

والآن هم بحاجة إلى استراحة ولكن هذا لايعني أنهم قرروا التجديد

يبدو أن الفرقة تستعد لأحد اختفاءاتها، فبينما أوشك حفل أمستردام على نهايته، شكر بونو الحضور وقال لهم: نحن لا نعرف متى سنراكم مجدداً".

وهنا يُطرح سؤال "هل يُفكّرون في فترة مُشابهة من إعادة التجديد؟".

حسناً.. ليس بالضرورة، هكذا يقول آدم كلايتون.

وأضاف مُبتسماً "لقد ظللنا نبذل جهداً كبيراً لأربعة أعوام، كُنا في تجوّل دون انقطاع".

وتابع "أعتقد أننا نحتاج فقط إلى الابتعاد قليلاً ومنح الجمهور فترة للراحة".

علامات:
تحميل المزيد