«الأم الروحية».. فيلم «طيور المسار» يفوز بمهرجان هافانا عبر كشفه لدور النساء الغريب في نشأة المافيا الكولومبية

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/18 الساعة 23:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/19 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش

هل تريد أن تعرف كيف بدأت تجارة المخدرات المروعة في كولومبيا بعيداً عن مبالغات هوليوود؟ الفيلم الكولومبي Pájaros de verano (طيور المسار) يحاول تقديم القصة الحقيقية لنشأة هذه التجارة وكذلك علاقة النساء الغامضة والمركبة بها التجارة الملعونة.

الفيلم فاز بجائزة Coral لأفضل فيلم روائي طويل، وأفضل موسيقى تصويرية في مهرجان هافانا الدولي للسينما الأميركية اللاتينية الجديدة، في دورته الأربعين التي بدأت يوم 6 ديسمبر/كانون الأول، وانتهت 16 ديسمبر/كانون الأول 2018.

الفيلم الكولومبي Pájaros de verano الذي أخرجه كل من سيرو غيرا وكريستينا غاليغو، أثار إعجاباً كبيراً في المهرجان، حسبما ورد في تقرير لموقع Nodal الناطق بالإسبانية، حتى أن البعض يقارنه بالفيلم الأميركي الشهير God Father.

أبرز الأفلام الفائزة

حصل الفيلم الكوبي Inocencia، للمخرج أليخاندرو جيل، وNido de Mantis لأرتورو سوتو، وInsumisas لفرناندو بيريز ولورا كازادور، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وحصل على جائزة أفضل مخرج المكسيكي كارلوس ريغاداس، لفيلمه Nuestro tiempo، الذي فاز أيضاً بجائزة التصوير الفوتوغرافي، كما فاز الأرجنتيني كارلوس سورين بأفضل سيناريو عن فيلم Joel.

وحصلت الممثلة المكسيكية إيلسا سالاس، البالغة من العمر 37 عاماً، على جائزة أفضل ممثلة، لأدائها في فيلم Las chicas bien، والأرجنتيني ذو العشرين ربيعاً، لورينزو فيرو، على جائزة أفضل ممثل لدوره في فيلم El Ángel.

وفاز الفيلم البيروفي Retablo، للمخرج ألفارو دلجادو أباريسيو، بجائزة أفضل عمل أول، كما فاز الفيلم الوثائقي الكولومبي Ciro y yo بجائزة أفضل فيلم في فئته، في حين اعتبر البرازيلي Tito y los pájaros أفضل فيلم رسوم متحركة.

جائزة الجمهور ذهبت إلى الفيلم الكوبي Inocencia،  للمخرج أليخاندرو جيل الذي يروي مأساة طلاب الطب الثمانية، الذين قتلوا في الجزيرة الكوبية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1871.

وحصل الفيلم على 4888 نقطة من أصوات المشاهدين.

لحظات مؤثرة.. لقد عالجوا ابني

في الحفل، تم تقديم جوائز Corales de Plata لمجموعة كبيرة من مؤسسي المهرجان، وهم الأعمدة التاريخية لهذا الحدث، البعض منهم ما زال في سنوات نشاطه، والبعض الآخر توفي بالفعل.

وتم نحت تمثال الجائزة الذي حصلوا عليه من قبل الفنانة الكوبية مايلين جيفارا.

وكانت هناك لحظة مؤثرة أخرى بالاحتفال، عندما أهدت المخرجة البرازيلية بياتريس سيغنر جائزتها عن أفضل إسهام فني للأطباء الكوبيين، الذين قاموا بمهمة عظيمة في البرازيل، في إطار برنامج Más Médicos الذي أطلقته الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف.

وسبَّبت كلمات الفنانة تصفيقاً حاراً من الحضور، عندما قصت عليهم كيف عالج الأطباء الكوبيون ابنها البالغ من العمر سنتين في إقليم الأمازون.

الفيلم الكولومبي Pájaros de verano يروي نشأة مافيا المخدرات بشكل مختلف

ترك الفيلم الكولومبي Pájaros de verano أثراً خاصاً في المهرجان، إذ إنه كشف الجذور المجهولة لتجارة المخدرات.

ففي الفيلم تواجه عائلتان قويتان بعضهما البعض، في أجواء من التوتر والشك، على الرغم من أنهما في بداية احتفال.

 فالأم وزوج ابنتها وابنتها وابنها، يقدمون الأسلحة النارية كهدية لإظهار حسن النية لمالك المنزل، الذي يحيط به أيضاً رجال ضخام خطرون.

يربط بين السلالتين تحالف هش، فهما شريكتان في تجارة تصدير الماريغوانا، لكنهما أصبحا حذرين.

"من الأفضل أن نذهب"، تهمس الأم لصهرها في أحد المشاهد، فهي تعلم أن الاحتكاك على وشك التحول إلى حرب دموية.

لا شيء في هذا المشهد يطابق ما يتوقعه المشاهد.

رجال العصابات هنا لا ينتمي أحد منهم إلى المافيا الصقلية، ولا إلى أي من الأبطال التقليديين في أفلام العصابات، التي هي من تأليف مارتن سكورسيزي (مخرج أميركي من أصول إيطالية).

بل تلتف النساء بالملابس التقليدية الملونة المميزة لـلواهيرو (هم مجموعة من الهنود الحمر) الذين يعيشون في جزيرة كواخيرا الكولومبية.

في ثقافة هذه القبيلة من السكان الأصليين، فإن الكلمة يجب أن تسبق أي عمل انتقامي، وهذا ما يحدث بشكل دائم تقريباً، مع تجار المخدرات في هذا الفيلم الكولومبي.

على الرغم من أنه في بعض الأحيان لا يوجد أي تفاوض قادر على التخفيف من حدة الأجواء.

قصر في الصحراء.. من العادات والتقاليد خرجت العصابات

"أردنا عمل فيلم عن قصص رجال العصابات التي لا يرويها أحد"، هكذا قالت كريستينا جاييجو مخرجة الفيلم مع تشيرو جيرا، في عملهما المشترك بعد عملهما السابق El abrazo de la serpiente.

ويتعمق الفيلم الكولومبي Pájaros de verano في الأعوام التي تُسمى Bonanza Marimbera، وهي الحقبة التي شهدت تدفق كميات هائلة من الدولارات إلى منطقة لا كواخيرا الكولومبية، من التصدير غير القانوني للماريغوانا.

من العادات والتقاليد والخيال نشأت عصابات المخدرات/مواقع التواصل الاجتماعي
من العادات والتقاليد والخيال نشأت عصابات المخدرات/مواقع التواصل الاجتماعي

في هذه الحقبة بين عامي (1975-1985)، أي قبل عصر زعيم الكوكايين الشهير بابلو إسكوبار، توجه أكثر رجال العصابات دهاء إلى الصحراء.

 إذ تشكلت هذه العصابات من خليط من التقاليد والخيال وجذور المجتمع التقليدي.

وجلب هؤلاء الرجال معهم الرولكس، وشاحنات فورد رينجر، والقصور التي نشأت مثل سراب في وسط العدم.

إن لديهم مواثيق شرف مثل المافيا الإيطالية

وتقول جاييجو "في إطار بحثنا عن الواهيرو وعن هذه الحقبة، وجدنا مجتمعاً يشبه المافيا الإيطالية، لديهم شخصيات مثل المستشار، وهيكل العائلات، ومواثيق الشرف".

هذا التلاقي يعني كذلك مزيجاً من عوالم وعوامل مختلفة.

ففي الفيلم الكولومبي Pájaros de verano، نجد حتمية القدر الإغريقي، وحشية الغرب، وسيريالية ماغريت، وحتى خيال ماركيز، الكاتب الذي وجد إلهاماً من نساء الواهيرو اللواتي قمن بتنشئته وفقاً لما ذكره في مذكراته، واللواتي يرجع إليهنّ الفضل في إلهامه بتأليف قصة حول هذه الثقافة.

وتقول المخرجة  "في هذا الفيلم نحن نقترب من الواقعية السحرية لرواية مئة عام من العزلة التي ألفها ماركيز، حول صعود وسقوط عائلة، ورؤيتها للماورائيات (الغيبيات والخرافات)".

 وتابعت "بالنسبة للواهيرو، هذا النشاط له صلة كبيرة بالماورائيات، بالموت والعقل الباطن".

ولهذا السبب أقبلت هذه المنطقة العمل على تجارة المخدرات

كان لدى جاييجو وجيرو اهتمام بإظهار البداية "الساذجة والبريئة" لتجارة المخدرات في كولومبيا، كمنطقة تجارية لم ترفض ذلك في البداية، لأنها طالما اشتهرت بتهريب منتجات أخرى مثل التبغ والويسكي والقهوة وغيرها.

بهذه الطريقة، يركز الفيلم الكولومبي Pájaros de verano على جذور المرض، من خلال قصة قلما رويت من منظور أميركي لاتيني، حتى إنها تعد من المحرمات في السينما  الكولومبية.

تقول جاييجو "عندما نبحث عن أفلام كولومبية تتناول تجارة المخدرات، لا يمكن أن نجد أكثر من خمسة أفلام".

وتقول المخرجة "لم يظهر عالم تجارة المخدرات في الشاشتين الصغيرة والكبيرة إلا من خلال رؤية الخارج، ونحن (اللاتينيين أنفسنا) تبنينا هذه الرؤية في إظهار عالم تجارة المخدرات كما لو كنا من الخارج".

وتقول جاييجو "شعرت أنا وتشيرو أن هذه الأفلام لا تعبر عن تاريخنا، حيث يتحول الأشرار إلى أبطال أو (معادين للأبطال).

وأضافت في هذه الأفلام، لا يوجد ألم، لا توجد عائلة، ولا يظهرون كيف تتدمر مجتمعاتنا؛ تروى القصة دائماً من منظور تأثير المخدرات والمال والعنف، لهذا كانت رواية شيء أصبح محرماً أمراً مغرياً".

الأم الروحية وليس الأب الروحي

في مجتمعات السكان الأصليين من الهنود الحمر التي يتناولها الفيلم تلعب المرأة دوراً قيادياً.

ولكن الفيلم يعرض مجتمعاً بميزات ذكورية، حيث تظل تجارة الماريغوانا أموراً يديرها الرجال، ولكن عواقبها السياسية والاجتماعية والروحية تقع على عاتق النساء.

تقول جاييجو "عندما بدأنا العمل على الفيلم، بدأنا بفكرة إيجاد وتطوير نوع من (الأب الروحي)، لكن خلال العملية بدلاً من ذلك ظهرت لنا أم روحية".

وتابعت قائلة "هي شخصية قوية، من خلالها يمكنك الاتصال مع بقية أفراد الأسرة"

يظهر الفيلم قوة المرأة في هذه المجتمعات/مواقع التواصل الاجتماعي
يظهر الفيلم قوة المرأة في هذه المجتمعات/مواقع التواصل الاجتماعي

هذه الرؤية الأنثوية كانت دافعاً لجاييجو لاتخاذ دور المخرج المساعد لأول مرة، بعد سنوات من عملها كمنتج (أنتجت أربعة أفلام لتشيرو غيرا، بما في ذلك Pájaros de verano وEl abrazo de la serpiente، والتي حصلت على ترشيح أوسكار).

وقالت جاييرا "لقد رأينا أنه كان مجتمعاً تحتل فيه المرأة مكانة هامة، حتى إن اسم الأم يضاف إلى لقب الأبناء، ولهن دور قوي"

وتقول "إنه ليس مجرد عمل سينمائي آخر عن العصابات"، الأمر أعمق من ذلك".

وحتى في نهاية الفيلم تأتي التهديدات بصوت أنثوي.. إذ تقول الأم لزوج ابنتها "هل تعرف لماذا يحترمونني؟" تقول "لأنني سأفعل أي شيء من أجل عائلتي".

علامات:
تحميل المزيد