منتجو فيلم جيمس بوند يتعاقدون مع مخرجٍ “مجنون”.. لكن فوكوناغا قد يغيّر السلسلة إلى الأفضل!

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/19 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/19 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش

يحل المخرج الأميركي كاري فوكوناغا محل داني بويل في مهمة إخراج فيلم العميل السري البريطاني الشهير جيمس بوند 007 الجديد.

لكن قد لا تكون سلسلة الأفلام الشهيرة بأيدٍ أمينة؛ إذ أن المخرج المنحدر من كاليفورنيا اعتاد الانسحاب من الأعمال التي يشرف عليها. كما أن آخر أعماله؛ المسلسل التلفزيوني Maniac، تعد رحلة أثرت على عقله وأوصلته إلى تعاطي الأدوية ذات التأثير النفسي.

"هل حقاً تعاطيت الأدوية ذات التأثير النفسي؟" فكر فوكوناغا ملياً في السؤال، ثم ضحك وقال: "أجل، لكن كمية قليلة فقط، وذلك من أجل الترويح عن نفسي".

وأضاف فوكوناغا لصحيفة The Guradian قائلاً، "أنا لم أخض التجربة كاملة وموجهة على نحو يعصف بالعقل، ولكن لا أمانع ذلك وأشعر بالفضول حيال هذا الأمر".

لا يتوانى كاري فوكوناجا عن تجربة أي شيء!

يبدو هذا الفضول جلياً في المسلسل التلفزيوني الجديد Maniac للمخرج البالغ من العمر 41  عاماً، الذي تدور قصته حول تجربة بعض الأدوية، حيث يأخذ هذا المسلسل المشاهدين داخل عقول الأشخاص، الذين يمثلون فئران تجارب، في رحلة واقعية خيالية.

ويبرع فوكوناغا في إنشاء عالم من هذا القبيل، وهو ما تجلى في إخراجه أفلاماً على غرار Jane Eyre ذي الطابع القوطي، ودراما Beasts of No Nation، ناهيك عن الموسم الأول من سلسلة True Detective المخيفة.  

لا شك أن المهارات التي يمتلكها هذا المخرج كانت العامل الأساسي في إتمام الصفقة التي أبرمها منتجو "جيمس بوند 007″ معه، بعد انسحاب المخرج داني بويل في الدقيقة الأخيرة. بالتالي، لسائل أن يسأل؛ ما هي العناصر التي يمكن لمسلسل Maniac، بالإضافة إلى أعمال أخرى للمخرج فوكوناغا، أن يقدمها للمشاهد لما يمكن أن نتوقعه من الإصدار 25 من سلسلة أفلام "جيمس بوند 007".

أعماله السابقة في سياق العميل جيمس بوند!

بالتأكيد سيكون هناك بعض الأدوات المذهلة، حيث أن المستقبلية السالفة لسلسلة Maniac تروج لتفوق الكوالا بنظام التشغيل أندرويد في  لعبة الشطرنج، والروبوتات الصغيرة التي تعمل في المرافق الصحية، وجهاز الكمبيوتر المصاب بالاكتئاب.

من الناحية التقنية، يعد هذا العمل نسخة جديدة للمسلسل النرويجي الذي عرض في عام 2014 ويحمل الاسم ذاته والذي لم يشاهده فوكوناغا. وقد علّق المخرج على الأمر قائلاً: "لم يكن الأمر من باب التجاهل"، ولكنه أحب فكرة "البرامج التي تغوص في عالم الأوهام".

Maniac ركز على تجارب العقاقير وتأثيرها

تدور أحداث مسلسل Maniac الأصلي في مؤسسة للأمراض العقلية، لكن في مباحثات مبكرة مع إيما ستون التي تشارك في دور البطولة في الموسم الجديد من المسلسل، الذي أطلق على شبكة Netflix، قرر الثنائي أن يبتعد عن كل ما يُنظر إليه على أنه سخرية من الأمراض العقلية.

وعوضاً عن ذلك، سيتم التركيز على تجارب العقاقير التي تهدف للقضاء على الآلام البشرية غير الضرورية. وتلعب ستون دور آني، في حين أن الممثل جونا هيل يلعب دور أوين. وتمثل هاتان الشخصيتان دور أرواح متضررة كانت تعيش في الماضي لكنها أصبحت شخصيات أخرى في عوالم أخرى رغماً عن إرادتها.

وسط كل السريالية المحيطة بهذا المسلسل، تتناثر أيضاً لحظات من الصدمة الحقيقية في أحداثه. وتتناول التجربة الأولى أحداث تناول "فئران التجارب" من البشر لحبوب تجعلها تعيش من جديد أكثر لحظات حياتها تدميراً. ولا يختلف الأمر عن تجارب البشر مع الآياهواسكا أو Ayahuaska، التي من المفترض أنها تطهر مستخدميها من الشياطين (بالإضافة إلى ما تحتويه بطونهم).

فوكوناغا: هذه العقاقير بوابات إلى العقل!

قال فوكوناغا إن مثل هذه المواد لم يكن لها تأثير على الفيلم في مرحلة كتابة السيناريو، ولكن قبل الشروع في التصوير، أفاد أنه قرأ مقالاً عن الاستخدام العلاجي للمركب الكيميائي المهلوس سيلوسيبين لأو Psilocybin، بالإضافة إلى دراسات أخرى أجريت على ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك LSD. وكان مفتوناً للغاية بما اكتشفه.

وفي تعليقه على الأمر، قال "كل هذه الأشياء تفتح بوابات في العقل، لذلك من المؤكد أنه يوجد أمر هناك. إن عمل العقل أمر معقد للغاية ونحن لم نتمكن إلى الآن من فهمه وسبر أغواره بشكل كامل"، مستشهداً بدراسات قامت بالبحث في تأثير الصدمات، التي عاشتها الأجيال السابقة علينا.

يستلهم السيناريو من نقاشاته مع الكتاب

أتاحت سلسلة Maniac الفرصة لفوكوناغا لطرح القضايا الخاصة به، فجميع المفاهيم التي تظهر على الشاشة، بالإضافة إلى الحوار بين الشخصيات، استقاها من المحادثات التي أجراها مع الكاتب المشارك في السيناريو، باتريك سومرفيل.

وحيال ذلك، أوضح فوكوناغا قائلاً: "نتصارع، باتريك وأنا، مع شياطيننا الداخلية. نحن نحاول فهم أنفسنا". بالتالي، هل كانت محادثاتهما حول العلاج من أجل تقديم مسلسل يهتم بالعلاج، لها تأثير حقيقي؟. وقد أجاب فوكوناغا عن هذا السؤال بالنفي، ولكنه اعتبر هذه المحادثات ملهمة بالتأكيد.

هل يستوعب جيمس بوند هذه المناقشات العميقة؟

ولطالما بحث فوكوناغا عن إجابات في أعماله ولا يمكن للمرء ألا يتساءل عما إذا كان نموذج أفلام جيمس بوند يمكنه استيعاب مثل هذا التوق.

فهل سيكون فوكوناغا قادراً على تجنب التواصل مع منتجي هذه السلسلة المشهورين والمعروفين بسيطرتهم على مجريات سلسلة أفلام بوند 007، والذين طلبوا من المخرجين التخلي عن تفردهم من أجل تحقيق الامتياز. وفي الوقت الذي يبدو أن بويل قد دفع الثمن، يجب علينا الانتظار لمعرفة ذلك.

وعلى غرار بويل، عُرف فوكوناغا بتخليه عن المشاريع، ولكن الشروع في التصوير سينطلق بداية من شهر مارس/آذار من العام المقبل. ومن المقرر أن يتم الإعلان عن إصداره في فبراير/شباط عام 2020، في حال سارت كل الأمور بسلاسة.

طفولته بين أبويه مطلقين.. وتمنى لو كان أسود البشرة

ترعرع فوكوناغا في ولاية كاليفورنيا، حيث أن والده ياباني أميركي ولد في معسكر ياباني خلال الحرب العالمية الثانية، وأمه أميركية من أصول سويدية. وعندما كان في سن الرابعة، انفصل والداه وتزوج والده آنذاك من امرأة أرجنتينية، وتزوجت والدته من رجل أميركي من أصل مكسيكي.

منذ ذلك الحين، كان يعيش حياة متأرجحة متنقلاً بين عالمين، حيث كان يقضي بعض الوقت في المكسيك كي يستوعب هذه الثقافات.

وفي فترة مراهقته، التي قضاها في بيركلي، تمنى أن يكون أسود بدلاً من أن يكون طفلاً غريباً نصفه آسيوي، وهو الأمر الذي لم يكن من السهل عليه استيعابه. وقد قال فوكوناغا: "لقد اكتشفت آنذاك Roots وMalcolm X. لقد كان العصر الذهبي للهيب هوب".

وبسبب جذوره ونشأته، لم يكن يعرف إلى أي مكان ينتمي، وشعر كأنه غريب عن نفسه. وقد ساعدته في ذلك كتابة القصص، كما كانت أفلامه الدرامية الأولى التي تتطرق إلى موضوع الهجرة على غرار "Sin Nombre" ومن ثم "Jane Eyre"، بدأت في خدش سطح الهوية، وساعدت على رؤية الأشياء بطريقة أعمق.

وتستهويه القصص المريبة والسوداء

وكان سيناريو مسلسل "True Detective"، الذي يتطرق إلى قصة شرطيين يتعقبان قاتلاً متسلسلاً في ولاية لويزيانا، كُتب عندما تم تعيين فوكوناغا للإشراف على الإخراج. لكنه أحضر معه جمالية خاصة للصورة، مكنته من نيل جائزة إيمي بفضل إخراجه الممتاز.

ولم ينشغل فوكوناغا بنجاح المسلسل، بل عزل نفسه في منزل دون اتصال بالإنترنت لكتابة سيناريو "Beasts of No Nation" الذي كان يخطط لكتابته منذ 15 عاماً، بالإضافة إلى كتابته سيناريو مقتبساً عن رواية رعب بعنوان "It" وتسرد قصة مهرج للكاتب ستيفن كينغ.

وقد تم التعاقد مع فوكوناغا للعمل على سيناريو فيلم "It" عام 2012. وكما هو الحال مع مسلسل Maniac، وضع فوكوناغا والكاتب الذي شاركه كتابة السيناريو، تشيين بالمر، الكثير من جوانب طفولتهما في السيناريو.

وقاما بتغيير الإطار الزماني للرواية من الخمسينيات إلى الثمانينيات. لكن، انسحب فوكوناغا من المشروع خلال عام 2015، حيث قال: "لقد أحسست أن هذا المشروع سيفشل وأن هذا التعاون سيكون صعباً. كان هذا ما استشعرته من العمل".

المنتجون يخشون التعامل معه وعدم السيطرة عليه

وأضاف المخرج أنه "قد كان هناك الكثير من الرسائل التي كشفت لي ذلك. لقد كانت هناك علامات واضحة في النهاية". ونظراً لتحفظ المسؤولين عن العمل عن الكشف عن العديد من المعلومات، منعه ذلك من صياغة سيناريو جيد. لكن فوكوناغا كشف مؤخراً أن المدراء التنفيذيين للاستوديو كانوا يخشون من عدم قدرتهم على السيطرة عليه، وقد اكتشف ذلك من خلال تصرفاتهم.

وقد أزعجه هذا الأمر، إذ أوضح فوكوناغا أنه "طالما أنك إنسان، فلديك مشاعر. وإذا كنت شخصاً مبدعاً، ستكون حساساً نوعاً ما، خاصة عندما يتم وصفك بطرق لا تتناسب معك، وهو أمر محبط".

تلى ذلك المزيد من خيبات الأمل عندما أمضى فوكوناغا عاماً ونصف العام بالتمام يعمل على اقتباس سيناريو من رواية The Alienist للكاتب، كالب كار، تروي قصة قاتل متسلسل في العهد الفكتوري، ليتخلى عن المشروع بعد 18 شهراً بسبب مشاكل في الميزانية والجدولة. وكان الإنتاج النهائي للمشروع مختلفاً تماماً لما كان عليه.

يدرك جيداً ما يريد ويستطيع رؤية المشاهد قبل تنفيذها

ومن الواضح أن فوكوناغا لا يقبل بأقل مما يريد. وفي بعض الأحيان، يكون من الصعب عليه التعبير عما يبحث عنه، خاصة إذا تعلق الأمر بشعور أو رؤية. كما تحدث أيضاً عن مشهد في فيلم Beasts of No Nation حيث أراد أن تخرج العائلة من كنيسة متواجدة على تلة خضراء. وقد كانت لديه فكرة محددة لما تبدو عليه الكنيسة والتلة.

وكان فوكوناغا يبحث عن تلك الكنيسة على أرض الواقع، حيث صرح: "لقد كنت أمتلك دراجة نارية وأخرج خلال عطلة نهاية الأسبوع وألقي نظرة على المنطقة. وكنت أبدو ككلب صيد. أحسست بأنني سأجد شيئاً في ذلك المكان فوق تلك التلال، وكنت آمل أن يتطابق ما سأعثر عليه مع تصوراتي. لكن، يتمثل الأمر الغريب في بعض الأحيان في وجود ما تبحث عنه. وجدنا تلك الكنيسة، وكانت موجودة حقاً

يلهمه المخرج ستانلي كوبريك ويسعى لحمل شعلته

ولعل ذلك يذكرنا بالمخرج ستانلي كوبريك، المعروف أيضاً بحساسيته إزاء اختيار الأساليب السهلة والرخيصة لإنجاز الأعمال. لذلك، ليس من المستغرب أن يكون فوكوناغا من أشد المعجبين به.

 وبعد عرض مسلسل True detective، تم التعاقد مع فوكوناغا للعمل على كتابة نص وإخراج فيلم نابوليون، الذي لم يتم تنفيذه من قبل كوبريك، من إنتاج ستيفن سبيلبرغ كمسلسل قصير لصالح شبكة HBO الأميركية، وبتوجيه من جان هارلن المنتج المنفذ السابق لكوبريك.

وقال فوكوناغا الذي كان متحمساً بشكل واضح: "لقد كنا نرغب في حمل الشعلة بطريقة تجسد ما كان يود كوبريك تحقيقه".

في غضون أسبوعين، سيتوجه كل من فوكوناغا وهارلن إلى المكتبة المتواجدة في مدينة سانت ألبانز، مسقط رأس كوبريك، لمواصلة العمل على المشروع. وقال فوكوناغا: "زرت المنطقة من قبل. قد تشعر بالإنهاك من العمل في هذه الصناعة لفترة طويلة، لكنك قد تمر بلحظات تشعر فيها وكأنك في أرض مقدسة. حسناً، لقد دفن ستانلي كوبريك في الحديقة". ثم أومأ برأسه وقال:  "أخذني جون إلى قبره وعرفه علي، وكانت تلك المناسبة بالغة الأهمية، لذلك لا حاجة لأدوية ذات تأثير نفسي".

تحميل المزيد