إن كنت من محبي هذا المغني المغربي لا داعي لأن تدفع نقوداً لحضور حفلاته… كتاب يغنيك عن ذلك!

يمُرُّون تِباعا من أمام طاولة كبيرة، يَضعون كتاباً أو اثنين بخفَّة، قبل أن يَسمح لهم المنظمون بالولوج إلى قاعة العروض الفنية وسط مدينة الدار البيضاء، فلا مكان للتذاكر هنا لأن "الدَّخلة بكتاب".

"هاد الحفلة ماشِي بالفلوس ولكن بكتاب أو أكثر"، (لا تدفع مقابل الحفلة مالاً بل كتاباً أو أكثر)، هكذا توجَّه أحد منظمي المبادرة إلى شاب مُعجب بالفن الذي يقدمه مغني الراب المغربي المعروف بـ "نيسيو"، حين سأل عن مكان بيع التذاكر.

ارتسَمت ملامح استغراب على مُحيَّا الشاب، مُتسائلاً: "هل تقصد أن الحفل بالمجان؟"، لتُعقِّب عليه أميمة كبدي، إحدى عضوات مبادرة "الدَّخلة بكتاب": "ليس بهذا المعنى، ادفع كتاباً وتفضَّل لقاعة العرض".

الهدف: إنشاء مكتبات

تتعالى قهقهات مئات من الشباب ممن ينتظرون "نيسيو" ليصعد على خشبة المسرح، أما خارجاً فقد تكوَّمت كتب ومجلات متنوعة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، وهي التي ستُكوِّن لَبِنة لتأسيس مكتبة، نواحي مدينة العيون (أقصى جنوبي البلاد).

بالنسبة لمروان الناجي، مؤسس المبادرة الفريدة من نوعها، التي انطلقت منذ أربعة أعوام بمجهودات فردية، واعتماداً على عدد محدود من المُتطوعين ما انفَكَّ العدد يزيد حفلاً عقب آخر. ويهدف الحدث إلى بناء مُواطن صالح ومثقف، يعرف واجباته ولا ينسى حقوقه، وفق تعبير المتحدّث لـ "عربي بوست".

وتقوم فكرة "الدَّخلة بكتاب" على تنظيم حفلات فنية دون أي هامش ربحي، عبر الاتفاق مع فنان مغربي على إحياء حفلة مجاناً. أما الجمهور فعليه جَلب كتاب واحد أو أكثر، حتى يتمكَّن من حضور هذا الحدث الفني والاستمتاع به.

آلاف الكتب نحو المناطق النائية

الإعجاب بالمبادرة وتشجيعها على تعليم وتثقيف التلاميذ بمناطق نائية وقرى مهمشة وتدريبهم على حب القراءة والمطالعة، دفع العديدَ من المتطوعين والجمعيات المدنية والمكتبات إلى التبرع مراراً بمئات الكتب القيمة والروايات المميزة، لتأسيس مكتبات حول ربوع المملكة.

أما فاطمة فبادرت إلى اقتناء عشرات الدفاتر والأقلام والكتب المدرسية من جميع المستويات، سلَّمتها لمنظمي الحفل وغادرت لتوِّها.

800 كتاب، كانت حصيلة حفل مغني الراب المراكشي "نيسيو"، الذي لم يمانع أبداً في المشاركة بهذه المبادرة، منخرطاً في دوره في الدعاية للحفل، وحاثّاً الحضور على جلب الكثير من الكتب للاستمتاع بأغانيه والرقص على نغماتها.

على امتداد سنتين من العمل التطوعي، تمكَّنت المبادرة من جمع 9000 كتاب، ما مكَّن الشباب من إنشاء 6 مكتبات بـ "دار الشباب" أو "دار الطالب"، على مستوى بلدات وقرى، بكلّ من الحسيمة وكلميم وأغادير وفاس ووزان وطرفاية، فيما يُنتظر تأسيس المكتبة السابعة قريباً بمدينة العيون.

روح الشباب.. ورغبة في التغيير

لم يكن مروان الناجي ينتظر نجاح مبادرته التي انبثقت فكرتها الأولى من حَملَتين، واحدة قادته إلى المناطق الجبلية النائية موزعاً الملابس والأغطية على الأهالي، فيما دفعته الثانية إلى تشجيع القراءة في الأماكن العمومية من خلال مبادرة "القراءة للجميع".

فكرتان انصَهرَتا مع بعضهما وتَفتَّقتا عن مبادرة "الدخلة بكتاب"، التي يرمي من خلالها الناجي إلى تكوين مواطنين واعين، ومتشبّعين بقيم التعايش وتقبُّل الآخر وبمبادئ الديمقراطية والحرية.

وفي الوقت الذي يعتزم فيه فريق المبادرة تنظيم نُسخة مماثلة كلَّ شهر على مستوى مدينة مغربية مختلفة، يؤمن الناجي أن على الشباب المغاربة المساهمة في التغيير، والاشتغال على مستوى المبادرات الشبابية، والانخراط في مختلف التنظيمات، سواء حزبية أو مدنية، خدمة للمواطنين.

شرط الكتاب مقابل حضور الحفلة لم يمنع الشاب المعجب من التوجه إلى أقرب مكتبة لاقتناء كتابين ورواية، قبل العودة مسرعَ الخُطى، بعد أن تنامى إلى سمعه أغنية للرابور المغربي، يقول فيها "مأثرين فينا الخرايف.. حتى تفكيرنا من زمان.." (أثرت فينا الخرافات، ونفكر بطريقة رجعية).