رفضته الرقابة بدعوى إساءته لتاريخ المقاومة.. مخرج جزائري يتحدى السلطات ويرفض قصَّ أي مشهد من فيلمه «العربي بن مهيدي»

وزارة المجاهدين أكدت في مراسلات رسمية، منع عرض فيلم بن مهيدي، بعد قرار من لجنة متابعة شكلت خصيصاً لهذا الغرض، ووضعت زهاء 40 ملاحظة

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 15:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/31 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش

البسمة التي كانت تطل على صفحات كتب المقررات الدراسية والتقارير الإخبارية، للشهيد العربي بن مهيدي المحاط بجنود فرنسيين قبيل إعدامه بلحظات، تركت أجيالاً تنتظر فيلماً سينيمائياً يجسد شخصية الشهيد، وهو ما تحقق بعد 05 سنوات من الترقب، لكن الفرحة لم تكتمل لأن وزارة المجاهدين منعت عرضه.

للمرة الثانية على التوالي وفي أقل من أسبوع، عاد المخرج بشير درايس في 17 سبتمبر/أيلول 2018 إلى الجزائر قادماً إليها من فرنسا، عله يتوصل إلى حل سيعيد بسمة الشهيد الكبير العربي بن مهيدي إلى عمله السينمائي، في لقاء الحسم يوم 21 سبتمبر/أيلول 2018.

فالجلسة الأولى التي كانت الخميس 13 سبتمبر/أيلول 2018، وجمعت المخرج بشير درايس بلجنة من وزارة المجاهدين سادها الكثير من الغموض، فالوزارة تؤكد بأنها توصلت إلى حل لإنهاء الجدل، والمخرج متمسك بقرار رفضه قص لقطة واحدة من الفيلم.

وكانت وزارة المجاهدين قد أكدت في مراسلات رسمية، منع عرض فيلم بن مهيدي، بعد قرار من لجنة متابعة شكلت خصيصاً لهذا الغرض، ووضعت زهاء 40 ملاحظة، تخص المشاهد والوقائع الواردة في الفيلم، وطالبت المخرج بمراجعتها.

المخرج يتحدى الرقابة

وزارة المجاهدين طلبت من المخرج، إبراز الوجه البشع للسلطات الفرنسية
وزارة المجاهدين طلبت من المخرج، إبراز الوجه البشع للسلطات الفرنسية

بشير درايس مخرج الفيلم المطول العربي بن مهيدي، وفي تصريح لعربي بوست، يؤكد أن الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/أيلول 2018 سيكون حاسماً بشأن فيلمه الذي أثار جدلاً كبيراً.

واعتبر درايس الملاحظات التي قدمتها لجنة المتابعة بوزارة المجاهدين "زوبعة في فنجان، تريد من خلالها طمس حقائق تاريخية مؤكدة، جاءت بعد 3 سنوات كاملة من البحث والتحري".

فمن غير المعقول، يضيف، "أن يتم منع عرض الفيلم بقرار إداري، وبمراسلات خالية تماماً من ملاحظات منطقية، مبنية على نقد من لجنة أكاديمية وعلمية تضم مؤرخين وباحثين في التاريخ".

وقال المخرج في تحد للرقابة المفروضة على فيلمه أنه لا يهمه إذا كان الفيلم قد يزعج البعض، أكان من وزارة المجاهدين، أو الثقافة أو حتى بعض السياسيين والمتتبعين، لكن ما يهمه هو محتوى الفيلم الذي راعى فيه الحقائق التاريخية كما يقول.

اعتبر درايس التحفظات التي قدمتها لجنة متابعة الأفلام التاريخية والثورية من وزارة المجاهدين، "غير منطقية، ورقابية بامتياز من شأنها أن تنهي الإبداع السينمائي الثوري".

وعلى سلطات البلاد يضيف "أن تفصل بين الخلافات السياسية في الماضي أو الحاضر، عن الأعمال السينمائية التي خلقت من أجل نقل وقائع كما هي للأمانة التاريخية، وحفاظاً على رسالة الشهداء".

وهو ما ذهب إليه الناقد السينمائي الجزائري عبد الكريم قادري، والذي أشاد كثيراً بموقف المخرج بشير درايس، وسانده في الحملة التي تعرض لها لمنع عرض فيلمه العربي بن مهيدي.

وقال قادري لعربي بوست "هناك من يريد أن يقيد الأعمال السينمائية الجزائرية، ويجعلها في تيار معين، رغم أن الحقائق التاريخية تقول عكس ذلك، وآن الأوان أن يفهم الجميع بأن السينما جاءت لتحرير الحقائق من تلك القيود ونقلها بأمانة".

ووصف عبد الكريم مخرج الفيلم "بالشجاع في قراراته، رغم الضغوطات الكبيرة التي تعرض إليها لسحب بعض المشاهد التي أزعجت سلطات البلاد".

وكتب الناقد عبر حسابه بفيسبوك توجيهاً صريحاً للمخرج " عزيزي المخرج بشير درايس.. امض ولا تستمع لهم.. إنهم لا يحبون الرجال في الجزائر".

عزيزي المخرج بشير درايس…امضي ولا تستمع لهم….انهم لا يحبون الرجال في الجزائر

Geplaatst door ‎عبد الكريم قادري‎ op Donderdag 13 september 2018

هذه المشاهد التي أزعجت السلطة

طالبت لجنة المشاهدة بوزارة المجاهدين من المخرج، إبراز الوجه البشع للسلطات الفرنسية إبان اعتقالها وتعذيبها للمقاوم العربي بن مهيدي، وعرض تضحياته ومعاركه ضد العدو، بدل التركيز على بعض الخلافات بين قادة جبهة التحرير الوطني حينها.

ويرد درايس على هذه الاتهامات لـ"عربي بوست" بأن المؤسسة الرسمية أرادت فيلماً حربياً يتضمن كثيراً من مشاهد العنف والمعارك، كبقية الأفلام التي مولتها، والتي يطغى عليها مشاهد القصف والقنابل والعمليات الجهادية.

مضيفاً بخصوص مسألة الجهاد والتعذيب "الأمانة التاريخية جعلتنا ننقل جوانب من تعذيب السلطات العسكرية الفرنسية للمقاوم قبل قتله من قبل الجنود الفرنسيين وفق ما نصت عليه وثائق وشهادات التحقيق.

لكن بالمقابل فقد سعى الفيلم لنقل الخلافات التي دارت في القاهرة بين قادة جبهة التحرير الوطني، خاصة بين العربي بن مهيدي والرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة، بخصوص تأخر استلام الأسلحة وتأثيرها على خطة الثورة.

هذا المشهد في نظر بشير درايس، كان سبباً في رفض عرض الفيلم، لأنه ينقل حقائق تاريخية عن خلافات بن القادة الثوريين حينها، امتدت لسنوات، يضاف لها مشهد يبرز مصالي الحاج الذي اختلف المؤرخون في تصنيفه بين قائد للثورة وخائن لها.

أما الملاحظات الأخرى التي قدمتها اللجنة فتأتي لتغطية حرص اللجنة على سحب تلك المشاهد" يعلق صاحب الفيلم.

الفيلم نقل الخلافات التي دارت في القاهرة بين قادة جبهة التحرير الوطني
الفيلم نقل الخلافات التي دارت في القاهرة بين قادة جبهة التحرير الوطني

ويصر أنه لن يغير الفيلم

رغم دعوة وزارة المجاهدين للمخرج بشير درايس بغرض إقناعه لسحب بعض المشاهد، وتعديل الملاحظات المدرجة في الإرسالية في أول جلسة بينهما في 13 سبتمبر/أيلول 2018، إلا أن المخرج يرفض تماماً التعديلات.

فسحب المشاهد يعتبره درايس مساساً بمصداقية العمل، وتحريف لحقائق تاريخية، جاءت بعد 3 سنوات من البحث والتدقيق، مس مختلف الوثائق والكتب التاريخية والشهادات الحية من طرف أفراد عائلة العربي بن مهيدي.

كما يؤكد أن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، اطلع على العمل قبل تسليمه إلى لجنة المتابعة بوزارة المجاهدين، وأعطى دعمه ورضاه الكامل بالعمل، قبل أن ينقلب ويتحدث عن "المغالطات التاريخية الوهمية".

كما أن الوزير يضيف درايس" قام بزيارة عدد من مواقع التصوير، وأعجب كثيراً بالسيناريو، بل وكان حريصاً على تسليم العمل وعرضه بدور السينما والمشاركة في المهرجانات الدولية".

وفوق ذلك فوزارة المجاهدين كما قال "مطلعة على مراحل إنتاج الفيلم، وتعرف كل كبيرة وصغيرة وفق العقد الذي أحترمه حرفياً".

وبخصوص تصريح وزير الثقافة من كون اللجنة مؤلفة من "خبراء في الحركة الوطنية والثورة الجزائرية"، فقال درايس "أتحداهم أن يعطوني أسماء أعضاء هذه اللجنة غير المعروفين كلياً".

ويطالب درايس أن يتم عرض الفيلم على لجنة مستقلة تضم باحثين في التاريخ ومؤرخين بدل إصدار قرارات إدارية وصفها بالتعسفية والقاسية في حق الحقائق التاريخية والحرية السينمائية.

عائلة الشهيد تساند المخرج

وساندت عائلة الشهيد العربي بن مهيدي، مخرج الفيلم بشير درايس، الذي جمع حسب ما نقلته جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية في الجزائر، 300 ساعة من الشهادات والحقائق التاريخية، والتي امتدت حتى إلى رفاق درب الشهيد منذ طفولته.

واعتبر شقيق العربي بن مهيدي محمد بن مهيدي في تصريح للجريدة، بأن العائلة بأكملها فخورة فالعمل السينمائي لبشير درايس، الذي كان يتصل بها بشكل مستمر للتأكد من الحقائق التي جمعها.

وفي الوقت يضف "كانت العائلة تنتظر عرض الفيلم في كبريات المهرجانات العربية والعالمية، نصطدم بتدخل وزارة المجاهدين لمنع عرضه حتى في الوطن".

وفوق ذلك بعثت عائلة الشهيد رسالة إلى المخرج تسانده في هذا الموقف "وتصر على أن القصة يجب أن تُقال كما هي، دون إخفاء أي شيء عن الجزائريين، فتلك حقائق تاريخية وجب قولها".

ويضيف شقيق العربي بن مهيدي "لم أشاهد الفيلم بعد التحرير، لكن دعاني من قبل بشير درايس الذي عرض لي بعض أجزاء مشروعه، وكان متكاملاً وبحقائق تاريخية دامت في البحث سنوات".

وحتى تطرق الفيلم إلى الخلافات بين قادة الثورة بما في ذلك تلك التي وقعت في مصر بين رئيس الوفد من الخارج بن بلة، ونظيره من الداخل العربي بن مهيدي يضيف محمد "هذا هو المعروف مشاجرة بين أخي العربي بن مهيدي وأحمد بن بلة بحضور السياسيين والعسكريين الذين كانوا هناك".

ليختم تصريحه بالقول "الفيلم ذو جودة استثنائية ويمكن أن يصبح مرجعاً في الأمور السينمائية والتاريخية، وتعطي حقائق لم تكن واردة حتى في الكتب المدرسية، ما أثار غضب الوصاية الذين اعتادوا على فرض رؤيتها تقسيم في الأفلام من التاريخ على النظام حيث لا نرى الأشياء التي تزعج".

ساندت عائلة العربي بن مهيدي، مخرج الفيلم
ساندت عائلة العربي بن مهيدي، مخرج الفيلم

الجهات الرسمية تعتبر الإجراء قانونياً

جمال الدين ميعادي مدير المركز الوطني للدراسات والبحث حول الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر يؤكد في تصريح سابق لوكالة الأنباء الجزائرية "أن التحفظات التي أبداها المركز بخصوص الفيلم الذي يتطرق إلى حياة الشهيد العربي بن مهيدي هي إجراء قانوني وعادي ومطابق للقوانين المسيرة للإنتاج السينمائي".

مشيراً إلى أن المخرج والمنتج المساعد بشير درايس تلقى تحفظات وملاحظات من طرف لجنة مشاهدة متكونة من خبراء ومؤرخين تلزمه بأخذها بعين الاعتبار بموجب القانون حول السينما والعقد المبرم بين الطرفين قبل بث الفيلم في شاشات التلفزيون والسينما.

وذكر ميعادي أن استغلال الأفلام ودعائم الاتصال خاضع لتأشيرة بموجب القانون 11-03 حول السينما الصادر في فبراير/شباط 2011 ، مذكراً بأن المركز يحرص على صحة الأعمال بالنظر إلى أن النص يمنع تمويل وإنتاج أعمال تمس بالديانات أو بثورة نوفمبر ورموزها.

ويضيف أن القضية لا تستحق أن تتحول إلى قضية رأي عام، وما قامت به اللجنة إجراء عادي بالنسبة لكل أعمال وزارة المجاهدين منها "زبانة" لسعيد ولد خليفة و"لطفي" لأحمد راشدي و"غروب الظلال" لمحمد لخضر حمينة".

وسيعرض بعد تصحيح السيناريو

يؤكد وزير المجاهدين الطيب زيتوني، أن اللجنة التي سجلت 40 تحفظاً في فيلم الشهيد العربي بن مهيدي، كانت حريصة على الحقائق التاريخية، وقال بأن الوزارة "لم تمنع عرض الفيلم وإنما طالبت بتصحيح بعض المشاهد والحقائق التاريخية".

وأكد بأن هذا العمل السينمائي لبشير درايس سيتم عرض مباشرة بعد سحب التحفظات وتصحيح بعض المشاهد.

وهو ما ذهب إليه أيضاً وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، الذي أكد "بأن تمويل الفيلم كان وفق سيناريو واضح، لكن ما اطلعت عليه لجنة المتابعة كان عكس ذلك".

واعتبر الإجراء عادياً، والوزارة ستنسق مع وزارة المجاهدين لعرض الفيلم بعد تقيد المخرج بالسيناريو المتفق عليه في العقد.

تكلفة العمل فاقت 6 ملايين دولار

يؤكد بشير درايس مخرج فيلم العربي بن مهيدي، أن تكلفة إنتاج هذا العمل السينمائي بلغت أكثر من 07 مليارات سنتيم بالعملة المحلية (06 ملايين دولار)، منها مشاركة وزارة المجاهدين بنسبة 29%، و وزارة الثقافة بنسبة 40%، إلى جانب عددٍ من المؤسّسات الاقتصادية".

ويقول في هذا الشأن "ليس من طبعي إخفاء ميزانية الأعمال التي أشرف على إنتاجها، لأنه من حق المواطن معرفة ما يصرف في الحقل السينمائي، خاصة إذا كان بتمويل مباشر من الدولة".

وتم تصوير الفيلم الذي اقتبسه للسينما عبد الكريم بهلول وكتب السيناريو مراد بوربون استناداً إلى شهادات لرفقاء العربي بن مهيدي وعائلته في الجزائر العاصمة والأخضرية وبسكرة وبشار وبجاية وتلمسان و30 % في استوديوهات بتونس حيث قام الفريق المكلف بالفيلم بإعادة ديكور سنوات 1940.

وشارك في الفيلم خالد بن عيسى (في دور العربي بن مهيدي) ونبيل عسلي وإيدير بن عيبوش وآخرون، وهو العمل الذي أنتجته الشركة الجزائرية  "la source Les films de" التي قدمت سابقاً "رحلة إلى الجزائر العاصمة" لعبدالكريم بهلول كما شاركت في إنتاج "فضل الليل على النهار" للسينمائي الفرنسي ألكسندر أكادي يضيف درايس.

وكانت الشروق الجزائرية، قد بثت لقطات قالت بأنها من فيلم العربي بن مهيدي الممنوع من العرض.

ليس الوحيد الذي أثار الجدل

فيلم العربي بن مهيدي ليس الوحيد الذي أثار جدلاً بالجزائر، فقد شهد فيلم مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبدالقادر قبله عاصفة من النقاش بعد امتصاصه لغلاف مالي فاق 12 مليون دولار دون تصوير لقطة واحدة.

وقد تحرك برلمانيون وممثلو جمعيات ثقافية، من أجل الضغط على وزارة الثقافة لكشف أسباب تجميد هذا العمل الذي جاء تحت رعاية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

وقبل شهر من الآن بدأ في الجزائر تصوير فيلم القائد العثماني "أحمد باي".

وهو الفيلم الذي أثار هو الآخر جدلاً كبيراً بعد مشاركة الفرنسي جيرار دوبارديو في الفيلم رغم فضائحه الجنسية في فرنسا.

 

علامات:
تحميل المزيد