الأغنية المعجزة.. قُتل صاحبها وحولت شركة Nike لواحدة من أكبر الشركات التجارية بالعالم

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/10 الساعة 16:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/10 الساعة 16:29 بتوقيت غرينتش

قبل خمسين عاماً، أصدرت فرقة the Beatles أغنية بعنوان "Hey Jude" بيع منها أكثر من 8 ملايين نسخة، محققة أعلى مبيعاتها من الأسطوانات. وعلى الرغم من النجاح الباهر لهذه الأغنية، إلا أن التأثير الأكبر كان للأغنية الثانوية "Revolution" التي تطرق فيها جون لينون للاضطراب السياسي العالمي خلال سنة 1968.

وبما أنه كان من النادر في ذلك الوقت أن تسلط موسيقى البوب الضوء على المواضيع السياسية، قوبلت رسالة أغنية "Revolution" بموجة من السخرية الشرسة في صفوف اليسار الراديكالي قبل أن تظهر من جديد سنة 1987 في أحد أكثر الإعلانات الرئيسية ابتكاراً على الإطلاق حسب موقع Business Insider

ألّف لينون أغنية "Revolution" في الهند، حيث كانت فرقة the Beatles تحضر جلسات تأمل مع مهاريشي، في الوقت الذي اشتد فيه وطيس الحرب في فيتنام واندلعت الثورة الثقافية الصينية. كما جدت أعمال شغب كبيرة في لندن وكانت باريس على شفا ثورة أخرى في شهر مايو/أيار من ذلك العام.

الثورة لا تعني الدمار

 في ٨ ديسمبر 1980 وبينما كان لينون في طريق عودته إلى منزله في نيويورك اغتاله مارك ديفيد شابمان، الذي وصف بأنه مختل عقلياً، وكان القاتل قد صرح بأنه قام بقتل جون لينون، لشدة إعجابه به وبفرقة "البيتلز"، وحكم على شابمان بالسجن مدى الحياة

عند عودتهم إلى لندن، سجلت فرقة the Beatles هذه الأغنية مع الحرص على جعل صوت لينون هادئاً. وفي الأسطر الأولى من كلمات الأغنية يقول لينون: "أنتم تريدون ثورة.. ولكن إذا كنتم تعنون بذلك الدمار، فلا تخالوا أنني سأنضم إليكم". ثم، بعد استراحة قصيرة يغني "يمكنكم احتسابي" ذلك أنه لم يتخذ قراره بعد.

جون لينون

ولكن رأى بقية أعضاء الفرقة أن طابع البلوز الذي ميز هذه الأغنية ليس من نوع الموسيقى التجاري، لذلك أرادوا إعادة تسجيل إصدار جديد بنسق أسرع بطابع الروك مع إضافة صوت القيثارات المشوهة. وقد وافق لينون على هذا المقترح على مضض، رغم قلقه من أن هذا سيجعل الرسالة السياسية صعبة الفهم.

أدرجت  النسخة الأولى من الأغنية (Revolution No. 1) في الألبوم White album، الذي صدر في وقت لاحق من العام ذاته . وأصبحت النسخة الأسرع، التي أطلقوا عليها ببساطة اسم "Revolution"، الوجه الآخر لأغنية "Hey Jude". كما تضمن الألبوم the white album النسخة الثالثة للأغنية "Revolution No.9". كان هذا مجرد مزيج من الضوضاء والعبارات الساكنة وغير المنطقية، على الرغم من أنه مثّل نموذجاً مبكراً للخلط الإلكتروني.

"صرخة خوف بورجوازية بائسة تبعث على الشفقة"

في حين اعتبرت وسائل الإعلام الشعبية أغنية "Hey Jude" إحدى أفضل أغاني فرقة the Beatles.

 

وعلى الرغم من تجاهلها لعرض لينون السياسي، أدانت وسائل الإعلام المستقلة هذه الأغنية، من بينها المجلة الأميركية Ramparts ومجلة American Literary Review  وPolitical Journal، من خلال الإعلان عن أن "أغنية Revolution تدعو إلى الثورة المضادة".

ووصفتها مجلة "The New Left Review" بأنها "صرخة خوف بورجوازية بائسة تبعث على الشفقة"، بينما ذكرت صحيفة "the Village Voice" أنه "لمن الصعب إلزام الموسيقيين أو أي شخص آخر باتباع  المسار الصحيح. ولكن من المعقول أن يُطلب منهم ألا يخرجوا عن مسارهم".

 وقد سخرت صحيفة "Berkeley Barb" من الفرقة الموسيقية معتبرة أن أغنية "Revolution" تبدو أشبه بالبنود الرئيسية للحزب الجمهوري المعتمدة في مؤتمر شيكاغو بعد اغتيال الرئيس. وفي المقابل، قللت صحيفة "Black Dwarf" من شأن الأغنية معتبرة أنها "ليست ثورية أكثر من سلسلة Mrs. Dale's Diary".

الأغنية تظهر من جديد بعد اختيار نايك لها

ظهرت الأغنية من جديد سنة 1987 عندما اختارتها وكالة الإعلان الصغرى Wieden+Kennedy لتكون في إعلان لشركة Nike. لقد كان ذلك الإعلان أول إعلان تلفزيوني كبير لشركة الملابس الرياضية

وقد تمكنت وكالة wieden+kennedy قبل ذلك من جذب الاهتمام إليها في مجال الصناعة من خلال الإعلان الخاص لدراجات الهوندا الذي ظهر فيه نجم الجاز مايلز ديفيس والموسيقار لو ريد.

جيل جديد من الأغاني لا يتمتع بمخلفات الماضي

حظيت الشركة أيضاً بدعم يوكو أونو(أرملة جون لينون)، التي أوضحت قائلة إنها أرادت أن يتمتع "الجيل الجديد" بأغانيه التي "سيجعلونها جزءاً من حياتهم بدلاً من أن تكون من مخلفات الماضي البعيد.

وبناء على ذلك مُنحت أغنية "Revolution" الإذن بأن تعتمد في حملة إعلامية بلغت تكلفتها ما بين 7 و10 ملايين دولار.

صور هذا الإعلان بكاميرا محمولة وكان الفيلم أسود وأبيض وقد عرض مشاهد للرياضيين المتعاقدين مع شركة Nike والأشخاص العاديين وهم يمارسون أنشطة رياضية مختلفة، وقد حقق هذا الإعلان نجاحاً هائلاً.

يوكو أونو – أرملة جون لينون

 الإعلان ضاعف مبيعات nike

تضاعفت مبيعات Nike في غضون سنتين، وشكل موضوع الإعلان الذي تمحور حول التمكين والتعالي بفلسفة شخصية حول الحياة اليومية أساساً لعلامة Nike التجارية للسنوات التي تلت الإعلان .

 وسمح لها بالسيطرة على اقتصاد السوق الناشئ حديثاً في ثقافة العلامة التجارية، وبحلول سنة 1991، سيطرت شركة Nike على 29٪ من سوق الأحذية الرياضية العالمية، وتجاوزت مبيعاتها ثلاثة مليارات دولار.

أبيع نفسي؟

لقد أثار هذا الإعلان جدلاً واسعاً، حيث كتبت مجلة "Time": "لقد قتل مارك ديفيد  الفنان الأميركي جون لينون، وما كان عليه فعله لجعله كاتب أغان هو مدير أعمال يتكفل بتسجيل الأغاني، وشركة أحذية رياضية، وشقيق روحي".

 أما صحيفة Chicago Tribune فقد شبهت الإعلان بأنه "التقاء المثالية بالجشع المطلق"، بينما أشارت مجلة "the New Republic" إلى أن "Nike سلبت الأغنية معناها".

تعرض الإعلان للنقد أيضاً حيث رآه البعض حول صرخة خوف برجوازية إلى نص مقدس تعرض للتحريف من قبل شركة أحذية رياضية. وكان الرد الأكثر أهمية هو الدعوى القضائية المقدمة من شركة آبل ريكوردز  في محاولة لوقف الإعلان التجاري.

ادعت شركة آبل أن الإعلان استغل أعضاء فرقة the Beatles ونيتهم الحسنة من دون إذن. وقيل إن هذا القرار تمت تسويته خارج المحكمة بعد أن استخدمت الحملة كل السبل، حيث اتفقت آبل ومجموعة إيمي وشركة كابيتول على أنه لن يتم استخدام إصدار the Beatles مرة أخرى لبيع المنتجات. وفي الحقيقة لقد كانت ثورة Nike فريدة من نوعها.

الاهتمام الذي حظي به الإعلان كان له نتائج بعيدة المدى على شركة Nike. فقد تراكمت التغطية الصحافية السلبية  التي اتهمت الشركة بانتهاكات العمل. ولم يضع إعلان Nike Revolution الشركة ضمن الطبقة العليا للعلامات التجارية فقط، بل جعلها تحت دائرة الضوء.

ساعد هذا الإعلان في نشر عادة ارتداء الأحذية الرياضية بشكل يومي. وبعد ثلاثين عاماً، أصبحت عادة ارتداء الأحذية المصممة للرياضيين المحترفين كل يوم جزءاً من ثقافة المستهلك، مما يوضح كيف يمكن للمجتمع أن يعيش في إرث الحملات التسويقية غير العادية.

 ويمكن القول إن الفرضية القائلة إن الفضل في ارتداء الكثير من الأشخاص لهذه الأحذية يعود للينون، الذي حضر جلسات تأمل في ريشيكيش وقرر التطرق للسياسة سنة 1968، هي في الواقع تذكير بأن تصادم الثقافة والسياسة عبر الإعلان يمكن أن يؤدي في الغالب إلى نتائج غير متوقعة.

 

 

علامات: