يبدو أن موسم شباك التذاكر صيف 2018 ليس عادياً بالنسبة لهوليوود، ليس فقط على صعيد شباك التذاكر، ولكن على صعيد قصص الأفلام التي جاء بعضها مختلفاً عن السائد، لتتحدى للهيمنة البيضاء التقليدية على الشاشة الكبيرة.
فقد شهد شباك التذاكر الأميركي انتعاشاً كبيراً هذا الصيف، إذ ارتفعت حصيلة عائدات الأفلام بنسبة 12.8% عن مثيلتها خلال هذا الوقت من العام الماضي 2017، ومن بين أهم الأفلام التي تصدرت شباك التذاكر الأميركي جاء فيلم Mission Impossible – Fallout من بطولة توم كروز، الذي حقق إيرادات تجاوزت 198 مليون دولار.
كما حقَّق فيلم Crazy Rich Asians بطولة ميشيل يوه إيرادات تجاوزت 98 مليون دولار، ووفقاً للإحصائيات المنشورة على موقع Box Office Mojo، في 2 سبتمبر/أيلول 2018، ويتصدر شباك التذاكر خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
كما تجاوزت إيرادات فيلم BlacKkKlansman بطولة جون ديفيد واشنطن 35 مليون دولار، ووصلت حصيلة عائدات فيلم Blindspotting بطولة ديفيد ديغز إلى أكثر من 4 ملايين دولار.
الأفلام الثلاثة الأخيرة تحديداً تتسم بأنها يلعب فيها النجوم غير البيض دوراً أساسياً، وخاصة فيلم Crazy Rich Asians، الذي يعتمد على الإبهار البصري، والذي يبدو أنه يقول إن الجمال والإثارة والترف لا تقتصر على البيض فقط.
أما Mission: Impossible – Fallout فهو تجديد لخبطة تقليدية يواصل فيها توم كروز النجاح.
إليك أهم ما يميز هذه الأفلام، التي أعطت صيف 2018 مذاقاً مختلفاً في هوليوود.
Mission Impossible – Fallout: قصة مكررة ولكن طريقة عرضها شديدة التشويق
للمرة السادسة توم كروز يواصل النجاح في سلسلة مهمة مستحيلة.
وتدور أحداث فيلم Mission Impossible – Fallout بطولة توم كروز وهنري كافيل وريبيكا فيرجسون وإخراج كريستوفر ماك كويري، حول مهمة جديدة يُكلف بها فريق IMF بقيادة إيثان هانت، وهي منع وصول منظمة إرهابية شهيرة أطلقت على نفسها لقب الحواريين للبلاتينيوم التي ترغب في الحصول عليه من أجل صنع قنبلة نووية وتفجيرها على الحدود بين الصين وباكستان، وبالتالي القضاء على ثلث سكان العالم.
رؤية المنظمة الإرهابية كانت ترتكز على أن الحصول على السلام الدائم في الأرض لن يتحقق من دون حدوث معاناة عظيمة، وإزهاق عدد كبير من الأرواح من أجل راحة البقية، وقد رأت المنظمة أن ذلك لن يحدث حتى يتفكك النظام العالمي القديم برمته، وإنشاء نظام جديد، وفي سبيل تلك الغاية استطاع الحواريون اختراق الاستخبارات الأميركية المركزية، حتى إن واكر، رفيق هانت في المهمة، كان من بين أعضاء المنظمة، وسعى لقتل هانت والوصول للبلاتنيوم من أجل تفجير القنبلة النووية.
ولكن لماذا نجح الفيلم رغم أن القصة قديمة؟
وعلى الرغم من القصة البسيطة للفيلم، والتوقع المسبق بأن كروز سينتصر في النهاية كعادته في كل أجزاء تلك السلسلة، إلا أن المسألة ليست متعلقة بالقصة وتوقع الأحداث.
فقوة الفيلم تجسَّدت في تسلسل الأحداث المذهل والانتقال بخفة بين المشاهد والتماسك القوي للفيلم، عندما يقرر متى يزود الجمهور بالتفاصيل الممكنة ومتى يتوقف دون أن يشعر الجمهور بأن هناك أي حلقة مفقودة، مفاجأة الجمهور في كل حدث كانت من أقوى عناصر الفيلم، فعلى الرغم من مدته التي تتجاوز الساعتين فإنك لن تشعر بالملل أبداً، وإنما سيظل بصرك معلقاً على الشاشة حتى آخر لقطة في الفيلم.
أداء كروز جاء رائعاً فقد مَثل عدد من المشاهد الخطيرة كعادته ما بين الركض والقفز بين المباني الشاهقة والتعلق من خيط طائرة مروحية وتسلق جرف عال، وعندما تشاهد أداءه داخل الفيلم، تشعر أن هذا البطل قرَّر أن يعطي كل ما لديه من أجل إنجاح العمل.
Crazy Rich Asians: فيلم هوليودي بأبطال آسيويين غير تقليديين
استطاع فيلم الكوميديا الرومانسية Crazy Rich Asians بطولة جيما تشان، ليزا لو وميشيل يوه ومن إخراج جون إم تشو تبوأ مكان خاص في قمة السينما العالمية.
ويعد هذا الفيلم هو العمل الهوليوودي الثاني الذي يأتي جميع طاقمه من الآسيويين، وذلك بعد فيلم The Joy Luck Club الذي أُنتج خلال عام 1993.
فيلم Crazy Rich Asians مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الأميركي كيفين كوان، وتدور أحداث الفيلم حول ريتشل، الفتاة الأميركية من أصول صينية، التي تدرس علم الاقتصاد وتعيش مع حبيبها نيك في مدينة نيويورك، والذي يقرر أن يصطحبها لحضور حفل زفاف أحد أقاربه في سنغافورة، لتكتشف بعد ذلك أنه ينتمي لعائلة محافظة فاحشة الثراء.
أنت لست أهلاً لابني
ومن خلال أحداث الفيلم يصطحبنا نيك مع ريتشل إلى عالمه الخاص، وتدخل حبيبته في صراع مع والدته بسبب اختلاف الثقافات، فعلى الرغم من أن ريتشل تنحدر من أصول صينية، إلا أن والدة نيك ترى أن مجرد تواجدها منذ الصغر في الولايات المتحدة لا يؤهلها للارتباط من ابنها بشكل رسمي، كما أن ريتشيل ربّتها أم عزباء، وبالتالي فهي لا تعلم شيئاً عن مفهوم العائلة والترابط الذي يجب أن يكون بين أفرادها.
قصة الفيلم لا تبدو جديدة، ولكنها تكسر قوالب هوليوود النمطية الثابتة، ومدخل لتقديم ثقافات مختلفة.
العنصر المميز في هذا الفيلم هو الصورة، حيث ظهرت قوية مليئة بالحياة، وخاصة مشهد الزفاف الذي عرضته الكاميرا بالتصوير البطيء، وقد احتوى ألواناً قوية وموسيقى تصويرية بديعة، تنساب بهدوء ونعومة، بالإضافة إلى مشاعر الأبطال التي ظهرت بقوة من خلال هذا المشهد، من دون التفوه بكلمة واحدة.
BlacKkKlansman: كيف يمكن لضابط أسود أن يخترق جماعة عنصرية؟.. الغريب أنها قصة حقيقية
رجل أسود رئيس لحركة معادية للسود، بالتأكيد قصة فيلم BlacKkKlansman ليست عادية على الإطلاق، والأغرب أنها تستند لقصة حقيقية.
الفيلم من بطولة جود ديفيد واشنطن وآدم درايفر ولورا هارير، ومن إخراج وتأليف سبايك لي، وتدور حول رون ستالوورث، الذي يعمل كضابط شرطة أميركي من أصل إفريقي، وينجح في التسلل إلى تجمع كو كلوكس كلان المحلي، وهي حركة متطرفة تؤيد استخدام العنف والتطرف ضد السود.
حيلة ذكية مكَّنت هذا الشرطي الأسود من تزعم هذه الجماعة من العنصريين البيض
يبدأ عمل ستالوورث المتخفي داخل الجمعية العنصرية من خلال الهاتف عندما ينتحل ستالوورث شخصية رجل أبيض عنصري، وينجح إلى حد كبير في أدائه للدرجة التي تؤهله للوصول إلى زعيم الحركة ديفيد دوك، الذي يحمل لقب Grand Wizard، وأثناء حديثه مع الزعيم عبر الهاتف قال ستالوورث: "أنا أكره السود وأكره اليهود، والمكسيكيين والأيرلنديين والإيطاليين والصينيين، وأي شخص آخر ليس لديه دماء آرية بيضاء نقية تمر عبر عروقه" في مشهد من أكثر المشاهد إثارة في الفيلم.
فيما بعد يضطر ستالوورث إلى الظهور بشكل شخصي، وهنا يجند ستالوورث صديقه المحقق فيليب زيميرمان الذي قام بدوره آدم درايفر من أجل أن ينتحل شخصيته، وفي النهاية ينجح ستالوورث في خداع الحركة المتعصبة من ذوي البشرة البيضاء.
الفيلم بُني على قصة حقيقية ذُكرت في كتاب العضو الأسود لكلان أو Black Klansman.
وفِي هذا الكتاب يروي الضابط الأميركي الأسود رون ستولورث Ron Stallworth كيف اخترق عصابة كو كلوكس كلان Ku Klux Klan، ليكشف عن بعض جوانب ذلك التنظيم السري العنصري، عام 1978، منها اكتشاف اثنين من العسكريين العاملين في قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية، ممن كان لديهم تصريح أمني كبير للعمل على لوحة التحكم التي كانت تراقب المجال الجوي لأميركا الشمالية.
ثم أمر بالتوقف في تحريه عند حد معين، وأن يتخلص مما لديه من أدلة ووثائق، ولكنه آثر الاحتفاظ سراً بكل ما في حوزته، واستطاع رواية ما حدث بعد 36 عاماً.
Blindspotting: حين يتغاضى المجرم عن جرائم صديقه الشرطي
أحياناً تعرقل الصداقة محاولتك للمضي قدماً، ولكن المشكلة أنه ليس من السهل التخلي عنها.
في فيلم Blindspotting، تنقلب الأدوار فيصبح المجرم التائب هو الخير والشرطي هو الشرير ولكنهما أصدقاء.
الفيلم من تأليف وبطولة ديفيد ديغز ورافاييل كاسال وجانينا جافانكار، ومن إخراج كارلوس لوبيز استرادا.
وهو فيلم أكشن كوميدي تدور أحداثه في أربعة أيام فقط حول كولين، الذي يحاول بدء حياته من جديد بعد انتهاء فترة المراقبة التي يخضع لها من قبل الشرطة، ومدتها ثلاثة أيام فقط؛ وطوال تلك الأيام يحاول كولين عدم اختراق القانون، ولكن صديقه مايلز يتسبب له في العديد من المشاكل والعقبات.
وخلال فترة المراقبة يكون كولين شاهداً على حادثة قتل؛ عندما يودي ضابط شرطة أبيض بحياة فتى أسود أمام عينيه، ولكن كولين يختار السكوت، ولا يذهب للشرطة مخافة العودة إلى السجن أو للنظام القديم، ولكن الأقدار تضع كولين في مواجهة مع الضابط القاتل بحكم طبيعة عمله في شركة لنقل الأثاث.
المواجهة بين كولين والضابط تعد من أقوى مشاهد الفيلم على الإطلاق؛ وخاصة عندما يسأله كولين عن دافعه لقتل فتى صغير لم يرتكب جرماً كبيراً يستحق إطلاق النار عليه سوى لون بشرته.
إنها علاقة معقدة.. فالكل يحذره منه.. فهل يتركه؟
وعلى الرغم من الخلافات التي لا تنتهي طوال الفيلم بين البطل الأسود كولين وبين مايلز الأبيض، فإن الانسجام بينهما في العمل كان كبيراً، وقد استغل ديغنز مهاراته العبقرية في الراب، ووظفها في الفيلم من دون إطالة أو استعراض.
كان الضوء مسلطاً طوال الفيلم على كولين ومايلز فقط وعلاقتهما المعقدة وتصرفات مايلز غير المسؤولة ودفاع كولين الدائم عنه وحمايته له.
عنصر النجاح في العمل إلى جانب الأداء المذهل للأبطال تجسد في إنسانيته، وعبقريته في إظهار مدى تعقد العلاقات الإنسانية؛ إذ رأى كولين أن علاقته بمايلز سوف تؤثر على مستقبله، لأنه دائماً ما يضعه في المشكلات وحتى حبيبة كولين السابقة حذرته من علاقته بمايلز، وفي محاولة كولين للمضي قدماً يحضر حقيبة سفره، ويقرر المغادرة ولكنه يظهر في المشهد الأخير للفيلم بصحبة مايلز يضحكان معاً، ولا يخبرنا الفيلم كيف انتهى الحال بكولين، وماذا قرر بشأن مستقبله وصداقته، ربما لأن القرار لا يبدو سهلاً، وبالتأكيد لأن علاقات الصداقة الحقيقية أكثر تعقيداً مما نظن.