في مشروع شُبِّه بفيلم The Truman Show، وبرنامج Big Brother، بالإضافة إلى فيلم Synecdoche, New York من إخراج تشارلي كوفمان، دفع فنان روسي لـ 400 شخصٍ كي يعيشوا لمدة ثلاث سنوات في معهد بحوث من صنع الخيال غير أنَّه حقيقي وموجود، يعود إلى العصر الستاليني.
وفي تجربة طال انتظارها في عالم الأفلام والفن، وأكدت صحيفة The Guardian البريطانية حدوثها، أنشأ المخرج إيليا خرزانوفسكي معهداً للفيزياء النظرية شرقي أوكرانيا، على غرار المنشآت الغامضة التي كانت موجودة في الاتحاد السوفييتي أثناء الفترة الممتدة من ثلاثينيات وحتى خمسينيات القرن الماضي.
وفي داخل المعهد عاش أكثر من 400 إنسانٍ حقيقي، أعاد هؤلاء الأشخاص إحياء 30 عاماً امتدَّت خلالها التجربة السوفييتية، وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2011، فقد تناولوا الطعام نفسه، وارتدوا الملابس نفسها، وخضعوا لنفس القوانين التي كان سيخضع لها أي مواطن سوفييتي.
وقع الناس في الحُب وانفصلوا، أنجبوا 14 طفلاً، وكوَّنوا صداقات وخلقوا عداوات، حسبما تحدث المُخرج التنفيذي مارتين دانغلوجان-شاتيلون الصحيفة البريطانية.
وقد استخدم خرزانوفسكي قصة عالم فيزياء سوفييتي يُدعى ليف لانداو -الذي اشتُق من اسمه الأخير عنوان المشروع، وهو DAU- لتكون أساساً لهذا العالم الخيالي.
يقول دانغلوجان-شاتيلون: "يتعلَّق المشروع في الواقع بإظهار الكيفية التي يكون عليها الناس، والأمر ليس خاصاً بتلك الثقافة أو ذلك العصر". ويتابع "إنَّه متعلق برؤية قدرات الطبيعة البشرية، وذلك تحت الميكروسكوب.. متعلقٌ برؤية قابلية هذه الطبيعة البشرية للإحساس بالجمال، بالذكاء، بالتفاؤل، بالتغيير.. أو القابلية لتبني أضداد هذه الأشياء".
ويضيف: "وعلى نحوٍ من الأنحاء، ما أنشأه إيليا كان موسوعة للعلاقات البشرية، وللطبيعة البشرية، وكيف تتطور الأشياء في دواخل البشر مع مرور الوقت"..
إذ كان هذا المشروع مُمتداً وواسعاً، ومُحاطاً بالتكتم. ولم يُمنح سوى عدد قليل جداً من الصحفيين إذناً للدخول. كان أحدهم هو مايكل إيدوف، الذي كتب مقالة لمجلة GQ بالعام 2011، عُنوانها "موقع التصوير الذي التهم نفسه"، يصف فيها خرزانوفسكي بـ"المعتوه".
كان الروائي والمراسل السابق لصحيفة The Guardian البريطانية في موسكو، جيمس ميك، قد تلقى دعوة العام 2015 لزيارة مبنىً في بيكاديللي حيث أمضى خرزانوفسكي سنواتٍ يأسس ويدير ذلك المشروع. وكتب مقالةً لمجلة London Review of Books، قال فيها: "شعرت أنني نفذت من خلال غشاءٍ إلى بيئة مختلفة".
فقد كانت منشأة البحوث عبارة عن موقع تصوير أفلام ضخم، وقد صوَّر المصوّر السينمائي الألماني يورغن يورغيس بعض المُشاركين في بعض الأحيان. وقد سُجِّلت أكثر من 700 ساعة تصوير، وسوف يُعرض فيلم DAU Freiheit (بالإنكليزية DAU Freedom) للجمهور لأول مرة في معرض فني ببرلين شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وقال دانغلوجان-شاتيلون "كان العالم في انتظار هذا، لقد كان عالم الأفلام يترقب هذا منذ وقت طويل".
وبالنسبة للمعرض، سوف يُعاد بناء قسم كبير من جدار برلين في شارع أونتر دن ليندن في العاصمة الألمانية برلين، وذلك عن طريق بناء "مدينة مُحاطة بالجدران داخل مدينة".
ويجب على الزوار أن يشتروا "تأشيرات سفر" من الإنترنت، وأن يُسلِّموا هواتفهم قبل الدخول لزيارة المعرض. وسينتهي المشروع بهدم شعائري للجدار في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد 29 سنة بالضبط من هدمه عام 1989.
وسيشهد المعرض التنصيبي (نسبةً إلى التنصيبية، وهي أحد تيارات الفن المعاصر، يقوم فيها الفنان برسم وتزيين مكان حيث يستطيع الزوار الدخول إليه والتجول فيه) في برلين عروضاً ومُداخلات لفنانين، من بينهم الموسيقار بريان إينو والفنان روبرت ديل نجا من فرقة Massive Attack.
هذا، وقال إينو متحدثاً عن المعرض: "كثيراً ما تسمع عن أشياء توصف بأنَّها "طموحة". لكنّي لم أعرف في حياتي كلها شيئاً يقترب من طموح معرض DAU".
وتابع "إنَّه أكثر المشاريع الفنية غرابةً وروعةً وتعقيداً التي سمعت بها، فهو يتضمن عدة آلاف من الأشخاص -فنانين وممثلين وموسيقيين وحرفيين، ومصممي إضاءة ومنتجين ومصوّرين، ومسؤولين وراسمي خرائط وعلماء وكهنة، وآلاف الأشخاص العاديين- ولا يزال المشروع يكبُر.
أثار مشروع خرزانوفسكي اهتمام العديد من الفنانين والعلماء المرموقين. ومن بين زوار DAU والمشاركين فيه، الفنانة مارينا أبراموفيتش والفنان كارستن هولر، والمخرج المسرحي بيتر سيلارس، وعالم الفيزياء الفائز بجائزة نوبل دايفيد غروس، وعالم الرياضيات شينغ تونغ يا.
وسوف يتبع المشروع إقامة معارض في باريس قبل الكريسماس، ولندن في رأس السنة. أما في برلين، فسوف يستضيف "برلينر فيستشبيله" معرض DAU التنصيبي. ولم يُكشف بعد عن تفاصيل معرضي لندن وباريس.
اقرأ أيضاً..
فيلم جديد يحكي حياة صحافية أميركية قتلها الأسد.. لهذا يجب أن تشاهد A Private War!