هؤلاء هم فنانو غزة الأيتام بعد تدمير المسرح الوحيد في القطاع بغارة إسرائيلية

كان مسرحًا للفقراء .. والآن اختفى كل شيء

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/17 الساعة 11:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/17 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش

جلس سعيد ورفاقه يتأملون في جدران المكان. أو بقايا المكان. هنا كنا نعزف التشيلو. وهنا كنا نعزف البزق. وهناك كنا نغني ونمرح ونخرج صوتنا للعالم. وهناك كانت تعرض فرقة العنقاء. وهناك كانت الحياة تدب في الجمهور على وقع الأغاني التراثية. كان بيتاً. ومسرحاً. ومكاناً يرتاده الناس للتفريغ والهروب من ضنك العيش والحصار.

كانت هذه كلمات الفنان الفلسطيني الشاب سعيد فضل بعد أيام من قصف مبنى المسحال الثقافي في غزة والذي ادعت إسرائيل أنه كان مركزاً للاتصالات تابعاً لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

يقول سعيد في حديثه لعربي بوست، كان خبر تدمير مبنى سعيد المسحال "مفاجئاً لكل أهل القطاع. ليس لنا نحن كفنانين. ببساطة لا نعرف لماذا قصفوه وهو مكان ثقافي للفن والفنانين يخرج سنوياً مواهب فنية لا علاقة لها بالسياسة ولم يكن لها من يشجعها سوى هذا المكان". يضيف "بصراحة أنا للآن لا أصدق ما حصل. أنا كسعيد دبكت هنا قبل ١٤ عاماً، ومن هنا بدأت. هذا المكان خرَّج العشرات من الفنانين في غزة وكان مليئاً بالحياة والأعمال الثقافية".

"صرنا أيتامًا"

يقول سعيد إن فكرة مبنى المسحال الثقافي أكثر من مجرد مسرح يعرض عليه الفنان عملاً أو يتدرب فيه. لقد كان بيتاً للفنانين. مكاناً يجمعهم. يتبادلون الأفكار "نحن هنا نختنق، كل شيء مغلق وكل شيء محاصر والمبنى كان الفضاء الذي نتفسح فيه. كنا نتنفس هنا. والآن ها نحن نختنق".

ويرى سعيد أن المبنى كان بمثابة "أب لكل الفن والفنانين، لكننا اليوم وبعد تدميره أصبحنا أيتاماً".

الفن مقاومة.. الإسرائيليون يدمرون مركز غزة للثقافة والفنون

وقبل نحو أسبوع قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مؤسسة المسحال للثقافة والعلوم بأربعة صواريخ ما أدى إلى تسويتها بالأرض. ومن يذهب اليوم إلى ذلك المكان سيرى ركاماً امتزج بكتب تراثية وشعرية وأجهزة حاسوب وطابعات محترقة مختلطة بخشب اللوحات الفنية، ستائر كواليس المسرح.

وبدأ العمل في مؤسسة "المسحال" عام 1996، وافتتح المبنى عام 2004، بمبادرة شخصية من رجل أعمال فلسطيني مغترب يدعى سعيد المسحال لدعم المشهد الثقافي والعلمي في غزة.

كان المكان مسرحًا للفقراء

المخرج الفلسطيني حازم أبو حميد من قطاع غزة يقول لعربي بوست إن مبنى المسحال خرَّج المئات من الفنانين الفلسطينيين وفتح الفرص للعديد من الشبان والمواهب الفلسطينية. مشيراً لاستحالة أن يكون له أي علاقة بأي من فصائل المقاومة. أضاف "كان هذا المكان رغم صغر حجمه مليئاً بالحياة. وكنا نتردد عليه باستمرار ولم نشهد يوماً أي حركة غير ثقافية فيه".

ويرى أبو حميد أن قصف المسرح كان ضمن الرسائل التي كانت تنقلها إسرائيل لفصائل المقاومة. ففي يوم قصفه تم إطلاق صاروخ غراد على مدينة بئر السبع وبعد ذلك جاء رد إسرائيل بقصف برج كبير" ربما أنهم لم يرغبوا بقصف برج سكني حتى لا تندلع حرب، فقاموا بقصف المسحال لعلمهم أنه لا سكان فيه. لكنها كانت رسالة تريد أن تقول بأن إسرائيل ستقصف الأبراج السكنية حال تصاعد القصف".

اللافت أيضاً في ما ذكره أبو حميد عن مسرح المسحال أنه كان "مسرحاً للفقراء. وأقصد الفنانين الذين لا يستطيعون تنظيم عروض أو حفلات. كنا نذهب إلى المسحال بتكلفة بسيطة وأحياناً بدون تكلفة دعماً للفن والفنانين".

مبنى المسحال الثقافي هو عبارة عن أربعة طوابق، كانت تضم مسرحاً يسع مئة وخمسين شخصاً، وقاعات للمعارض الفنية، وأماكن للتدريب إلى جانب طابق خاص بأبناء الجالية المصرية. يقول أبو حميد "لا يوجد مسرح مجهز في غزة سوى المسحال. هناك قاعات أخرى نتعامل معها كأنها مسرح لكنها ليست كذلك؟ لقد أصبحنا أيتاماً الآن".

وفرقة الدبكة فقدت كل شيء

قبل ١٣ عاماً أرادت مجموعة من الشبان الغزيين تأسيس فرقة دبكة لإحياء التراث الفلسطيني. وتقديم العروض الفنية في القطاع. بدأ الحلم صغيراً من مجموعة صغيرة إلى أن أصبح أعضاء الفرقة ١١٠ شبان وشابات. كانوا يتدربون في مسرح سعيد المسحال. ويقدمون العروض الفنية على خشبته. واليوم ذهب كل شيء.

يقول خليل طافش، أحد مؤسسي الفرقة لعربي بوست "لقد كان هذا المكان بيتنا وروحنا وكل أحلامنا كانت فيه واليوم كلها أصبحت ركاماً". يضيف "خسرنا كل حصادنا كفرقة فنية على مدار ١٣ عاماً والذي يشمل أزياء، ديكورات، معدات للعروض، جوائزنا، أوراقنا الرسمية، كل شيء.. كاميرات أجهزة حاسوب، كل ما نملك تم تدميره".

وكانت فرقة العنقاء قدمت عرضاً فنياً باللباس الأسود فوق أنقاض المبنى بعد ساعات من قصفه. لكن العرض "كان باهتاً وحزيناً، لقد تبخرت أحلامنا. واليوم لا مكان لنا لنتدرب فيه. لا يوجد مكان آخر في غزة يمكن أن يستوعب فرقتنا. كنا نحلق ونحلق على مدار ١٣ عاماً، واليوم أصبحنا بلا أجنحة".

علامات:
تحميل المزيد