مسلسل “فوضى” الإسرائيلي.. كيف سبب الأذى للفلسطينيين وأخفى محنتهم، وأضفى طابعاً رومانسياً على قوات الاحتلال!

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/13 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/13 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش

مقاتل إسرائيلي بمثابة مخلّص للمرأة الفلسطينية، هكذا يظهر مسلسل "فوضى" الإسرائيلي الذي نال إشادات دولية، وضع المرأة الفلسطينية فمشكلتها الأساسية كما يظهر هنا هي والدها وزوجها وليس الاحتلال.

المسلسل يتناول الصراع الفلسطيني بطريقة جذبت الاهتمام عالمياً، حتى أن صحيفة The New York Times الأميركية صنفته كواحد من أفضل المسلسلات التلفزيونية لسنة 2017، في حين سارعت  شبكة Netflix إلى شراء حقوق بث الموسم الثاني، الذي أطلقته في شهر مايو/أيار 2018.

لكن سيد قشوع، المؤلف وكاتب سيناريو فلسطيني إسرائيلي يكشف في مقال نشرته مجلة Foreign Policy الأميركية كيف يسبب هذا المسلسل الأذى لمشاعر الفلسطينيين وكيف يساهم عبر إظهاره المقاتلين الفلسطينيين أقوياء في شرعنة وتبرير ممارسات الاحتلال.

في مسلسل "فوضى" الإسرائيلي: إعلانات مشابهة لـ "تنظيم داعش"

في أواخر السنة الماضية 2017، أعلن منتجو الدراما التلفزيونية الإسرائيلية "فوضى" عن إصدار الموسم الثاني من هذه السلسلة، من خلال جملة من اللوحات الإعلانية التي كانت بمثابة نذير شؤم بالنسبة لهم.

لقد كُتب على اللافتات الإعلانية، التي تم وضعها بين ليلة وضحاها في عدة مدن إسرائيلية، جملتان باللغة العربية على خلفية سوداء بالكامل ورد فيها "نحن آتون إليكم"، و"ستبدأ الإثارة قريباً"؛ مع اختلاف في الصياغة في كل لوحة.

في الحقيقة، لم تدل أي من العناصر الموجودة في اللوحات الإعلانية على أنها إعلانات ترويجية لإحدى المسلسلات التلفزيونية، وإنما بدت لبعض المواطنين الإسرائيليين مشابهة لأعلام تنظيم الدولة (داعش)، حيث كانت تتسم بالظلامية والترهيب.

وحسب ما ذُكر، أمر عمدة إسرائيلي على أدنى تقدير بإزالتها. لكن  يقول سيد قشوع: شخصياً، بدت لي اللوحات الإعلانية وكأنها حملة يهودية من أجل بث الخوف في صفوف الفلسطينيين.

ويضيف: كما ذكرتني أيضاً بالانتخابات الإسرائيلية لسنة 2015، عندما حث رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يهود إسرائيل على التوجه إلى مراكز الاقتراع والتصويت، لأن العرب "كانوا يتوجهون إليها بأعداد كبيرة".

اللافت أن المسلسل مشوق ويجعل بعض المشاهدين يتعاطفون مع الفلسطينيين

 تدور أحداث مسلسل "فوضى" حول وحدة سرية إسرائيلية، تظاهر أفرادها بأنهم عرب أثناء توغلهم في الضفة الغربية، حيث يقومون بتفكيك الخلايا المسلحة الفلسطينية وإحباط التفجيرات الانتحارية. كما عمد أفراد الفرقة إلى استخدام كلمة "فوضى" عند كشف هوية أحدهم أثناء القيام بعملية سرية.

إن هذا المسلسل مشوق ومليء بالمفاجآت، حيث سيلقى بعض الأبطال الإسرائيليين في المسلسل حتفهم، في حين صورت بعض الشخصيات الفلسطينية بشكل يجعل المشاهد يتعاطف معهم، بالأخص إن كانوا ضحايا متطرفين.

وهكذا قوبل بالاستحسان في صحيفة أميركية مرموقة  

ولقد أشاد النقاد بالموسم الأول، الذي لقي استحسان المشاهدين في إسرائيل.

وتم وصف أحد مؤلفي هذا المسلسل يدعى ليور راز، أثناء الحملات الترويجية، بأنه محايد علماً بأنه كان في السابق عضواً في إحدى الوحدات السرية داخل الجيش الإسرائيلي.

إلى جانب ذلك، صنفته صحيفة The New York Times كواحد من أفضل المسلسلات التلفزيونية لسنة 2017.

في حين سارعت Netflix إلى شراء حقوق بث الموسم الثاني، الذي أطلقته في شهر مايو/أيار.

وقد علقت الصحيفة الأميركية المرموقة على الفيلم قائلة إن أكثر أفلام الإثارة شدة وأشدها تعبيرا هي التي تأتي من إسرائيل، والقصة تتناول حياة وعقول شخصيات جميع أطراف الصراع.

 

واعتبرت أنه عند مشاهدة موسمي العرض – الثاني في الولايات المتحدة من الصعب المجادلة مع هذه الاتهامات. 

ورأت الملاحظة الأكثر صلة حول "Fauda" هي أن مبدعيها، ليور راز وآفي إيساكاروف، رأيا كيف يمكن تجميع بعض الظروف في عالمهم إلى عمل مسل.

 

ولكن في تقرير آخر وصفت The New York Times المسلسل بأنه متهم بإخفاءوأ

واعتبرت أنه عند مشاهدة موسمي العرض – الثاني في الولايات المتحدة من الصعب المجادلة مع هذه الاتهامات. 

ورأت الملاحظة الأكثر صلة حول "Fauda" هي أن مبدعيها، ليور راز وآفي إيساكاروف، رأيا كيف يمكن تجميع بعض الظروف في عالمهم إلى عمل مسل.

وصناعه يقولون إنه ينقل الصراع بنزاهة، وهكذا شكل نجاحاً لـ"الهاسبارا"

تكمن مشكلة هذه السلسلة في أنها تدعي نقل الحقائق المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنزاهة وصدق، حسب قشوع.

لكن في الواقع، يعرض المسلسل نسخة معدلة ومنقوصة عن حيثيات الاحتلال في الضفة الغربية.

حيث مارس الجنود الإسرائيليون سلطتهم على ملايين الفلسطينيين المغلوب على أمرهم منذ أكثر من نصف قرن.

ويمثل النجاح الذي حصده المسلسل انتصاراً جديداً يحسب لصالح "الهاسبارا" الإسرائيلية، وهو المصطلح العبري للإعلام الدبلوماسي أو الدعاية.

ولهذا السبب يظهر الفلسطينيين أقوياء

بدت ملامح الخداع في التشكل على مستوى الخيال الأدبي للمسلسل.

ووفقاً للقواعد التي تنص عليها أعمال الأكشن والإثارة، يتعين على خصوم أبطال المسلسل أن يكونوا أعداء أقوياء بما يكفي ليمثلوا تهديداً وخطراً حقيقياً على الأبطال.

 لكن يدرك الجميع، حتى أولئك الذين يتابعون تطورات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن بعد، مدى الاختلال في موازين القوى بين هؤلاء الخصوم على أرض الواقع.

ومن دون شك، بإمكان الفلسطينيين إلحاق الأذى بالإسرائيليين.

إلا أنهم يفتقرون إلى دولة وجيش، بالإضافة إلى الطائرات الحربية والدبابات.

وللتمويه بأن كلا الطرفين يتمتعان بفرص متساوية ومتكافئة، اضطر منتجو "فوضى" إلى اللجوء إلى وسائل غير مسبوقة ضمن الحبكة الدرامية.

ثم أقحم داعش في الصراع وأظهر الفلسطينيين يستهدفون الأطفال

في موسمه الأول، يُظهر المسلسل كيف يخطط الفلسطينيون لهجوم بغاز السارين على إسرائيل.

أما في جزئه الثاني، يقع جناحهم المسلح تحت قبضة إرهابي عاد للتو من القتال لصالح تنظيم الدولة في سوريا.

إن الإرهابي المحنك الذي يدعى المقدسي، هو ابن زعيم ديني فلسطيني قتل في الموسم الأول على يد أعضاء في الوحدة الإسرائيلية.

وقد أمضى المقدسي معظم الموسم الثاني ساعياً وراء الثأر من بطل المسلسل الذي يلعب دور العميل دورون كافيليو، عن طريق استهداف والده وأطفاله الصغار.

كانت شخصية المقدسي والعديد من الشخصيات الأخرى في المسلسل مدفوعة في الغالب بالرغبة في الانتقام أو جمع المال، ويغلب عليها في الكثير من الأحيان طابع الغدر والتآمر.

وهم كاذبون مقابل سلمية الإسرائيليين المضطرين اضطراراً للقتال

في مراحل مختلفة من الحبكة الدرامية، ظهرت هذه الشخصيات وهي تخون رفاقها وزوجاتها وحتى أفراد عائلاتها.

كما تم تصوير هؤلاء الأشخاص في المسلسل على أنهم كاذبون ومتلاعبون ويقومون باستغلال أولئك المقربين منهم لتحقيق مكاسبهم الشخصية.

في المقابل، يصور مسلسل "فوضى" الأبطال الإسرائيليين على أنهم شخصيات عقلانية وفاضلة، يفضلون السلام لكنهم يقاتلون فقط من أجل حماية الأبرياء في بلادهم نظراً لأن الفلسطينيين لم يتركوا لهم بديلاً آخر غير العنف.

ولكن هذه الفكرة لا تتوافق مع الواقع، خاصة وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أحكمت قبضتها على الضفة الغربية عن طريق التكثيف من عمليات الاستيطان.

يظهر المسلسل أن الإسرائيليين كانوا مجبرين على خوض هذه الحرب التي تسببت لهم في الكثير من المعاناة النفسية، التي أدت إلى محادثات صادقة بين الشخصيات حول العلاج واضطراب ما بعد الصدمة.

وهذا المشهد الكوميدي الذي أضحك الإسرائيليين لم يجده الفلسطينيون ظريفاً على الإطلاق

خلال أحد مشاهد الفيلم، قام أحد الإسرائيليين بطرح سؤال على أحد زملائه في الوحدة قائلاً: "كيف تنطقون"Post-trauma" باللغة العربية؟

فأجابه زميله في الفيلم قائلاً "Bost trauma"، في محاولة منهم للسخرية من طريقة نطق الإنكليزية من قبل المواطنين الذي يتحدثون العربية، الذين يجدون أيضاً صعوبة في نطق حرف "Peh" باللغة العبرية.

قد يعتبر المشاهدون الإسرائيليون أن هذا المشهد لديه جانب كوميدي.

إلا أنه لم يلاق استحسان الفلسطينيين الذين وجدوه غير مبرر، ويظهر اللؤم والسخرية الإسرائيلية.

ويستبعد المسلسل إمكانية تعرض الفلسطينيين لاضطرابات ما بعد الصدمة، نظراً لعجزهم عن معرفة كيفية نطق الكلمة.

وأكثر ما يؤلم الفلسطينيين موقف المسلسل من نسائهم

أما الموضوع الذي يعد مؤلماً بشكل خاص بالنسبة لأي فلسطيني شاهد المسلسل، فيتمثل في الموقف المعتمد تجاه النساء الفلسطينيات، اللاتي يرتدي معظمهن الحجاب.

ويصور المسلسل هؤلاء النساء كضحايا للرجال الفلسطينيين في مجتمعهم، وليس الإسرائيليين.

ويقول الكاتب: مما لا شك فيه، لا تزال البعض من فئات المجتمع الفلسطيني أبوية، ولا تتمتع المرأة بالمساواة الكاملة.

لكن تصوير مقاتل إسرائيلي على أنه مخلص للمرأة الفلسطينية يعد كذبة وإساءة من قوات الاحتلال.

ووصل الأمر إلى أنه قدمهم في صورة المغتصبين والمتشوقين للذبح

في مشهد مزعج عرض في الموسم الثاني من المسلسل، خسر أفراد من وحدة إسرائيلية مخبأهم بعد أن تم تفجيره في مدينة نابلس بالضفة الغربية.

كما ظهر أحد الفلسطينيين في هيئة مجرم كان يحاول اغتصاب عميلة تتنكر في شكل امرأة فلسطينية وتغطي رأسها، مما يعطي انطباعاً بأن الفلسطينيين وحوش مفترسة وهمجيون.

وكان الأفراد الذين قاموا بمهاجمتها يهتفون بعبارة "اذبح اليهود". ولطالما كانت هذه العبارة بمثابة أسلوب ترهيبي يخاطب الرواية الإسرائيلية عن الفلسطينيين المتعطشين للدماء، على الرغم من أن الفلسطينيين لا يميلون في الواقع لاستخدامها.

والمشاهد لا يرى المستوطنين إطلاقاً

من بين الجوانب الأكثر إثارة للجدل في مسلسل "فوضى"، الوقائع التي يحاول إخفاءها، حيث لم يظهر المستوطنات ولا المتطرفين اليهود الذين يستغلون الفلسطينيين ويستولون على أراضيهم بمساعدة الحكومة أو دون مساعدة منها.

ولم يتضمن المسلسل أي لقطات للجدار العازل الذي يحرم المزارعين من الوصول إلى محاصيلهم، أو نقاط التفتيش التي تقيد حركة الفلسطينيين اليومية. ولم يصور المسلسل عمليات هدم المنازل ومصادرة الأراضي وعمليات الترحيل.

ولا المداهمات أو اعتقال الأطفال

في مسلسل "فوضى"، لا تعتقل الوحدات العسكرية الإناث والذكور دون السن القانونية، ولا يداهم الجنود الإسرائيليون منازل الفلسطينيين في منتصف الليل.  

ولا يصور المسلسل كيف يحتفل القناصة الإسرائيليون بعد إطلاق النار على فلسطينيين غير مسلحين. ولا يرى المشاهدون أبداً كيف تُخصص الطرق في الضفة الغربية حصرياً للسائقين اليهود، وهذا يعني أنهم لن يروا كيف يحرم الفلسطينيون من حقوقهم المدنية.

في حين يعيش الفلسطينيون في بيوت فخمة، فلا فقر في المخيمات

لم يسلط المسلسل الضوء على الفقر والأوضاع في مخيمات اللاجئين، وإنما صور الفلسطينيين في الغالب في بيوت فخمة. ويبدو أن هذا المسلسل قد تعامل مع الاحتلال على أنه حقيقة مقدسة، ناهيك عن أنه لا يقدم تاريخاً أو سياقاً أو أي تلميحات لأي حلول محتملة.

كوني إسرائيلياً فلسطينياً، يؤلمني حقاً تصديق ثلة من المشاهدين حول العالم بأن "فوضى" يحتوي على ذرة من الحقيقة عن حياة الفلسطينيين. فكيف لي ألا أستشيط غضباً عندما يدعي الإسرائيليون أنهم يطرحون مشاكل الفلسطينيين نيابة عنهم، بينما هم يحرفون الحقيقة ويحظون باهتمام دولي وإشادة على ما يفعلونه؟.

والحقيقة المؤلمة التي يتجاهلها معجبوه الدوليون أن داعش لم يخترق الفلسطينيين وإقحامه غير بريء

ومن خلال التطرق إلى المجموعات الإرهابية، يخول مسلسل "فوضى" للمشاهدين في الولايات المتحدة وأوروبا اعتبار شخصية المقدسي عدوة لهم  باعتبار أنه داعشي)، والاستمتاع ببطولة الإسرائيليين الشجعان الذين يحمونهم من البربريين.

رغم أنه في الواقع تنظيم داعش لم يحقق سوى تقدم طفيف في صلب المجتمع الفلسطيني، كما أنه لم يلعب أي دور في النضال الفلسطيني ضد إسرائيل (سبق أن توعد التنظيم حركة حماس، التي تحكم في قطاع غزة ، والني عدوا أساسياً لإسرائيل).

ومع ذلك، يبدو أن هذه الحقيقة المؤلمة لا تزعج القائمين على مسلسل "فوضى".

ولكن على العكس تماماً، لقد كان التركيز على تنظيم داعش طريقةً ذكية منهم لتوسيع نطاق الإعجاب بالمسلسل على مستوى دولي في البلدان التي لا تولي عادة اهتماماً كبيراً للقضية الفلسطينية.

ومن خلال التطرق إلى المجموعات الإرهابية، يخول مسلسل "فوضى" للمشاهدين في الولايات المتحدة وأوروبا اعتبار شخصية المقدسي عدوة لهم  باعتبار أنه داعشي)، والاستمتاع ببطولة الإسرائيليين الشجعان الذين يحمونهم من البربريين حسب ما يصفهم.


إقرأ أيضاً..

"هكذا نطفئ حرائقنا".. مراهقات فلسطينيات يتوجهن لكاليفورنيا للترويج لتطبيق من اختراعهن أمام رواد التكنولوجيا  

 

 

عنوان خبر صحفي في BBC يزعج إسرائيل.. اتهمت القناة بالتحيز لفلسطين وطلبت حذفه فوراً

علامات:
تحميل المزيد