رغم نشأتها في منطقة إيطالية إلا أن لها ملايين المعجبين في البلاد المتحدثة بالألمانية، ورغم انتهاك فرقة الروك "فري وايلد" للعديد من المحرمات فإن شعبيتها تواصل الارتفاع في ألمانيا.
كانت الشمس قد غابت خلف قمم الغابات المحيطة بجبال الألب، في الوقت الذي اعتلت فيه فرقة Frei.Wild المسرح في مهرجان Alpen Flair.
ذلك الحدث الموسيقي الذي يمتد ثلاثة أيام في شمال إيطاليا.
سافر غالبية الحضور البالغ عددهم 20 ألفاً أكثر من 100 ميل من ألمانيا ليشاهدوا أداء الفرقة.
كانت الأغلبية الساحقة من الحشد من البيض، وأكثرهم من الرجال، وصرخ المعجبون بمجرد أن بدأت الفرقةُ بأداء أغنية Südtirol، وهي واحدةٌ من أكثر أغانيها إثارة للجدل، حسب وصف تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
النشأة تخبرك سر أزمتها.. إقليم يتحدث الألمانية داخل إيطاليا
تحتفي تلك الأغنية بجنوب تيرول (أو مقاطعة بولسانو) موطن الفرقة الأصلي، حيث يُنظَّم المهرجان، وهي جيبٌ يَغلب به تحدث الألمانية.
انتقلت السيادة عليه بعد الحرب العالمية الأولى من الإمبراطورية النمساوية المجرية إلى إيطاليا.
وغنى فيليب برغر، نجم الفرقة المغطى أغلب جسده بالوشوم قائلاً: "I won't tolerate any criticism of this sacred land, our homeland" أو "لن أتسامح مع أي انتقاد موجه للأرض المقدسة، وطننا".
وأومض نسرا كذلك الذي يتوسط علم المنطقة على شاشة كبيرة على خشبة المسرح.
صارت فرقة Frei.Wild (تُنطق فري فيلت) واحدة من أنجح الفرق الموسيقية وأكثرها إثارة للجدل.
فكلمات أغنياتها عن حب الفرد لوطنه وجدت صدى في نفس أولئك الذين يريدون تحدي محظورات ما بعد الحرب والتي تناهض التعبير العلني عن الفخر الوطني في المناطق المتحدثة بالألمانية.
ولهذا السبب يتم التسامح معه "فري وايلد"
تغني الفرقة بالألمانية، وموسيقاها متأثرة بموسيقى البانك (أو الروك الغاضب) وهي نوع من "deutschrock" وهو نوع من موسيقى الروك الألمانية.
لكن هوية جنوب تيرول سمحت للفرقة بالتعبير عن المشاعر الوطنية بالألمانية لجمهور ألماني كبير، بينما تتجاهل جزئياً ردود الفعل العنيفة التي كانت لتتلقاها أي فرقة ألمانية لحذوها مثل ذلك النهج.
احتل أحدث ألبومات الفرقة "Rivalen und Rebellen" (خصوم ومتمردون)، الصدارة في ترتيب التسجيلات باللغة الألمانية في ألمانيا والنمسا هذا الربيع، وهو ثاني أفضل الألبومات مبيعاً على الإطلاق في ألمانيا هذه السنة.
ونفذت تذاكر العديد من الحفلات التي نظمتها الفرقة أثناء جولتها الموسيقية، والتي تضمنت حفلات في ملاعب تضم جمهوراً يصل إلى 12 ألف شخص.
ويجادل المنتقدون في ألمانيا بأن الفرقة بأغنيات مثل "Südtirol" (أي جنوب تيرول) و"Land der Vollidioten" (أي أرض البلهاء)، التي تهاجم إزالة الصلبان من المدارس احتراماً للأطفال غير المسيحيين، تساعد على تعزيز المشاعر المعادية للمهاجرين، والنزعة القومية اليمينية.
غير أنَّ أعضاء الفرقة يقولون إنَّهم يغنون فقط عن تجاربهم الشخصية، وأنَّ السمعة التي اكتسبوها باعتبارهم فرقة يمينية متطرفة ما هي إلا تشويه من وسائل الإعلام.
هذا موقفنا من اللاجئين.. ونعم نحن أردناها استفزازية
في إحدى الأغنيات وتحمل اسم "Wahre Werte" (أو القيم الحقيقية)، يغني بيرجير قائلاً: "language, traditions and religion are the values of the homeland/Without them we will go under." أي "اللغة، والعادات، والدين، هي قيم الوطن، وبدونها سنُهزم".
وفي مقابلة معه، قال برغر إنه سمى إحدى الأغاني الجديدة "Antiwillkommen" أي "ضد الترحيب" لتكون استفزازية. بعد قرار المستشارة أنجيلا ميركل بالسماح لأعداد كبيرة من اللاجئين بالقدوم إلى ألمانيا عام 2015، شجعت الحكومة ما يسمى بـ"willkommenskultur" أو ثقافة الترحيب.
احتجاجات ضد جولتهم الغنائية.. لا إنها تمثل روح ألمانيا
وصف مقال حديث في مجلة Der Spiegel الألمانية الفرقة بأنَّها "تبدو كموسيقى تصويرية لمنبر حزب البديل من أجل ألمانيا"، مشيراً إلى الحزب اليميني الشعبوي، والذي حصل بصورةٍ مثيرةٍ للدهشة على 13% من الأصوات في الانتخابات العام الماضي. وقوبلت الجولة الألمانية الأخيرة للفرقة بالاحتجاجات في مدن عدة.
سافر بيتر زودر، (52 عاماً)، وزوجته كلاوديا (44 عاماً)، إلى جنوب تيرول من ولاية بادن-فورتمبيرغ الألمانية الجنوبية ليشاهدوا أداء الفرقة في مهرجان Alpen Flair. وقال: "فرقة Frei.Wild ليست فقط ممتعة ومسلية، فهي أيضاً سياسية، كلمات الأغاني تصوَّر روح العصر في ألمانيا".
البداية مع النازيين الجدد والانطلاقة من إيطاليا
حكى برغر بينما كان يدخن سيجارة خلف الكواليس بالمهرجان، كيف شكل هو ومعارفه الثلاثة -كريستيان فوهرر، وجوشن غارغيتر، وجوناس نوتدرفتر- الفرقة عام 2001، مستلهمين ذلك من فرق Ramones، وGuns N' Roses، وفرقة Böhse Onkelz، وهي فرقة روك ألمانية اتُهمَّت أيضاً بالتعاطف المتطرف لليمين.
غنى برغر في مراهقته لفرقة من النازيين الجدد تدعى "Kaiserjäger"، وهو قرار يصفه الآن بالـ"خطأ". ورغم أنَّ كل أعضاء فرقة Frei.Wild يعيشون في بريكسين بإيطاليا أو حولها، وهي مدينة خلابة تقع بالقرب من الحدود النمساوية، لكنهم بنوا تدريجياً جمهوراً بالغناء في النوادي والمهرجانات في ألمانيا.
والانتشار شمل عدة دول ناطقة بالألمانية
ويرجع برغر تركيز الفرقة على ألمانيا إلى أن بها سوقاً أكبر بكثير لموسيقى ألمانية اللغة عن إيطاليا. وبرسالتها التي تدعو للفخر بأرض الوطن، كنت الفرقة قادرة على استمالة القوميين في كلا البلدين، بالإضافة للنمسا وسويسرا.
قابل الموسيقيون والنشطاء والساسة في ألمانيا نجاح الفرقة بالغضب. وفي عام 2012، اتهم صحفي فرقة Frei.Wild في برنامج حواري يذاع على التلفاز بأنَّهم يتصرفون كفرقة من النازيين الجدد، مما أثار نقاشاً أوسع حول موقف الفرقة الإيديولوجي. وحين رُشحَّت الفرقة في السنة التالية لجائزة Echo، الجائزة الألمانية المماثلة لغرامي، هدد مؤدون آخرون بمقاطعة المهرجان، وبناءً عليه ألغي ترشيح الفرقة للجائزة.
ودافع برغر عن الفرقة قائلً إنَّ السمعة التي اكتسبتها باعتبارها يمينية شعبوية ما هي إلا محض اختلاق من وسائل الإعلام إلى حدٍ كبير، وهو الأمر الذي يشوه كلماته ويُسيء تفسيرها. وقال المغني وله قصة شعره شديدة القصر، ويتحدث بصوت أجش، إنَّ معظم أغاني فرقته كانت تعبيراً شخصياً عن "المخاوف، والآمال، والإحباطات، والشعور بالامتنان لعائلتي، وعن جنوب تولير".
واتهامات لها بمعاداة السامية
قال سفين كريستيان كيندلر البرلماني الألماني، الذي هاجمه متطرف يميني عام 2014 عقب حديثه ضد كلمات فرقة Frei.Wild، في مقابلة أجريت عبر الهاتف، إنَّ برغر استخدم دون قصد رموزاً مبهمة لمناشدة المعجبين من أنصار اليمين المتطرف. وأضاف كيندلر، وهو عضو في حزب الخضر: "إنَّها استراتيجية كلاسيكية للراديكاليين اليمينيين".
ومثال على ذلك، أشار إلى أغنية "Gutmenschen und Moralapostel" (فاعلي الخير ومقرري الصواب)، التي تشكو من الأبطال الخارقين في القرن على شاكلة "سوبر مان" الذين قرروا أنَّ "الناس يجب أن يكرهوا أنفسهم، ويكرهوا التاريخ، الذي يجلب المال، ولكنه لا يُمحى أبداً" أو كما قالت الأغنية: "people should hate themselves/Just so history, which brings in money, isn't put to rest". ووصف كيندلر الكلمات بـ"رموز معادية للسامية".
وهم يدافعون عن أنفسهم بالتأكيد أن الفرقة مؤيدة لإسرائيل
في رسالة عبر البريد الإلكتروني، قال برغر إنَّ اتهامات كيندلر كانت "غبية، وكيدية، وخاطئة"، وإنَّ الكلمات في الواقع كانت عن "دعاة الحرب، وأباطرة الشركات"، والسياسيين، و"وسائل الإعلام المحرضة". كما حاجج بأنَّ الفرقة كانت مؤيدة لإسرائيل، ولها معجبون يهود، وزارت إسرائيل عدة مرات.
وقال كيندلر إنَّ فرقة Frei.Wild تلائم الاستراتيجية التي حددتها حركة "اليمين الجديد" وهي حركة مفككة من المفكرين السياسيين في ألمانيا، والذين يؤمنون بحاجة اليمينيين إلى ترسيخ "هيمنة ثقافية" لإدماج سياستهم بالتيارات الرئيسية في ألمانيا. وأضاف أنَّ الفرقة "تجلب تفكيراً عنصرياً، كارهاً للأجانب، وقومياً وعرقياً إلى عقول صغار الشباب من خلال موسيقاهم".
وقال ثورستين هيندريتش، عالم الموسيقى في جامعة يوهان غوتنبرغ في مدينة ماينتس، في مقابلة عبر الهاتف إنَّ فرقة Frei.Wild أصبحت نقطة انتعاش للشعبويين اليمينيين في المشهد الموسيقي الألماني الذي صوَّر نفسه إلى حدٍ كبير باعتباره "مشهداً ليبرالياً معادياً للفاشية".
وقال: "الموسيقى تبلور الحالة النفسية الداخلية للمجتمع، فرقة Frei.Wild تُظهر مجموعة من الآراء لم تعد نادرة في ألمانيا".
وبالعودة لمهرجان Alpen Flair، قالت كاتيا ميرز، (19 عاماً) من ولاية هسن الألمانية، إنَّها انجذبت لفرقة Frei.Wild لأن لها "أغنية لكل إحساس، كالحب، والألم، والسعادة".
وتقول إنَّها أحياناً تتجادل مع أصدقائها ومع الغرباء حول سياسة الفرقة، لكنها كانت مقتنعة بأنَّ برغر ترك سياساته المؤيدة للنازية الجديدة خلفه. بينما قال زوار آخرون بالمهرجان، بينهم أسرة بها 3 أجيال من معجبي فرقة Frei.Wild إنَّهم حضروا المهرجان فقط لأنهم استمتعوا بالاستماع إلى موسيقى روك بكلمات ألمانية.
ومحبوها يؤمنون بأن هجرة اللاجئين مؤامرة يهودية
رأى بعض الحضور أنَّ إغراء الفرقة له شكل أيدولوجي. إذ قال برنهارد باهلينغ، (47 عاماً)، ويعمل ممثلاً لخدمة العملاء من منطقة بلاك فوريست في جنوب ألمانيا، إنَّه يرحب بسياسة فرقة Frei.Wild والتي يرى أنَّها تناشد الأشخاص الذين "سئموا من الشعور بالعار لكونهم ألمان".
وقال إنَّ الفرقة كانت جزءاً من حراك ألماني وطني مناهض لأزمة اللاجئين، والتي يؤمن بأنَّها مؤامرة قامت بها جهات خارجية –من بينها اليهود الذين يتحكمون في الولايات المتحدة الأميركية– لمنع ألمانيا من النجاح الاقتصادي.
وقال عن الفرقة: "على كل حال، إنَّهم يثيرون جدلاً كبيراً".