شخصيةٌ مفبركة وافتراء على الرئيس الأميركي نيكسون – فيلم The Post مستوحى من قصة حقيقية… لكن مهلاً، ليست كلّ الأحداث صحيحة!

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/05 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/05 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش

نتابع في "عربي بوست"، للأسبوع الثاني على التوالي، تغطيتنا للأفلام السينمائية المستوحاة من قصصٍ حقيقية؛ وكلّ يوم خميس – كما الأسبوع الماضي – ستكون هناك مقارنة بين حقيقة الأحداث، التي بُنيَ عليها الفيلم (أيّ فيلم)، وبين خيال هوليوود.  

تدور قصة فيلم The Post حول أحداثٍ حقيقية، حين يتوصّل صحافيون إلى مجموعة أوراق سرّية من ملفات وزارة الدفاع الأمريكية، والتي تخصّ المخالفات القانونية والسياسية التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية فيما يخصّ حرب فيتنام. فتقوم أول ناشرة صحف في تاريخ أميركا، بالتعاون مع محرّرٍ متمكّن، بالتحالف معاً في معركةٍ غير مسبوقة بين الصحافة والحكومة

الفيلم الذي عُرض في صالات السينما مع بدايات العام 2018، هو من بطولة توم هانكس، الحائز على جائزتي أوسكار؛ وميريل ستريب، الحائزة على 3 جوائز أوسكار. وهو من إخراج ستيفن سبيلبيرغ، الفائز بثلاث جوائز أوسكار، والذي أكد أن رغبته المُلحّة في صناعة الفيلم سببها الأسلوب الذي يدير به الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمريكية والعالم.

لكن مهلاً… هل كلّ الأحداث المذكورة في الفيلم حقيقية؟

في هذا التقرير، سوف نُجيب على الأسئلة التالية:

1- هل فعلاً استلمت كاثرين غراهام (ميريل ستريب) صحيفة The Washington Post بعد انتحار زوجها؟

نعم. تزوجت كاثرين ماير من فيليب غراهام في 5 يونيو 1940. قام والدها، يوجين ماير، بتسليم صحيفة واشنطن بوست إلى صهره فيليب في العام 1946، فأصبح فيليب هو الناشر. في سيرتها الذاتية "التاريخ الشخصي"، قالت كاثرين إنها لم تشعر أبداً بالإحباط من فكرة أن والدها لم يجعلها ناشرة الصحيفة. "لم يزعجني يوماً أن والدي فكّر بزوجي وليس بي، بل أسرّني. في الواقع، لم يخطر ببالي أبداً أنه ربما نظر إليّ كشخصٍ يمكنه أن يقوم بعملٍ هام في الصحيفة".

فيليب، زوج كاثرين، كافح إدمان الكحول وأمراضٍ عقليّة طيلة زواجهما. عشية عيد الميلاد في العام 1962، اكتشفت كاثرين أنه كان على علاقة غرامية مع الصحافية المستقلة في Newsweek روبن ويب. خطّط فيليب للطلاق من كاثرين من أجل ويب، وبدأت عملية تقسيم الإرث بين الزوجين. في ذلك الوقت، وخلال مؤتمر صحافي في فينيكس، يُقال إن فيليب عانى من انهيارٍ عصبي. ثم عاد إلى واشنطن ودخل المرفق النفسي للأمراض الصدرية في Chestnut Lodge. في 3 أغسطس 1963، تمَّ إطلاق سراحه في عطلة نهاية الأسبوع. خلال تحقيقنا في القصة الحقيقية لصحيفة The Post، علمنا أن فيليب انتحر مع بندقية من عيار 28، في المنزل الزوجي في غلين ويلبي. بعد وفاته، تدخلت كاثرين غراهام للسيطرة على الصحيفة.

2- ما هي بالضبط أوراق البنتاغون، التي كشفتها الصحيفة؟

هي دراسة من وزارة الدفاع الأمريكية تشرح بالتفصيل تاريخ تورُّط الولايات المتحدة السياسي والعسكري في  حرب فيتنام، من العام 1945 وحتى العام 1967. وفي جزء منه، كشفت الأوراق أن الولايات المتحدة قد وسَّعت أعمالها العسكرية في فيتنام من دون إخبار وسائل الإعلام؛ وكأنها خدعت المواطنين الأميركيين. وشملت الأعمال العسكرية غير المعلنة، تفجيرات لاوس المجاورة وكمبوديا، وهجمات مشاة البحرية، وغارات على طول ساحل فيتنام الشمالية. ما يعني أن الأوراق كشفت كيف كذبت الحكومة الأمريكية حول نطاق تورُّطها العسكري في حرب فيتنام.

3- هل شخصية آرثر بارسونز، التي لعبها الممثل برادلي ويتفورد، مبنيّة على شخصٍ حقيقي؟

لا. الفيلم يصوّر لنا عضو مجلس الإدارة ومستشار واشنطن بوست، آرثر بارسونز، قلقاً حول وجود امرأة مسؤولة عن الصحيفة. فيقول بارسونز في الفيلم: "كاي، الناس مهتمون بوجود امرأة مسؤولة عن الصحيفة، لا تملك العزم على اتخاذ الخيارات الصعبة". وفي وقتٍ لاحق، يعارض بارسونز بشدّة نشر أوراق البنتاغون. التحقّق من دقّة هذه الرواية، التي أوردها فيلم The Post، كشف أن شخصية آرثر بارسونز – التي يؤديها لاممثل برادلي ويذفورد – هي مفبركة ولم تكن موجودة في الحياة الحقيقية، ولم يكن هناك مستشارٌ للصحيفة في الأساس. هو في أحسن الأحوال شخصية مركبة، تمَّ إنشاؤها لتمثيل من شعر – من داخل الصحيفة – أن كاثرين غراهام غير مؤهلة لتكون ناشرة، كونها امرأة.

4- هل كان نشر واشنطن بوست لأوراق البنتاغون، في الحقيقة، صفقة كبيرة كما تبدو في الفيلم؟

يمكن القول لا. بعد أن قام دانييل إلسبيرغ بتسريب 7000 صفحة من أوراق البنتاغون إلى نيويورك تايمز، كانت الصحيفة هي التي حصلت على القصة أولاً وأخذت الخطر الأكبر في نشر الوثائق السرية. كانوا غير مدركين للنطاق الكامل للانعكاسات القانونية. عكس كاثرين غراهام وواشنطن بوست، الذي تابعت البحث، بعد أن فضحت نيويورك تايمز القصة وتمّ منعها مؤقتاً من نشر أي معلومات جديدة. في أسوأ الأحوال، علمت الصحيفة أنها ستفتح على نفسها أبواباً قانونية صعبة. بالإضافة إلى ذلك، كانت صحيفة واشنطن بوست قد كتبت بالفعل عن نشر صحيفة تايمز لوثائق البنتاغون، قبل أن يتمكنوا من وضع أيديهم على الأوراق نفسها.

في نهاية المطاف، كان من غير المرجح أن تعمل الحكومة على معاقبة الصحيفتين سوياً. فإدارة نيكسون كانت لا تزال مصرّة على عدم الكشف عن أوراق البنتاغون، إلا أن دانيال إلسبرغ (من سرّب الأوراق) هو من واجه أقسى العواقب. فكان أول شخص يحاكم بموجب قانون التجسُّس لعام 1917، وكان ينظر في عقوبة قصوى تصل إلى 115 سنة في السجن.

الصحافيون الحاليون في نيويورك تايمز تناولوا مسألة دقة فيلم ستيفن سبيلبرغ، وأشاروا إلى إنه يعطي الكثير من الفضل لصحيفة واشنطن بوست: "في نيويورك تايمز، يشعر الزملاء بأن هذه قصة نيويورك تايمز. لقد كسروا وثائق البنتاغون"، كما تقول كارا باكلي – الصحافية في التايمز.

5- هل حصلت صحيفة واشنطن بوست على أوراق البنتاغون، في يوم عيد ميلاد كاترين غراهام، بينما كانت تقيم حفلة في منزلها؟

لا. ليس تماماً. تكشف قصة فيلم The Post الحقيقية أن واشنطن بوست تلقت أوراق البنتاغون في عيد ميلاد كاثرين غراهام، لكنها لم تكن تقيم حفلة في منزلها؛ كما جاء في الفيلم. كتبت كاثرين في مذكراتها "التاريخ الشخصي": "احتفلتُ بعيدي في عشاء مع… بوب ماكنمارا في دارة Joe Alsop، وجو كان صديق العمر وزميلاً صحافياً".

6- هل كانت الوثائق التي تلقتها واشنطن بوست غير مرتّبة حقاً، وأرقام صفحاتها مفقودة؟

كما ورد في فيلم The Post، تؤكد القصة الحقيقية أن الصحافيين خيّموا في مكتبة بن برادلي لفرز الأوراق، التي لم تكن منظمة. وكانوا قد حصلوا على الأوراق في صندوق من الورق المقوى من دانيال إلسبرغ، بعدما تمّ حظر صحيفة نيويورك تايمز بشكلٍ مؤقت من قبل الحكومة من نشر أي وثائق إضافية.

وتماشياً مع الفيلم، قام المحرّر بن باجديكيان (الذي قام بدوره بوب أودنكيرك) بنقل أوراق من بوسطن إلى واشنطن في الطائرة، بواسطة صندوق حمله معه. اشترت واشنطن بوست مقعداً فارغاً إلى جانبه على متن الطائرة، وهو المبلغ الذي "لم تكن تمانع الصحيفة في دفعه"، كما كتبت كاثرين غراهام في مذكراتها "تاريخ الشخصية".

7- هل كان الرئيس الأميركي نيكسون الشرّير حقاً في القصة؟

لا. وقد تكون هذه أكبر نقطةٍ غير دقيقة في الفيلم. هوليوود تحبّ أن تصوّر الرئيس نيكسون على أنه شرير، وقد تكون محقة أحياناً. لكن تصويره على أنه الشرير في الفيلم، ليس دقيقاً تماماً. فالقصة الحقيقية هي أكثر تعقيداً. لم يتمّ ذكر إدارة نيكسون حتى في أوراق البنتاغون، التي كانت قد اكتملت قبل تولّيه منصبه. فيما يتعلق بحرب فيتنام، التاريخ واضح: لم يبدأ نيكسون فيها، بل أنهاها. صحيحٌ أنه حاول وقف نشر أوراق البنتاغون، لكنه في البداية سمح بالنشر.

اتخاذ القرار بمحاكمة التايمز لم يتخذه من أجل حماية سمعته. كان يحاول بشكلٍ فعّال حماية سمعة خصومه السياسيين، وهما ليندون جونسون وجون كنيدي المتوفّي. ولو كان يحاول نيكسون تعزيز صورته الذاتية، لكان سمح بنشر المعلومات، وأصبح بطلاً في منح المواطنين حقّهم في المعرفة.

كما ساعد وزير الخارجية هنري كيسنجر في إقناع نيكسون بمعارضة النشر، وقال له إن عدم القيام بأي شيء من شأنه أن يشكل سابقة للأسرار المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، كان نيكسون مهتمًا بحماية المكانة الدبلوماسية للولايات المتحدة، خاصة وأنه كان يحاول إنهاء مشاركتها في حرب فيتنام.

لا يعني أيّ من هذه الأشياء أنه فعل الصح في استخدام المحاكم لوقف نشر الأوراق. لم يفعل. كان للجمهور الحق في المعرفة، لكن محاولة قيامه بما كان يعتقد أنه تصرّفٌ مسؤول، لا يجعله الشرير هنا.

8- ماذا حدث لدانيال إلسبرغ، الرجل الذي سرَّب أوراق البنتاغون؟

كان إلسبرغ يعمل في شركة RAND عندما اتخذ قرار تسريب الأوراق. وRAND هي مؤّسَّسة فكرية غير ربحية، تموّلها الحكومة الأميركية، وكانت تركّز في لذك الوقت على إجراء الأبحاث في كلّ ما يتعلّق بالتسلّح النووي. وقد استغرق إلسبرغ 3 أشهر في عملية تهريب ونسخ المستندات العسكرية السرّية، لا سيما وأنه كان يُعيد كل مجموعة من النسخ الأصلية لوحدها في اليوم التالي على نسخها.

ورغم أنه انتهك قانون التجسُّس وكان سيواجه 115 عاماً من السجن، إلا أن إلسبرغ نجا من الملاحقة القانونية، بعدما ظهرت إثباتات تؤكد أن مسؤولين حكوميين اقتحموا عيادته المختصّة بالطب النفسي، على أمل إيجاد أوراقٍ تُثبت أنه غير مستقرٍّ عقلياً – لكنهم لم يعثروا على شيء – كما تضّح أن مكتب التحقيقات الفدرالي FBI قام بالتنصُّت بشكلٍ غير قانوني على اتصالات إلسبرغ، من دون حصوله على أمرٍ من المحكمة. ونتيجةً لكلِّ ذلك، أُسقطت التهم ضدّه.

9- هل قام الرئيس الأميركي نيكسون بحظر صحيفة Washington Post من البيت الأبيض، بعد نشرها أوراق البنتاغون؟

في هذه النقطة أيضاً، يمكن اعتبار أن الفيلم مضلِّل – إلى حدٍّ ما – ويفتري على الرئيس نيكسون. صحيح أنه شعر بالغضب عندما أخبره مستشار الأمن القومي هنري كسنجر أن الوثائق المسرَّبة تجعله يبدو بمظهر "الضعيف"، لكنه لم يحظر صحيفة Washington Post أو أيّ صحيفة أخرى من دخولها البيت الأبيض. في الفيلم، يحاول بن برادلي (توم هانكس) إيجاد مخرجٍ لتغطية حفل زفاف ابنة الرئيس، في إيحاء للمُشاهِد أن مراسلي الصحيفة ممنوعة من دخول البيت الأبيض. لكن الحقيقة هي أن قرار منع الصحافيين من تغطية المناسبات الاجتماعية في البيت الأبيض صدر لاحقاً، خلال فضيحة ووترغايت.

10- هل تمَّ رفع السرّية عن وثائق البنتاغون فعلاً؟

خلال رحلة البحث عن "مدى مصداقية فيلم The Post"، ذكرت صحيفة New York Times الأميركية أنه بالعفل تمَّ رفع السرّية عن الوثائق في العام 2011، وهي مُتاحة للقرّاء عبر الانترنت.


هل اطّلعتَ على الهجوم الذي شنّته ابنة المطرب علي الحجار على الممثل محمد رمضان؟ 

"جوّ المعاناة اللي عايش فيه رخيص جداً" – إبنة علي الحجار تفتح النار على محمد رمضان: "مرافقو والدي لم يضربوه"!

 

علامات:
تحميل المزيد