على الرغم من أن أحدهما يكره الآخر حتى إنهما يتبادلان الشتائم علناً، فإن ترمب يُعتبر من أشد المعجبين بأفلام روبرت دي نيرو، والأسوأ أنه قد يكون السبب لما وصلت إليه شخصية الرئيس الأميركي.
وفي حين يبدو من الوهلة الأولى أن الرجلين من عالَمين مختلفين، فإنه مع حرصهما على دخول حلبة النزاع بشكل أخرق من خلال توجيه الإهانات بعضهما لبعض، بات من الصعب تبيُّن الفرق بينهما، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ويمكن أن يمثل النزاع بين الثور المسنِّ والمتباهي العجوز النسخةَ الجديدةَ من فيلم Grudge Match 2؛ إذ يذكرنا النزاع بينهما بالملاكمَين المسنَّين في الفيلم واللذين يتبادلان الكلام البذيء والتهديد بتوجيه لكمات بعضهما إلى بعض وخوض ملاكمة الظل إلى النهاية.
روبرت دي نيرو في فيلم Raging Bull إنتاج 1980
إنها أقرب مشاجرة في فيلم عصابات منها إلى حرب ثقافية
النزاع لم يبدأ كما يشاع، عندما نشر دي نيرو مقطع فيديو سنة 2016، وصف فيه ترمب -الذي كان ما زال مرشحاً للرئاسة- بأبشع الألقاب، وقال إنه يرغب وبشدة في تسديد لكمة بوجهه.
وجاء هذا الفيديو ضمن حملة كان يُفترض أنها محايدة لتشجيع الناخبين على الخروج والتصويت في الانتخابات الرئاسية.
ولكن حتى قبل ذلك، قارن دي نيرو -وهو أيضاً ناشط سياسي ومؤيد للحزب الديمقراطي منذ فترة طويلة- مع ترمب مع شخصية ترافيس بيكل التي جسدها دي نيرو في فيلم Taxi Driver.
وفي ليلة الأحد 10 يونيو/حزيران 2018، عندما صعد دي نيرو على خشبة المسرح خلال حفل توزيع جوائز توني، استهل كلمته الافتتاحية موجهاً " لفظاً بذيئاً لترمب"، ورفع يده في حركة تدل على توجيه لكمة لترمب.
وقد ردَّ ترمب على ذلك، قائلاً: "لقد أصبح دي نيرو غبياً؛ بسبب تعرُّضه لضربات عديدة على الرأس". كما وجَّه له رسالة جاء فيها: "استفِق أيها الملاكم". وهكذا تنتهي الجولة الأولى من المواجهة لصالح دي نيرو، في حين كانت الجولة الثانية من نصيب ترمب، على الرغم من أنه تم خصم نقطة من رصيد ترمب؛ لارتكابه خطأ في تهجئة كلمة 'أيضاً' بالإنكليزية.
هذا الخلاف يكشف بشكل ما، تفاصيل عن شخصية كل من دي نيرو وترمب، حسب كاتب تقرير الصحيفة البريطانية، الذي يتساءل: ما الذي ستضيفه هذه المشاجرة إلى الخطاب السياسي للولايات المتحدة؟
لكنه يرى أن هذا النزاع لا يمكن اعتباره حرباً ثقافيةً؛ بل هو أقرب إلى مشاجرة بأحد أفلام العصابات في نيويورك، بين اثنين من أثرياء مدينة غوثام الخيالية بفيلم باتمان، الذين يملكون مبالغ طائلة في حساباتهم البنكية.
فلقد تبنَّيا الخطاب ذاته، وكانا في حالة تأهُّب للرد على الهجوم. لكن، كيف يمكن لهذا الخلاف أن يكشف الاختلافات بينهما؟ في الواقع، إن دل هذا الأمر على شيء فهو يدل على وجود قواسم مشتركة بين الرجلين.
بعيداً عن الشتائم فإن ترمب يحب دي نيرو
غالباً ما يقول دي نيرو إن ترمب فاشل وتافه، وهو ممثل سيئ تمكَّن من جمع أموال طائلة.
وعند محاولة تشبيه الرئيس الأميركي بشخصية ما، فإن النقاد عادةً ما يشبهونه بشخصيات خيالية، مثل Lonesome Rhodes مغني الفولك الديماغوجي في فيلم Elia Kazan، تحت عنوان A Face in the Crowd سنة 1957، أو Greg Stillson، السياسي المختل في فيلم The Dead Zone لصاحبه Stephen King (الذي تم عرضه فيما بعد على الشاشة والذي شارك فيه Martin Sheen).
وتتمتع كل هذه الشخصيات بصفات مشابهة له، لكنَّ كلاً من Rhodes وStillson، كان من الطبقة الكادحة، ولم يكن يملكن برجاً مثل الذي يحظى به ترمب وسط مدينة نيويورك. كما أنهما لم يملكا ذاك المزيج بين الغرور والحقد الذي يتسم به ترمب، الأمر الذي يولّد شعوراً بأنه قد استوحى أسلوبه من عصابة مافيا متدنية وعنيفة.
المفارقة أنه في إحدى المناسبات، صرح ترمب: "أنا أحب دي نيرو كممثل"، مما يفسر المصدر الذي استوحى منه ترمب أسلوبه. وبالعودة إلى الفترة التي لعب فيها دي نيرو عدداً من الأدوار التي لقيت الثناء من قِبل الجميع، يمكن تبيُّن جوانب من شخصية ترمب.
ومِن هذه الأدوار استوحى ترمب أسلوبه المتغطرس
لعب دي نيرو شخصية Johnny Boy في فيلم Mean Streets، وهو لاعب قمار مغرور يحب إهانة الأشخاص الذين يدينون له بالمال.
كما يمكن تبيُّن خصال من ترمب ضمن شخصية الملاكم Jake LaMotta بفيلم Raging Bull، وخاصة في المشاهد الأخيرة التافهة التي يظهر فيها دي نيرو على أنه منظِّم حفلات مغرور بملهى ليلي. كما تبرز جوانب من ترمب في شخصية Rupert Pupkin التي تعتمد حركات اليدين بشكل مكثف وعديمة الإحساس وذات القدرات المحدودة في فيلم King of Comedy. وقد وصف Pauline Kael الفيلم، إثر صدوره سنة 1982، بأنه "فيلم تافه يراوح بين الدعابة والكراهية". وفي حال استبدلنا كلمة "فيلم" بـ"رجل"، فعلى الأرجح ستكون بصدد وصف الرئيس الحالي للبيت الأبيض.
أما بالنسبة لفيلم Taxi Driver، الذي يروي قصة سائق تاكسي يدخل في مهمة تتمثل بالتخلص من الجرائم والفساد في منتصف السبعينيات بنيويورك، فالجميع يتذكر المشهد الأخير من الفيلم؛ وذلك عند اقتحام البطل ترافيس بيكيل (Travis Bickle) أحد بيوت الدعارة في إيست فيلاج وإطلاقه النار على الموجودين هناك.
المفارقة أنه في الفترة التي أُطلق فيها الفيلم، كانت أرباح ترمب في تزايد بعد شرائه فندق كومودور المتداعي، الذي قيل فيما بعد أنه أصبح موطناً للعاملات في الدعارة.
لكنَّ الأمر يتخطى التشابه السينمائي
عندما لفت دي نيرو إلى التشابه بين ترمب وشخصية ترافيس، أشار إلى أن المفارقة في نهاية الفيلم كانت عودة ترافيس لقيادة سيارة الأجرة، كأن شيئاً لم يحدث، مضيفاً أن: "هذا الأمر شبيه بما يحدث الآن، حيث إن أشخاصاً مثل دونالد ترمب، لا ينبغي أن يكونوا في ذلك المنصب؛ لذلك أدعو أن يكون الله في عوننا".
هذا ليس خطأ الممثل، فقد أدى دي نيرو عدداً من الأدوار الرائعة، وينبغي أن نكون شاكرين لذلك؛ كما أن مسؤوليته تنتهي عند هذا الحد.
إذ لا يمكن تحميل دي نيرو مسؤولية مراقبة كيفية تأثير هذه الأدوار على أفراد الشعب، سواء كان جون هينكلي جونيور الذي حاول اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، أو حتى تأثير هذه الأدوار على بعض الرؤساء أنفسهم.
إنهما حتى يعملان في مجال بيزنس واحد
ولكن، من المثير للاهتمام تبيُّن المسار المتوازي لحياة هذين الرجلين بعيداً عن الشاشة.
فكل من دي نيرو وترمب قد مرّا بمصاعب عديدة في مسيرتهما، وخرجا في نهاية المطاف على اعتبارهما بطلين.
ويعد روبرت دي نيرو رجل أعمال في مجال العقارات بنيويورك (مثل ترمب)، ويملك فنادق ومطاعم ومنطقة شاسعة في حي تريبيكا السكني.
الأمر المثير أيضاً، أن ابنه رافاييل يعمل سمساراً عقارياً، وقد حطم الرقم القياسي ضمن سوق الأوراق المالية بمبلغ قدره 120 مليون دولار، بفضل قيمة العقارات التي يملكها في الجانب الشرقي من مانهاتن.
ترمب كان لديه طموح ليصبح نجما سينمائيا
في المقابل، فإن ترمب كان لديه طموح إلى المشاركة في الأفلام السينمائية، فقد ظهر بكل من Zoolander، وTwo Weeks Notice وHome Alone 2.
وقد كان ترمب أقرب إلى هتلر الفاشل في الرسم أو القاتل الشهير Charlie Manson الفاشل موسيقياً. وللأسف، لو أن هوليوود ارتأت تقبُّله كممثل بشكل كامل، لكان بإمكان العالم أن ينجو من خطة ترمب البديلة، حسب وصف تقرير The Guardian.
الخطير أن شخصيته نجحت في الواقع عكس ماحدث بالخيال
من الواضح أن فيلم ترمب المفضَّل لروبرت دي نيرو هو فيلم Goodfellas، الذي قام فيه المخرج، Martin Scorsese، بتقديم صورة عن العصابات بنيويورك. وفي حين أنه من الصعب إيجاد نظير لترمب بهذا الفيلم، فإن هناك إحالة لشخصيته بشكل ما.
فعلى هامش هذا الفيلم، يقف Morrie (موري) ذو الشعر المستعار، في فيلم Goodfellas.
وموري رجل عادةً ما يسهب في الكلام ومثير للشفقة، وهو بائع تجزئة سريع الكلام، يحاول غالباً مجاراة صورة الرجل الحكيم.
وفي معظم الفيلم تجده يقول عبارات من قبيل: "لقد كنتُ جيداً معك، وقد كنتَ جيداً معي"، "وهيّا مَن يحبكم أكثر مني". كان جلياً من البداية أن مص ميره في النهاية سيكون سيئاً.
في المشاهد الأخيرة من فيلم Goodfellas، يكون موري بصدد المرور عبر زقاق ليطعن بشكل عنيف في ظهره. ويبدو أن هذه النهاية تعد المصير الطبيعي للأشخاص مثل موري في هذا العالم، أي ذلك النوع من الرجال الذين يتظاهرون بأنهم أقوياء في حين ينتهي بهم الأمر عالقين في العديد من المشاكل.
ولكن الحياة تتميز بالقدرة على الانحراف عن السيناريو. ففي بعض الأحيان، وبشكل غير متوقع، يتمكن موري من تجاوُز الصعاب وتحقيق إنجازات كبيرة. من الواضح أن النسخة السخيفة المقلدة قد أخذت تتفوق عن الشخصيات المحبوبة، ونجحت على أرض الواقع.
وحين يتحقق ذلك، تتهاوى الحدود بين الخيال والواقع، حيث لم يعُد عالَم العصابات الذي تم تصويره في الفيلم حكراً على الشاشة؛ بل بات هناك خطر بأن يقع تجسيده للحشود ضمن المسرح العالمي.
الحقيقة وراء غضب دي نيرو: لقد صنعت وحشاً
ليس من الواضح ما إذا كان انفجار دي نيرو على المسرح بسبب غضبه لدوافع أخلاقية، أو الاشمئزاز أو أنه نتيجة لإدراك حقيقة مروعة؟
ولكن، هذا المشهد يعيد إلى الذاكرة مناسبة أخرى، عمد فيها دي نيرو إلى الارتجال، وذلك في السبعينيات، في موقع تصوير فيلم Taxi Driver. كان ذلك داخل شقة ترافيس، الذي يعيش وحيداً.
فقد وقف دي نيرو أمام المرأة، ثم أخرج مسدساً من أحد أكمام معطفه، مخاطباً نفسه قائلاً بنبرة هازئة: "كنت أعرف أنك ستأتي. من دون شك"، "هل تخاطبني؟".
إنه حقاً أمر مثير للشفقة، فقد اتضح أن ترافيس (دي نيرو) قد صنع وحشاً، حسب تعبير كاتب التقرير، فقد كان ذلك الحثالة الذي ينظر إليه في المرآة انعكاساً لشخصيته الفعلية.
اقرأ أيضاً..