يجمع بين الفلكلور المغربي والإفريقي والراب.. الفنان المغربي فان: الموسيقى خلقٌ وتأثير وليست مالاً وشهرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/26 الساعة 06:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/26 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش

يدفع الملحن والـDJ المغربي "فان" بحدود الصوت والثقافة إلى أبعاد جديدة؛ إذ ينبع عمله من التراث الموسيقي المتنوع في بلده، إلى جانب التأثيرات المستوحاة من الموسيقى الإفريقية والأميركية.

يدمج "فان"، الحائز العديد من الجوائز منذ عام 2000 والمولود باسم خليل بلقاس، بين أصوات التقيتقات المغربية والألحان الغربية، ويسعى إلى تطوير مقطوعاته الموسيقية الخاصة، في الوقت الذي يطلق فيه أغاني ناجحة تُمثل أهمية بالغة في المسيرة الفنية للعديد من المطربين ومغني الراب المغاربة.

في مقابلة على مجلة Forbes، تحدث فان عن سر إلهام مقطوعاته الموسيقية الخاصة وأعماله الفنية التي تعاون فيها مع فنانين آخرين. وكان هذا الحوار:

س: أخبِرنا عن خلفيتك: في أي مدن المغرب نشأت؟ وما هو التدريب والمؤهلات التي حصلت عليها؟ وكيف دخلت عالم الموسيقى؟ أعلم أنك بدأت العمل كـDJ عندما كنت لا تزال تدرس في المدرسة الثانوية.

ج: أنا من مدينة مراكش، المدينة الحمراء الشهيرة. نشأت في أزقة المدينة القديمة، حالفني الحظ أن أُتيحت لي هذه الفرصة، فقد أثر ذلك في موسيقاي. تحيا المدينة القديمة على إيقاعات فرق الفنون الشعبية، وأصوات الحرفيين التقليديين الذين يصنعون بضائعهم، وبالطبع تأثير عائلتي.

اكتشفت موسيقى الهوارة من خلال جدتي، التي نشأت مع قبائل البربر في مدينة تارودانت المغربية، وكان لها تأثير على الموسيقى في مراكش. وتعرفت أيضاً على الثقافة الأفرو-أميركية وموسيقى الجاز والبلوز من خلال أبي.

في التسعينيات، أي في فترة مراهقتي، كنت من محبي موسيقى الهيب هوب والراب والثقافة الأميركية، وما زلت حتى اليوم.

بدأت العمل في مجال الموسيقى كـDJ. ولم أبدأ على أجهزة الأسطوانات كما هو الحال اليوم؛ بل بدأت على مشغلات الأشرطة وأجهزة التسجيل. أحييت الكثير من الحفلات مع الأصدقاء وقمت بإعداد شرائط المنوعات، وأحب الناس ذلك وتحدثوا عنه.

ولكن، لم يكن هناك دعاية ترويجية أو إنترنت في ذلك الوقت. إلا أن بعض النوادي الليلية تواصلت معي لكي أُعد لهم بعض شرائط المنوعات، وبذلك بدأت مسيرتي في عالم الـDJ.

س: ما هي مصادر إلهامك الموسيقية والثقافية على مر السنين؟

ج: الموسيقى الإثنية بشكل عام. أستمع إلى الكثير من الموسيقى الإفريقية، والإيقاعات الإفريقية، والفانك (الموسيقى الأفرو-أميركية)، وموسيقى الديسكو، وكذلك الفلكلور المغربي.

أتابع الثقافة الأفرو-أميركية، وبالطبع الموسيقى الحضرية. أنا من ذلك النوع من الموسيقيين الذين يستمعون إلى جميع أنواع الموسيقى، وفي كل مرة أستمع فيها إلى نوع مختلف أحصل منه على بعض الإلهام.

س: ما هي الآلات الموسيقية والأدوات التقنية التي تستخدمها؟ وما هي خطواتك المتبعة في التأليف؟

ج: أعزف على الآلات النقرية في الكثير من المقطوعات الموسيقية الخاصة بي. فأنا أعزف على الطبول، وخاصة الطعريجة [وهي أسطوانة يدوية صغيرة مغطاة بجلد الحيوانات]. هذه الآلة الموسيقية المغربية موجودة بكثرة في موسيقانا. يستمتع شعب المغرب بالموسيقى الإيقاعية، مثل جميع الأفارقة. أعتقد أن معظمنا يعرف كيف يعزف على الطبول!

ساعدتني نشأتي في مدينة مراكش على تعلُّم العزف على هذه الآلة، التي تعتبر الآلة الرئيسية في موسيقى الدقة المراكشية، أو الموسيقى الشعبية المغربية المراكشية المعروفة باسم "التقيتقات"، وهي موجودة في معظم الاحتفالات.

وبالنسبة إلى الأدوات التقنية التي أستخدمها، فأنا أستخدم آلات المفاتيح مثل الأورغ، وأجهزة الكمبيوتر المحمول، والبرمجيات والمكونات الإضافية، لإنتاج وترتيب مقطوعاتي الموسيقية.

ليس لديَّ نهج مُحدد أتبعه عند تأليف مقطوعاتي الموسيقية. أحياناً أتبع أفكاري فحسب، أو أمزج بين مصادر الإلهام المختلفة مثل موسيقى الهيب هوب المستقلة-الأندرغراوند، مثلما فعلت عند تعاوني مع فرقة فناير الموسيقية، على سبيل المثال، عندما ابتكرنا ما أطلقنا عليه موسيقى الراب التقليدية.

يخلط هذا النوع العناصر المختلفة من الموسيقى المغربية التقليدية، مثلما فعل المنتجون الأميركيون وصانعو الإيقاعات مع موسيقى الهيب هوب، حيث جمعوا  بين موسيقى الجاز والبلوز.

بالنسبة لي، تقوم موسيقى غناوة مقام موسيقى البلوز في هذا المزيج [وهي مزيج من الموسيقى الصوفية مع إيقاعات إفريقية] والموسيقى الحسنية [التي تنتشر في الصحراء الغربية، والمعروفة أيضاً باسم الصحراويين]. وتحل موسيقى عبيدات الرما [فن غنائي راقص من فنون التراث الشعبي المغربي] محل الموسيقى الأفرو-أميركية، وتتجسد روحنا في شعر المالهون [الشعر المُغنى الحضري في التقاليد الأندلسية]. فأنا أعتمد على الأساليب نفسها عند العمل مع الموسيقى المغربية.

"طوال حياتي تحديت نفسي لتجربة آفاق فنية جديدة والخروج من منطقة راحتي"

س: أخبِرنا قليلاً عن أسلوبك المتفرد والمجموعة المتنوعة من المؤلفات الموسيقية التي ابتكرتها على مر السنين.

ج: أعتقد أن شغفي بالموسيقى والبحث يلعب دوراً كبيراً في ذلك. عندما أكون في الاستوديو أقوم بإنتاج الموسيقى الخاصة بي أو لفنان آخر، أضع دائماً لنفسي هدفاً، وهو ابتكار شيء جديد وفريد يختلف تماماً عن أعمالي السابقة.

دائماً ما أبحث عن شيء جديد. وبالطبع، في بعض الأحيان، على سبيل المثال، أستلهم ذلك من الفلكلور المغربي، لكني أبحث عن طرق جديدة لصياغتها بطريقة مختلفة تماماً، كما أسعى إلى إعادة ترتيب، والتلاعب، وصياغة كل شيء معاً لإنتاج صوت جديد.

أعتبر نفسي مثل الإلكترون الحر. لا أحب أن أقتصر على نمط معين، وأعمل على تنويع مؤلفاتي وأساليبي الموسيقية والفنانين الذين أتعاون معهم.

طوال حياتي المهنية، تحدَّيت نفسي لتجربة آفاق فنية جديدة والخروج من منطقة راحتي.

س: هل يُمكنك شرح الطريقة الفنية التي تتبعها لاختيار الأنماط الموسيقية وأنواع الموسيقى التي تؤلفها وتعمل على إنتاجها؟

ج: قادني شغفي بالموسيقى، والأصوات، بالإضافة إلى الفضول والرغبة المُلحّة في التعلم إلى البرمجيات والأجهزة التي تُستخدم في تسجيل الموسيقى وتعديلها ومزجها.

كنت دائماً ما أعمل على ابتكار إيقاعات جديدة. فمنذ صغري، وأنا أتساءل دائماً عما يجري وراء الكواليس وكيف يُمكن صناعة أغنية في الواقع.

بالنسبة لي، من دواعي سروري دائماً أن أعمل مع فنانين آخرين؛ إذ يُعد ذلك واحداً من أكثر الأشياء إثارة في عملي، وهذا مفيد بشكل لا يصدَّق من نواحٍ كثيرة.

أعتقد حقاً أن التعاون هو أفضل وسيلة لتحسين مهارتك في إنتاج الموسيقى. لذلك من المهم للغاية بالنسبة لي أن أتعاون مع فنانين مختلفين من عوالم مختلفة.

على سبيل المثال، دائماً ما يكون العمل مع مغني الراب ممتعاً ومجدداً؛ لأنهم يبثون حياة جديدة في أغنية بدأت كمقطوعة موسيقية عندما أرسلتها إليهم. ثم يعبّرون عنها بكلماتهم. أنا أحب هذا النوع من العاطفة عندما يُثير إيقاعي الحماسة في نفوسهم.

أقضي أيامي، وفي بعض الأحيان ليالي، في الاستوديو الخاص بي في مدينة مراكش، أبحث في عقلي وأحاول تجربة تركيبات جديدة. وتدريجياً، تطوَّر أسلوبي واجتذب بعض الفنانين الذين تعاونت معهم في بعض أعمالهم الموسيقية.

لا تقتصر الموسيقى على الأضواء أو الشُهرة أو المال؛ بل على المشاركة وخلق القصص والمشاعر المؤثرة

س: هل يوجد خط واضح بين تأليف موسيقاك الخاصة والإنتاج للآخرين، أم أن الاثنين يمتزجان معاً؟ وهل كان هناك قرارٌ مدروس لإضافة الإنتاج إلى مسيرتك الفنية، أم أن هذا حدث بشكل طبيعي؟ وكيف يُمكنك العمل كـ"DJ"  والتأليف والإنتاج معاً؟

ج: على بعض المستويات، يمتزجان معاً؛ مما يؤدي إلى إنتاج شيء جديد، وتقديم صوت إفريقي أو صوت مغربي، وابتكار شيء جديد من شأنه أن يدوم أو يترك أثراً.

عندما أُنْتِجُ للفنانين الآخرين، أضع في ذهني دائماً أن هذا العمل لهذا الفنان. أحتاج إلى احترام أسلوبه وفكره وتصوره ورؤيته واستراتيجيته والكثير من الأشياء الأخرى، ومن بينها، بالتأكيد، كيف أترك بصمتي على العمل بصفتي المنتج عند مزج كل هذه العناصر.

عندما أُنْتِجُ لنفسي، أتبع أفكاري والحالة الموسيقية لذهني في تلك اللحظة.

لكنني أضع في الاعتبار أيضاً الاتجاه السائد في الوقت الحالي فيما يتعلق بالمشهد الموسيقي، بالإضافة إلى الموسيقى التي يحب المعجبون أن يسمعوها مني، والتي غالباً ما تكون شيئاً سائداً.

إلا أن ذلك لا يمنعني في بعض الأحيان من إرضاء نفسي كفنان ومن اكتشاف الأصوات الجديدة حتى لو لم تكن ضمن الاتجاه السائد. أفكر دائماً في جمهوري، أريدهم أن يسمعوا أصواتاً جديدة بعيدة كل البعد عما هو منتشر على الإنترنت أو الراديو، وأن أصطحبهم معي في رحلة عبر هذه الأصوات.

ما من شيء مدروس بطريقة مباشرة خلال تلك العملية. أشعر بالفضول كثيراً من الناحية الموسيقية، ويدفعني ذلك إلى خوض مسارات أخرى حتى أصبح منتجاً وليس مجرد DJ.

أحب عملي كمنتج وكل الأشياء التي يحققها لي ذلك من الناحية الفنية. كما أحب أيضاً إنتاج الأشياء الخاصة بي، والموسيقى الخاصة بي، ومشاهدة تأثيرها على الجمهور، ومشاركة هذا الشعور معهم.

هذا هو الهدف الرئيسي لما نفعله جميعاً كموسيقيين؛ إِذ لا تقتصر الموسيقى على الأضواء أو الشُّهرة أو المال؛ بل ترتبط الموسيقى بالمشاركة وخلق القصص والمشاعر المؤثرة والتقريب بين الناس.

فعندما أمارس مهنتي كـ"DJ"، فإن دوري يتمثل في جعل الناس يرقصون ويستمتعون باللحظة الحالية. بينما عندما أنتقل إلى العمل كمنتِج، أحتاج إلى ابتكار شيء من بدايته يمس الناس ويأسر مشاعرهم ويعيش معهم للأبد.

ومما لا شك فيه أن المهمتين شاقتان، لكنهما مكملتان لعملي؛ إذ يضيف أحدهما إلى الآخر، وأنا محظوظ؛ لأن كل هذه الأشياء تعمل معاً نحو الوصول إلى الأفضل.

س: تَظهر في العديد من مقاطع الفيديو التي تنتجها بدلاً من البقاء خلف الكواليس. هل يمكنك أن تقول لنا المزيد عن هذه العملية؟ وكيف تُقرر متى تظهر في المقدمة أو متى تبقى خلف الكواليس؟ وهل من الطبيعي أن يكتسب منتج الموسيقى شعبية مثل التي تتمتع بها؟

ج: مرة أخرى، لا توجد عملية محددة. أتحرك وفقاً لإحساسي وطاقتي، مثلما أفعل في الموسيقى بوجه عام.

إنه أمر شائع، ليس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فحسب، ولكن بالولايات المتحدة، حيث يتمتع بعض المنتجين بشعبية تضاهي شعبية المغنين. على سبيل المثال، المنتج الموسيقي سويز بيتز والمُلحن تيمبالاند.

في الماضي، كنت أقف دائماً خلف الكواليس. فأنا خجول جداً بالواقع.

ولكن مع إصدار ألبوم "لمسة مغربية-Moroccan Touch" عام 2013، كان من الضروري أن أترك الاستوديو وأن أُقدم نفسي للجمهور. فمن المهم أن يتمكن الجمهور من تكوين صورة عن الشخص الذي أعد هذا الصوت، خاصة أنني منتج ولست مغنياً.

فالناس يعرفون أعمالي الفنية، لكنهم لا يعرفون أنني مَنْ أعدها.

"إنتي" وضعتْ أغنية البوب المغربية على خريطة الشرق الأوسط

س: هل يُمكنك أن تخبرنا عن مشاريعك التي تفتخر بها كثيراً قبل عام 2018 والتي يجب أن يعرفها الجمهور الأميركي؟ ولماذا تعتبرها هامة؟

ج: مررت بأوقات عصيبة عند الاختيار. وميّز تعاوني مع فريق فناير، وخاصةً في ألبوم "يد الحنة-Yed el Henna"، الموسيقى المغربية، كما غيّر العديد من الأشياء. دفع ذلك المغربيين إلى تقبُّل موسيقى الراب باعتبارها نوعاً من الموسيقى والاستماع إليها حتى مع عائلاتهم. لم يكن هذا هو الحال من قبلُ عندما كنت صغيراً في المدرسة الثانوية.

أردت تغيير هذا المنظور السلبي لموسيقى الهيب هوب، وأن أقدمها إلى العائلات المغربية، وأن أقدم شيئاً ما يمكن أن تستمع إليه ربة المنزل على الراديو في المطبخ. أشعر بالفخر لإدراك أحد أحلامي من خلال ما قمت به معاً مع فناير.

حقق تعاوني مع دون بيج في أول ألبوماته "مغاربة حتى الموت"، نجاحاً حقيقياً، كما يعتبر في الوقت الحالي أحد كلاسيكيات الثقافة الحضرية، ليس فقط بالمغرب؛ بل في دول المغرب العربي.

كما مثَّل ألبوم "لمسة مغربية-Moroccan Touch" تحدياً بالنسبة لي حتى أنتج موسيقى منزلية، لم يتوقع الناس أن أنجح في هذا النوع؛ بسبب خلفيتي الموسيقية المرتبطة بموسيقى الهيب هوب.

وبصفتي DJ، أردت أن أبدأ في مزج الموسيقى المنزلية مع إضفاء لمسة مغربية وإفريقية لطرحها للجمهور الأجنبي. وتعتبر الموسيقى الإفريقية ثرية للغاية وتستحق أن تكون معروفة في جميع أنحاء العالم.

وتعتبر أغنية "إناس إناس-Inass Inass" ["قولوا له، قولوا له"] في ألبومي "لمسة مغربية-Moroccan Touch" تكريماً للراحل محمد رويشة، فنان [الغناوة] المغربي الذي حقق نجاحاً عالمياً وأحيا العديد من الحفلات الموسيقية حول العالم.

وقد كانت أغنية "إنتي" مع سعد لمجرد، الذي غيّر قواعد اللعبة في الموسيقى العربية ووضع أغنية البوب المغربية على الخريطة بالشرق الأوسط. فقد شجع "لمجرد" الفنانين الشرقيين على الغناء باللهجة الدارجة [اللهجة المغربية] وبصوت مغربي.

أُعد حالياً لألبومي القادم، حيث ستكون اللمسة المغربية دائماً موجودة. أسهم الثراء الثقافي المغربي في إلهامي كثيراً؛ إذ تتمتع كل منطقة بإيقاعها الخاص، مما يتيح أمامي العديد من الإمكانات من الناحية الموسيقية.

وأنوي استغلال معظم هذه الأصوات. فعلى النقيض من الألبوم الأول، سينفتح الألبوم الجديد على أنماط أخرى ولن يركز فقط على الموسيقى المنزلية.


إن كنت مهتماً بقراءة المزيد من القصص المميزة من المغرب 

عاملات الفراولة المغربيات.. طمعاً في بعض اليوروهات

كيف تصبح ملكاً؟.. قصة المشوار الشاق الذي يحول ولي العهد إلى ملك