"الاختبار الحقيقي لأي فيلم هو اختبار الزمن"، إذا ما اعتمدنا على هذه العبارة كمقياس للنجاح فحينها ستتصدر ثلاثية العراب أو The Godfather قائمة الأفلام الأميركية المُنتجة خلال المئة عام الأخيرة.
فحتى اليوم ما زالت تحظى بالمشاهدات التي تتزايد عاماً بعد عام، وهذا ليس أمراً غريباً على فيلم أتقن بناء أعمدته الأساسية، من تمثيل وإخراج وموسيقى تصويرية، بل إن تفاني المخرج فرانسيس فورد كوبولا في عمله جعل الكثيرين يعتبرون مشاهدة الفيلم أكثر جاذبية من قراءة الرواية التي أُخذ عنها.
من المثير أن "كوبولا" نفسه لم يتوقع هذا النجاح الذي حققه فيلم The Godfather، مؤكداً أنه لم يكن ينوي أبداً أن يكون مخرجاً مهماً في هوليوود، فقد كان يرغب في صناعة أفلام شخصية صغيرة، ولم يهتم بالأفلام الكبيرة، إلا أن نجاح The Godfather كان نقطة تحول له، وغيّر كل شيء في حياته.
استطاع الفيلم أن يحصل على عشرين جائزة سينمائية، ورشح لإحدى عشرة جائزة من جوائز الأوسكار فاز منها بثلاث جوائز، وهي أفضل فيلم وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل ممثل، كما رشح لسبع من جوائز الغولدن غلوب، ووصل انتشاره إلى تأليف الكاتب توم سينابرتو كتاباً بعنوان تأثير The Godfather، الذي خصصه للحديث عن تأثر المجتمع الأميركي بالفيلم والرواية المأخوذ عنها، لذلك إذا لم تكن شاهدت فيلم The Godfather حتى اليوم فدعنا نخبرك لماذا عليك أن تفعل ذلك في أقرب فرصة.
1- سترى الوجه الإنساني لرجال العصابات
ليس هناك اختلاف على أن أبطال الفيلم هم أفراد عصابات مجرمين، لكن ذلك لا يمنع عرض الجانب الشخصي والإنساني من حياتهم الذي يخفى على الكثير، فمثلاً أبرز أبطال الفيلم وهو سوني، شخص يؤمن بصدق بأهمية الدفاع عن الضعفاء، فيأخذ توم هاغن عندما كان طفلاً، ويجعله شقيقه بعد أن كان مشرداً.
وكذلك نرى الدون فيتو كورليوني المحبوب من جانب أطفاله وأحفاده وأصدقائه، فقد كان كثيراً ما يجلس مع عائلته لتناول العشاء معهم، ويقوم بدوره في حمايتهم ونصحهم، تعد هذه التفاصيل الممتعة بعيدة عن الطرح النمطي لأفلام عصابات المافيا.
2- ستحظى ذاكرتك بالعديد من الجمل ودروس الحياة التي لا تُنسى
يمكنك أن تعتبر The Godfather أكثر من فيلم، فهو دليل حياة يقدم دروساً متعددة حول كيفية التعامل مع المواقف التي قد تصادفها، ومن الأمثلة على مشاهده وعباراته القيمة:
1- يقدم الدون فيتو كورليوني نصيحة لجوني فونتين فيقول له: "لا يمكن للرجل الذي لا يقضي بعض الوقت مع عائلته أن يكون رجلاً حقيقياً"، المقصد هنا أنه من الواجب على الإنسان أن يكون بجانب عائلته، بغض النظر عن الظروف؛ فهذا يساعده على حمايتهم ويترك له أثراً ذا معنى بعد رحيله.
2- يخبر مايكل كورليوني السناتور باتريك جيري في أحد مشاهد الجزء الثاني من الفيلم، بعدم الالتزام بإحدى الصفقات قائلاً له: "يمكنك الحصول على إجابتي الآن إذا أردت، عرضي النهائي هو لا شيء"، والدرس المستفاد هو ألا تتورط في اتخاذ قرار لا توافق عليه، حتى لو كان ذلك يعني الإساءة إلى شخص يحاول ترهيبك.
3- هناك عبارة في الجزء الثاني من الفيلم عندما قابل مايكل كورليوني أحد أصدقاء العائلة بعد تجاوزه مؤامرة استهدفت الانتقام منه، وأثناء جلوسه معه قال له: "علمني والدي الكثير من الأشياء، وطلب مني أن أُبقي أصدقائي قريبين وأعدائي أقرب"، الفائدة من الجملة السابقة أنه إذا ما كان الشخص معتاداً على معرفة الأمور السلبية في حياته والأشخاص المتربصين به، فسينجح في توقع المصائب والتخطيط لحماية نفسه من أضرارها.
4- خلال إحدى جلساتهم ينقل هايمان روث، الرجل المسن، بعض الحكمة إلى مايكل الشاب قائلاً له: "الصحة الجيدة هي الشيء الأكثر أهمية، أكثر من النجاح أكثر من المال أكثر من القوة"، الغرض من تلك العبارة التأكيد على أن من أهم جوانب التخطيط للمستقبل الاعتناء بالنفس قدر الإمكان، بتناول الطعام الجيد وممارسة الرياضة؛ حتى تُعاش الحياة بشكل أفضل.
3- الاستطلاعات تؤكد لك أنه فيلم لن يتكرر
يعتبر فيلم The Godfather من أكثر الأفلام التي تحظى بالتقدير والإعجاب من الجمهور، فقد أجرت مجلة "Time Out" عام 1998 استطلاعاً للرأي عن أكثر الأفلام تأثيراً، وكانت النتيجة تصدّر The Godfather المنافسة، كما صوَّت قراء مجلة "Entertainment Weekly" لفيلم العراب باعتباره أفضل فيلم، وذلك في سبتمبر/أيلول عام 2008، وأجمع أكثر من عشرة آلاف شخص منهم خمسين ناقد سينمائي في استطلاع أجرته مجلة "Empire"، على أن فيلم العراب أعظم فيلم في كل العصور.
أما فيما يتعلق بتقييمات مواقع الأفلام فيحظى فيلم The Godfather على موقع "IMDb" بـ9.2 درجات من 10، بينما حصل في موقع "Rotten Tomatoes" على 98%.
4- البداية لبعض نجوم السينما المؤثرين كانت من هنا
العديد من الممثلين النجوم المشاركين في فيلم The Godfather لم يكونوا كذلك قبل مشاركتهم فيه، فبعد ظهورهم في أحداث الفيلم انقلبت حياتهم 180 درجة، ليصبحوا من المشاهير، أبرز هؤلاء هو آل باتشينو الذي كان اسمه بالكاد معروفاً في صناعة السينما، ولم يكن قد ظهر في أي دور رئيسي من قبل، بل كان المنتجون مترددين حول مشاركته في الفيلم بسبب التأخيرات التي سببها سابقاً في إنتاج أفلام أخرى، ورغم قبوله بمقابل أقل من النجوم الآخرين، إلا أن The Godfather كان بمثابة الباب الذي خرج منه للنجاح الممتد حتى اليوم.
ولم يكن وحده الذي عبَر من هذا الباب، فهناك أيضاً روبرت دي نيرو الذي لم يكن مشهوراً على الإطلاق عندما حضر اختبار الأدوار الذي نجح فيه، ليحصل على جائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد عن دوره في الجزء الثاني من فيلم The Godfather ، ويسجل لاحقاً المزيد من النجاحات كأبرز نجوم هوليوود.
5- موسيقى تصويرية تُطرب مسامعك
تشكل الموسيقى التصويرية عاملاً مهماً لإنجاح أي فيلم، وعندما تستمع إلى موسيقى The Godfather التي ألفها الملحن الإيطالي المعروف نينو روتا، فإنها بلا شك ستجذب انتباهك، إذ تعتبر من أكثر المقطوعات الموسيقية شهرة في السينما الأميركية، وتتنوع ما بين موسيقى الجاز وغيرها من أشكال الموسيقى الكلاسيكية.
وعلى الرغم من ترشيح "روتا" لينال جائزة الأوسكار عن موسيقاه في الجزء الأول من الفيلم، إلا أن الترشيح سُحب منه لاحقاً بسبب وجود جزء في موسيقى مقطوعة الحب، كان قد ظهر مسبقاً بشكل مختلف قليلاً في الفيلم الكوميدي الإيطالي فورتونيلا عام 1958، لكن موسيقى الجزء الثاني حصلت على الأوسكار بعد استبعاد المقطوعة المتشابهة.
6- الأجزاء الثلاثة ليست مجرد استنساخ للنجاح
في العادة عندما يُطرح جزء جديد لفيلم ناجح فإنه لا يحظى بنفس التأثير مرة أخرى ويفشل في الحفاظ على مكانته عند الجمهور، لكن عندما ننظر إلى ثلاثية The Godfather فإننا نجد عكس ذلك، فقد صدر الجزء الأول عام 1972 يليه الجزء الثاني عام 1974، وبعد 16 عاماً ظهر الجزء الثالث والأخير عام 1990، ومن يشاهد الأجزاء الثلاثة يؤكد أن كل جزء هو قطعة فنية مستقلة ولا يقل مستواها عن الأجزاء الأخرى.
7- المشاهد واقعية للغاية
بذل جميع أفراد فريق عمل فيلم The Godfather جهودهم لكي تظهر الصورة النهائية للفيلم أقرب ما يكون للواقع، فكان المخرج فرانسيس فورد كوبولا يعقد جلسات بروفات ارتجالية لطاقم التمثيل الرئيسي؛ لتناول وجبة عشاء عائلية وهم يؤدون أدوار شخصياتهم في الفيلم، وخلال تناولهم الوجبة لم يكن باستطاعتهم الخروج عن نمط الشخصية، ومن وجهة نظر "كوبولا" كانت هذه فرصة مثالية لتأسيس أدوار الممثلين وتقوية الروابط بينهم.
كما أن أشهر مشاهد الفيلم وهو مشهد رأس الحصان المقطوع على طرف سرير جاك ولتز عندما يستيقظ حقيقي، ففي البداية طلب الاستوديو من المخرج استخدام رأس حصان مزيف، لكنه لم يعجبه الشكل النهائي، فطلب من فريق الإنتاج العثور على بديل، وبعد رحلة بحث حصلوا على رأس حصان حقيقي كان على وشك أن يُذبح لحساب شركة محلية لإطعام الكلاب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد استعان الممثل الأميركي مارلون براندو الذي ظهر في شخصية The Godfather ، بطبيب أسنان صنع له حشوة من القطن، يضعها على جانبي فكه ودعامة يضعها بين أسنانه؛ وذلك بغرض إثقال حركة لسانه أثناء الحديث، فيبدو مظهره أكبر سناً، وهو ما يتناسب مع طبيعة الدور.