في إشارةٍ إلى عملية تزييفٍ للتاريخ… فنان أسترالي يثير الجدل ويُدفن حيّاً!

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/17 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/17 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش

سار الفنان الاستعراضي الأسترالي مايك بار عبر حشد من الجماهير يوم الخميس 14 حزيران/يونيو 2018، وهبط إلى الأسفل واختفى في حفرةٍ في الشارع.

وبينما استقرَّ في حاوية فولاذية، تبلغ مساحتها 25 قدم مربّع، أحكم العمال إغلاقها بثلاث بوصات من الإسفلت الساخن. وفي غضون ساعات، أُعيد فتح الطريق مجدداً أمام حركة المرور.

ودُفن بار بينما لا يزال على قيد الحياة.

جاء هذا الاستعراض في إطار عملٍ فني يحمل عنوان Underneath the Bitumen – the Artist، وهو جزء من مهرجان الفنون المظلمة Dark Mofo السنوي، الذي يُقام في مدينة هوبارت، عاصمة ولاية تسمانيا. وسيمضي بار 72 ساعة مدفوناً تحت الأرض. وفي حال سار كلُّ شيء وفقاً للخطة، سيتمّ إخراجه من مدفنه، اليوم الأحد 17 حزيران/يونيو.

لا يُعدّ هذا الفعل غريباً على الأعمال المتطرّفة، التي اعتاد بار (73 عاماً) القيام بها. فقد قام بخياطة شفتيه معاً من قبل، لتسليط الضوء على معاملة أستراليا لطالبي اللجوء؛ كما ثبّت ذراعه بالمسامير على جدار، وأمضى 10 أيام في قفصٍ زجاجي ليس معه سوى الماء ليقتات به.

الاستعراض الذي قدّمه الأسبوع المنصرم يحمل أيضاً رسالة سياسية، تكريماً للمعاناة التي تعرَّض لها المُدانون الأوائل الذين جاءوا إلى تسمانيا والشعوب الأصلية التي تعرَّضت للذبح هناك. وهو يرمز أيضاً إلى دفن تاريخ الشعوب الأصلية، ولا سيما الحرب السوداء Black War، التي وقعت بين سكان جزيرة تسمانيا الأبوريجانلز (السكان الأصليين) والمحتلين البريطانيين، والتي أبادت تقريباً سكان تسمانيا في القرن التاسع عشر.

عملية الدفن أمام المارة
عملية الدفن أمام المارة

أثار هذا العمل الفني الكثير من الجدل، ولكنه لم يكن المتوقع. فقد انقسم سكان الجزيرة الأصليين حول ما إذا كان فنان ذو بشرة بيضاء، مثل بار، لديه الحق في اختيار تاريخ السكان الأصليين وسرد قصصهم.

فيما جاء مايكل مانسيل (67 عاماً)، وهو ناشط من السكان الأصليين في ولاية تسمانيا، مع ابنته وحفيدته لرؤية بار يُدفن وتقديم الدعم له. وقال: "على مدار 200 عام، سعت غالبية السكان إلى دفن الحقيقة". وأردف: "بينما يُدفن هذا الرجل لمدة 3 أيام فقط". وأضاف مُشيراً إلى بار "نحن نؤيد هذا الرجل"، ووصفه بالـ "رجل شجاع".

إلا أن البعض الآخر لم يكن داعماً للفعل الذي أقدم عليه بار. فقد وصفت هيذر سكولثورب، الرئيسة التنفيذية لمركز تسمانيا للسكان الأصليين، العمل بأنه "إهانة".

وقالت "إن الفكرة التي تستعرض إخفاء تاريخنا الأصلي عن معظم تسمانيا هي نقطة وجيهة، إلا أن الطريقة الأكثر فعالية لتناولها على الملأ، ليس عن طريق الدفن أسفل الطريق. إذ أن ذلك لا يُقدّم أي شيء لتعزيز فهم تاريخ السكان الأصليين".

وتابعت: "وعلاوة على ذلك، لم يتشاور بار مع سكان تسمانيا الأصليين حول هذا الاستعراض". وأوضحت: "عندما يشعر الناس أنهم يُستخدمون باعتبارهم مجرَّد أشياء، وليس جزءاً من المسع، فذلك يزعجهم – كما في هذه الحالة. فلم تُجرَ أي محاولة لمناقشتها".

وخلال مقابلة أُجريت معه في الأستوديو الخاص به في الأسبوع الماضي، قال بار إنه لا يمكن أن يكون فناناً مستقلاً إذا كان بحاجة دائماً إلى طلب إذن ليقوم بعمله.

وتساءل: "إذا كنتَ ستبدأ باستشارة الناس من أجل القيام بعملٍ فني، ما هي الغاية إذن؟ هذا ليس عملٌ فني سياسي يتّسم بالمسؤولية. إنه عملٌ شعبوي، فأنت تحاول أن تجسّد كل الأشياء لجميع الناس".

بار في معرضه رداً على الاعتراضات:
بار في معرضه رداً على الاعتراضات: "إذا كنتَ ستبدأ باستشارة الناس من أجل القيام بعملٍ فني، ما هي الغاية إذن"؟

وقد صرَّح بار أن عملية دفنه واختفائه صُمِّمت للاستفادة من مخاوفنا العميقة. وقال إن الاستعراض مُستوحى من لوحة الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش Black Square، وهو يُعبّر عن "إلغاء الصورة".

وكان توتّرٌ ملموسٌ قد ساد الحشد المكوّن من أكثر من 3 آلاف شخص ليلة الاستعراض. فقد همس أحد الحاضرين قائلاً: "اشعر بالاشمئزاز"، بينما كان بار يستعدّ ليُدفن. وقال آخر مازحاً بعصبية: "أتساءل ما هي شركة التأمين التي يتعامل معها".

يوجد مع بار داخل الحاوية، التي وصفها لي كاري كارمايكل (المدير الإبداعي لمهرجان Dark Mofo) بأنها تُشبه "قلم تعذيب"، سريرٌ ودلو للفضلات وورق رسم وأقلام رصاص ونسخة من كتاب The Fatal Shore للكاتب روبرت هيوز الذي يتحدث عن تاريخ أستراليا.

يتمّ ضخ الهواء النقي من السطح، ويسمح الميكروفون الموجود داخل الحاوية لفريق بار بتعقب أنفاسه.

قال المشرف على العمل، جارود رولينز، إن "هذه ليست خدعة سحرية". وأضاف "لا يوجد بابٌ خفي يسمح له بالخروج عندما يُقرّر التوقف".

أعيد فتح الطريق أمام حركة المرور في غضون ساعات من الدفن، مع عدم وجود أي ترويج للحدث وعدم وجود علامة على الموقع. وسيقود الكثيرون على طول شارع ماكواري Macquarie Street المطلّ على مقر البلدية التي تعود إلى الفترة التي خضعت فيها مدينة هوبارت إلى الاستعمار، غافلين عن حقيقة أن بار قد دُفن وهو على قيد الحياة أسفل منهم.

بار برفقة زوجته، فيليزيتا، قبل لحظات من دفنه
بار برفقة زوجته، فيليزيتا، قبل لحظات من دفنه

تولى المليونير ديفيد والش، مؤسِّس متحف هوبارت الطليعي للفن القديم والجديد تمويل استعراض Underneath the Bitumen، وهو مصطلح أسترالي يُشير إلى الإسفلت، بشكل رئيسي. كما ساهمت منظمة The arts organization Detached للفنون أيضاً في التمويل.

عندما يخرج بار في مساء اليوم الأحد، سيُملأ سجنه الصلب بالخرسانة ويُعاد رصف الطريق مجدداً كما كان.

وفي هذا الإطار، قال بار الأربعاء 13 حزيران/يونيو، وهو يقف على جانب الطريق قبل دفنه: "سيعود الجميع إلى القيادة بينما يتحدثون على هواتفهم المحمولة، وسيصير الأمر في طي النسيان، لا يكترثون أن تحت الأسفلت توجد تلك الحاوية".

وردّاً على سؤال "وإذا لم تستطع الخروج"؟ قال ضاحكاً: "لم أفكر في ذلك من قبل، لا، لا، لا، سأخرج بالتأكيد. لديّ خطط كثيرة ستساعدني خلال هذا الاستعراض". وبالفعل، خرج الفنان الأسترالي، اليوم الأحد 17 حزيران/يونيو 2018، وهو على ما يرام. 

علامات:
تحميل المزيد