من براندو إلى كريستيان بيل.. كيف كفّرت هوليوود عن عار حرب فيتنام؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/11 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/11 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
"أذكر أن أحدهم قال ذات مرة (الجحيم هو استحالة المنطق)، وحين أعيد النظر فيما فعلناه هناك، أعتقد أننا لم نكن نقاتل أعداءً؛ بل نقاتل أنفسنا.. فالعدو كان بداخلنا!" من فيلم Platoon.

تمثل حرب فيتنام كابوساً للولايات المتحدة؛ فهي الحرب التي كسرت أنفها واعتزازها بجيشها وقوتها، ولاقت فيها هزيمة لوَّثت سمعة الجيش الأميركي العظيم. أُجبر على الانسحاب وجرِّ أذيال الخيبة بعد حرب مجنونة استمرت على مدار 19 عاماً، وانتهت بانتصار يحق للفيتناميين الاعتزاز والافتخار به.

وفي السينما، لم يكن من المقبول بأي شكل من الأشكال صناعة أفلام على غرار أفلام الحرب العالمية الثانية، التي تجسد بطولات وانتصارات الجيش الأميركي في أوروبا؛ لأن الوضع كان مختلفاً تماماً في فيتنام. لا يمكن الضحك على المشاهدين بتصوير أمور لم تحدث، فالأحداث تسير من سيئ إلى أسوأ.

لذلك، أتت الأفلام التي تناولت الحرب من باب جَلد الذات، وتدرجت في إظهار تأثيرها على الجنود المشاركين فيها والمجتمع الأميركي برمته، ومدى كابوسية الوضع هناك. تم إبراز الجرائم التي ارتكبها بعض الجنود في حق المدنيين هناك، كتأكيد التأثير السلبي للحرب فيهم. أخرجت الأفلام ما بداخلهم من جنون، جعلهم يقْدمون على أفعال تتنافى مع المنطق والآدمية. وأكد صانعو تلك الأفلام أن تلك الحرب كانت من أكثر الأخطاء الجسيمة، ووصمة عار في جبين الولايات المتحدة.

إليكم بعض أفضل الأفلام التي تناولت الحرب، ورسمت الصورة التي أصبحت تُعرف بها حرب فيتنام في الوعي العالمي:

The Deer Hunter

تشويه النفوس والأبدان

كان للانسحاب الأميركي من فيتنام ونهاية الحرب صدى قوي للغاية داخل المجتمع الأميركي. انطلقت ضربة البداية بعد مرور 3 سنوات فقط من نهاية الحرب، حين خرج المخرج مايكل كيمينو عام 1978 بأول إنتاج سينمائي يتناول الحرب، وذلك عبر فيلم The Deer Hunter، من بطولة روبرت دي نيرو وميريل ستريب وكريستوفر والكن.

كتب كيمينو قصته ليُسلط الضوء على ما أحدثته الحرب من تغيرات بشعة في نفسية الأصدقاء الأربعة. خرجوا من بلدتهم مفعمين بالحياة، ثم عادوا إليها مشوَّهين نفسياً وبدنياً. كتب كيمينو القصة بحرفية بالغة، وأخرج الفيلم ببراعة، مركِّزاً على إحداث أكبر تأثير في المُشاهدين بأن يصدمهم بتصويره القوي لبشاعة الحرب، والأهوال التي لاقاها الجنود هناك.

Apocalypse Now

الجنون التام يحيط بكل شيء

"هذا ليس فيلماً عن فيتنام فحسب؛ بل فيتنام نفسها مجسَّدة فيه".

لم يرِدْ فرانسيس فورد كوبولا أن يصنع فيلماً حربياً عادياً معتمداً على أحداث حقيقية؛ لذا استعان برواية الأديب الأميركي جوزيف كونراد القصيرة "قلب الظلام". نُشرت لأول مرة عام 1899، وتدور أحداثها في قلب إفريقيا حيث المستعمرات البلجيكية.

تروي أحداث رحلة شارلز مارلو، قائد إحدى المركبات، للبحث وإرجاع مستر كروتز، تاجر العاج المتمرد الذي صنع لنفسه امبراطورية خاصة به، مهدِّداً السلطات البلجيكية المستعمِرة.

أبقى كوبولا على شخصية مستر كروتز، الذي تحول إلى جنرال جسد شخصيته مارلون براندو. وحوّل دفة القصة إلى فيتنام، حيث الجنون التام يحيط بكل شيء والوضع مزرٍ إلى أقصى درجة. أبرز الفظاعة التي خلفتها تلك الحرب على البشر، ليقدم تحفة فنية فازت بسعفة كان وجائزتي أوسكار وترشحت لستة جوائز أخرى.

Platoon

المخرج يقدم تجربته الشخصية

قدم أوليفر ستون عام 1986 حرب فيتنام كما عاشها كجندي شارك بنفسه في الحرب. أخرج ستون ثلاثة أفلام عن حرب فيتنام، كان أولها تلك التحفة السينمائية من بطولة شارلي شين وويليام ديفو، والتي فازت بـ4 جوائز أوسكار منها أفضل فيلم ومخرج.

شخصية شارلي شين كانت ربما تجسيداً لأوليفر ستون، حيث الجندي المستجد الذي لا يرى في فيتنام سوى أنها قطعة من الجحيم ألقي فيها على غير رغبة منه، وكما أنه ليس هناك راحة في الجحيم، لم يكن بفيتنام سوى أهوال وكوابيس مستمرة.

Full Metal Jacket

تحويل البشر لماكينات قتل

لكونه مخرجاً استثنائياً، قدّم ستانلي كوبريك فيلمه غير العادي عام 1987. لم يستوعبه النقاد والمشاهدون في وقت عرضه، ولكن مثله مثل جميع أعمال كوبريك، احتاج الفيلم كثيراً من الوقت حتى يرى الجميع ما فيه من إبداع في الطرح.

لم يشأ كوبريك السير وفق نهج معين في صناعته، فقد أراد صناعة حالة خاصة به، يوضح فيها كيف يمكن تحويل شخص عادي إلى آلة قتل خالية من المشاعر؛ ينفذ أوامر لا يستوعبها، ويحول كُل ما يحيط به إلى جحيم، يحرقه وكل من حوله.

Good Morning Vietnam

كوميديا المآسي ببصمة وليامز

قدّم ليفنسون مع الكوميديان الراحل روبين ويليامز عام 1987 فيلماً يسخر من مدى غباء تلك الحرب والأسباب الواهية التي قامت من أجلها، ومدى فداحة العواقب التي تكبدها كلا الجانبين فيها. أبرز كُل ذلك على هامش القصة الدرامية التي قدمها ويليامز، وتوضيحه تأثير الحرب من خلال قصة الحب التي عاشها "أدريان كرونير" مذيع الراديو الأميركي مع الفتاة الفيتنامية وصداقته لشقيقها.

جعلت كوميديا ويليامز المُشاهد يتناسى أهوال الحرب وضحكنا معه، وعشنا معه في "سايجون" البائسة على مدار ساعتين، هي مدة فيلم يمكنك وأنت مطمئن أن تصنفه كفيلم حربي، وأيضاً فيلم كوميدي في الوقت نفسه دون أن تخل بأي التصنيفين. فهو من الأفلام القليلة التي مزجت بينهما ونجحت في ذلك بشدة.

Born on the Fourth of July

الحرب الحقيقية في أميركا

ركَّز أوليفر ستون في ثاني أفلامه حول فيتنام على الجوانب السياسية للحرب داخل الولايات المتحدة، أكثر من تركيزه على المعارك الحربية بساحة المعركة في فيتنام. استعرض القصة الحقيقية لأحد الجنود الذين شاركوا في الحرب رون كوفاك، والذي أدى دوره توم كروز.

تطوع كوفاك في الجيش للقتال بفيتنام، ثم لم يلبث أن أصيب إصابة بالغة، فعاد إلى بلاده مشلولاً، حاول التأقلم مع الحياة بعد الحرب والإصابة، ومع حالة النكران التي وجدها من الشعب الأميركي للتضحية التي قام بها من أجل بلاده، أو من نكرانه هو ما اقترفه من وجهة نظره من جرائم حرب، تفجر غضبه. كفر بكل الدعاية الزائفة التي كانت تساق للحرب، ثم أصبح من أشد المعارضين لها.

Rescue Dawn

لمحة عن أبشع أنواع التعذيب

قفزة زمنية طويلة إلى 2006، والتي قدَّم فيها المخرج وارنر هيرزوج، النسخة الدرامية من فيلمه الوثائقي الذي قدَّمه بالاسم نفسه عام 1997، عن قصة الطيار الأميركي الألماني الأصل ديتر دينجلر.

وقع دينجلر أسيراً ولاقى أشد أنواع العذاب لمدة 6 أشهر، قبل أن يتمكن من الهرب. ظل ضائعاً في أحراش لاوس 23 يوماً حتى أنقذته قوة أميركية.

المميز في ذلك الفيلم هو الواقعية الشديدة في تجسيد معنى أن تكون أسير حرب خلال حرب فيتنام، وهي تجربة لا يرغب أي إنسان على وجه الأرض في المرور بها من فرط بشاعتها. لم يجد هيرزوج صعوبة في التجسيد الواقعي للأحداث، بعد أن قام بالأمر من قبلُ في الفيلم الوثائقي، كُل ما أضافه هو الخط الدرامي وكريستيان بيل الذي جسّد شخصية ديتر دينجلر باقتدار.

خلفية تاريخية للحرب التي أضاعت 20 سنة

اندلعت حرب فيتنام من 1955 حتى 1975. تصارع شمالها، بدعم من روسيا والصين، ضد الجنوب بدعم من أميركا وحلفائها.

كانت حرباً بالوكالة في الحرب الباردة بين المعسكرين، ولكن غالبية الشعب الأميركي لم يؤيدها.

اختلفت وجهات نظر المحاربين؛ فالمعسكر الشمالي كان يحارب تحت عنوان استعادة وحدة البلاد، بينما كانت أميركا تحاول منع الامتداد الشيوعي. يشبه الأمر إلى حد ما القضية الكورية.

تختلف أرقام الضحايا بالطبع وفق مصدر المعلومة (فييتنامي أم أميركي)، ولكن المعدل يحوم حول 3.8 مليون نسمة بين مدنيين وعسكريين. خسائر الجيش الأميركي كانت 58 ألفاً، والباقي مقاتلون من الطرفين ومدنيون