المسلسلات “مزارع” للشوارب الرسمية: هكذا يضحّي المنتجون بنجمات رمضان من أجل الحرب على الإرهاب

في مسلسلات رمضان 2018، تراجعت أهمية النجمات النساء أمام ضباط الشرطة الوطنيين الصارمين.

وفي مسلسلات رمضان 2018 حلت الانفجارات والمعارك الفخمة مكان صراعات الخيانة وخطف الأزواج.

والنتيجة: لم يعد على المتفرجات النساء أن يقلقن من موضات ملابس وشعر الممثلات لأن الشاشة تسودها شوارب ضخمة، تعود للقرن الـ 19.

في هذا التقرير متابعة لما حدث من تحولات غير فنية في مزاج المنتجين والقنوات، وليس المتفرجين.

النساء أقل هنا: هاتوا لي 1,528,792 راجل

بالضبط، بهذا العدد يتفوق الذكور على الإناث في مصر بالمجموعة العمرية بين 15 و70 سنة في أحدث تعداد حكومي، يعني هذا أن الذكور يتفوقون على الإناث بنسبة 1.6% تقريباً في أي عينة من المشاهدين، لكنها أيضاً نسبة صغيرة لا تكفي لتوجيه اختيارات المنتجين.

تستحق المرأة أن تكون الهدف الرئيسي للمسلسلات، فحسب هذه الدراسة التي أجريت في 6 بلاد عربية:

67% من الإناث يشاهدن التليفزيون بشكل يومي، مقابل 60% فقط من الذكور.

55% من الإناث يفضلن مشاهدة الدراما التليفزيونية، مقابل 33% فقط من الذكور.

وبشكل عام ترتفع كل هذه النسب خلال رمضان، وتتسع الفجوة لصالح الإناث.

ما تريده المرأة: عضلات بطن أحمد عز.. أم فهمي الخائن؟

في قاعدة اختيار أبطال الأفلام والمسلسلات، الأمور تجري بالعكس غالباً. فالمطلوب من الأبطال الرجال جذب شرائح المتفرجات النساء، والعكس صحيح. لهذا يظهر أحمد عز في دعاية "أبو عمر المصري" عاري الجذع، دون داع  لإبراز عضلات بطنه السداسية، أو الثمانية في الحقيقة، وهو ما فعله سابقاً في إعلان شركة We.

هذه قاعدة كلاسيكية مريحة للمنتجين والأبطال الرجال، لأنه في الدراما الاجتماعية قد يكون دور الرجل هامشياً أو سلبياً بحيث لا يمكن أن يكون عامل جذب. حدث هذا العام الماضي في مسلسل "سابع جار" الذي أصبح أنجح مسلسل خارج موسم رمضان، وهو مسلسل نسائي سخر من أبطاله الرجال في كل خطوطه الدرامية.

وفي رمضان الماضي احتلت الممثلات النساء مقدمة نصف مسلسلات الموسم، سواء ببطولات مطلقة مثل ياسمين عبد العزيز في "هربانة منها" الذي كان ثالث أعلى المسلسلات مشاهدة على يوتيوب خلال رمضان، أو بطولات مشتركة بأعمال اجتماعية مثل "لا تطفئ الشمس".

كمثال على نجاح الدراما النسائية، يتباهى الممثل أحمد فهمي في إعلان شركة اتصالات "إحنا مش بنهزر" بأنه متخصص في أدوار الخيانة. فهمي له شعبية قوية بين الإناث يمكن ملاحظتها من خلال صفحته الرسمية على فيسبوك، والإعلان يعتمد على نجاحه مرتين خلال العام الماضي بدور الزوج الخائن بمسلسلي "لأعلى سعر" و"أنا شهيرة.. أنا الخائن".

موسم الأكشن: الرجال من كوكب الصعيد.. والنساء في اللالا لاند

لا يحتاج الأمر لدراسات إحصائية لمعرفة تفضيلات الجنسين، الإناث يفضلن الدراما الاجتماعية، والذكور يريدون الأكشن، ويتساوى الجنسان في الطلب على الكوميديا والفانتازيا.

في رمضان الماضي تصارعت الفانتازيا مع الأكشن على المركز الأول بمسلسلي "كفر دلهاب" و"كلبش"، وتفوق الثاني في الأيام الأخيرة وهو ما دفع منتجيه لصناعة جزء ثان في هذا العام. المركز الثالث كان لصالح كوميديا مسلسل "في اللالا لاند" من بطولة دنيا سمير غانم التي احتلت المركز الأول في موسمين سابقين بأعمالها الكوميدية. يبدو واضحاً وجود توازن بين ما يريده الجنسان.

ورغم نجاح هذا التوازن وسيطرة الإناث على قاعدة المشاهدة التليفزيونية، قرر المنتجون المصريون هذا العام توجيه اهتمامهم للناحية الأخرى. من بين 30 مسلسلاً درامياً عُرضت في رمضان على القنوات المصرية، هناك دستة مسلسلات تنتمي لنوعية الأكشن، بطبيعة الحال هي الأضخم إنتاجاً.

ولهذا احتلت مسلسلات الأكشن المراكز الأربعة الأولى ضمن أعلى مشاهدات يوتيوب لمسلسلات رمضان 2018. مسلسلات "زين: نسر الصعيد"، "كلبش"، "أيوب" و"رحيم" هي بطولات ذكورية مطلقة لدرجة أن عناوين المسلسلات تحمل أسماء أبطالها الرجال.

حصة الكوميديا زادت إلى 6 مسلسلات، كل القنوات تحتاج إلى الكوميديا للعرض في وقت الإفطار، بينما الفانتازيا حافظت على وجودها بمسلسل واحد كما يحدث كل عام، من خلال "رسايل" الذي تأثر بمستوى إنتاجه المتوسط، وبالتالي جاء ترتيبه متأخراً بالمشاهدة.

تنتمي بقية المسلسلات لنوعيات الإثارة وقليل جداً من الدراما الاجتماعية، لكن بالنسبة للمشاهدات النساء، فإن الخيارات المتاحة ومستوى إنتاجها تدهورت عن العام الماضي.

موسم انسحاب النجمات: بوز نيللي كريم واختفاء دنيا

حافظت صناعة الدراما المصرية على ميزة قدرتها على تقديم النجمات النساء في أدوار البطولة المطلقة وتسويق المسلسلات على هذا الأساس، أوضح مثال لهذا هي يسرا التي حافظت على تواجدها الرمضاني لخمسة مواسم خلال آخر 10 سنوات رغم تراجع نجوميتها بشكل عام.

في 2017 تضمنت مسلسلات رمضان 8 بطولات نسائية مطلقة من بين 30 مسلسلاً، انخفض العدد إلى 7 في العام الحالي، تخلو كلها من الدراما الاجتماعية (حب وطلاق وخيانة… إلخ) التي تجذب المشاهِدات عادة.

ورغم سيطرة النجمتين دنيا سمير غانم وياسمين عبد العزيز على الكوميديا بالعام الماضي، تغيبان تماماً هذا العام، بينما تعود إيمي سمير غانم ببطولة مشتركة مع زوجها حسن الرداد في "عزمي وأشجان"، وعلى تترات البداية حافظ المنتج على ظهور اسميهما بنفس اللحظة، رغم أن إيمي فعلياً هي التي تتحمل مسؤولية دفع الضحكات.

نيللي كريم المعروفة بأدوارها في الدراما الثقيلة المأساوية مثل "سجن النسا"، "تحت السيطرة" و"لأعلى سعر"، قبلت هذا العام بالسخرية من نفسها في إعلان اتصالات بعبارة "لسه بوز.. لسه في الدموع كنوز"، بينما قدمت مسلسل "اختفاء" الذي لا يثير أي دموع أو اهتمام.

وأيضاً موسم التستوستيرون: شنب حضرة الضابط

تجاهلُ المنتجين للمشاهدات الإناث والنجمات والموضوعات الاجتماعية، مع تصاعد مسلسلات الأكشن باهظة التكاليف، لا يمكن عدم ربطه بازدحام الشاشة بإنتاجات مدعومة من الأجهزة الأمنية.

عندما تكون الشخصية الرئيسية بالمسلسل لضابط شرطة، كما يحدث بمسلسلي "نسر الصعيد" و"كلبش 2″ المتصدرين لمشاهدات يوتيوب، من الطبيعي أن تتزايد نسبة هرمونات التستوستيرون، وأن تصبح الشوارب من معالم الشخصية.

في "نسر الصعيد"، قدم محمد رمضان دوري ضابط ووالده القاضي العرفي، والدوران لا يوجد فارق شكلي بينهما إلا في الشارب؛ أن يكون شارباً إقطاعياً صعيدياً مع الأب، ومع الابن اكتفى باستخدام الشارب الرسمي لضباط الشرطة، ولا عجب أن هذا الشكل من الشوارب يُطلق عليه اسم Chevron، وهي شارة الرتبة العسكرية التي توضع على كتف أو ذراع الضباط.

أما منافسه أمير كرارة في "كلبش" فقد فضل شارب سبع البحر الأبوي الكلاسيكي.

في مسلسل "طايع" ظهر الممثل محمد علي بدور ضابط شرطة بدون شارب.

.. والرجولة تصل إلى حد إهانة النساء

المجلس القومي للمرأة في تقريره عن الدراما الرمضانية رصد عشرات السلبيات وقليلاً من الإيجابيات في تناول المسلسلات للمرأة.. في مقدمة الإيجابيات كانت مشاركة الأدوار النسائية في الحرب على الإرهاب.

صدر التقرير قبل يوم من بث حلقة "نسر الصعيد" التي يلقي فيها الضابط زين بزوجته (الممثلة دُرة) أرضاً بسبب شكها في خيانته لها، أو ربما لاحقاً سيتهم المسلسل بتشويه صورة ضباط الشرطة وعدم إظهار صفاتهم الأخلاقية النبيلة كما فعلت لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

ملحوظة: تم حذف لقطة العنف الزوجي من يوتيوب لاحقاً.

في مسلسل اجتماعي موجه للنساء، كان مشهد مثل هذا سيثير الجدل وسط المشاهدات النساء في نفس الليلة، بين التعاطف مع الزوجة المسكينة أو دعم الزوج الذي يحمل هموم الوطن على كتفيه، لكن في مسلسل دعائي لرجال الشرطة لن تتوقف الأحداث عند هذا الموقف كثيراً.

بينما الأنوثة تذبل وتكسوها علامات الزمن

وفي مسلسلات أخرى خارج أكشن الأجهزة الأمنية، يبدو الاهتمام بالشوارب واضحاً: شارب جون لينون السبعيناتي الذي اقتبسه باسل خياط في "الرحلة"، وفي "رحيم" شارب ولحية إغريقية لياسر جلال من الفيلم الأميركي "300".. طالما سيطر الذكور والأجهزة الأمنية على الدراما، يصبح من الصعب أن تعثر على بطل حليق الشارب.

وعلى الضفة الأخرى؛ غادة عبد الرازق التي كانت مسلسلاتها عبارة عن ديفليه باذخ للموضات الغريبة، اختارت أن تظهر بشعر قصير في "ضد مجهول" لتضرب جمهورها من النساء بمقتل، وإحباط آخر لمحبات يسرا بعد عجز البوتوكس عن خدمتها أكثر من هذا.

وربما الشيء الوحيد المفرح لدى المتفرجات هو علامات الزمن التي ظهرت أخيراً على هيفاء وهبي.

أما دينا الشربيني، والمعروفة بلقب "فريق العمل" بسبب ارتباطها بعمرو دياب، فقد نالت بطولتها المطلقة الأولى في "مليكة"، وأثبتت ريهام عبد الغفور مرة أخرى أنها ليست مجرد فتاة رقيقة ذات لثغة محببة، لكن للأسف مسلسلها "الرحلة" يبدو وكأنه معروض في الجزء العميق من يوتيوب الذي لا يشاهده أحد.

أمير كرارة يودع شنب سليم الأنصاري بعد انتهاء التصوير.