ضابط الشرطة الصعيدي يهزم الآكشن “الأميركاني”.. محمد رمضان يتفوق على “كلبش” كرارة في موسم الدعاية الأمنية

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/30 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/31 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش

في موسم رمضان 2018، مرت معظم المسلسلات المصرية بمراحل تنقية دينية وسياسية واجتماعية بحيث لا تتقاطع مع أجندة الدولة والأجهزة الأمنية. فليست مصادفة أن يتمكن مسلسلا "نسر الصعيد" و"كلبش 2″ – وهما الأضخم والأكثر خضوعاً لهذه الأجندة – من طحن كل المنافسين، بسهولة، ومن أول ليلة.

في المسلسلين يقدم كل من محمد رمضان وأمير كرارة دور ضابطي شرطة يخوضان صراعاً ضد المجرمين والإرهابيين، ولم يتسبب هذا في تخمة تلفزيونية؛ بل فعلها كلٌّ منهما بطريقته المميزة، باستخدام شارب كبير، وتدريبات الصاعقة، والتعري، وحتى إيقاظ الأساطير القديمة.

في الحلقات الأولى من "نسر الصعيد"، قدَّم رمضان دور الأب صالح القناوي، ولاحظ المشاهدون كيف كان لون وشكل شاربه يختلف من مشهد لآخر، وتصاعدت الأخطاء الفادحة على الشاشة لدرجة ظهور ممثلة بميكروفون الصوت معلَّقاً بظهرها، وظهور صفوف الجمهور على جسر في مشهد قفز رمضان لإنقاذ غريق بالنيل.

الصحافة نشطت في نشر هذه الأخطاء اليومية، لكنَّ هذا تحوَّل إلى دعاية غير مباشرة للمسلسل، ونجح "نسر الصعيد" في جذب الفئة المستهدفة من جمهوره، لكن نجاحه يظل بعيداً عن أقوى إنجازات بطله محمد رمضان في مسلسل "الأسطورة" (2016) عندما تحولت حلقة مقتل رفاعي الدسوقي إلى مآتم بمساحة الفيسبوك في مصر.

وفي المقابل، حقَّق "كلبش" بدايةً أفضل من جزئه الأول بالعام الماضي (2017)، وحافظ على مستوى الإثارة بمعدل مفاجأة في نهاية كل حلقة، نتيجة هذا تبدو واضحة في عودة بطله أمير كرارة لرادار المعلنين كما فعلت حملة شركة فودافون.

لكن كيف دارت المنافسة؟ وكيف كسب "نسر الصعيد" معظم الجولات؟

لأن الصعايدة أكثر من شباب المدن

في مسلسل "نسر الصعيد"، سعى محمد رمضان للعودة إلى الخلطة الشعبية بمسلسله الأنجح على الإطلاق "الأسطورة"، فاستعان بالكاتب محمد عبد المعطي، شريكه في هذا النجاح، والذي يعرف كيف يصنع خلطة موجَّهة للمشاهِد الشعبي، الذي يسعده رؤية معادلات بسيطة للخير والشر. في "الأسطورة"، خاطب المسلسل فئات المهمَّشين بالمدن، ثم في "نسر الصعيد" استهدف بالأساس جمهور الصعيد، والذي يشكّل ثلث سكان مصر تقريباً.

ولهذا توقَّف المسلسل كثيراً عند شخصية والد زين، الشيخ صالح القناوي، القاضي العرفي الذي يضفي على القصة عنصر أصالة التقاليد بمواجهة قوى إجرامية صاعدة جديدة، في تكرار لكلاسيكيات الدراما الصعيدية "الضوء الشارد" و"ذئاب الجبل".

مسلسل نسر الصعيد محاولة جادة للتأليف والتقييف بين فيلمي الهروب والجزيرة (١ و٢) من جهة ومسلسلي الضوء الشارد والكبير…

Posted by Amr Ismail on Thursday, May 17, 2018

في المقابل، يعتمد "كلبش 2" على نجاح جزئه الأول في موسم رمضان الماضي (2017)، حيث تصدَّر نسب المشاهدة على يوتيوب وقتها، محقِّقاً رقماً قياسياً تجاوز 70 مليون مشاهَدة، بقاعدة جمهورٍ، أغلبه من شباب المدن ممن لديهم تجارب مشاهدة الأكشن السينمائي.

بالتأكيد، جمهور الصعيد أوسع وأكثر تحديداً من جمهور أكشن الماضي.

لأن العضلات تتفوق في تحدي خلع الملابس على شارب "سَبْع البحر"

بالطبع، أمير كرارة ليس بنجومية محمد رمضان، لكن يتشابه الاثنان في اعتمادهما على استثمار الجاذبية الذكورية، يتعمد رمضان خلع قميصه لإبراز عضلاته مرة في كل حلقة على الأقل، حدث هذا حتى وهو يقدم دور الشيخ صالح العجوز، وحُذف له مشهد يحمل دعابة جنسية متوارية مع وفاء عامر، التي تلعب دور زوجته.

هذه الذكورة الفجَّة عليه دمجها مع شخصية ضابط الشرطة المثالي، في هذه اللحظات يتحول إلى فتى مراهق يناسب هذه اللحظات الرومانسية. كل ما على رمضان في تلك اللحظات هو أن يتحدث ويتحرك ببطء كأنه استيقظ لتوه من النوم.

الدهون حول خصر كرارة لا تسمح له بتجاوز القميص الداخلي، لديه شارب "سَبْع البحر" الضخم، وهو أفضل مقارنةً بشارب رمضان البلاستيكي المثالي، لكن عليه تأكيد الذكورة بالأداء الخشن واستخدام أعرض طبقة في حنجرته.

لأن الصعايدة يفضلون بطل الملحمة الشعبية

يهرب أطفال القرية من الثعبان، لكنَّ أحدهم يقترب منه ويقتله وهو يتأمله بإمعان، بينما يكرر الأطفال عبارة احتفائية كأنهم في طقوس وثنية: "زين قتل الحنش.. زين قتل الحنش". بهذه اللقطة يقدم مسلسل "نسر الصعيد" لشخصية بطله، وهو تمهيد يبطن ملامح الملاحم الشعبية المتداولة في صعيد مصر، على طريقة السيرة الهلالية.. إنه بطل يعرف مصيره منذ الطفولة.

في الأسبوع الأول، يسير المسلسل بإيقاع السيرة الذاتية لزين ووالده مِن قَبله، الحكاية تدور حولهما بالكامل، وهما خاضعان للأقدار التي تحرك الأحداث، كما أنهما فوق مستوى الشبهات والإغواء.

أما "كلبش"، فهو يعمل على قياس أكشن أميركي في معظمها؛ السرد منقسم بين البطل وخصمه الإرهابي وكواليس وزارة الداخلية، الأطراف الثلاثة يتبادلون تحريك الأحداث المعقدة؛ بل إن المبادرة تكون لدى الإرهابيين في معظم الأوقات، وهناك وعد بمفاجأة مثيرة في نهاية كل حلقة.

التحولات الأساسية لدى زين، بطل "نسر الصعيد"، كانت بعد مقتل والده في حادث، وهو لا يعرف أن مدبِّره هو المهرِّب هتلر، ثم تحولات أقل حدَّة بإدراكه أنه عقيم، وهذه تحولات أعمق وأفضل من سليم كلبش والتي تدور كلها حول الواجب والانتقام لمقتل أسرته وزملائه.

بالطبع نعرف النتيجة.. الصعايدة يرجحون الملحمة؛ لأنها شكل الحكي الذي يعشقونه، لا تحتاج إلى زيارة مقهى شعبي لكي تستشعر تعاطفهم مع هذا البطل العقيم الذي يحمل هموم العالم.

لأن حضرة الضابط "زين" لا يعرف التنازلات

يعتمد "كلبش" على معادلة تقليدية هادئة في الدعم الأمني، لا توجد تدخلات كبيرة في السيناريو. المهم هو أن يحقق انتشاراً ونجاحاً، وألا يُشعر المُشاهد بعملية التلقين الجارية.

يجب أن يكون المسلسل ناجحاً لتنجح المعادلة، عندها يمكن السماح بتنازلات!

مثلاً ظهور أمين الشرطة الفاسد بالجزء الأول، ومأمور السجن الخائن بالموسم الحالي، بشرط إبراز ضعفهما الشخصي والتطهر منهما في النهاية، كما أن البطل يتعاطف مع شخصية شاب ثورجي بالموسم الأول، ويقع في حب ناشطة بالثاني.

في مقابل هذا، يدعم "كلبش" صورة نمطية لرجال الشرطة: القوة، الشجاعة، النزاهة، الجدعنة، التضحية.. وبشكل أقل وضوحاً؛ أن هناك حداً فاصلاً يميز فئة رجال الأمن عن الآخرين، يمكن لرجل الأمن أن يتجاوز القانون لصالح المجتمع، وأحياناً لمجرد إثبات قدرته على فعل هذا.

يعمل "نسر الصعيد" بالأهداف ذاتها، لكن دون أي صفقات، لا توجد أدنى شبهة ضعف أو خلل بشخصيات رجال الأمن، معادلة النجاح تعتمد أساساً على استخدام النجم محمد رمضان، الذي بنى نجاحه بملاحم شعبية مثل "عبده مُوتة"، ثم غسله وتقديمه في رداء طاهر كرجل شرطة.

لا توجد أسرار؛ يُعرَض كلبش على شبكة "الحياة" المملوكة لصندوق استثمار "إيجل كابيتال" التابع للمخابرات العامة، بينما يُعرَض النسر على شبكة DMC المملوكة لشركة D Media التابعة للمخابرات الحربية. لهذا تبدأ تترات النسر بعبارة شكر خاص لوزارة الدفاع وإدارة الشؤون المعنوية، ويمتلئ المسلسل بعبارات عاطفية وطنية، ومواد دعائية لتدريبات قوات الصاعقة، بلا أي مبرر درامي.

في نص الحلقة التانيه من #نسر_الصعيد في شاب بيتكلم مع أمه (عايدة رياض)، في الحوار بتحاول تقنعه إنه ميقدمش في الكلية…

Posted by Andrew Mohsen on Sunday, May 20, 2018

ولا يحاول "نسر الصعيد" تورية تفوُّق رجال الأمن على باقي المجتمع، عندما يُقبَل زين بكلية الشرطة يغضب ابن زعيم العصابة.. انظر إلى رد فعله:

في مسلسل نسر الصعيد مسعد ابن سيد رجب (الحاج هتلر) بيقول علي محمد رمضان هيطلع ظابط شرطة ازاي ده ؟ ده اخره يطلع دكتور (حكيم) يدي حقنالشئون المعنوية دول طيبيين اوي والله

Posted by Mohamed Reda on Saturday, May 19, 2018

تأتي العبارة على لسان شخص مجرم، لكن الرسالة وصلت.

في هذا التقرير، نقل المحرر عن أحد العاملين بالشركة المنتجة إشراف الشؤون المعنوية على عملية المونتاج بشكل مباشر.

ولا تقتصر رسائل النسر على الدعاية الأمنية فقط؛ بل تتخطاها للوعظ والرسائل التربوية بكل مجالات الحياة، في الحب، والصداقة، والعلاقات الأسرية.

 

وملحوظة أخيرة؛ زين "نسر الصعيد" يشتهر منذ طفولته بأنه قاتل الثعابين، يتشابه هذا مع شعار جهاز المخابرات العامة المصرية: نسر قوي ينقضُّ على أفعى سامة.

كل هذا لا يعني أن معادلة "كلبش" ستكسب، في نهاية كل الجولات كان هناك عامل واحد مرجح، وهو صحة تحديد واختيار جمهور النسر ومغازلة ذائقته بفاعلية.

لكنَّ كلبش يكسب نقطة: عاكف شرير محبوب وغير متوقَّع

في "كلبش"، يحاول هيثم أحمد زكي تقديم دور الشرير الهادئ الواعي بعالمه وطبيعة شره، هو عاكف الذي يتولى زعامة التنظيم الإرهابي بعد القبض على والده الإرهابي الكلاسيكي المخضرم. يكتشف هو وعصابته بعد ذلك مدى مواهبه المكبوتة. حتى عندما يُهرّب والده، فإن الوالد يتنحى جانباً أمام هذه الموهبة المتوحشة؛ بل إن عاكف يتولى تطوير الأنشطة الإجرامية في جوانب جديدة كأنه يدير امتيازاً تجارياً (Franchise).

الدراما تحب هذه النوعية من الشر، الذي لديه دائماً ردود فعل غير معتادة، مثل أن يمنع عاكفُ رجالَه من قتل سليم المصاب؛ لأنه يريد الاستمتاع بالانتقام منه.

أما خصم زين "نسر الصعيد"، فهو هتلر (سيد رجب)، تاجر المخدرات والآثار، وهو نذل تقليدي بداية من إطاره العائلي، عليه أن يظل حذراً حتى من ولده الوحيد. الأب والابن كأنهما واقعان تحت لعنة أزلية تُجبرهما على كراهية زين والأب صالح، إنها قصة العداوة بين الشيطان وبني آدم، وهذا ما جعلها أنسب لملحمة النسر وذائقة جمهوره، رغم أن هتلر يبدو شيطاناً مثيراً للشفقة، فهو يخسر كل مواجهة مباشرة أمام زين ووالده.

من نسر إلى يوتيوب: حَوِّل

تبدو العناصر الفنية في مصلحة "كلبش"، ولكن.. فلنأخذ نفَساً عميقاً ونشاهد سلوك الجمهور.

تصدَّر "نسر الصعيد" طلبات البحث على محرك جوجل منذ حلقته الأولى في 17 مايو/أيار 2018، وتنازل عن الصدارة ليلة مباراة الأهلي مع المصري، ومرة أخرى يوم 20 مايو/أيار 2018 عندما تفوَّق عليه كلبش مرة يتيمة.

إنه فارق كبير بالأوزان.

وهناك فارق نوعي أيضاً؛ طلبات البحث عن "نسر الصعيد" جاء معظمها من محافظات الصعيد، ومنها قنا التي تدور بها الأحداث. الصعايدة أيضاً كانوا هم الأكثر بحثاً عن "كلبش"، لكن بمعدل لا يتجاوز رُبع بحثهم عن النسر.

طلبات البحث في جوجل عن مسلسل "نسر الصعيد".

طلبات البحث في جوجل عن مسلسل "كلبش 2".

على يوتيوب تفوَّق "نسر الصعيد" في مشاهدات حلقته الأولى بأكثر من 10 ملايين مشاهدة حتى الآن، وأصبح فيديو الحلقة المعروض على قناة الشركة المنتجة "العدل جروب" هو الأسرع نمواً خلال الأسبوع الأول من رمضان، تفوَّق كلبش حتى حلقته السادسة في مجموع مشاهدات كل الحلقات، يرجع هذا إلى أن كلبش بدأ عرضه قبل النسر في يوم 20 مايو/أيار 2018؛ ومن ثم أتيح له تراكم مشاهدات أعلى. هكذا افتخر محمد رمضان أمام جمهوره على تويتر.

وبنهاية الثلث الأول من رمضان، تفوَّق النسر رغم فارق مدة العرض، مسجلاً 62 مليون مُشاهدة، بفارق أكثر من 7 ملايين عن كلبش، بفضل تفوُّق حلقته الأولى التي سجلت أعلى مشاهدات في تاريخ الدراما العربية على يوتيوب، ثم تفوُّقه في 7 حلقات أخرى، عدا حلقتين فقط تفوق فيهما كلبش بفارق ضئيل.

مشاهدات المسلسلين في الثلث الأول من رمضان

تحميل المزيد