الرجل الذي هزم الجميعَ إلا امرأة.. “علي شوِرِّب” بين الانحراف والبطولة، والجدل يحتد حوله في تونس

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/29 الساعة 19:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/29 الساعة 19:39 بتوقيت غرينتش

أثار بث المسلسل التاريخي التونسي "علي شوِرِّب"، الذي احتل المرتبة الأولى من حيث نسب المشاهدة في تونس، جدلاً واسعاً. وتصدر هاشتاغ #علي_شورب الشبكات الاجتماعية منذ الإعلان عن بثه خلال شهر رمضان، حيث تضمنت منشوراتهم تساؤلات حول تغييب شخصيات وطنية مناضلة وعلماء خدموا تونس والتركيز على علي شورب.

 ويرى أغلب التونسيين أن شخصية "شورّب" التي صورها المسلسل، مثال سيء في المجتمع لا يجب تحسين صورته مهما كانت المبرّرات. وعبر عدد كبير من المتابعين عن تخوفاتهم من جعل هذه الشخصية "العنيفة"، كما صورها المسلسل، نموذجاً جديداً يقلده المراهقون في تونس.

وقد أثارت قضية أحد الأطفال التونسيين الذي طعن صديقه بسكين وهو يردد "موش أم علي شورب تتسب"، وهي عبارة رددها بطل المسلسل، مخاوف عديد التونسيين، الذين طالبوا بإيقاف بث المسلسل، من تأثيره على سلوك أبنائهم.

من هو علي شْوِرِّب؟

ولد علي بن البشير الصغير سنة 1925 وتوفي مقتولاً في 9 مايو/أيار 1972. اشتهر شورّب لنتوء شفتيه، وما كان يلبث أن يخرج من السجن حتى يعود إليه مجدداً بتهم تراوحت بين العنف والتشويش والسكر، حتى حوكم في ما يربو عن 1500 قضية، بين عنف وسرقة وبلطجة وتعكير للصفو العام وقضايا أخرى.

 وهو شخصية شغلت الناس في فترة من تاريخ تونس العاصمة وأثار الكثير من الجدل حوله، عاش في منطقة الحلفاوين وسط العاصمة تونس، وكان نموذجاً "للباندي" وهوايته العراك والخصومات مع الجميع، وكذلك السطو على ممتلكات الناس والسرقة.

في المقابل، أكد البعض ممن عاشوا تاريخه أنه بدأ حياته بالنضال ضد الجدرمية وكان يشاكس رجال المستعمر الفرنسي ولا يهابهم، بل كان يتربص بهم في أزقة شارع باب سويقة والمدينة العتيقة.

ليصبح فيما بعد أشهر صعاليك الحاضرة تونس، صعلوكاً يعترض درب المارة ويسلبهم مالهم أو ما شاء باستعمال القوة، ساعدته على ذلك ضخامة جثته وبنيته الجسدية التي تثير الرهبة في الأنفس.

وتحدث عنه الكثيرون ممن عايشوا عصره وقالوا إنه كان مرعباً في تلك الفترة فما لا يستطيع تحقيقة باللين كان يحققه بالعنف والقوة، إذا دخل أي مقهى أو متجر أو مطعم طلب ما شاء وأجيب، بلا مقابل، ويقال أنه أقام ثلاثين عاماً في منزل بـ "حي بالخير" على وجه الكراء دون أن يدفع ثمن إيجاره طول هذه المدة.

لكن الناس كانوا يتندرون بالمفارقة بين جبروت علي مع الكب، وضعفه أمام أمه، وكتبت عنه الصحف آنذاك أنه الرجل الذي هزم كل الرجال إلا امرأة واحدة، هي أمه "شريفة" التي كان يحبها حباً جماً ويرتد طفلاً صغيراً في حضرتها.

وتقول نورة دينوس ابنة شقيقة علي شْوِرِّب لـ "عربي بوست"، إن خالها عُرف برجولته، وأنه كان دائماً يساند "الزواولة" (الفقراء)، على حساب الأغنياء.

مات علي شورّب سنة 1972 عن 42 سنة في شارع الحبيب بورقيبة، بعدما سقط رأسه على حافّة الطريق خلال مشاجرة مع عدد من خصومه وقيل إن قاتله يبلغ من العمر 16 سنة فقط.

بكاه كل أصحابه "الباندية" وقدم لتوديعه إلى مقبرة الجلاز الكثيرون، ضاقت بهم شوارع العاصمة وأحياؤها، وكانت جنازته "جنازة العازب" أشبه بمظاهرة حاشدة.

تونسيون يخشون من انتشار العنف بين أبنائهم

ومنذ بداية شهر رمضان، تركز النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي حول سرّ اختيار شخصية صعلوك تونسي وفتوة في أحد أحياء العاصمة التونسية في سنوات الخمسين ليكون محوراً لعمل درامي، وتصدر هاشتاغ #علي_شورب موقع "فيسبوك".

واعتبر المغردون أن هذا العمل الدرامي تشجيع ضمني على ثقافة العنف والفتوة في بلد مثل تونس يشهد ارتفاعاً لمنسوب العنف، فيما تداول البعض الآخر نصوصاً تعرف بعلي شورب الذي تدور حوله القصة، مؤكدين على استغرابهم من اختيار هذه الشخصية لهدم الأخلاق الحميدة وما تبقى من قيم لدى الناشئة والشباب.

نجاح قياسي

ورغم ما يُروج عن شخصية المسلسل من إجرام ، ورغم الانتقادات الواسعة، لتقديمه كبطل في عمل درامي، تصدر مسلسل علي شورب قائمة المسلسلات الأكثر بنسبة مشاهدة قدرت بـ42.8 بالمائة إلى حدود اليوم التاسع من شهر رمضان، حسب مؤسسة "ميديا سكان" لسبر الآراء، واحتلت بذلك قناة التاسعة الخاصة التي تبثه المرتبة الثانية من حيث نسب المشاهدة بـ45.3 بالمائة حسب نفس المصدر.

نجاح لم يخل من مشاكل وقضايا رافقت بثه

وأثار مسلسل "علي شورب" منذ بثه ردود فعل وجدلاً واسعاً، حيث أكد الفنان المنذر الجريدي في تصريح لـ"عربي بوست" إنّ تقديم عمل حول شخصية "شورّب" فكرته بالأساس، وأن حقوق التأليف محفوظة، لكن قناة التاسعة قامت بتحويله إلى عمل تلفزي دون استشارته.

و أعلن المنذر الجريدي أنّه رفع قضية في الغرض، مؤكّداً أنّ ما تمّ تقديمه في الحلقات التي بُثت الى حد الآن من المسلسل يحتوي الكثير من المغالطات حول الشخصية الرئيسية مستغرباً "ادّعاء" الجهة المنتجة أنّهم قاموا ببحث حول تفاصيل "شورب" طوال 5 سنوات.

من ناحيته، كتب المؤرخ عادل يوسف حسب ما نشرته جريدة الوطن، أن شخصية علي شورب الحقيقية بعيدة كل البعد عن الشخصية التي تناولها المسلسل ومن غير المعقول تماماً أن نقارن بينهما وهو ما لا يمكن تشجيعه أو قبوله لأنّه إذا قبلناه يدخلنا في أزقة تاريخيّة ليس لها منافذ سليمة قد تؤدي بنا الى تشجيع شبابنا على الانحراف وعدم التفريق بين شجاعة الشجعان والتحلي بالروح الأخلاقيّة العالية ونبذ كل من تسول له نفسه الاعتداء على الغير سواء بالعنف اللفظي أو الجسدي ونبذ الرذيلة والتمرد على حياة المجتمع والأفراد لغايات غير إنسانية وغير شريفة وبث الرعب في شوارع مدننا وقرانا لتصبح غير آمنة يهجرها أبناؤها وزائروها..

القناة المنتجة تعرض أموالاً على عائلة "شورب" لتتراجع عن مقاضاتها

كما أكدت أمينة دينوس ابنة شقيقة علي شورب لـ "عربي بوست"، أن المسلسل تضمن الكثير من المغالطات وشوه صورة خالها ولم يقدم صورته الحقيقية ولم يتم استئذانهم قبل إنجاز هذا العمل، لذلك طالبوا بإيقاف بثه.

وقالت دينوس إن قناة التاسعة الخاصة التي أنتجت المسلسل عرضت عليهم أموالاً، لم تذكر قيمتها، ليتراجعوا عن مقاضاتهم، مشيرة إلى أنهم سيرفعون قضية ثانية يطالبون فيها بتعويضات للضرر المعنوي الذي سببه المسلسل للعائلة.

 وقد قررت الدائرة المدنية الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، بتاريخ 25 ماي 2018 ،رفض الطلب الذي تقدم به محامي ورثة علي شورب بإيقاف بث المسلسل الذي يتناول شخصية شورب على قناة التاسعة.

و أوضح دفاع القناة أن المسلسل عمل فني لا يخلو من الخيال والدراما وليس عملاً توثيقياً، دقيقاً لحياة على شورب لذلك.

و أثبت المسلسل جانباً من التناقض لدى التونسيين الذين ينتقدونه ويشاهدونه في الآن نفسه، ويرفضون أن يشاھده أطفالھم ولا يمنعونھم من الجلوس أمام التلفاز.

تحميل المزيد