مجنون الخط العربي.. يرسم على أي سطح تصل إليه يداه، حتى أجساد الرياضيين كان لها حظ من ألوانه

ولد بلال في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، بينما كان الأطفال يقضون إجازاتهم في اللعب بالكرة كان يرتاد هو المراسم والخطاطين في بلدته

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/05 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/29 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش

لولا زيارات قوس قزح، لنا أخوة خلف هذا المدى أخوة طيبون يحبوننا.. ينظرون إلينا  

ويبكون ثم يقولون في سرهم ليت هذا الحصار هنا علني ولا يكملون العبارة.. عبارات درويش التي عاشها الفلسطينيون كلها مجتمعة، في الحصار وفي النضال ووقت المقاومة وحتى في لحظات الحب العابرة استقى منها الفنان الفلسطيني بلال خالد لتكون عنواناً لمخطوطات رسمها بالخط العربي على جدران الحوائط في قطاع غزة المحاصر الذي احتضن طفولته، مازجًا بين فنه الذي برع فيه و أسس منه مدرسة فنية مستقلة وبين حالة المقاومة التي يعيشها أبناء شعبه ليكوّن لوحة فنية متجانسة.

حوائط تتحدث ثورة

ولد بلال في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، بينما كان الأطفال يقضون إجازاتهم في اللعب بالكرة كان يرتاد هو المراسم والخطاطين في بلدته، يراقب حركات أصابعهم بينما كانوا يرسمون ويقلد كل ما يراه، عشرة أعوام قضاها بين الفرش والألوان والريش والبوص المستخدم في الكتابة ليخلق نوعاً فنياً خاصاً حدثنا عنه في  تفاصيل هذا التقرير

يقول بلال لعربي بوست "كنت أتابع منذ طفولتي الخطوط بشغف، وبدأت في صنع نوع في الكتابة معتمدة على تطوير شكل الحروف التي استقيتها من كل الخطوط العربية، كتبت فترة بالإنكليزية لكني وجدت أن اللغة العربية ثرية جداً، أنا مؤمن جداً بالمقولة التي قالها بابلو بيكاسو "إن أقصى نقطة وصلت إليها في فن التصوير سبقني الخط العربي إليها منذ وقت طويل"

يضيف "البيئة التي نشأت بها ساعدتني على تنمية موهبتي، بداياتي كانت مع الانتفاضة الثانية والخط كان يستخدم على الحوائط بشكل دائم، رسائلنا للاحتلال وعبارات المقاومة ونعي الشهداء، كلها موجودة على جدران الحوائط فكنا نثور ونفرح ونحزن على الجدران"

حياة من قلب الموت

يجيد خالد بث الحياة في كل ماهو على مشارف الموت، على الجدران المتهالكة، وعلى الأطراف الصناعية التي يستعيض بها أصحابها عما فقدوه من أجسادهم يلون بريشته ليجمل كل ما بدا للوهلة الأولى قبيحاً، يقول خالد لـ"عربي بوست" كنت في زيارة لأحد أصدقائي ووجدت عنده صديقاً له أصيب في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2012، قال لي أنه يتابعني جيداً ويحب أعمالي الفنية وأثناء حديثنا فوجئت أنه يستخدم ساقاً صناعية بعدما سقط صاروخ على منزله واضطر للخضوع لعملية بتر ،عرضت عليه أن أكتب له عليها ووافق فوراً.

على جدران المخيمات

يجد بلال طريقه بين جدران المخيمات، بدءاً من مدينته الفلسطينية وإلى مخيمات اللاجئين السوريين ومنها إلى زيمبابوي يقول "أنا لاجئ، أهلي هُجروا منذ 48 وأعرف جيداً حياة اللجوء، فالأولى أن أدعم من هم مثلي ويشبهوني، أردت أن أخلق حياة في أماكن فترت أرواح أصحابها.

أفضل من أزين جدران المدينة ومن خلال الفن الذي أقدمه ألفت النظر إلى المخيمات، حين تنشر لي الصحف رسومات ستذكر اسم المخيم بالتأكيد وبذلك أكون قد سلّطت الضوء بشكل مختلف على قضية اللاجئين في أي مكان"

مجنون الخط

يرسم  بلال على أي سطح فارغ يقع تحت يديه، يستغل أي مساحة للرسم في أي مكان يتواجد فيه حتى في الأماكن العامة ويشتري كل أنواع الفرش والبوص والريش والأقلام لتناسب جميع الأسطح، على الشنط والأحذية وأجهزة الهواتف النقالة والسيارات والملابس وأجساد لاعبي كمال الأجسام.

أنا مجنون بالخط العربي يقول بلال، مثلما مولع محمد صلاح بالكرة أنا مولع بما أفعل، أسعد أوقاتي وأنا غارق في الدهان وأصابعي ممتلئة بالألوان وأرسم ، أشعر وكأنني في عالم آخر مفصول عن محيطي.

علامة خاصة

يتجه بلال لتأسيس ماركة خاصة به تحمل رسوماته المطبوعة على ملابس المحجبات بعد أن تعاقد مع مصممة أزياء لبنانية، إذ يطبع الخطوط على الأقمشة ويرسلها إليها لتصمم بها موديلاتها الخاصة.

سقط الحب على المداخل

لوحة رسمها  للطفل الفلسطيني محمد أيوب (14 عاماً) الذي استشهد في المواجهات الأخيرة (مسيرات العودة الكبرى) مع الاحتلال الإسرائيلي، قال إنها من أكثر اللوحات

التي تأثر بها بينما كان يرسمها.

في حديثه لعربي بوست يقول "تأثرت جداً بالقلب الذي رسمه محمد على ملابسه بشكل طفولي، هزّني القلب أكثر مما هزّني موته، ربما لأنني اعتدت على مشاهد الموت لكن الحب كان اللافت في المشهد، الحب العفوي الذي يكون في مهده الأول نعبر عنه بهكذا خطوط عشوائية، لقد قتلت إسرائيل الحب قبل أن تقتل الأطفال".

إحنا فرح الأبطال

لوحة بعنوان "إحنا فرح الأبطال" رسمها الفنان الفلسطيني ضمن مجموعة من الصور التي تحولت لأيقونات خلال المواجهات الفلسطينية مع قوات الاحتلال وصور الشهداء مضيفاً إليها زخارف وعبارات وجملاً شعرية تعبر عن الحالة التي يقول إنه يعيش فيها عندما تقع عينيه على الصور.

مشروع تصوير

في أواخر عام 2009 اتجه لتعلم التصوير، لكي يعتمد على نفسه في تصوير منتجاته وعرضها، ومن مصور لمنتجاته إلى مصور حرب ثمة حكاية أخرى.

أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وثق بلال بكاميرته صوراً للخارجين من تحت أنقاض المنازل المهدمة، لكنه وبعد انتهاء الحرب عاد وبحث عن أبطال صوره، عامان من البحث والعمل على مشروع لإعادة تصوير الأشخاص ذاتهم لتصويرهم وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ليوصل رسالة أن غزة تنبض بالحياة رغم رائحة الموت التي تزورها كل حين.

إحياء التراث

من بين مئات الفنانين الأتراك ،اختيرت تصاميم الفنان الفلسطينيي التي رسمها على جدار مسجد الفاتح بمدينة إسطنبول كشعار رسمي لمؤتمر الحفاظ على التاريخ العثماني الذي أقامته البلدية ولقي تكريماً أضيف إلى الجوائز التي حصل عليها في مسابقات الخطوط العربية والتصوير.