عاشت الجوع واختبأت في قبو مليء بالفئران.. قدوة آنجلينا جولي التي غيرت مقاييس الأنوثة

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/30 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/01 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش

ليست فقط واحدة من أجمل نساء هوليوود وأكثرهن موهبةً وحضوراً، لكنها المرأة التي حملت في كهولتها أطفالاً سوداً منكوبين على كتفيها، تاركةً وراءها إرثاً أكبر من أفلامها التي لا تُنسى.

إنها الفاتنة البريطانية أودري هيبورن، المرأة الجميلة التي لم تستطع فهم سبب اعتقاد الناس أنها جذابة، والتي اقتدت بها النجمة آنجلينا جولي في اهتمامها بالقضايا الإنسانية، ومساعدة المتضرِّرين من الحروب والأزمات.

هذه الفنانة الأرستقراطية صاحبة أشهر دور في السينما للفتاة السوقية، تحل ذكرى ميلادها الـ 89، في 4 مايو/أيار من هذا العام.

في هذا التقرير نلقي الضوء على نشأتها الصعبة، رغم أصولها الاجتماعية الراقية، والتي عاشت خلالها حياة قاسية لا تختلف كثيراً عن تلك التي عانى منها اللاجئون الذين تعاطفت معهم.

أودري هيبورن تعود للحياة "رقمياً" في إعلان للشوكولاتة

تلميذة الباليه التي تهرب من النازية إلى هولندا

أمها كانت بارونة هولندية، ووالدها رجل أعمال من أصول بريطانية – نمساوية، بينما هي وُلدت في العاصمة البلجيكية بروكسل في 4 مايو/أيار 1929.

أرسلتها والدتها لمدرسة بريطانية في لندن، لتُبعدها عن ميول والدها الفاشية، حيث تعلَّمت الباليه، وخلال تلك الفترة انفصل والداها.

بدأت حياة الشقاء، بعد أن أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في 1939، فانتقلت مع أمها إلى مدينة آرنهايم الهولندية، على أمل البقاء آمنتين، لأن هولندا كان يتوقع أن تبقى محايدة، لكن لم يبق بلد أوروبي تقريباً آمناً من هتلر، إذ تم غزو المدينة من الجيش الألماني. 

عاشت المراهقة أودري في هولندا جحيم الغزو النازي في نوفمبر/تشرين الثاني 1944 حتى مايو/أيار 1945، وهى الفترة التي عُرفت في التاريخ الهولندي بشتاء الجوع، واختبأت أودري في قبو رطب مليء بالفئران مع قليل من التفاح والخبز.

بدأت في المعاناة الشديدة بسبب ظروف الحرب، حيث عاشت في خوف من تعرضها للاختطاف ونقلها إلى بيت دعارة عسكري كما حدث مع فتيات أخريات.

أصيبت أودري بسوء التغذية، لكنها استمرت في تعلم الباليه، وبدأت في العام 1944 بتقديم بعض العروض مقابل المال، لكن في أماكن سرية، خشية أن تهاجم، ولتجنُّب القبض عليهم كان الجمهور يتجنب التصفيق، وفِي الوقت ذاته كانت تساعد المقاومة ضد النازية بما تربحه.

الحاصلة على الأوسكار من أول بطولة

ظهرت أودري في عدة أدوار صغيرة في بدايتها الفنية، قبل أن تصل إلى البطولة. وبشعر قصير وحاجبين كثيفين وقفت أمام الكاميرا للمرة الأولى، فأثارت الدهشة والصدمة. وعرض استوديو "باراماونت" الذي تعمل لديه إصلاح أسنانها، ورفضت هيبورن كما رفضت تخفيف الحاجبين.

وهكذا ألهمت هيبورن بعد ظهورها في فيلم "رومان هوليداي" جيلاً كاملاً من الشابات بالتوقف عن محاولات تكبير الصدر، والإصرار على الكعوب العالية.

فرصة البطولة الأولى كانت فيلم Roman Holiday الذي كان قفزة هائلة بالنسبة لها.

يحكي الفيلم قصة الأميرة آن، التي ملَّت من الواجبات الملكية، وأرادت فقط أن تمضي بعض الوقت بمفردها تتجول بين الناس، تفعل ما يحلو لها بعيداً عن الحياة الروتينية، المحكومة بجدول مواعيد يحدد كل خطوة، فتهرب ذات ليلة وتلتقي بالصحفي جو برادلي، وتنشأ بينهما قصة حب.

أراد المخرج ويليام وايلر تصوير الفيلم بالكامل في روما، فطلب الإنتاج ممثلة غير معروفة؛ حتى لا ترتفع الميزانية المخصصة للفيلم.

 وبالفعل اختيرت أودري هيبورن بعد قيامها بتجربة أداء أعجبت الجميع، وكان من المقرر كتابة اسمها على ملصق الفيلم بخط صغير، ولكن غريغوري بيك الذي شاركها البطولة نصحهم بأن يضعوا اسمها بجوار اسمه، لأنها غالباً ستفوز بالأوسكار عن هذا الدور، وستنطلق نحو النجومية من وجهة نظره، فاستجابوا لنصيحته، وبالفعل فازت أودري بأوسكار أفضل ممثلة في العام 1954.

الفتاة المرحة أصبحت امرأة ناضجة طاغية الأنوثة

بعد مرور سبع سنوات من حصولها على جائزة الأوسكار، أدت أودري الدور الأيقوني الأشهر في تاريخها الفني، فما إن يُذكر اسمها حتى يتذكر الجميع Breakfast at Tiffany's.

أراد مؤلف الفيلم ترومان كابوتي أن تقوم  مارلين مونرو ببطولته، لكنها رفضت، وبعد عدة اقتراحات أصبحت البطولة من نصيب أودري. القرار الذي لم يكن كابوتي سعيداً به على الإطلاق، تحوّل ليصبح أهم أفلام أودري، وترشحت عنه للأوسكار.

Breakfast at Tiffany's 1961

 

ربما يبدو الفيلم للوهلة الأولى مجرد فيلم رومانسي كوميدي آخر، لكن مَن تابع مسيرة أودري سيدرك درجة التمكن والنضج الفني التي تطلَّبها هذا الدور وبرعت هي فيه. تحولت أودري من الفتاة المرحة التي اعتادت تقديمها فيما قبل، وأصبحت امرأة ناضجة طاغية الأنوثة.

قامت هيبورن بدور هولي الفتاة التي تعيش في نيويورك، وتحب حياة الترف والسهر، لكنها تعيشها خالية من أي ارتباطات، وعندما تشعر بالحزن تذهب إلى تيفاني، متجر المجوهرات الشهير.

تيفاني بالنسبة لها هو المكان المثالي للعيش، حيث لا شيء سيئاً يمكن أن يصيبك هناك، وتتضح الخلفية التي تأتي منها هولي مع تطور الأحداث، ونرى جانباً درامياً في حياتها، استطاعت أودري أن تقنعنا به دون مبالغة أو استجداء.

سليلة النبلاء صارت أشهر فتاة سوقية!

حتى البطل الذي وقف أمامها كان يخشى فشلها، إذ اعتقد كثيرون أن هذا الدور كان بمثابة تحدٍّ لإمكانات أودري هيبورن التمثيلية، ويتناقض مع شخصيتها وأصولها.

فريكس هاريسون الممثل الذي قام بدور البطولة أمام أودري في فيلم My Fair Lady الشهير، لم يكن متحمساً لها مطلقاً؛ لأنها تنحدر من طبقة النبلاء في أوروبا، وبالتالي لن تتمكن من القيام بدور فتاة سوقية.

 وأراد هاريسون أن تشاركه جولي أندروز دور البطولة، لأنهما قاما بتمثيل المسرحية معاً من قبل في مسرح برودواي، ولكن رفض المنتج اقتراح هاريسون وأبدعت أودري في دورها، وأُعجب هاريسون بأدائها.

 الفيلم مقتبس من مسرحية بغماليون للكاتب جورج برنارد شو، ويحكي قصة إليزا دوليتل، الفتاة السوقية الصاخبة التي تبيع الورود، تلتقي ذات يوم البروفيسور هنري هيغنز، المتخصص في علم الصوتيات، ويراهن على أنه يستطيع أن يعلمها أن تتحدث بلغة إنكليزية صحيحة، تمكنها من مُخالطة طبقات المجتمع العُليا خلال ستة أشهر.

وبالفعل، تقرر إليزا أن تلجأ له ليعلمها، ونشاهد أودري وهي تتحول في عدة مشاهد من الفتاة السوقية إلى سيدة بالغة الرقي تتحدث بلباقة.

أودري التي كانت في حياتها، وفي كل أدوارها تقريباً مثالاً للرقي واللباقة، استطاعت أن تقنعنا بأنها فتاة سوقية، لغتها غير مفهومة، صاخبة، تفتقد كل مقومات سيدات المجتمع المتأنقات.

سفيرة النوايا الحسنة تساعد ضحايا الحرب والمجاعات

"أستطيع أن أشهد بما تعنيه اليونيسف للأطفال، لأنني كنت من بين هؤلاء الذين تلقوا الطعام والرعاية الطبية بعد الحرب العالمية الثانية. أنا ممتنة لليونيسف وأثق بما يفعلونه"، هذا ما قالته أودري تعقيباً على تعيينها سفيرةً للنوايا الحسنة في اليونيسف في العام 1989، كان واضحاً أن معاناتها تحت الحكم النازي أثرت فيها كثيراً وشكّلت شخصيتها.

وبعد تعيينها بفترة وجيزة ذهبت أودري في مهمة ميدانية لإثيوبيا، حيث تسببت سنوات من الجفاف والحرب الأهلية في حدوث مجاعة رهيبة. ثم أمضت سنوات حياتها التالية بين رحلات ميدانية لعدة أماكن حول العالم، منها السودان وفنزويلا والإكوادور وغيرها.

وقد ركزت هذه الرحلات على الأطفال المتضررين من الكوارث والأزمات، ومحاولة تقديم الرعاية  الطبية وتوفير الغذاء والمياه الصالحة للشرب والتعليم.

وعادة عندما تنتهي رحلة ميدانية لأودري تعود لإجراء العديد من اللقاءات التلفزيونية والحوارات الصحفية وجمع التبرعات.

تقاوم المرض الشرس حتى النَفَس الأخير 

مرضت أودري بشدة في العام 1992، لتكتشف أنها مصابة بالسرطان، وأجرت عملية جراحية وخضعت لجلسات العلاج الكيماوي، لكنها مع ذلك أكملت نشاطها باليونيسف، ولم تتردد لحظة في الذهاب لأي مكان لتقديم ما تستطيع من مساعدة.

وكانت تعمل بمقولتها الشهيرة "عندما تتقدم في العمر تدرك أن لديك يدين، واحدة لتساعد بها نفسك، والثانية تساعد بها الآخرين".

تقلدت هيبورن أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة، وسام الحرية الرئاسي، في ديسمبر/كانون الأول 1992، وتوفيت في 20 يناير/كانون الثاني 1993.

كُرِّمَت بعد وفاتها بمنحها جائزة جان هيرشولت الإنسانية، التي تسلمها ابنها، ثم أُزيحَ الستار عن تمثال روح أودري داخل مقر اليونيسف بنيويورك عام 2002 تكريماً لإرثها في العمل الإنساني.

إنها الجميلة التي تعتقد أنها نحيفة جداً بأنف كبير: أودري

لديها أنف كبير وقدمان كبيرتان، نحيفة جداً في منطقة فوق الخصر، هذا ما كانت تعتقده أودري عن نفسها، حسب ابنها لوكا دوتي.

فرغم جمالها الأرستقراطي الأخَّاذ وموهبتها الفنية، فإن التأثير الأهم الذي تركته أودري هو إرثها في العمل الإنساني، الذي ألهم كثيرات من النجمات.

أنجيلينا جولي مثال على ذلك، فقد اختيرت في العام 2001 سفيرة للنوايا الحسنة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حتى تم تعيينها كمبعوث خاص منذ العام 2012. لا تتوقف جولي عن زيارة المخيمات وتقديم المساعدة والتبرعات.

وتؤكد دائماً على أهمية العمل الإنساني، وتأثيره الشديد على تغيير طريقة تفكيرها ونظرتها للحياة.

وعندما سُئلت عن كونها خليفة أودري هيبورن في العمل الإنساني، قالت "أنا محظوظة لقدرتي على العمل في هذا المجال، وأظن أن أودري كانت تشعر بذلك أيضاً".

تحميل المزيد