توقف تصوير عمل سينمائي تاريخي جزائري.. والسبب العلم الفرنسي!

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/17 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/17 الساعة 17:23 بتوقيت غرينتش

لم يكن المخرج الجزائري جعفر قاسم يتوقع أنه حين أمر طاقم التصوير برفع العلم الفرنسي على سطح إحدى البنايات القديمة في ولاية عين تشمونت (شمال غرب الجزائر)، يتسبب في أزمة حادة مع سكان المنطقة.

اللقطة التمثيلية التي كانت جزء من مشهد في فيلمه الجديد "هيليوبليس"، والذي تدور أحداثه حول مجازر 8 مايو/أيار 1945 إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، دعت أهل المنطقة للتجمهر والتظاهر حول مقر البلدية الذي حاول قاسم رفع العلم عليه.

"لا نريد الإهانة"

المتظاهرون اعتبروا رفع العلم الفرنسي إهانة لتاريخ منطقة "المالح" التي شهدت سقوط أول شهيد بالولاية في أحداث مايو/أيار 1945، وهو برحو قادة، مصنفين ذلك في خانة المساس برسالة الشهداء المقدسة.

أسامة عبد الودود، رئيس جمعية "الأصالة" بعين تيموشنت وأحد المشاركين في الاحتجاج الأخير، اعتبر اللقطة مستفزة لأهالي المنطقة، خاصةً العائلات الثورية.

وذكر في حديثه لـ "عربي بوست" أن البناية التي يريد طاقم التصوير والمخرج رفع العلم الفرنسي فوقها، كانت مركزاً للتعذيب، "وفيها استشهد عدد كبير من أبناء الوطن، ورفع العلم الفرنسي فوق البناية إهانة لدمائهم".

الجمعية لم تكن وحدها التي عارضت الفكرة، يضيف عبد الودود، "بل كل المنطقة، برجالها وشيوخها وأطفالها".

وبعد تطرق وسائل إعلام محلية للحادث، حاولت السلطات محاورة المحتجين وإقناعهم بالعدول عن رأيهم وترك المصور يقوم بعمله الذي يوثق لإحدى الفترات التاريخية.

رفعه مقابل حرقه

اشترط المحتجون من أبناء "المالح" التي يتم تصوير فيلم "هيليوبوليس" بها على المخرج، إدراج لقطة في الفيلم، يتم فيها حرق العلم الفرنسي بعد تنكيسه مباشرة، الأمر الذي لم ترد عليه السلطات ولا المخرج بالسلب ولا بالإيجاب، واكتفى أحد التقنيين بالتوضيح بأن الفليم يخضع لمراحل تصوير وسيناريو دقيق أشرف عليها مختصون في التاريخ.

من جانبه، قال رئيس جمعية "الأصالة" أسامة عبد الودود إن "حرق العلم حقيقة أثبتها الثوار بالمنطقة، ومن حقهم مشاهدة هذه الحقيقة في الفيلم".

مجرد تمثيل

صحيفة "الشروق" الجزائرية قالت إن ممثلي الهيئة التنفيذية بالمالح، تنوي الاجتماع بممثلي السلك الأمني والدرك الوطني وكل الأطراف المعنية بالفليم، من أجل التحكم في الوضع ومباشرة التصوير من جديد.

واعتبرت السلطات اختيار المالح للتصوير شرفاً للمنطقة، كما اعتبرت أن الفيلم سيساهم بدر أموال إضافية إلى هذه البلدية الفقيرة، وهو في نظرها أمرٌ إيجابي.

كما نقلت الصحيفة عن مصدر في طاقم التصوير، أن لقطات رفع العلم كان مقرر تصويرها في 24 و25 أبريل/نيسان 2018، وهي مشاهد تمثيلية ولا تمت بصلة لأي اهانة أو مساس بالسيادة الجزائرية.

توثيقٌ لتاريخ "الاحتلال الأسود"

مديرة إنتاج شركة "برود أرت فيلم" مريم مفتاحي – التي تشرف على تصوير وإنتاج الفيلم -، أكدت تعرض الطاقم العامل لمحاولة منع التصوير مستغربة أسباب الاحتجاج وطريقته.

وأضافت لـ "عربي بوست" أن "تصوير فيلم يعتمد على لقطات تطابق التاريخ المكتوب، والتاريخ يؤكد بأن المنطقة كانت محتلة، والعلم الفرنسي كان بها، والأكيد أن هذا العلم سيتم إزاـته مباشرة بعد الانتهاء من التصوير. الجزائر استقلت في 5 يونيو/حزيران 1962، ولا أحد يمكن أن ينكر هذه الحقيقة، والحمد لله نحن ننعم بالاستقلال والهناء، ونقوم بتوثيق تلك الفترة السوداء في ظل الاستعمار الفرنسي".

أما عن مطلب حرق العلم الفرنسي فقالت، "إدراج مشهد في الفيلم، عن قيام الأهالي بحرق العلم إبان الحرب التحريرية شاهدناه في أكثر من فيلم، وقد يتكرر في لقطات (هيليو بوليس)، لكن أن نحرق العلم خارج المشهد ويتم تصويره ونقله عبر مواقع التواصل فذلك مساس بعلاقات الدول".

انعدام مدن للإنتاج

الناقد السينمائي الجزائري محمد علاوة حاجي اعتبر أن الواقعة تعكس تماماً حاجة الجزائر والمشهد السينمائي عامةً إلى مدن للإنتاج، "فالمخرجون الجزائريون يعانون في التوثيق للمشاهد في شتى مجالاتها لغياب مدن للإنتاج السينمائي، وتجعلهم يتصرفون في الديكور والخلفيات كما يحدث في مختلف الدول العربية والأجنبية".

وأضاف "هذه الأمور تستدعي البعض للجوء إلى بعض الدول لتصوير مشاهد من أفلام ومسلسلات، وهو ما حدث الموسم الماضي مع المخرج جعفر قاسم، الذي صور مسلسله (عاشور العاشر) في تونس".

هيليوبوليس

و"هيليوبوليس" هو أضخم عمل ثوري يوثق لإحدى المحطات التاريخية في الجزائر، وهي مجازر 8 مايو/أيار 1954 التي تسببت في اندلاع الثورة على الاستعمار الفرنسي بعد قتل 45 ألف جزائري.

ويعد الفيلم أول تجربة للمخرج جعفر قاسم في الشق الثوري والتاريخي، باعتباره كان مهتماً بالمسلسلات الاجتماعية والكوميدية في الغالب، ويأتي إنتاجه بمساهمة من وزارة الثقافة.

وأطلق على الفيلم اسم "هيليوبليس" نسبةً لمنطقة تابعة لولاية قالمة شرق الجزائر العاصمة، وهي من المناطق التي عاشت هذه الأحداث، بالإضافة إلى سطيف خراطة وسوق أهراس، وركز المخرج على مشاهد درامية يتم تصويرها غرب البلاد باعتبارها ما زالت تحتوي على بنايات حافظت على طابعها المعماري الثوري.

أما عن مدة التصوير و الإخراج، فتؤكد منتجة الفيلم مريم مفتاحي أنه سيستمر قرابة 10 أشهر، وتم اختيار مناطق بسيدي بلعباس، وتلمسان، وعين تيموشنت، لتصوير مشاهد الفليم، الذي سيكون الأضخم في توثيق أحداث 8 مايو/أيار 1945.

وقد انتشرت مقاطع مصورة عبر فيسبوك لكواليس إنتاج الفيلم الذي أشعل الاحتجاجات.

علامات:
تحميل المزيد