أنطونيو بانديراس يجسد “مثله الأعلى” في مسلسل جديد

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/11 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/11 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش

انتهى الممثل العالمي أنطونيو بانديراس من آخر أيام التصوير في العاصمة المجرية بودابست لمسلسل Genius: Picasso أو "العبقري: بيكاسو"، الذي يؤدي فيه دور الفنان الإسباني. إذ صوَّر اليوم مشهد موت بيكاسو في العام 1973 داخل فيلته المعروفة باسم نوتردام دي في، إذ بُني بيتٌ شبيه بها في إحدى ضواحي العاصمة المجرية.

لكي يصبح شبيهاً ببيكاسو، قام بتبييض وجهه وحلق شعر رأسه وحاجبيه. قال بانديراس "أنا متعب، لكن كوني متعباً هو حالتي الطبيعية. فأنا أعمل وأعيش حياتي في هذه الحالة"، وفقاً لتقرير صحيفة The Guardian البريطانية.

لم يساعد المشروع الممثل الإسباني على الخروج من هذه الحالة. إذ قال، "هناك نوعان من التعب: تعبٌ يومي لأني آتي هنا في الرابعة صباحاً لأبدأ عملية التجميل لمدة أربع ساعات، والتعب الذي بدأ في شهر أكتوبر/تشرين الأول حتى وقتنا هذا، وهو تعبٌ لمدة طويلة، إنه تعبٌ ذهني أكثر من أي شيء آخر".

حتى وبانديراس في عمر الـ 57، مُحمَّلاً بالإجهاد الذهني أو بأي إجهادٍ آخر، بلا شعرٍ ولا حواجب، فإنَّه ما زال نجماً سينمائياً. إذ تحوَّل المظهر الصبياني المكتئب القاتم الذي منحه وسم العاشق اللاتيني إلى صورةٍ أنضج.

تشابه بانديراس وبيكاسو

وقال بانديراس، "حين بدأت أرى لوحاته، كان الشيء الذي سحرني حينها، عندما كنت صغيراً في السابعة أو الثامنة من عمري، هو نفس الشيء الذي يسحرني الآن: البراعة التي يبرزها في الأساليب المختلفة. يوجد رسامون بارعون كُثُر مثل هنري ماتيس، وجورج براك، وخوان غريس، لكن لا أحد منهم يملك القدرة على الخوض في الأساليب المختلفة والخروج منها كلها بنجاح".

ويتشابه بانديراس وبيكاسو في هذا الصدد. إذ بدأ بانديراس في المسرح بمدينة ملقا بعد إصابة أنهت آماله في احتراف كرة القدم، ثم انتقل إلى العاصمة الإسبانية مدريد وشاهده في الشارع المخرج بيدرو ألمودوبار. قبل أن يعمل الثنائي معاً في خمسة أفلام. رسَّخت الأفلام الخمسة مكانة ألمودوبار باعتباره أبرز صانع أفلام إسباني مرموق على المستوى الدولي، ووضعت بانديراس تحت أنظار هوليود.

يصف بانديراس بيكاسو بأنَّه "مثله الأعلى"، ومصدر إلهام له، وشخصٌ اعتبر بانديراس مجرد وجوده علامةً على المقاومة في بلدٍ كان خاضعاً لحكم ديكتاتورٍ فاشي حين كان بانديراس طفلاً.

ويقول: "وُلِدت في مدينة فرانكو بإسبانيا، لم يكن لدينا أبطالٌ دوليون في إسبانيا، ليس في ملقا على وجه التحديد. لكنَّ إخفاء بيكاسو كان أمراً صعباً على النظام الحاكم. صحيحٌ أنهم استطاعوا إخفاء حقيقة انتمائه إلى الحزب الشيوعي، لكنَّه عجزوا عن إخفاء هذا النجم المضيء المشع بقوة".

وما زال هذا النجم ساطعاً. ففي الأسبوع الذي التقينا فيه بانديراس، افتتح معرضٌ ضخم في متحف تيت مودرن بالعاصمة البريطانية لندن، وبيعت 13 لوحةً لبيكاسو مقابل 113 مليون جنيه إسترليني (159 مليون دولار) في صالتي سوذبيز وكريستي للمزادات.

اضطرابات بيكاسو تجاه النساء

ولكن، تخضع حياة بيكاسو الخاصة – سيما تعاملاته مع النساء – لإعادة تقييم. إذ كتب أحد النقاد أن عالم الفن تجاهل اضطراباته الشخصية تجاه النساء بهدف "فصل الفن عن الفنان"، بينما قال ناقدٌ آخر: "غالباً ما يُقلِّل الناس من قيمة عنفه أو يبررونه بطريقةٍ غير مباشرة". ولم تظل بعض تعليقات بيكاسو على النساء بأنَّهن "آلات للمعاناة"، و إمَّا "آلهة أو ممسحات أرجل" في ذاكرة الناس طويلاً.

ولكن في حقبةٍ تشهد حملاتٍ للدفاع عن حقوق النساء مثل حملة #MeToo التي تسعى للقضاء على الاعتداء والتحرُّش الجنسي ضد النساء، هل يعني تعامل بيكاسو مع النساء أنَّ علينا الحذر في الاحتفاء به؟

يقول بانديراس "علينا أن نكون منصفين؛ لا يمكننا اتهام الناس بأمورٍ لم يفعلوها. يمكنك القراءة عن بابلو بيكاسو، وعن أحداثٍ جارية في مقالاتٍ أو كتب كتبها أشخاص مختلفون بآراء مختلفة. فلو أديت فيلماً عن أبي، وفعل أخي الأمر نفسه، سيكون الفيلمان مختلفين، إذاً، فمن يجب أن نُصدِّق؟".

وتحدث بانديراس مع مايا ويدماير بيكاسو ابنة الفنان الراحل في أثناء البحث الذي أجراه من أجل تقمُّص الدور، فأخبرته بأنَّ أباها كان خيِّراً لكنَّ خطاياه كانت الخيانة الزوجية، وعادة هجر النساء بعد أن يفرغ منهن. جديرٌ بالذكر أنَّ علاقات بيكاسو الأفلاطونية المحترمة مع المصورة الأميركية لي ميلر، والأديبة الأميركية جيرترود شتاين تُعَد رواياتٍ مضادة للقصص التي تصوِّره على أنَّه رجلٌ يكره النساء بوحشية.

ويعارض بانديراس مزاعم العنف الجسدي قائلاً إنَّه لا يوجد دليل حقيقي عليها. وأضاف: "حين نتحدث عنه، فنحن نتحدث عن كوكبٍ ذي جاذبية هائلةٍ لا يمكنك الخروج منها، وهذا مؤلم جداً، لا سيما حين يظهر قمرٌ آخر فيصبح هو المفضل وتخرج أنت من المدار. هذا يضايق أناساً كثيرين، لكن ليس لدينا أكثرمن هذا".

بانديراس وإقليم كاتالونيا

كيف يرى بانديراس الموقف الذي كان بيكاسو ليتخذه من مشكلة استقلال كاتالونيا إذا كان على قيد الحياة؟

أجاب بانديراس: "أظن أنَّ بيكاسو كان ليقف في صف القانون والدستور". حقاً؟ أهذا هو رد الرجل الذي عاش ضمن دوائر الاستقلال حين كان في برشلونة، وكره صورة إسبانيا المتمثلة في مدينة فرانكو كرهاً جمَّاً لدرجة أنَّه لم يعد إليها قط؟"

فأضاف: "أعتقد ذلك، فهذا هو الجانب الذي أقف فيه. أفهم العاطفة التي يفكر بها الكثيرون، وأفهم الإرادة، والإرادة السياسية للعديد من الناس، لكنَّني أفهم أيضاً أن الدستور يسمح لهم بإمكانية الحصول على استفتاء حقيقي. ولكن تواجههم عقبةٌ اسمها الديمقراطية".

حسناً، لندع بيكاسو جانباً، ما رأي بانديراس في العنف الأخير الذي قيل إنَّه أسفر عن إصابة 900 في أثناء محاولة التصويت في الاستفتاء؟ فالاشتباكات كانت ذروة التوتر الذي حدث بعدما أعلنت مدريد أن الاستفتاء غير قانوني وغير دستوري. فهل يمكنه هو وبيكاسو التغاضي عن ذلك؟

أجاب: "الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. سأقع في مشكلةٍ، ولكن إذا كنت أنت الشخص الذي يتخذ الأطفال والمسنين دروعاً بشرية ويخرق القانون، فلا بد أنَّك ستؤذي أطفالي وجدي. وهذا ليس أمراً مضحكاً".

وتساءل: "أصيب 900 شخص، فأين كانوا؟"، مُردِّداً بذلك رأي بعض الناس الذين يشككون في التقارير المتعلقة بحدوث عنف، من بينهم بيتر بريستون الصحفي البريطاني.

ليست سيرة تقديسية

وَعَد بانديراس بأنَّ مسلسل بيكاسو لن يكون سيرةً تقديسية، بل سيظهر كل جوانب الفنان: العبقري والأب و"المينوتور"، وهو اللقب الذي أطلقه بيكاسو على نفسه. وقال إنَّ تكوين رأيٍ عن بيكاسو سيُترك للمشاهد في نهاية المطاف.

إنَّه عملٌ مهم لبانديراس، ليس فقط بسبب قُربه من موضوعه، لكن لأنَّه خطوته الحقيقية الأولى في أعمال السير الذاتية على شاشات التلفزيون، وطريق العودة إلى الأدوار الأكثر جدية في ظل دخول عمله التلفزيوني الثالث. جديرٌ بالذكر أنَّ مسلسل Einstein الذي عُرض ضمن سلسلة Genius رُشِّح لعشر جوائز إيمي. بالإضافة إلى أنَّ مسلسل Picasso هو أول عمل كبير لبانديراس منذ الأزمة القلبية التي أصابته في مقاطعة سري الإنكليزية في يناير/كانون الثاني من العام الماضي. وتحدَّث عن ذلك قائلاً: "أقول لك الحقيقة، كان الأمر مخيفاً. كان أمراً أعرفه من قبل، لكنَّك تراه أمامك حينئذٍ بوضوحٍ كبير، وهو أنَّ الموت أمر حقيقي جداً".

وعند سؤاله عمَّا إذا كانت هذه التجربة قد غيَّرته، قال :"توقفت عن التدخين، وأمارس العديد من الرياضات، وأتناول العقاقير التي وصفها الأطباء. تصوَّرت أنني سأتوقف عن العمل وقتاً أطول، لكنني قررت ألَّا أفعل ذلك لأنني كنت أفتقد حياتي المهنية وانتهى الأمر".

وختم "أحياناً أشكو وأشعر بأنني أحتاج إلى التوقُّف أو أخذ قسط من الراحة، لكن بعد يومين من الراحة أريد أن آكل نفسي حياً. هذا هو ما أفعله، هذه هي حياتي، لا أريد أن أعيش حياتي كما لو أنني ميت بالفعل. سأعيشها ببساطة، ولو مت، فالإنسان لا بد ميتٌ، هذا كل ما في الأمر".

علامات:
تحميل المزيد